عاد ملف تشكيل “اللجنة الدستورية” السورية إلى الأضواء مجدداً، بعد اجتماع جمع الأمم المتحدة والدول الضامنة لـ”اتفاق أستانة” (تركيا وروسيا وإيران) في جنيف الثلاثاء (18 ديسمبر).

ومن المفترض أن تصوغ هذه اللجنة دستوراً سوريّاً جديداً يضع حداً للحرب الطاحنة التي استنفدت موارد البلد وطاقاته على مدار 7 سنوات عجاف، وسيلي هذه الخطوة إجراءُ انتخابات عامة في سوريا بإشراف الأمم المتحدة.

وتعود مبادرة تشكيل اللجنة الدستورية إلى ما أُطلق عليه مؤتمر “الحوار الوطني السوري” الذي انعقد، في 30 يناير 2018، بمدينة سوتشي الروسية، ليوافق عليها لاحقاً المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا.

ضغوط أمريكية
الاجتماع الرباعي لم ينجح في إعلان تشكيل اللجنة، التي يُفترض أن تتكون من 150 عضواً: 50 من الحكومة، و50 من المعارضة، و50 من المجتمع المدني تختارهم الأمم المتحدة.

وعلِم “الخليج أونلاين” من مصدر سياسي كردي مُطّلع على المحادثات، أن عدم الاتفاق على أسماء أعضاء اللجنة سببه ضغوط أمريكية لفرض مرشحين في اللجنة يمثلون أكراد سوريا، حيث رفض المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، ستافان دي مستورا، مرشحي الدول الثلاث، مبرراً ذلك بعدم وجود توازن فيها، في حين حاول فرض مرشحين يمثلون الجانب الكردي داخل اللجنة، وهو ما قوبل بالرفض.

وقال المصدر، مفضلاً عدم ذكر اسمه: إن “خلافات بين الأمم المتحدة والدول الراعية لمسار أستانة حالت دون تشكيل اللجنة الدستورية، بسبب رفض إدراج ممثلين عن الأكراد ومناطق شرقي الفرات في القائمة الثالثة (قائمة ممثلي المجتمع المدني)، التي من المفترض أن يعدها دي مستورا”.

وأشار المصدر إلى أن “الولايات المتحدة تطالب بإدراج ممثلين عن الأكراد ومناطق شرقي الفرات، لكن روسيا وتركيا وإيران لم تدرج الأسماء التي اقترحتها واشنطن، الأمر الذي جعل دي مستورا يرى أن اللجنة الدستورية غير متوازنة، بسبب عدم مشاركة ممثلي جميع الأطراف”.

فشل الاجتماع
وقبيل انطلاق أعمال الاجتماع الرباعي في جنيف، أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أن الدول الضامنة لعملية أستانة تمكنت من الاتفاق على القوائم الـ3 للمشاركين في اللجنة الدستورية والذين سيمثلون المجتمع المدني السوري، وذلك بعد أن قدمت الحكومة والمعارضة السوريتان قائمتيهما للأمم المتحدة في وقت سابق من العام.

وقالت كل من تركيا وروسيا وإيران، في بيان مشترك عقب الاجتماع، تلاه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف: “اتفقت الأطراف على اتخاذ إجراءات رامية إلى عقد الجلسة الأولى للجنة الدستورية أوائل العام المقبل في جنيف”.

المبعوث الأممي إلى سوريا استافان دي مستورا

من جهته، قال دي مستورا: “يجب اتخاذ خطوات ماراثونية لتشكيل اللجنة الدستورية، وسأبلغ مجلس الأمن سير العملية الخميس (20 ديسمبر)”.

المحلل السياسي السوري أحمد حمادة قال معلقاً على نتائج الاجتماع: “البيان الذي صدر عن الدول الثلاث يؤشر على فشل الاجتماع في تشكيل اللجنة، وترْك الأمر للعام القادم ما هو إلا عملية تعويم تعوّدناها في مثل هذه الحالات، وسيبقى الأمر رهن المساومات بين الدول التي تتصارع على الساحة السورية”.

وأشار لـ”الخليج أونلاين” إلى أن “الروس والإيرانيين يتبنَّون رؤية النظام للحل، والنظام عبارة عن دمية في يد طهران وموسكو، وما قاله المُعلم بأن الدستور شأن سيادي سوري نسفه هذا الاجتماع”.

وتابع حمادة: إن “مشكلة تعقُّد الحل السياسي في سوريا تعود إلى أن الروس والإيرانيين والنظام يريدون تشكيل لجنة تمثل رؤيتهم”، معتبراً أن “المشكلة السورية برمّتها ليست مشكلة دستور وانتخابات، ولكن المشكلة تكمن بوجود نظام قمعي لا يعرف القانون ولا الدستور”.

وتعود الأزمة السورية إلى عام 2011، حين خرج عشرات الآلاف من السوريين إلى الشوارع، يهتفون بالحرية والكرامة، على وقع ثورات الربيع العربي التي انطلقت من أرياف تونس مروراً بميادين مصر.

وواجه نظام بشار الأسد المحتجين السلميين بالقمع والقتل وإطلاق الرصاص الحي، الأمر الذي حوَّل مسار الثورة الشعبية إلى العمل المسلح، قبل أن تتحول القضية السورية إلى صراع إقليمي ودولي، تسبب في مقتل أكثر من نصف مليون سوري وفق أرقام الأمم المتحدة، وتشريد أكثر من نصف السكان، وتدمير غالبية المدن السورية، وأصبحت البلاد ساحة حرب مفتوحة إقليمياً ودولياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *