أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on ماذا بعد قمة الجزائر؟ .. “الأولويات الوطنية ” تحرك أكثر عواصم المنطقة .. بقلم كمال بن يونس

ماذا بعد قمة الجزائر؟ .. “الأولويات الوطنية ” تحرك أكثر عواصم المنطقة .. بقلم كمال بن يونس

اختتمت القمة العربية في الجزائر بإصدار قرارات تضمنت خاصة تنويها بالصبغة الاستراتيجية لقضية فلسطين و” لم شمل” أغلب حركات التحرر الوطني الفلسطينية ” ، والدول العربية ..

وقد تضمنت رسائل الأمين العام للأمم المتحدة و عدد من قادة العالم ، بينهم الرئيس الروسي بوتين ، وكلمات الرؤساء والملوك والأمراء العرب داخل الاجتماعية وعلى هامشها ، دعوات إلى ” المصالحة ” بين الحكومات والشعوب وإلى ” تسوية النزاعات ” داخل ليبيا والسودان وسوريا واليمن وغيرها عبر ” الطرق السياسية ” وتنظيم انتخابات ديمقراطية …الخ

وكان واضحا أن بعض الكلمات ، وبينها مداخلات رؤساء تونس والجزائر وفلسطين ووفود المغرب وقطر والأردن والكويت حرصت على اعلان ” التمسك بالثوابت الوطنية العربية ” وعلى رأسها اعتبار ” الدولة الفسلطينية المستقلة وعاصمتها القدس ” شرطا لانجاح كل جهود تحقيق ” الامن الشامل في كامل الشرق الأوسط الكبير” ، الذي يمتد من المملكة المغربية ونجيريا إلى اندونيسيا مرورا بتركيا وايران وفلسطين والدول العربية ..

لكن ماذا بعد هذه القرارات ” القومية المشتركة “؟

هل ستنجح العواصم العربية فعلا في تشكيل ” لجان وزارية عربية ” تتنقل بين دول العالم وخاصة بين الدول العظمى ، من أجل تفعيل القرارات الأممية الخاصة بقضايا فسلطين والقدس منذ 1948 وحروب 1967 و1973 ؟

وهل تستنجح الدول العربية ال 21 بالتعاون مع الخمسين دولة إسلامية ومجموعة ” دول عدم الانحياز ” في إضفاء الصبغة الرسمية للدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة وفي توفير حاجيات الشعب الفلسطيني الملحة للدعم المالي ؟

و ستصبح دولة فلسطين فعلا ” عضوا كامل الحقوق” وليست مجرد عضو ” مراقب”؟

وإذا افترضنا أن الجمعية العامة أصدرت قرارا مماثلا لم يقابل ب” الفيتو” في مجلس الأمن ، فهل ستقبل حكومة اقصى اليمين المتطرف الجديدة في إسرائيل قرارات القمة العربية في الجزائر “برحابة صدر” ، وهي التي تضم شخصيات تنتمي رسميا إلى ” حركة صهيونية من أقصى اليمين ” سبق ان حوكم بعض زعمائها من قبل محاكم ومؤسسات إسرائيلية بتهم العنصرية والدعوة الى الإرهاب واحتلال كامل الضفة الغربية و طرد العرب من” فسلطين التاريخية ..”؟

++ لكن ماذا عن الملفات ذات الصبغة الثنائية في هذه القمة الإقليمية ؟

وكيف ستتأثر علاقات تونس بعدها بالدول المغاربية والعربية عموما وبالرباط والجزائر خاصة ؟

وهل ساهمت محادثات الكواليس على هامشها في الاتفاق على صفقات تونسية جزائرية وتونسية ليبية وتونسية خليجية خاصة في قطاعات المحروقات والمواد الغذائية والعلف ؟

وهل جرت في الكواليس جلسات عمل مباشرة وغير مباشرة لاحتواء ” الأزمة الديبلوماسية غير المسبوقة ” التي انفجرت أواخر شهر أوت الماضي بين تونس والمملكة المغربية بسبب الاستقبال الرسمي لرئيس جبهة البوليزاريو إبراهيم غالي الى تونس ومشاركته العلنية في قمة ” تيكاد 8″ رغم اعتراضات الرباط وحلفائها ؟

وكيف سيتعامل كبار صناع القرار في العالم والمنطقة مع مقررات قمة الجزائر ، التي من المقرر ان تعقبها قمة عربية صينية في السعودية وأخرى ” خليجية إسرائيلية أمريكية مغربية” قد تعقد في مدينة ” الدخلة ” في الصحراء المغربية حسب مصادر إعلامية دولية وإسرائيلية ؟

من الصعب تقديم إجابات قطعية في هذه المرحلة التي يتابع فيها العالم مضاعفات ” زلزال حرب أوكرانيا ” وانعكاساته الاقتصادية والسياسية والأمنية الخطيرة على اغلب الدول العربية والاوربية وعلى العالم اجمع ..

كما يصعب التنبؤ بالتطورات القادمة والعالم على أبواب انتخابات برلمانية ” نصفية ” في أمريكا يمكن أن تؤدي إلى خسارة الحزب الديمقراطي الموالي للرئيس بايدن الأغلبية في الكونغرس لصالح ” اقصى اليمين ” الموالي للرئيس السابق دونالد ترامب وصقور ” المحافظين الجدد ” و ” اليمين المسيحي المتطرف الموالي لإسرائيل جنوبي شرقي أمريكا “..

++ في كل الحالات قد يكون من مصلحة تونس والدول المغاربية بعد هذه القمة ، التي حضر أشغالها وفد مغربي كبير رغم تغيب الملك محمد السادس ، أن تعطي الأولوية مجددا للشراكات الثنائية والثلاثية والخماسية الإقليمية بما في ذلك في سياق تفعيل الشراكة بين دول الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط ..

لقد كان بيان قمة الجزائر” توافقيا ” واعترف بشرعية ” المبادرة العربية للسلام ” التي صادقت عليها قمة بيروت في 2002 ،كما نوه بدور لجنة القدس التي يرأسها العاهل المغربي محمد السادس ، وبدور المملكة الأردنية الهاشمية في الاشراف على القدس والمعالم الإسلامية والمسيحية في فلسطين المحتلة ..

فسعى أن تكون تلك ” التوافقات ” رسالة ينطلق منها كبار السياسيين في البلدان المغاربية والعربية لتفعيل شراكة أكبر تحكمها لغة المصالح ..وتدعمها المشاورات في الكواليس وفق رؤية جديدة تدعم ” سياسة الحياد الإيجابي ” و” تعدد الشركاء” والانفتاح على كل الدول ..وفق منطق ” تقاطع المصالح”..

إن ” الأولويات الوطنية “أصبحت تحرك أغلب دول العالم ودول المنطقة ولابد من أخدها بعين الاعتبار ..

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on نحو عالم أكثر عدلا مقاربة تقييمية لإصلاح الأمم المتحدة .. بقلم فتح الدين البودالي

نحو عالم أكثر عدلا مقاربة تقييمية لإصلاح الأمم المتحدة .. بقلم فتح الدين البودالي


تاريخيا، تأسست منظمة الأمم المتحدة إثر الحرب العالمية الثانية عام 1945 بتوقيع 51 دولة وهي الآن تضم 193 عضوا.
فقامت المنظمة على أساس الأهداف التالية: تأمين العدالة والسلم. – التنمية البشرية والاقتصادية. – المساواة الاجتماعية. – القيمة الإنسانية والحقوق والحريات؟ – الأمن والاستقرار.

أما الوظيفة التي تعهدت منظمة الأمم المتحدة النهوض بها من خلال الهيآت والمواثيق والآليات، فهي إدارتها للكفاح العالمي من أجل: – التنمية الشاملة – مقاومة الأوبئة والآفات – تدهور البيئة – التغيرات المناخية – مكافحة التصحّر – مكافحة الحروب التجارية – مكافحة المنافسة على السلطة بالانقلابات…
وفيما يتعلق بالحوكمة، فهي تتمثل في تلكم الآليات القائمة على حسن إدارة المشكلات متعددة الأبعاد والمستعصية، إذ أن تلكم الأزمات تخدم سياسات هيمنة مجلس الأمن الحارس مبدئيا لأسباب السلم والأمن مجسما بالدرجة الأولى في الأعضاء الخمسة دائمي العضوية وهم من المنتصرين في الحرب العالمية الثانية وبموجب اتفاقية يالطا وأضيفت إليهم قوى وازنة آنذاك، والمهم أنهم في مجموعهم قوى كبرى وازنة اقتصاديا. (الصين – روسيا – انقلترا – فرنسا – أمريكا) وكلّهم أطماع ومصالح، ولا عجب.
بينما نرى كيانات ومكونات دولية أخرى وازنة مثل منظمات إقليمية وغيرها كمنظمة التعاون الإسلامي التي تشكل ثلث سكان العالم وتضم 57 عضوا لا مكانة أو تمثيل لها في هذه الهيئة المحورية. فتلك “الهندسة ” غير المتكافئة ولا المواكبة لتطورات العالم ما بعد 1945، فلم تعد تعكس التعدية الثقافية والتعددية القطبية لأجل ضمان سلام عالمي أكثر ديمومة وتحقيقا لأهداف الأمم المتحدة ذاتها.
وعليه فإن الحوكمة العالمية الفعالة والناجعة تمر بالضرورة عبر “الإصلاح” أي إعادة هيكلة المجلس والرجوع إلى مقاصد مواثيق حقوق الإنسان والشعوب والكيانات حتى لا تفقد المنظمة برمتها سمعتها ومكانتها أكثر مما فقدتها وخاصة في ظل اهتراءات الأزمات الفادحة التالية:
– انتشار العنف والفتن في دوامة الإرهاب الدولي – تفاقم الهجرة اليائسة واللاجئين الفارين من النزاعات والانتهاكات والعوز مثل الحروب البيئية والحروب الأهلية والأزمات الاقتصادية والتدهور البيئي والمناخي والصحي وغير ذلك… وما ينجر عنها من الضغوطات الاجتماعية الحادة كالتهميش والعنصرية والهشاشة والبطالة والفقر والجوع والانحراف والجريمة.
وهل يغض العالم الطرف عن … فلسطين، القضية والحق والمأساة والمظلمة والعار؟
ثم هل نغفل عن رؤية حقيقية صارخة أخرى ألا وهي أن مجلس الأمن الدولي نفسه لا تعود إليه سلطة الموقف والقرار الا بمقدار ما يناسب مصالح القوى المتحكمة فيه ؟ ومثاله الفاضح الحرب على العراق بتهمة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، رغم أنف المنتظم الأممي.
الآفات والبعد المستقبلي
خارطة طريق شاملة، أركانها هي التالية :
• تسوية الصراعات والحروب والمعاداة والهيمنات. ● تصفية الاستعمار والاختراق والاستغلال وترتيب العلاقات الدولية على أساس المشترك ومبدأ الاحترام المتبادل. ● تشبيك اقتصاد عالمي أكثر عدلا. ● بناء التعددية بأكثر فاعلية وديمقراطية وشفافية وخاضعة للمساءلة والمراقبة. ● تعزيز الضمير والتعاون المشترك للمجتمع الدولي من أجل خدمة السلام والعدالة والتضامن والرفاهية للبشرية والاستقرار والأمن العالمي. ● إعادة هيكلة مجلس الأمن يكون متعدد الأطراف. ● إلغاء امتياز حق النقض – الفيتو!
استتباعات
على سبيل الأمثلة التطبيقية لما تم بسطه آنفا لننظر في حال “دول القارة الإفريقية” ومكانتها وثرواتها ونتساءل لماذا لم تتجه بأجمعها إلى حد الآن نحو الحرية والديمقراطية وتحقيق الاكتفاء والمناعة والتقدم والرقي الاجتماعي ثم ننظر بالتحديد في حال بلدنا تونس التي كانت مؤهلة قبل زهاء قرنين للمضي على درب إلغاء الحكم المطلق ومن أجل بناء الحرية والديمقراطية (منذ تجربة دستور عهد الأمان 1861 الذي دام العمل به ثلاث سنوات فقط أي قبل انتصاب الاستعمار بـ20 سنة ثم ما لبث أن تم احباطه بمؤامرة خارجية مفضوحة 1864).
ثم ومن أجل سد الفراغ الذي خلفه الاستعمار بعد 75 عاما من الاحتلال المباشر (1881 – 1956) وإثر الاستقلال المغشوش تجددت المحاولة لخلق أمة وسط وتوفير العدالة للنهوض بالبلاد كحلم منشود وذلك خلال عشرية الستينات (1960 – 1970) ولكن كانت المؤمرة المفتعلة والتراجع الكلي بمؤامرة خارجية اعتباطا من النجاح رهن التحقيق والرجوع إلى المجتمع الرأسمالي الأناني والمجحف.
ويدوم الزمن دورته بعد 150 سنة من مشروع النهوض الوطني القديم فيتم مجددا افتكاك الحرية والكرامة والديمقراطية (ثورة الربيع العربي 2011) بدستور 2014، غير أن تعطيل المسار كان كالعادة في الموعد بأوامر خراجية رأس حربة الثورة المضادة منذ بداية الثورة الى حين المنعرج الخطير بنوايا الانقلاب على الدستور (منظومة 25 جويلية 2021) وما ألحقتها من أضرار فادحة.
هكذا عانت البلاد دون هوادة وعلى العموم في غفلة بل تغييب لِوَعْي أوسع الجماهير من انتهاك السيادة بالغزو الفكري والإعلامي والثقافي واللغوي زيادة على الأمني والاقتصادي بإعلاء راية العلمانية المتكلسة وتغذية النزاعات البائدة أو الخامدة وتصفية الوطنيين الخلّص والعلماء الكمّل وضرب الأخوة المتأصلة بافتعال الإرهاب الوظيفي والشقاق بأصنافه، كما عانت البلاد التبعات الضارة لتهميش التربية الدينية والأخلاقية المستنيرة الأصيلة وخنقها ومحاصرتها وتهميشها وتقزيمها لصالح العلمانية المناهضة للدين والمناولة لاحترام الذاتية الوطنية والمؤدية للانحلال الأخلاقي عبر تفكيك المؤسسات البنيوية للمجتمع كالأسرة وعناصر القدوة والمرجعية الجماعية.
إن علينا أن نفتح بصائرنا ونقر إقرار ذوي الوعي والعزم بأننا كثيرا ما أضعنا الفرص جراء توالي سياقات التبعية وقبضة مخالبها، وهي العامل الأصلي في تفاقم السوء وتدهور الأوضاع وفي تأخرنا وارتجاجنا، ارتجاجا سببه اختراق الاستعمار الفرنسي (عضو دائم بمجلس الأمن) وعمالة الدولة العميقة التابعة له حين اشترط أخيرا وليس آخرا بأن يكون النظام السياسي للبلاد برمته برأس واحد للتحكم فيه واستدامة ضمان نهب ثروات البلاد.
وخلاصة القول
“تلك أمانِيُّهُمْ” … فتونس ذات الحضارات الضاربة جذورها وثمارها في أعماق الزمن والمكان من عشرات آلاف السنين، لن تباد منارتها بإذن مولاها الحيّ القيّوم، نعم، رغم توالي المحن والإحن، تظلّ هذه الأرض معطاءً متجددة ومستوعبة متغذية بكل من رام افتراسها.
فإن ربوع هذه البلاد تحتضن في كل مكان منها أبلغ الشواهد على أصالتها… خذ مثلا موقع “اللاس بالسرس بولاية الكاف” الذي يضم ثلاث قبور جلمودية عظيمة لأجدادنا القدماء وهي سابقة لحضارة قرطاج ذاتها.. أو التف إن شئت إلى موقع “الڨطار بولاية قفصة ” الذي ضم ما هو اليوم محفوظ بالمتحف الوطني العالمي بباردو ألا وهو بإجماع علماء الأنتروبولوجيا: أقدم شاهد محسوس مادي في العالم أجمع وقائم إلى اليوم على إيمان النوع الإنساني بعقيدة الحياة بعد الموت!
فأخيرا ليس آخرا، سوف تمثل المناسبة التالية التي سنحتفي بها قريبا أكبر تأكيد على ان حضارتها متواصلة الحلقات، وأنها باقية رغم الأدواء والأعداد، ونشير بذلك إلى مرور 1400 عام كاملة على تجدد استنارة هذه الربوع انطلاقا من ” المدينة الإسلامية عاصمة القيروان” بمبادئ تطلع الإنسان إلى العدل والحق والكرامة ممثلة بأنوار الإسلام الحنيف.
تلك هي تونس الحضارات، وإن الأمل قائم بإذن الله تعالى في عزم وثبات نحو: * ترسيخ الحرية والحقوق والكرامة والديمقراطية * انهاء وتصفية السياقات التبعية للاستعمار * إحياء مجدنا وحضورنا بين الأمم المتقدمة.

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on أميركا بين انتخابات التجديد النصفي والتضخم وحرب أوكرانيا .. بقلم د. آمال مدللي

أميركا بين انتخابات التجديد النصفي والتضخم وحرب أوكرانيا .. بقلم د. آمال مدللي

د. آمال مدللي
مستشارة في الشؤون الدولية – واشنطن


تحمل انتخابات التجديد النصفي المقبلة في الولايات المتحدة أهمية كبيرة من حيث توجيه السياسات الأميركية. وبمقدور نتائج هذه الانتخابات قلب المشهد السياسي المحلي والتأثير على السياسة الخارجية الأميركية واستراتيجية إدارة بايدن. ربما لا تكون هذه أخباراً سارة لأوكرانيا. جدير بالذكر هنا أن سياسة الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا حظيت بالإجماع، وذلك مع احتشاد الحزبين الديمقراطي والجمهوري وراء الدعم العسكري والإنساني والمالي غير المسبوق الذي قدمه الرئيس بايدن لدولة أجنبية.
واتحدت الإدارة والكونغرس في دعمهما لأوكرانيا من دون معارضة أو حتى جدال عام حول السياسة المتبعة إزاء أوكرانيا أو حجم المساعدات الموجهة لها. من ناحيتها، قالت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، في مؤتمر دولي عقد في كرواتيا، إن الكونغرس وحده «وجه أكثر من 60 مليار دولار من المساعدات الأمنية والاقتصادية والإنسانية ومساعدات للموازنة في أوكرانيا». كما وعدت «بتوجيه المزيد من المساعدات».
جدير بالذكر هنا أن الدعم الأميركي لأوكرانيا لا يرمي لمساعدتها عسكرياً فحسب، وإنما كذلك لتوفير الأموال لمساعدة البلاد في إدارة خدماتها الحكومية ودفع الرواتب، تبعاً لما ذكرته تقارير إعلامية.
ولا يزال الرأي العام الأميركي ثابتاً في دعمه لفكرة تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا. وأظهر استطلاع حديث أجرته «رويترز» / «إبسوس» هذا الشهر أن 73% من الأميركيين مستمرون في تأييدهم سياسة الإدارة الداعمة لأوكرانيا. ورغم أن الدعم بدأ من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فقد كان هناك اختلاف طفيف في مستوى الدعم بين الحزبين. وفي الوقت الذي أيد 81% من الديمقراطيين استمرار المساعدة، كان الجمهوريون أقل بقليل عند 66%.
إلا أنه في عام الانتخابات، حان الوقت كي تصبح السياسة تجاه أوكرانيا قضية في المعركة الانتخابية بين الديمقراطيين والجمهوريين للسيطرة على الكونغرس.
من ناحيتهم، وبينما يدعم الجمهوريون مسألة تقديم يد العون لأوكرانيا، فإنهم يصفون سياسة إدارة بايدن بالفاشلة. واتهم جيمس جاي كارافانو، من «مؤسسة هيريتيدج» المحافظة، مجلس النواب عندما وافق على تخصيص 40 مليار دولار لأوكرانيا بوضع «أميركا في المرتبة الأخيرة». وكتب أنه «يجب ربط الرقابة والمساءلة الجادة بأي أموال جديدة يجري إرسالها لدعم أوكرانيا». ورغم تأييده استمرار الدعم لأوكرانيا، واستعراض القوة الأميركية، فإنه انتقد القادة في واشنطن الذين «طرحوا مقترحات لإنفاق مليارات الدولارات التي لا نملكها على أشياء لا يدعمها الشعب الأميركي». وانتقد الكونغرس، قائلاً إنه «فشل في تأمين حدودنا، لكنه يبدي استعداداً كبيراً لإنفاق عشرات المليارات من الدولارات على تأمين حدود أوكرانيا».
بيد أنه رغم هذه الانتقادات من جانب المحافظين والجمهوريين للرئيس والكونغرس الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، ظل جدار الدعم لأوكرانيا صامداً دون أن تخترقه الأقوال أو الأفعال حتى الأسبوع الماضي.
واليوم، تقف الانتخابات على الأبواب، ويبدي الجمهوريون والديمقراطيون استعدادهم لاستخدام أي شيء في ترسانتهم الخاصة لضمان الفوز. بدأت سياسة الرئيس تجاه أوكرانيا وتدفق مليارات الدولارات بشكل منتظم على أوكرانيا في وقت تعاني الولايات المتحدة تضخماً وتواجه تحذيرات من ركود وشيك، ما دفع منتقدي السياسة تجاه أوكرانيا لتوجيه سهامهم لجدار دعم أوكرانيا.
جاءت الإشارة الأولى من جانب زعيم الأقلية الجمهوري كيفن مكارثي الذي لمح إلى أن الأمور قد تتغير إذا فاز الجمهوريون في الانتخابات. وقال: «أعتقد أن الناس سيواجهون ركوداً ولن يكتبوا شيكاً على بياض لأوكرانيا». يذكر أن التوقعات تميل لصالح فوز الجمهوريين في الانتخابات.
من جهته، رد الرئيس بايدن على مكارثي بمهاجمته وكذلك مهاجمة الجمهوريين في مجلس النواب، قائلاً: «هؤلاء الرجال لا يفهمون. إن الأمر أكبر بكثير من أوكرانيا، إن الأمر يتعلق بأوروبا الشرقية، وبحلف «الناتو». إن الأمر ستترتب عليه نتائج حقيقية وشديدة الخطورة. إنهم لا يملكون أي حس بالسياسة الخارجية الأميركية».
إلا أن المفاجأة الكبرى التي تلقاها الرئيس جاءت من داخل حزبه عندما أرسل إليه 30 عضواً ديمقراطياً رسالة، تحثه على تغيير المسار في السياسة الخارجية وتجاه أوكرانيا.
وحملت الرسالة تأييداً قوياً لدعم الرئيس لأوكرانيا واستراتيجيته لتجنب الصراع العسكري المباشر بين الولايات المتحدة وروسيا «ما قد يؤدي إلى اشتعال (الحرب العالمية الثالثة)، الأمر الذي يجب أن نسعى جاهدين لمنعه».
بيد أنه في الوقت نفسه، طلب أعضاء التجمع التقدمي للحزب الديمقراطي من الرئيس، اتباع استراتيجية لعقد مفاوضات مباشرة مع روسيا، ودعوا إلى توجيه «دفعة دبلوماسية استباقية، ومضاعفة الجهود للبحث عن إطار واقعي لوقف إطلاق النار».
وتوضح الرسالة أن الأعضاء «يدركون تماماً الصعوبات التي ينطوي عليها التفاعل مع روسيا»، لكنهم يحثون الرئيس على «بذل جهود دبلوماسية نشطة لدعم التوصل إلى تسوية ووقف إطلاق النار عبر التفاوض، والدخول في محادثات مباشرة مع روسيا، واستكشاف إمكانات إقرار ترتيب أمني أوروبي جديد مقبول لجميع الأطراف».
وأوضحت الرسالة أن الأفضل توجيه الأولوية للجهود الدبلوماسية ومنح مثل هذه الجهود فرصة، مشيرة إلى أن «بديل الدبلوماسية اشتعال حرب طويلة، بما يصاحبها من تداعيات مؤكدة وأخرى كارثية ومخاطر غير معروفة».
وخلال مقابلة مع «إيه بي سي نيوز»، قالت عضو مجلس النواب عن ولاية مينيسوتا إلهان عمر، إن الخطاب كتب في الصيف «رداً على تقارير أشارت لتعرض أوكرانيا لضغوط من جانب واشنطن للامتناع عن التفاوض».
وجاء رد الفعل الغاضب ضد الخطاب الذي كشف النقاب عنه وأولئك الذين وقعوا عليه فورياً وقوياً، حتى من بعض الأعضاء الذين وقعوا عليه قائلين إن الخطاب جرى توقيعه في يونيو (حزيران) وجرى الكشف عنه دون تشاور. وغضب الديمقراطيون من الكشف عن الرسالة. وندد عضو الكونغرس مارك بوكان (ديمقراطي) من ولاية ويسكونسن بـ«التوقيت السيئ» للكشف عن الرسالة. ووصف البعض الرسالة بأنها محاولة «استرضاء»، وأعربوا عن مخاوفهم من أن يستغلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لصالحه.
ورأى آخرون أن توقيت الكشف عن الرسالة «خطير سياسياً»، إذ – كما ذكر إصدار «بوليتيكو» – إن «أوكرانيا ليست مستعدة للمفاوضات في هذه المرحلة، خصوصاً، وأن هجومها المضاد المستمر منذ شهور حقق نجاحاً حتى الآن».
جاءت الضغوط على الديمقراطيين التقدميين من جميع الجهات، لأن الرسالة كشفت وجود انقسام خلف سياسة الرئيس بايدن تجاه أوكرانيا. كما جرى النظر إلى الأمر باعتباره يهدد فرص الديمقراطيين في الفوز بالانتخابات من خلال خسارة الأصوات المؤيدة لأوكرانيا.
من ناحيتهم، تراجع الديمقراطيون التقدميون عن الخطاب، قائلين إنه جرى الكشف عنه من قبل موظفين دونما فحص. أما البيت الأبيض، فلم يكن لديه أي تعليق عندما سئل عما إذا كانوا قد «نصحوا» الديمقراطيين التقدميين بالتراجع عن الرسالة.
ورغم عدم تنصلها من محتويات الرسالة، فقد أكدت النائبة باميلا جايابال، رئيسة التجمع التقدمي، أن الديمقراطيين متحدون «في التزامنا القاطع بدعم أوكرانيا في كفاحهم من أجل ديمقراطيتهم وحريتهم في مواجهة الغزو الروسي غير القانوني والشائن». وأعربت عن خيبة أملها لأن رسالتهم تبدو متماشية مع تصريح النائب مكارثي بشأن المساعدات الموجهة لأوكرانيا، الأمر الذي نفته.
كانت سياسة الإدارة أن على الأوكرانيين أن يقرروا متى يكونون مستعدين للتحرك على المسار الدبلوماسي. وكانت الفكرة الأساسية هنا أنه «لا شيء يتعلق بأوكرانيا من دون أوكرانيا». وتعرضت هذه السياسة لانتقادات من قبل بعض الأصوات البارزة على صعيد السياسة الخارجية. مثلاً، انتقد ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، إقرار الولايات المتحدة أهداف أوكرانيا العسكرية، معرباً عن اعتقاده أن هذا الأمر: «غير منطقي. نحن بحاجة إلى محادثة جادة مع أوكرانيا حول أهداف الحرب». وقال إن ثمة حاجة لحوار استراتيجي مع أوكرانيا.
وكتب جيفري ساكس، وهو صوت آخر للسياسة الخارجية ينتقد سياسة إدارة بايدن، هذا الأسبوع نقداً لاذعاً للسياسة الأميركية تجاه أوكرانيا، مدعياً أن: «رفض بايدن للدبلوماسية يطيل أمد تدمير أوكرانيا، ويهدد باشتعال حرب نووية».
في نهاية الأمر، تبقى انتخابات التجديد النصفي على بعد أيام قلائل، وبغض النظر عمن سيفوز فإن نتائجها ستؤثر بالتأكيد على السياسة الخارجية. وإذا ظل التضخم مرتفعاً، وإذا تحققت تنبؤات الركود، فإن الحديث في الولايات المتحدة سيتحول إلى المساعدات الخارجية، خصوصاً الموجهة لأوكرانيا. ولا يعني هذا التخلي عن دعم أوكرانيا، لكنه سيصبح جزءاً من الجدال الدائر حول السياسة الخارجية الغائب اليوم.
وسيستمر كل من الديمقراطيين، خصوصاً الأعضاء التقدميين، والجمهوريين في التشكيك في جدوى السياسة الراهنة، وسترتفع أصوات مثل ساكس الذي دعا بالفعل إلى «تغيير السياسة الخارجية» وإعطاء الأولوية للتسوية السلمية. والمأمول أن يؤدي هذا إلى عقد نقاش أكثر عقلانية لا يكافئ بين الدعوة إلى السلام واسترضاء موسكو، ولا يشيطن مسار المفاوضات والدبلوماسية.
يجابه العالم الآن مشكلة الدول الفقيرة التي تدفع الثمن. والمؤكد أن هذه الدول والعالم أجمع بحاجة إلى السلام. وعليه، فقد حان الوقت منذ أمد طويل لاتخاذ مسار الدبلوماسية.

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on عام على انقلاب السودان.. هل يسكت الشارع؟

عام على انقلاب السودان.. هل يسكت الشارع؟

عام كامل مر على انقلاب الجيش السوداني على الثورة في البلاد، فقد خرج وقتها رئيس مجلس السيادة في السودان، الفريق عبد الفتاح البرهان، في خطاب مُتلفز ليعلن حل مجلسي السيادة والوزراء وحالة الطوارئ وتعليق العمل ببعض مواد الوثيقة الدستورية.

وفي هذا الانقلاب، اعتقل الجيش عددًا من المسؤولين المدنيين في الحكومة والمجلس الانتقالي من بينهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وزوجته. حيث كان قد تولى السلطة في السودان منذ عام 2019 وذلك بموجب اتفاق توصل إليه الأطراف بعد بضعة أشهر على الإطاحة بالرئيس عمر البشير وإنهاء حكمة الذي استمر 30 عامًا. ووقتها خرجت تظاهرات حاشدة في مختلف انحاء البلاد للمطالبة بالتراجع عن الانقلاب، والتي شهدت صدامات بين المتظاهرين والجيش واضرابات عن العمل واغلاق للموانئ وعصيان مدني، أفضى في النهاية إلى تراجع الجيش عن بعض قراراته والإفراج عن حمدوك وبعض الشخصيات السياسية، والعودة إلى مسار الثورة حسب البيانات الرسمية والتصريحات.

اليوم وبعد عام على الانقلاب خرجت تظاهرات حاشدة في معظم مدن السودان، في إحياء لذكرى الانقلاب العسكري، وأكد المتظاهرون رفضهم لحكم العسكر، وطالبوا بحكومة مدنية كاملة الصلاحيات. وعلى الرغم من أن السلطات استبقت التظاهرات بنصب الحواجز على الطرقات الرئيسية وقطع الجسور بين المناطق والمدن السودانية ولاسيّما العاصمة الخرطوم ونشر المدرعات فيها، وقطع شبكة الإنترنت في البلاد، إلا أن ذلك لم يمنع خروج الآلاف إلى الشوارع، وخصوصا في مدن العاصمة الثلاث الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، إضافة إلى تظاهرات في مدن أخرى، مثل مدني وسط البلاد، وعطبرة شمالاً، وبور سودان شرقًا.

التظاهرات في العاصمة تخللتها مواجهات بين المتظاهرين والشرطة وذلك بعد محاولة المتظاهرين الاقتراب من القصر الرئاسي، ليُسجّل عشرات المصابين من المحتجين، حيث أطلقت قوات الامن قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي عليهم. واطلق على التظاهرة اسم (مليونية 25 أكتوبر). وقالت لجان المقاومة الشعبية، إن تظاهرات اليوم بعد عام من الانقلاب العسكري يجدد فيها الشعب السوداني رفضه لحكم العسكر، ويطالب بحكومة مدنية كاملة. مشددة على أن الشعب سيواصل نضاله الثوري حتى إسقاط الانقلاب.

الاتحاد الأوروبي طالب السلطات السودانية بالعودة فورًا لحكومة انتقالية مدنية في البلاد. ودعا مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الجيش السوداني لاحترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. واعتبر أن الجيش يتحمل مسؤولية خاصة عن تراجع الاقتصاد واستمرار تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية في البلاد خلال العام الماضي. وأكد بوريل أنه لا يمكن التوصل إلى تسوية سياسية إلا إذا تحلّت الأطراف بالشجاعة والإرادة السياسية اللازمة لتجاوز المأزق الحالي. داعيًا السلطات وقوى الأمن للتحلي بضبط النفس وحماية الأرواح وحرية التعبير.

الانقلاب العام الماضي حدث بعد ساعات قليلة من مغادرة المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي، في ذلك الوقت جيفري فيلتمان، للخرطوم وذلك بعد انخراطه في اجتماعات عديدة مع الأطراف السودانية، ناقشت الخلافات بين المدنيين والعسكريين، وأعرب وقتها عن تفاؤله بوجود مخرج للأزمة السودانية، وبعد وقت وجيز نفذ القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان انقلابه العسكري مخالفا بذلك الوعود التي أطلقها بحماية البلاد من أي انقلاب عسكري والحفاظ على الفترة الانتقالية، خلال اجتماعه الأخير مع فيلتمان.

ووفق تقرير مفصل نشرته منظمة حاضرين الحقوقية عن الانتهاكات ضد المتظاهرين، فقد تجاوز عدد المصابين خلال قمع الأجهزة الأمنية للاحتجاجات 7000 بينهم 400 طفل. واوضح التقرير أن عدد الإصابات البليغة يقدر بـ 1074 بينهم 116 طفلًا. وكشف التقرير عن 50 حالة اعتداء جنسي، خلال الاحتجاجات، بينها 3 حالات اغتصاب. وبينما قتل أكثر من مئة متظاهر خلال قمع الأجهزة الأمنية للتظاهرات، تشهد البلاد أعمال عنف أهلي واسعة النطاق، حيث قتل خلال عام من الانقلاب 500 شخص في دارفور. وكان المجتمع الدولي، قد أوقف جملة من المساعدات والمنح للسودان تقدر بنحو 4.5 مليارات دولار، في أعقاب الانقلاب العسكري، كما أعلن نادي باريس تعليق إعفاء ديون السودان. وتمت الدعوة الى اتفاق شامل لإنشاء حكومة انتقالية بقيادة مدنية في السودان، تعيد الانتقال الديمقراطي في البلاد. تلتزم بمساعدة الشعب السوداني على تحقيق أهداف الثورة، في بلد مستقر ومزدهر يعيش في سلام مع نفسه ومع جيرانه. ومنذ عام يغيب الاستقرار عن الأراضي السودانية.

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on العرب على قارعة الطريق بين قمة الجزائر وقمة الصحراء

العرب على قارعة الطريق بين قمة الجزائر وقمة الصحراء

توفيق المديني

يتوجه القادة العرب إلى قمة الجزائر التي ستعقد في أول نوفمبر المقبل ، إذ يصادف هذا اليوم الذكرى الثامنة و الستين لاندلاع الثورة الجزائرية عام 1954، التي تُعَدُّ أول ثورة مناهضة للكولونيالية الفرنسية استمرت ثامني سنوات ، وسقط خلالها ما يقارب مليون ونصف المليون شهيد.
وبصرف النظر عن اختيارهذه الرمزية التاريخية لعقد قمة الجزائر مطلع نوفمر ،فإنَّ هذه القمة العربية سيغيب عنها ستة قادة من الدول العربية،وفي مقدمتهم ولي العهد المملكة السعودية محمد بن سلمان،إضافة لأمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح ، وسينوب عنه ولي العهد مشعل الأحمد الصباح، كما سينوب نائب رئيس الإمارات محمد بن راشد آل مكتوم عن رئيس البلاد محمد بن زايد آل نهيان.كما أنَّه من المرجح أن ينوب وزيرا خارجية سلطنة عمان والبحرين عن سلطان عمان هيثم بن طارق وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، كما سيغيب الرئيس اللبناني ميشال عون عن القمة العربية بسبب عقد مجلس النواب جلسات لانتخاب خلف له، حيث تنتهي ولايته في 31 أكتوبر الجاري.
أما فيما يخص المغرب، فقد عادت مجلة جون أفريك المقربة من السلطات المغربية، لتؤكد من جديد، في خبر آخر، حضور الملك محمد السادس للقمة العربية المنتظر عقدها في الجزائر شهر نوفمبر المقبل.وقالت المجلة الفرنسية، في غياب تأكيد رسمي من المغرب، وفقا لما وصفتها بـ”مصادر جزائرية رسمية”، إنَّ الملك سيحضر القمة العربية في الجزائر، مرفوقًا بولي العهد الأمير مولاي الحسن.
تعقد القمة العربية في الجزائر تحت شعار”لمِّ الشَمْلِ”،وعادة تُقَاسُ نجاحات القمم العربية بحضور معظم الرؤساء و الملوك العرب مؤتمراتهأ، لكنَّ في هذه القمة هناك أقل بقليل من ثلث القادة العرب سيتغيب عن حضورهأ بصرف النظر عن المبررات و الأسباب و الدوافع، التي تظل محل تأويلات مختلفة.
ما هي الظروف الإقليمية و الدولية لعقد هذه القمة؟
أولاً: تعقد هذه القمة العربية في ظل مناخ جيو – استراتيجي معقد، حيث الكثير من الأسئلة والهواجس التي تشغل العالم العربي شعوباً وأنظمة، وهي أسئلة استراتيجية يتوجب على النظام العربي والإقليمي أن يُجِيبَ عنها.فهناك الحروب الأهلية التي تشهدها أكثر من دولة عربية في ليبيا وسورية واليمن، وهذه الحروب الأهلية تغذيها دولاً عربية،وأخرى إقليمية،ودولية،ورغم مرور أكثر من عشر سنوات من بداية ما يسمى “الربيع العربي”، فلغاية الآن لم ترس هذه الدول الآنفة الذكر على تسوية سياسية تخرجها من أزماتها البنيوية،لا سيما أنَّ الحلول لم تعد بأيدي الدول العربية، بل أصبحت تتحكم فيها الأطراف الإقليمية و الدولية.
ثانيًا:بعد أكثر من أربعة عقود من عقد اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979، انتقل العالم العربي من مرحلة التسوية إلى إبرام اتفاقيات التطبيع مع العدو الصهيوني ،تحت اسم”اتفاقيات إبراهام”منذ العام 2020، إذ فرضت النظم السياسية العربية في (الإمارات ، البحرين، السودان، المغرب) التي وقعت هذه الاتفاقيات على شعوبها الرضوخ السريع لـ”إسرائيل كصديقة وحليفة” والإسرائيليين كأصدقاء وحلفاء في زمن قياسي ومفاجئ،وإن كانت هناك مقاومة حقيقية للتطبيع في المغرب والسودان والبحرين.
وتكمن خطورة اتفاقيات أبراهام التطبيعية،في تقليص حجم التأييد للقضية الفلسطينية، لا سيما في ظل بناء هذه الأنظمة العربية (كالمغرب، والإمارات، والبحرين) تحالفات استرتيجية مع الكيان الصهيوني في مجالات الاقتصاد والاستثمار والثقافة والتعليم والاتصال،والمؤسسات العسكرية والأمنية، كونها تشكل سنداً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياًو أمنيا وعسكريًا لمشروعات التطبيع، تؤثر في اتجاهات الرأي العربي نحو القضية الفلسطينية، كما ستؤثر اتفاقيات التطبيع في مجالات الثقافة والتعليم بفاعلية عالية على المدى البعيد، إذا أخذت الدول المطبعة خطوات عملية في ذلك، محققة أهداف إسرائيل التي ضمنتها في أغلب اتفاقيات السلام، بداية من كامب ديفيد إلى اتفاقية أبراهام، سواء في نصوص أو مبادئ الاتفاقيات، التي تشمل أهداف تعزيز الصداقة، ووقف أعمال التحريض وأشكاله، وإقامة علاقات حضارية وثقافية.
ثالثًا:تعقد هذه القمة العربية وكل العالم يعيش تداعيات الحرب بين روسيا و الغرب والحلف الأطلسي التي تدور رحاها في أوكرانيا،في ظل نظام دولي أحادي القطبية تسيره وتقوده أمريكا بمفردها لكنَّه في طور الاحتضار،وفي ظل الفوضى العالمية وما يتخللها من مبادرات وتحركات لجهة بناء نظام دولي متعدد الأقطاب، يشهد على ذلك صعود العملاق الروسي من جديد كلاعب أساسي، إلى جانب العملاق الصيني، في مواجهة الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة. ومما لا شك فيه أنَّ الشرق الأوسط بات يحتل حيزاً مهماً من هذا الصراع الدولي، بسبب وجود النفط، وبسبب التركيز الأمريكي على بقاء النظام الرأسمالي الليبرالي العالمي الذي يعتمد على تدفق النفط و الغاز العربيين .فالحرب الروسية في أوكرانيا أدخلت المنطقة العربية في تجاذبات سياسية جديدة يطبعها اللايقين والشك ،أربكت الاصطفافات و التحالفات التي كانت قائمة،في انتظار أن تتّضح نتائج هذه الحرب.
رابعًا:تنعقد القمة العربية في ظروف بالغة الخطورة والجدية تواجهها الأمة العربية، بعد أن أصبحت الدول الاقليمية العربية الكبرى التي تقود عادة النظام الإقليمي العربي على هذا النحو من الارتباك والضياع، لجهة عجزها عن تطوير دينامياتها الخاصة. فالعراق أكبر شاهد على حال الدول العربية، إذ حوّله الغزو الأميركي من دولة كبرى الى دولة فاشلة كبرى، كما أوشك على الاختفاء من خريطة العالم. أما مصر، فهي نموذج لحال أخرى للدول العربية، إذ تتعرض لضغوط حتى لا تمارس دورها الطبيعي كدولة لها كيان وثقل سياسي. وسورية هي العينة الثالثة، التي تعاني من العقوبات الدولية،ومن رفض بعض الدول العربية عودتها لأخذ مكانها الطبيعي في جامعة الدول العربية،وبالتالي حضورها القمة العربية.
خامسًا: تنعقد هذه القمة العربية بالجزائر في ضوء إعلان المغرب أنَّه سيستقبل “قمة النقب 2” خلال شهر كانون الثاني/ يناير 2023بمدينة الداخلة في الصحراء، وسيحضر فيها وزراء خارجية الكيان الصهيوني ومصر والإمارات والأردن والبحرين، فضلا عن الولايات المتحدة.
وذكرت القناة التلفزيونية الإسرائيلية “i24NEWS” أنَّ مصادر مغربية مطلعة أبلغتها بأنَّ “المغرب يستعد لاستقبال مجموعات العمل التي سيكون هدفها دفع مشاريع في مجالات الأمن الإقليمي، والأمن الغذائي والمائي، والطاقة، والصحة، والتعليم، والسياحة، تمهيدا لقمة النقب 2”.
وفي هذا السياق كشفت المصادر ذاتها أنَّ “المغرب يسعى لإقناع السلطة الفلسطينية من أجل المشاركة في القمة”.ولفتت القناة إلى أنَّ وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة كان خاطب خلال قمة النقب بجنوب فلسطين المحتلة والتي انعقدت في 28 آذار/ مارس 2022، وزراء الخارجية المشاركين قائلا: “نأمل أن نلتقي في صحراء أخرى لكن بالروح نفسها”، في إشارة إلى رغبته في “احتضان الاجتماع بالصحراء المغربية”.
هل تمتلك القمة العربية حلولاً للملفات الشائكة؟
لم تعد القمم العربية تثير اهتماماً كثيراً، سواء داخل المنطقة العربية أو خارجها، لأنَّ كل بياناتها وقراراتها لم يتحقق منها شيء على أرض الواقع طيلة العقود الماضية. ولن يختلف الحال مع ما سيصدر عن قمة الجزائر المرتقبة،فهذا الواقع المرير يفرض على القادة العرب مسؤوليات فعلية تقتضي مواقف حاسمة في مواجهة تحدِّيات سياسية وأمنية واقتصادية لم يعد من الجائز التعامل معها بلا مبالاة أو تقاعس. الملفات كثيرة وخطيرة باتت تُهَدِّدُ الوجود العربي برمته، بدءاً من الملف السوري ، إلى الملف الفلسطيني ،فالملف اللبناني، وأيضاً الملف السوداني والصومالي والوضع الصحراوي، من دون أن نسقط من حسابنا الملف النووي الإيراني وتداعياته على المنطقة، إذا قررت الولايات المتحدة وإسرائيل تفجيرالحرب على إيران.
الملف الأول السوري، ويقتضي أن تتخذ القمة العربية في الجزائر قرارات شجاعة لجهة عودة سورية إلى احتلال موقعها الطبيعي في جامعة الدول العربية،وإقرار إنشاء صندوق مالي عربي لإعادة إعمار هذا البلد العربي ، وإخراجه من أزماته الاقتصادية و المالية الكبيرة،من أجل كسر الحصار و العقوبات التي تعاني منها سورية منذ أكثر من عقد من الزمن، وإعادة التأكيد على احترام وحدة سورية وسيادتها واستقلالها،وانسحاب قوات الاحتلالين الأمريكي و التركي من الأراضي السورية المحتلة في الشمال الشرقي و الغربي من البلاد،الذي يحتوي على أهم الثروات الطبيعية في سورية من نفط وغاز وقمح وقطن وماء وزيتون، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية واحترام إرادة الشعب السوري وخياراته في تقرير مستقبله بنفسه.
فما نشهده اليوم على المسرح السياسي السوري قيام عدة أطراف إقليمية ودولية مستخدمة وكلائها السوريين للقيام بتمزيق هوية سورية الوطنية والقومية إلى هويات إثنية ومذهبية متشظية بدورها. إنَّ هوية سورية العربية التي حافظت عليها الأنظمة السابقة وجعلتها الصورة الوحيدة للمواطنة، تعمل الإمبريالية الأمريكية و الكيان الصهيوني وتركيا و المعارضة السورية،على إحلال محلها صور متعددة من الهوية تقوم على أساس عرقي ومذهبي وطائفي ،حيث أصبحت العروبة بالنسبة إليها بمنزلة عبءٍ شديدٍ، أو مصدر خجلٍ أو شماعة تعلق عليها المآسي والإخفاق للشعب السوري.
الملف الفلسطيني. ففي ظل استمرار دعم الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي للكيان الصهيوني ، بينما يستمر هذا الأخير في سياسة الاستيطان لضم كامل الضفة الغربية، وتهويد القدس، وخوض الحرب بلا هوادة ضد المقاومة الفلسطينية في نابلس وجنين وغزة، ينتظر الشعب الفلسطيني من قمة الجزائر أن تبادر إلى تقديم الدعم الكامل للمقاومة الفلسطينية على الصعد كافة، وعدم الرضوخ لضغوط الإدارة الأمريكية الرامية من خلال حركتها الديبلوماسية النشطة إلى خفض سقف القمة العربية المقبلة ودفعها باتجاه تسريع قضية التطبيع مع إسرائيل والتمهيد لمنظومة الشرق الأوسط الجديد، مستغلة تفكك النظام العربي الذي لا يملك أي مشروع مستقبلي للمنطقة العربية في ظل إصابته بالإعياءِ الشديدِ وتَنَصُّلِهِ من التزاماته وقضاياه.
وتوفر الصراعات والخلافات بين العرب التربة الخصبة لإسرائيل والولايات المتحدة لتنفيذ مخططاتهما في المنطقة، ما يفرض على العرب، وقادتهم، التنبه إلى مصيرهم، وقبل ذلك كله السعي نحو توحّد المواقف بعيداً عن المصالح الآنية. وما يحدث في فلسطين وسورية وليبيا، واليمن ،والسودان يُنْبِئُ بمخاطر مقبلة إزاء الجزائر والمغرب، فضلاً عن بؤر ساخنة مرشحة للظهور في العديد من الدول العربية.
لا أمل يُرْجَى من قمة الجزائر
هناك قناعة كاملة لدى الشعوب العربية ، أنَّ القمم العربية لم تعدْ تُثِيرُ اهتمامها ،إلى درجة أنّ انعقادها أو تأجيلها لم يَعُدْ ذا موضوع، ولذلك، فإنَّ السياسات التي كرستها القمم العربية المختلفة تقوم على ما يلي:
1- حرية كل نظام عربي في انتهاج السياسات التي يراها داخلياً وخارجياً، ومنع أي تدخل في شؤون هذه الأنظمة. وهكذا كرست القمم العربية السياسات القطرية، وأكَّدَتْ ضرورة حمايتها. فتحدِّياتِ الأمة العربية معروفة منذ زمن، لكنَّ القمم العربية لم تلتفت إليها لاعتبارات عدَّة أبرزها: الانقسام تحت شعارات من طراز “دول معتدلة وأخرى متطرفة”، واستمرار التمزّق العربي وانهيار النظام الإقليمي العربي القديم منذ غزو العراق الكويت عام 1990، والغزو الأمريكي للعراق في عام 2003. فكل نظام عربي يحمل أجندته الخاصة. وأمام هذا الواقع، فإنَّ الاستعانة بالإمبريالية الأمريكية لحل المشكلات فاقمها تعقيداً، بينما المطلوب هو إحداث تغيير في الاستراتيجيات لجهة إيجاد خطابٍ حازمٍ وحاسمٍ للولايات المتحدة، يُقْنِعُهَا بأنَّ مصالحها مرتبطة بتسوية قضايا المنطقة بشكل عادل وغير منحاز للكيان الصهيوني.
2- تكريس الحل الاستسلامي للقضية الفلسطينية، لأنَّه ينسجم مع هذه السياسات القطرية، ويتوافق مع سياسات الطبقة الحاكمة المتجهة نحو تعميق الارتباط بسياسة الإمبريالية الأمريكية، خصوصاً بعد احتلال العراق، والحرب الإرهابية الكونية على سورية.
3-إنَّ جميع الدول العربية عاجزةٌ وفاشلةٌ،و هي دولٌ ريعيةٌ،والسلطات الحاكمة فيها لا تريد أن تبلور مشروعًا وطنيًا وقوميا للتغيير في الوطن العربي.وهناك إسرائيل تخوض حرب إبادة حقيقية ضد الشعب الفلسطيني لاقتلاعه من أرضه وتهويد كامل فلسطين، على رغم كل حديث الحكام العرب عن السلام… فعن أي سلام نتحدث؟ وما علاقة لغتنا بلغة العدو؟
إنَّ لغة العدو واضحةٌ ومحدودةٌ. إنَّه يريد تصفية القضية الفلسطينية وإخضاع الأمة العربية وتفتيتها ونهب ثروات العرب والمسلمين، ولذلك فهو يُفَجِّرُ حُرُوباً ويتحدث عن مشروع “الشرق الأوسط الكبير”. فما الذي ستفعله القمة العربية في الجزائر ، والحكام العرب يطبعون مع العدو الصهيوني ، ويعتبرونه صديقًا بل حليفًا،كما هو الحال في المغرب، والإمارات ،والبحرين.
4-إنَّ القمة العربية في الجزائر تظل عاجزةً و مآلها الإخفاق التام كمثيلاتها من القمم العربية السابقة ، إذْ لم تُحَقِّقْ على أرض الواقع للمواطن العربي أيّ شيء على امتداد 77 عاماً من وجود جامعة الدول العربية،ولم تَحْمِلْ شيئاً جديداً للشعوب العربية، في ظل مشهدٍ يَشِي بأنَّ لا إرادة متوافرة لدى القادة العرب للبحث جِدِّياً في القضايَا والتحدِّياتِ، لا سيما بعد الانهيار الكامل لمؤسسات العمل العربي المشترك..
ولايبدو أنَّ الشعوب العربية العزلاء، والمحكوم بالقوة، و الممنوعة عن التعبير عن إرادتها ، والممنوعة عن تنظيم قواها ، ومحاسبة حاكميها ، معنيةٌ ، لأنَّها تعيشُ في ظروف قمع ثقيلة. ولا يتوقع أنْ يُؤَدِّيَ حديث الديمقراطية إلى شيءٍ. و ماذا يفيد حديث التعددية والديمقراطية ،إذا كانت حقوق الإنسان غير قائمة أصلاً، و إذا كانت الأنظمة التي فرضت سلطتها بالقوة، هي الباقية؟
وفي ظل غياب إرادة الشعوب العربية ، تُنَظِّمُ الأنظمة العربية مهرجانًا سنويًا لعقد القمة ، وتُسَخِّرُ له أجهزة الإعلام للتطبيل و التزمير له. كما أنَّ القوى الحاكمة، تُعَيِّنُ مجالس نواب(برلمانات) و مجالس شيوخ، و تُكَوِّنُ أحزابًا و جمعياتٍ، و تُوَظِّفُ أتْبَاعًا على نطاقٍ واسعٍ، ووظيفة هذا الركام كله: تأييد السلطة القائمة في قراراتها حتى المتعارضة مع المصالح القومية.
خاتمة:
إنَّ الشعوب العربية مازالت بعيدة عن أن تملك القدرة لممارسة سلطتها، و هي مُغَيِّبَةٌ ومحرومةٌ من حقوقها. و مادام الأمر كذلك فإنَّ الأنظمة العربية مسؤولةٌ عن إخفاق القمة العربية ، و بالتالي عن إخفاق العمل العربي المشترك.
أي قمة هذه التي تُعقد اليوم والقضية الفلسطينية مُهَدِّدةٌ بالتصفية،والكيانات السياسية لعددٍ من الدول العربية مُهَدِّدةٌ بالتفكّكِ و التقسيمِ على أساسٍ طائفيٍّ ومذهبيٍّ وعِرْقِيٍّ ، بل لعلَّهَا قد تفكّكتْ فعلاً، ووحدة شعوبها تكاد تضيع في غياهب الفتنة المدبّرة بقرارٍ واعٍ وقصدٍ مقصودٍ لم تعدْ الإمبريالية الأمريكية تَتَورَّعُ عن الجَهْرِ بهِ سياسة رسمية معتمدة؟!

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on قراءة في كتاب “الربيع العربي والتغيير، سؤال المستقبل”.

قراءة في كتاب “الربيع العربي والتغيير، سؤال المستقبل”.

محمد مستعد

نظم مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية CERSSبشراكة مع المؤسسة الألمانية المغاربية للثقافة والإعلام MagDe قراءات في كتاب جماعي بالعربية والألمانية بعنوان: ” الربيع العربي والتغيير، سؤال المستقبل ” بمناسبة ندوة احتضنها معهد الإعلام والاتصال ISIC بالرباط بمشاركة أساتذة من المغرب وتونس.

الكتاب الصادر مؤخرا ساهم فيه باحثون وصحفيون عرب وألمان من بينهم المفكر والرئيس التونسي السابق منصف مرزوقي، وهدى صالح، وراينار هيرمان، وحسام الدين درويش، وعبد الله ساعف ومنصف السليمي وغيرهم.

رئيس مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية عبد الله ساعف اعتبر أن ما يميز الكتاب هو تناوله لما جرى من أحداث خلال “الربيع” وكذا لامتداداتها الحالية من خلال مواقع وجغرافيات مختلفة. فهو يتناول الأوضاع في تونس التي تعيش “ليس ثورة مضادة ولكن نوعا من الانسداد والتراجع”، حسب تعبيره، كما يدرس الوضع في ليبيا التي تعرف “تطورات معقدة”، إلى جانب دراسة حالات دول أخرى مثل اليمن والسودان .. عبر متابعة “مساراتها وتركيباتها الاجتماعية المختلفة” والتركيز على قضايا متعددة مثل: الشباب، والمرأة، والفاعلين الاقتصاديين..

واعتبر ساعف أنه منذ 2011 كانت هناك وقائع وتحولات متقطعة ومتتالية. بحيث كانت هناك مظاهر تحديث ثم تراجعات وعودة للتقليد بشكل يمتد ويختفي ثم يعود ليبرز من جديد. وتسائل في مقدمته للكتاب: “هل كان الأمر يتعلق بديناميات غير عادية خارجة عن المألوف، وبظروف استثنائية تشكل قطائع؟” وبالتالي “هل ينبغي أن نواصل تقديم حصائل مرحلية لهذه الأحداث من منظور العلوم الاجتماعية وهو ما تم عدة مرات منذ انطلاقاتها الأولى؟” وقد خلص إلى أنه “بعد مرور أكثر من عشر سنوات، يبدو أنه ما زال من المشروع إثارة تساؤلات حول طبيعة المسارات والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أحدثها الربيع العربي باسم الدفاع عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ومكافحة سوء الحكامة والرشوة”.

من جانبه، أوضح الصحفي والباحث التونسي منصف السليمي رئيس المؤسسة الألمانية المغاربية للثقافة والإعلام أن هذا الكتاب هو ثمرة لقاء بين مثقفي المغرب العربي في ظرفية صارت مثل هذه اللقاءات نادرة برأيه. وقد جاء الكتاب بمبادرة من هذه المؤسسة التي تحتضن في ألمانيا عددا من الكفاءات التونسية المقيمة في هذا البلد. وأبرز منصف السليمي أن الكتاب يتضمن أبحاثا تم إعدادها وفق معايير علمية إلى جانب مداخلات ألقيت خلال ندوة علمية في ماي 2022 بمناسبة مرور 10 سنوات على الربيع العربي. وهي أبحاث تتميز باعتماد مناهج مختلفة: تاريخ، اقتصاد، علوم اجتماعية مختلفة.. في وقت يلاحظ الباحث أن ما تنقله وسائل الإعلام عن أحداث “الربيع” يتميز “بتقييمات غير علمية تطغى عليها نظرية المؤامرة”.

وتوقف منصف السليمي عند كيفية متابعة الدول الأوربية لأحداث الربيع حيث كانت تهتم بها من زاوية ما يمكن أن يحصل من تغيير وتحديث في المنطقة العربية، ومن منظور رعاية الحقوق الليبرالية عبر تعزيز أدوار الجمعيات مثلا، إلا أن الأوربيين سجلوا، حسب الباحث، أن هذه الأحداث أفرزت أيضا قوى متضاربة ومتصارعة: محافظة، عشائرية… وهو ما يطرح تساؤلات حول مستقبل الفاعلين والمكونات الراعية للقيم الليبرالية، وحول ما سيجري في السنوات القادمة بشكل عام. كما تحدث منصف السليمي عن الاهتمام الذي حظيت به القوى الإسلامية على اعتبار أنها كانت بمثابة “فاعل ثابت”، كما أنها كانت “موضوعا خلافيا وموضوع انقاسمات” نتيجة بروز نقاشات حول قضية الهوية مثلا. وهو ما يطرح، برأي الباحث، تساؤلات حول مدى مساهمة الإسلاميين في تقوية التيارات المتطرفة والإرهابية وحول مستقبل الإسلام السياسي؟ وهل يمكن أن تتحول هذه القوى السياسية إلى تيارات مدنية علمانية؟ و هل لديها بدائل اقتصادية؟

وأوضح عبد الحق الزموري مدير دار النشر التونسية “ارتحال” أن الكتاب يطرح تساؤلات مهمة حول الدولة الوطنية الحديثة في المنطقة، وحول أدوار الفاعلين في أحداث الربيع من مثقفين ورجال أعمال ومجتمع مدني ومؤسسات إعلامية وأمنية. كما يطرح أهمية سؤال الآفاق. واعتبر الزموري أنه لا ينبغي التركيز فقط على الإسلام السياسي ومكانته وأدواره، ولكن ينبغي، برأيه، أن تطرح تساؤلات حول مختلف الفاعلين. وقد سجل أن النخبة في سياق هذه الأحداث “أفرزت لنا تيارات شعبوية”، إلا أنه أكد على أنه ليس متشائما بخصوص مستقبل المنطقة. ويتضمن الكتاب دراسات عن أحزاب إسلامية معروفة مثل حركة النهضة في تونس التي يصفها منصف المرزوقي بأنها “حزب ديمقراطي بامتياز”، ودراسة عن حزب العدالة والتنمية في المغرب. وقد أعلن عبد الحق زموري أن هناك مجهودا لإصدار ترجمة انجليزية للكتاب الذي سيكون موجودا في المكتبات المغربية في الأيام المقبلة.

وأوضح الأستاذ علي كريمي من مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية أن قراءته للكتاب دفعته إلى التفكير في إجراء مقارنات بين ما جرى في 2011 وما جرى في الماضي خلال الخمسينيات وما نتج عن ذلك من تداعيات خاصة على النظام العربي. حيث اعتبر أن ما نعيشه اليوم يجسد ” مخاضات الوهن والترهل الذي يعرفه هذا النظام “. وقد ظهرت مؤشرات ذلك المخاض، برأيه، منذ حرب الخليج الأولى في 1979 وهو ما أدى إلى انهيار الوحدة العربية والنظام الاقتصادي، وحلت شعارات مثل نهاية العروبة والقومية. وتوقف الباحث بالخصوص عند المقارنة بين أحداث الربيع في 2011 وثورة 1952 في مصر التي شكلت أيضا تحولا مهما برأيه. ليخلص إلى أن هناك تشابها وتنافرا في ما يخص طبيعة النزاعات والصراعات. فخلال أحداث 2011 ظهرت، حسب علي كريمي، كل من السعودية والإمارات كطرفين رئيسيين في الصراع، أما في الخمسينيات فكانت مصر هي التي توجد في قلب الصراعات. كما لا حظ أن هناك اليوم هيمنة لليبرالية المتوحشة عكس الاقتصاد الموجه والتأميمات التي كانت سائدة في السابق. كما لاحظ تراجع الدولة الاجتماعية وخفوتها مما أدى إلى انتشار البطالة وتراجع الخدمات الصحية وتغول الدولة القمعية.

يرى علي كريمي أن ثورة 1952 كانت تسعى إلى بناء الدولة الأمة. أما أحداث الربيع العربي فكانت تهدف إلى بناء الدولة الديمقراطية عبر احترام التعددية. لكن الاثنتان لم تنجحا مما أدى إلى تفتيت النظام الإقليمي العربي كما نلاحظ ذلك في سوريا والسودان وليبيا وغيرها، ومن خلال ظهور قوميات الأكراد والأمازيغية… مع بروز محور محافظ تتزعمه السعودية والإمارات، وتراجع ظاهرة القيادات السياسية العربية ذات القدرة على إبرام التصالحات.

من جهته، توقف عبد الجبار عراش أستاذ العلوم السياسة، مدير مجلة “حوارات”، عند مفاهيم مثل الثورة والثورة المضادة ليسجل أن من بين مؤشرات الثورة المضادة بروز انقسام للنخب وغياب للرغبة في التغيير وزعزعة الاستقرار، وتدخل القوى الأجنبية. كما سجل بخصوص الدراسات التي تناولت الحركات الإسلامية، أن هناك تباينات في استعمال المصطلحات من قبل الباحثين: “إسلامية” – “إسلاموية” – “حركات متطرفة”.. مضيفا أن أحد الباحثين يعرف الإسلاميين بالقوى التي ترفض القبول بقواعد اللعبة الديمقراطية.

وتناول الباحث أيضا موقف الغرب من أحداث الربيع وتدخلاته التي كانت ترمي فقط إلى خدمة مصالحه، حيث جاء في إحدى الدارسات توصيف لهذا التدخل كما يلي: ” لقد تم إركابنا في المركب الخاطئ. أردنا أن نرى ما لم يكن موجودا، ولم نر ما حدث”. أما الباحث منصف المرزوقي فيرى في الكتاب أن “الغرب أنواع” وأنه لا ينبغي التعميم لأن الدول الغربية تعاملت حسب أشكال مختلفة مثل: التطبيع – الاعتذار الضمني – رفع اليد عن شؤون المنطقة… وسجل عبد الجبار عراش عموما عدم التزام الاتحاد الأوربي، مثلا، بالمعايير التي وضعها هو نفسه وأن القوى الغربية لم تقدم الدعم لثورات الربيع، وانحازت للاستقرار من منظروها ومصالحها الخاصة.

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on محمد محفوظ: الانسان في رؤية الدكتور علي شريعتي

محمد محفوظ: الانسان في رؤية الدكتور علي شريعتي

الدكتور علي شريعتي في الساحة الإيرانية أحد مفكري المشهد الثقافي والفكري الإيراني، وأن الدكتور ساهم في تعبئة الجمهور الإيراني للقيام على النظام الديكتاتوري البهلوي السابق.. ونظرة فاحصة إلى المشهد الإيراني، يكتشف المرء فيه أن هذا المشهد عاش مجموعة من الحركات الاستقلالية الإسلامية، التي تطالب بالاستقلال والخروج من كتب الأنظمة الاستبدادية وقد توجت هذه الحركات بحركة الامام الخميني الذي تمكن عبر ثورته من اسقاط الشاه وتفكيك كل الوقائع والحقائق السياسية والاقتصادية والثقافية الداعمة لنظام الحكم الاستبدادي والعمل مع النخبة السياسية الجديدة على بلورة آفاق الثورة في أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية..
وكان الدكتور علي شريعتي أحد رواد الثورة التي ضخ فيها الفكر والتصورات الثورية التي حررت الإنسان من جموده وانهزاميته ومواقفه السلبية، وحولت هذه الأفكار إلى مشروع رافض للديكتاتورية ومحارب للاستبداد ومؤيد لخطاب الثورة التي انتصر فيها الشعب الإيراني على جلاديه.. (ومنذ بداية الأربعينات وحتى سقوط مصدق (1953م) اكتسح التيار الوطني الديمقراطي المتمثل أساسا بخط مصدق والجبهة الوطنية، ساحة النضال الوطني في البرلمان والشارع على حد سواء..وخلالها أيضا، ظلت أغلبية الفئة العليا من المؤسسة الدينية غير فعالة في الكفاح السياسي، لكننا مرة أخرى، نجد جناحا من المؤسسة يتعاون مع مصدق، وكان الرمز البارز لهذا الجناح، هو آية الله الكاشاني، الذي بدأ نشاطه السياسي عندما عاد إلى إيران من النجف الأشرف (1946م)، ثم تصدر الدعوة إلى التطوع للجهاد دفاعا عن فلسطين.. وبالرغم من أن دعوته لم تلق نجاحا يذكر، بسبب الموقف الرسمي للحكومة، إلا أنها اكسبته شعبية كبيرة، ما أعطى لتحالفه مع مصدق أهمية بالغة، فكان هذا التحالف أهم عماد لجهود الحركة الشعبية، كما كان انتهاؤه أهم عامل في سقوطها، فعندما اختلف الكاشاني مع مصدق ووصل بموقفه حد معاداته، جرى استغلال هذا الموقف من قبل بقايا نظام الشاه ومنظمي انقلاب 1953 م ضد حكم مصدق..


خلال فترة امتدت أكثر من أربعين عاما – من نهاية الثورة الدستورية وإلى الخمسينات -، عاشت الحركة الإسلامية مرحلة انحسار نسبي، وتراجع الدور القيادي والفاعل للتيار الإسلامي، وبالرغم من الرموز النضالية البارزة التي شهدتها هذه الفترة (كوتشك خان، خيابابي، المدرس، الكاشاني – حتى 1953 م)، إلا أن القسم الأكبر من المؤسسة الدينية، خصوصا قمتها، ظلت غير نشيطة في النضال السياسي).. (1)
ولعل ما يميز علي شريعتي أنه اعتنى بالإنسان وعمل عبر محاضراته المتنوعة إلى بث الروح والعزيمة في حياة الإنسان العادي.. وبهذا الجهد هو الذي حول غالبية الشعب الإيراني إلى قوة ضاربة بيد الحركة الإسلامية لتقويض النظام الديكتاتوري الشاهنشاهي.. (شهدت الستينات من القرض الماضي – وهي الفترة التي شهدت بروز دور شريعتي، تحولات هامة في الوضع السياسي بإيران، وفي مسيرة الحركة الوطنية الإيرانية.. ففي أوائل الستينات، بدأ الشاه عهد الانفتاح السياسي، الذي رأى منظروه بأنه ضرورة حيوية لمزيد من الانفتاح على الغرب.. فمجموعة السياسات الإصلاحية التي اتبعها الشاه في مجال الاقتصاد والمجتمع، استهدف تعميق تبعية إيران وتغريب اقتصادها وحياتها الاجتماعية أكثر فأكثر.. لذلك رأى أيضا منظرو الشاه، أن هذه السياسة تحتاج إلى مزيد من الليبرالية في الحياة السياسية..
لقد كانت تلك الفترة، فترة رسملة الريف وإنشاء الشركات الزراعية الكبرى، وتوسيع الاستثمارات الأجنبية في إيران، وإعطاء حقوق الحصانة للأمريكيين، وتضخيم مؤسسة الجيش وجعلها أكثر ارتباطا بالولايات المتحدة، ورافق ذلك أيضا إجراءات اجتماعية، شكلت بمجملها تغييرات هامة في البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الإيراني..
وهكذا أصبح النضال ضد التبعية، وضد التغرب محور النضال الوطني آنذاك، بعد أن بدأ الوعي العام لخطورة تلك السياسة يزداد تبلورا..
إن ذلك، يفسر إلى حد كبير، تراجع دور الجبهة الوطنية الثانية وسقوط أطروحتها: ” نعم للإصلاحات لا للاستبداد “، ويفسر أيضا، أحد أهم أسباب النهوض الإسلامي الذي شهدته إيران بداية الستينات، والذي كان بروز الامام الخميني وتكوين حركة تحرر إيران من أهم علاماته..
إن التمسك بالإسلام، كعنوان للأصالة، وسياج يحمي الاستقلالية، وأيدلوجيا معبئة في الكفاح الوطني المناهض للسيطرة الأجنبية، برز بوضوح خلال تلك الفترة.. فكما كان الشاه – السائر على خطى أبيه رضا شاه – يعرف خطورة الإسلام في إيران،وضرورة إضعاف مواقعه أو مسخه وتشويهه، من أجل تسهيل عملية تغريب إيران، فإن قطاعات هامة من الحركة السياسية ومن الجماهير، بدأت هي الأخرى تعي أهمية الإسلام كسلاح مضاد فعال، وكأفضل إطار لخوض نضالات المرحلة..
وبالرغم من أن النضالات التي خاضها الإمام الخميني، وحركة تحرر إيران – والتي كان محورها النضال ضد السيطرة الأجنبية وإصلاحات الشاه وإعطاء حقوق الحصانة للأجانب و……، قد انتهت إلى انتكاسة مفجعة في سنة 1963 م، انهت النضال العلني للحركة الإسلامية، وأدت إلى اعتقال قادتها ونفيهم، إلا أنها أنهت أيضا أسطورة سياسة الانفتاح، والأوهام التي علقتها تيارات أخرى على تلك السياسة.. لكن التمسك بالإسلام وبالتيار الإسلامي ازداد بعد 1963 م ولم يضعف..
منذ 1963 م، جمد قادة الجبهة الوطنية الثانية نشاطهم السياسي مرة أخرى، فأوجدوا بذلك ارتباكا وتشتتا كبيرين في قواعد الجبهة.. وقد ظلت تنظيمات الجبهة الوطنية في الخارج – أوروبا وامريكا – هي الوحيدة التي تنشط، والتي كانت لها مواقفها المتميزة، حتة أثناء تلكؤ قيادة الجبهة (1960-1963 م) إلا أن تنظيمات الخارج هذه، توزعت اتجاهاتها ونشاطاتها بعد 1963 م، فالقسم الأكبر من الطلبة، اتجهوا نحو مواقف يسارية أو أقرب إلى اليسار وهم، وأن ظلوا عامين باسم الجبهة الوطنية في الخارج، إلا أن خطهم السياسي، في الواقع، كان قد اصبح غريبا على تراث مصدق والجبهة الوطنية، وكانت هذه التنظيمات قد أعلنت في أواخر السبعينات، تحولها فعلا إلى تنظيمات شيوعية وتخلت عن اسم الجبهة..
أما المؤسسة الدينية، فقد استمر الصراع فيها بين اتجاهات مختلفة، كان أهمها اتجاهان: أحدهما يقوده الامام الخميني، ويدعو لتثوير المؤسسة ولتصدرها للكفاح الوطني المناهض للاستعمار، والإيمان بأن الإسلام هو رسالة دائمة وثورة دائمة، وهو دين سياسة وعبادة، وأن الكفاح السياسي هو من صلب واجبات المسلمين، ومن باب أولى علماء الدين، اما الاتجاه الآخر، فقد مثله بعض الفقهاء مثل شريعتمداري، وكان يدعو إلى الحفاظ على قدسية المؤسسة الدينية وكرامتها وذلك بعدم توريطها في نزاعات الدنيا وفي الصراعات السياسية. إن هذا التيار حاول إبقاء المؤسسة الدينية منزوية عن الكفاح السياسي، رغم تحفظاته وانتقاداته للنظام السياسي ولبعض سياسات السلطة، خصوصا السياسات الاستبدادية. وكان هذا التيار في المؤسسة الدينية، أقرب إلى مواقف الوطنية الثانية، رغم أنه لم ينشط، حتى في تلك الحدود، بل حاول تحييد المؤسسة الدينية وعزلها، حتى الشهور الأخيرة قبل انتصار الثورة الإيرانية.
بعد نفي الإمام الخميني واعتقال عدد من علماء الدين، تراجع دور الاتجاه الذي مثله، بينما ساد التيار الآخر في المؤسسة الدينية طوال الفترة الممتدة من (1963 إلى 1979م)، أي إلى أن حسمت الحركة الشعبية المعركة لصالح تيار الإمام الخميني.
إن الفترة التي نشط فيها شريعتي داخل إيران – منتصف الستينات إلى 1977م- كانت فترة تشتت وانحسار الحركة الساسية المنظمة، فترة اختمار النهوض الإسلامي، فترة صراع الإيديولوجيات في الحركة السياسية. لكن هذه الفترة، لك تكن انحسارا مطلقا ولا فراغا حقيقيا، فهي لم تخل من نضالات وطنية منظمة، حيث نشطت منظمات، مثل مجاهدي الشعب وفدائيي الشعب في العمل المسلح، وإن كان ذلك العمل قد اتسم بطابع العمليات المحدودة والاغتيالات. كما جرت محاولات عدة لبناء منظمات سياسية سرية. إلا إنه يمكن القول إن أسبابا عدة – منها منهج الحركة السياسية المنظمة وطبيعة تكونها وأساليب عملها، وكذلك القمع المنظم الذي مارسته أجهزة الشاه-، حاولت دون تكون أي حركة كبيرة منظمة في الستينات وأوائل السبعينات. لذلك جرى التمهيد الأساس للثورة الأخيرة خارج أطر التنظيمات السياسية التقليدية. أي أنه جرة أساسا، ضمن وسائل التعبئة والتنظيم والتحريض التي وفرها الإسلام والمراكز الإسلامية (مساجد وحسينيات)، وضمن أسلوب تكون المؤسسة الدينية(الهيكلية التنظيمية للمرجعية الدينية للشيعة، والمدارس الدينية بشكل خاص). ولكن، وقبل ذلك كله، كانت عملية التعبئة الفكرية، والكفاح الذي خاضه علي شريعتي وآخرون على صعيد أكثر شمولية، صعيد الإيديولوجيا والفكر، هو الذي مهد فعلا – إلى جانب أسباب أخرى- للنهوض الإسلامي المنظم في ما بعد، وللحركة الشعبية التي ساهمت في الثورة الإسلامية.
لقد بدأ علي شريعتي حياته السياسية بالإسهام في النهوض الشعبي الذي قاده مصدق، ثم كعضو في حركة المقاومة الوطنية عام 1945م، ثم كعضو في حركة تحرر إيران عام 1961م، ومؤسس لفروعها في أوروبا. لكن دوره الأساس كان في مجال الفكر، والواقع أنه انتبه إلى أهمية هذه الناحية في فترة مبكرة، عندما كان يساهم في نشاطات مركز نشر الحقائق الإسلامية الذي أسسه والده. وقد نظم شريعتي بنفسه حلقات للدراسة والنقاش في المدرسة الثانوية التي كان يدرس فيها، ثم في الجامعة.
وتعتبر فترة دراسته في الخارج، ومعايشته لظروف الانتكاسة والتشتت بعد العام 1963م، فترة تبلور أفكاره وتحديد أسلوب عمله، وبالرغم من أنه بدأ حياته السياسية ضمن تيار بارز كان-الطالقاني، إلا أن أطروحاته الفكرية في ما بعد، تجاوزت هذا التيار وآفاقه. فعد أن درس في فرنسا الفلسفة وعلم الاجتماع وتاريخ الأديان، واحتك بالمدارس الفلسفية الأوروبية وبحركات التحرر العالمية -خصوصا الجزائرية-، كون منظومة فكرية متكاملة و وجهة نظر شاملة حول الدين والسياسة وتاريخ الشيعة. ووضع لنفسه رسالة مؤداها، تنقية الدين الإسلامي من شوائب عهود الانحطاط والتخلف، وجعله -كما كان في الأصل- ثورة اجتماعية، لذلك سعى إلى أن يجعل مفهومه للإسلام إطارا للثورة الإيرانية.
كان شريعتي يريد من خلال العودة إلى أصالة الإسلام، بناء منظومة أيديولوجية وفكرية كاملة، تشق طريقها كخط ثالث بين الأيديولوجيتين الماركسية والبرجوازية (الليبرالية). لكنه كان يائسا بشكل مطلق من المؤسسة الدينية القائمة. لذلك استهدف بناء شيء جديد تماما، شيء ينهض من وسط الشعب وبأيدي جيل الشباب أنفسهم. لهذا كانت مهمته في غاية الصعوبة، وقد اصطدمت حركته بمعارضة بعض رجال الدين الذين رأوا في أطروحاته نوعا من البدع، واتهموه مرة بالبهائية والوهابية وبالزندقة، ومرة بالتغرب وأخرى بالعمالة للصهيونية.
عندما قرر شريعتي العودة إلى إيران في منتصف الستينات والشروع بمجهوده الضخم، لم يحاول أبدا بناء حزب سياسي، ولا الدخول في إطارات منظمة. فقد كان واعيا لظروف المرحلة، ومعتقدا بأن نقطة البدء هي في الإعداد الفكري والإيديولوجي، الذي يجب أن يسبق عملية البناء التنظيمي والممارسة الثورية. وبالرغم من هذا، فقد ظل على صلة طيبة مع التجمعات السياسية الموجودة.
إن استناد شريعتي إلى الإسلام، يتجاوز حدود الالتزام بالدين كإيمان وكمراسم عبادة، ويتجاوز أيضا كونه يمثل هوية الإنسان المسلم وانتماءه، بل إنه حاول أن ينظر لإيديولوجيا إسلامية، لمنظور شامل، واثقا بأن نظرة معينة إلى العالم، تقود إلى مواقف فكرية وسياسية معينة أيضا. ففي معرض تحليله لسيرورة الفلسفة المثالية والمادية والبنى السياسية والاجتماعية المبنية على كل واحد منهما، يصل إلى اعتماد النظرية التوحيدية التي تهدي الإنسان إلى نظرة صحيحة للعالم، فهي مضافا إلى انعكاساتها الاجتماعية تضمن طريقا مستقلا عن الشرق والغرب، وتهيئ أيضا الأساس الفكري لنهوض العالم الإسلامي).. (2)
ولم يبحث علي شريعتي موجبات الثورة من خلال أفكار خارج الفهم الإسلامي، وإنما عمل على صياغة رؤية اجتماعية للدين، تبشر بالإيمان وتعمل على إخراج الدين من صومعة الانعزال وجعله من جديد دين للحياة والكفاح الاجتماعي..
ولاريب ان تصفية الإسلام مما علق به من خرافات وبدع وصيانته من التغرب والالتحاق بالنموذج الحضاري الغربي ساهم في ان يتحول إلى مشروع للقيام والثورة..
هذا ما عمل من أجله علي شريعتي وكان جهده الفكري والثقافي يصب في هذا الاتجاه..وفي تقديرنا أن علي شريعتي نجح في أداء دوره وفي تعبئة الشعب الإيراني باتجاه المطالبة بالحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعية..(ويرى علي شريعتي في الدفقة الروحية التي تنتجها ” العودة إلى الذات ” نوعا من الاعجاز الذي يجعل من الوعي محركا للتاريخ والمجتمع، يعكس المفهوم المادي الذي يجعل من المادة محركا للفكر والوعي المنعكس على المادة..
وتلك ظاهرة لم يستطع علماء الاجتماع الوضعيون فهمها ما خلا ماكس فيبر.. فالمجتمعات الراكدة ” الآسيوية “، أو الثالثية ” العالم ثالثية ” أحدث فيها الدين ” الجزائر ” أو لاهوت التحرير ” أمريكا اللاتينية”، ناهيك عن إيران نهضة روحية – سياسية قلبت الأمور رأسا على عقب ضد الاستعمارين الخارجي والداخلي وتبدل حال المثقفين ” الغرباء ” – المحليين والعفويين – غير ” المتغربين ” ولا السلفيين، فباتوا لا يستطيعون اعتناق الايدلوجيات السائدة، فيهاجرون إلى الذات، في حركة من الوعي المستقل، المقترن بالإيمان والأصالة).. (3)
الأيدلوجيا والإنسان:
على المستويين المعرفي والإنساني من حق أي إنسان، أن يتبنى رأي أو منظومة فكرية، لأن هذه من الحقوق الأساسية للإنسان، ولا يمكن لهذا الإنسان حتى لو تنازل عن هذا الحق، أن يعيش الحياة بدون هذا الحق. فمن لوازم الوجود الإنساني أن يمتلك رأيا وفكرة تجاه كل الظواهر الإنسانية سواء كانت فردية أو جماعية.
ولعل بعض المشاكل التي تحدث في المجتمعات الإنسانية، حينما تتشكل رؤية دينية أو دنيوية أن من حق القائمين على هذه الرؤية امتلاك هذا الحق، وبالتالي يتم التعدي الأيدلوجي على أحد حقوق الإنسان الأساسية تحت تبريرات معينة قد يقتنع بها الإنسان ضمن ظرف محدد أو قناعة أيدلوجية ثابتة.
إلا أن أي تحول يصيب الإنسان، سيلتفت إلى هذا الحق المنزوع وسيعمل على إعادة هذا الحق.
فالأيدلوجيات ليست مهمتها انتزاع حقوق الإنسان الأساسية، أو التعدي على البعد الذي لا غنى للإنسان عنه. وكل أيدلوجية سواء كانت دينية أو غير دينية تسيطر على هذا الحق فإن الإنسان حينما يتحرر من قيود هذه الأيدلوجية، سيلتفت إلى حقه، وسيعمل لإعادته إليه. وبالتالي فإن الأيدلوجيات التي تمتلك شهوة التدخل في تفاصيل وخصوصيات الإنسان، لا سبيل مستديم إلى نجاحها وتميزها في أي بيئة اجتماعية.
وعليه فإن الإنسان ليس في موقع خدمة الأيدلوجيا، ومن يعتقد أن مهام الإنسان الأساسية خدمة هذه الأيدلوجيا أو تلك، فإنه يمارس تزييف الوعي لهذه الأيدلوجيا ولدور الإنسان في الوجود والحياة. فالإنسان ليس خادما للإيدلوجيا، وإنما الأيدلوجيا هي في خدمة الإنسان سواء على المستوى المعنوي أو الاجتماعي.
والإنسان حينما يضحي بحياته من أجل مبادئه، فهو في حقيقة الأمر يدافع عن وجوده النوعي بفعل عوامل احتقان أو غضب ليس للأيدلوجيا أي دخل بها. فالإنسان حينما تغضبه السياسة أو الأوضاع الاقتصادية أو أي شيء آخر فهو يضحي بنفسه بوصف أن هذه التضحية هي التي ستحرر المجتمع الذي أنتمي إليه من كل القيود والأغلال التي تفرضها الأوضاع والظروف السياسية أو الاقتصادية.

وعليه فإن الأيدلوجيا بما تمتلك من مخزون معرفي ومعنوي جاءت لخدمة الإنسان ونقله من طور لآخر.
وبالتالي فإن الأيدلوجيات سواء كانت سماوية أو غير سماوية، جاءت من أجل أن يعيش الإنسان حياة جديدة، مختلفة وتفرض هذه الأيدلوجيا أن هذه الحياة أكثر سعادة واستقرارا.
نسوق هذا الكلام من أجل نحرر علاقة الإنسان والأيدلوجيا من نزعة الهيمنة والخدمة التي لا تنتهي.
ونعتقد بشكل جازم أن الأيدلوجيا التي لا تخدم الإنسان ولا تسعى إلى تطوير وجوده على المستويين المادي والمعنوي، فإن هذه الأيدلوجيا لن تصمد في حياة الإنسان وسرعان ما يفارقهما هذا الإنسان لصالح رؤية أو أيدلوجيا جديدة أو مغايرة.
ولعل النقطة المركزية في تحرير العلاقة بين الإنسان والأيدلوجيا هي في تحرر من يخدم من، هل الأيدلوجيا خادمة للإنسان أم العكس.
نحن نعتقد أن الأيدلوجيا هي بمثابة خريطة طريق يسير عليها الإنسان سواء في حياته الخاصة أم العامة، وإن الالتزام بهذه الخريطة ستجنب الإنسان الكثير من الصعوبات والمآزق.
وعليه فإن الأيدلوجيا هي في موقع خدمة الإنسان على المستويين المعنوي والمادي، الفردي والجماعي.
وإن أي تغيير في هذه المعادلة سيضر جوهريا بالإنسان والأيدلوجيا في آن واحد..
وعليه فإن الأيدلوجيا التي تكون معبرة بشكل صحيح عن جوهر الإنسان وفطرته الأساسية، فإن هذه الأيدلوجيا ستنجح في تقديم خدمات جليلة للإنسان، وستتمكن هذه الأيدلوجيا من التمكن من تقديم الخدمات الضرورية للإنسان..
أما إذا كانت هذه الأيدلوجيا مغايرة للإنسان أو غير منسجمة وطبيعة الإنسان وفطرته الأساسية فإن هذه الأيدلوجية ستتحول إلى قيد حقيقي يمنع الإنسان من ممارسة حياته بشكل سليم.
بحيث تكون هذه الحياة متناغمة بشكل دقيق مع ما يصبوا إليه الإنسان انطلاقا من خصائصه الإنسانية والميولات الجوهرية التي تفرضها الفطرة التكوينية للإنسان..
ونحن نعتقد إن بناء هذه الرؤية في علاقة الأيدلوجيا والإنسان والعكس، سيحرر الإنسان من الكثير من القيود والكوابح التي تحول دون أن يعيش الإنسان حياة مستقرة وعميقة. وإن مربط الفرس أن يعيش الإنسان حياة طبيعية ومستقرة، تبدأ من طبيعة العلاقة التي تربط الإنسان بالأيدلوجيا التي يحملها.
وعليه فإن كل أيدلوجيا تسوغ لحاملها قتل الإنسان المختلف بدون سبب إلا سبب الاختلاف، هي أيدلوجيا مضرة للإنسان راهنا ومستقبلا.

وهذا القبول لا يعني بأي حال من الأحوال، أن ننخرط في المضاربات الأيدلوجية والفكرية، بل يعني توفير الظروف الذاتية والموضوعية لترجمة المفردات الجديدة إلى حقائق شاخصة ووقائع راسخة..
ولا نعدو الصواب حين القول: أن هذه العملية بحاجة إلى تكريس قيم الحرية والعدالة في الفضاء الاجتماعي.. وذلك لأنه إذا توفرت الحريات العامة، توفر المناخ الملائم لتعبئة طاقات المجتمع، وبلورة كفاءات نخبته، وازدادت إبداعاته ومبادراته، وكل هذه الأمور من القضايا الحيوية لصناعة القوة في الوطن..
ويخطأ من يتصور أن الإقصاء والنفي والنبذ، هي القادرة على خلق المواطنة الصالحة وحالة الولاء إلى الوطن..
إننا نرى ومن خلال التجارب التاريخية العديدة، أن الحرية والشفافية وسيادة القانون والمؤسسات الدستورية، هي الكفيلة بتعميق حس المواطنة الصالحة.. فشعب الولايات المتحدة الأمريكية، أتى من بيئات جغرافية متعددة، وأطر عقدية ومرجعيات فكرية وفلسفية متنوعة، ولكن الحرية بكل آلياتها ومجالاتها ومؤسساتها، وسيادة القانون والمؤسسات الدستورية، هي التي صهرت كل هذه التنوعات في إطار أمة جديدة وشعب متميز..
وحدها الحرية التي تعيد الاعتبار إلى الذات والوطن، وتعيد صياغة العلاقة بينهما، فتنتج وعيا وطنيا صادقا، يحفز هذا الوعي على الدفاع عن عزة الوطن وكرامة المواطنين.. فالاستقرار السياسي والمجتمعي يتطلب باستمرار تطوير نظام الشراكة والحرية على مختلف الصعد والمستويات، حتى يتسنى للجميع كل من موقعه خدمة وطنه وعزته..
وأن القواسم المشتركة المجردة بوحدها لا تصنع وحدة، وإنما هي بحاجة دائما إلى تنمية وحقائق وحدوية ومصالح متداخلة، حتى تمارس هذه القواسم المشتركة دورها ووظيفتها في إرساء دعائم الوحدة وتوطيد أركان التوافق..
لذلك فإن المطلوب، أن ننفتح على مساحات التنوع ونتواصل مع المختلفين من أجل استنبات مفاهيم وقيم جديدة، تزيد من فرص تقدمنا، وتحررنا من شبكة العجز والاستكانة، وتجعلنا نقتحم آفاقا جديدة، تحملنا على نسج علاقة جديدة مع مفاهيم الحرية والنقد والتواصل والوطن..
وعلى هدى هذه العلاقة الجديدة، وذات المضامين الحضارية والإنسانية، نخلق فضائنا النقدي، ونمارس تنوعنا وتعدديتنا، ونجسد حضورنا وشهودنا..
والنقد لا يعني بأي حال من الأحوال التفلت من القيم ومحاسن العادات والأعراف، وإنما يعني استخدام إرادتنا والتعامل مع راهننا بتحولاته وتطوراته بما ينسجم والمثل العليا والضمير والوجدان..
فالنقد المنضبط بضوابط الحكمة والمصلحة العليا، من وسائل التطور والتقدم.. لذلك ينبغي أن لا نخاف من النقد أو نرذله، وإنما من الضروري التعامل الفعال والإيجابي مع عمليات النقد عن طريق الآتي:
ثقافة جديدة:
1- من المؤكد أن تثمير النقد في عمليات التقدم الاجتماعي، بحاجة إلى ثقافة جديدة تدخل في النسيج الاجتماعي، قوامها قيم التسامح والحرية وحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير.. فالنقد يتطور ويؤتي ثماره الإيجابية، حينما تسود ثقافة تسمح للجميع بممارسة حقائقهم وقناعاتهم، وتعطيهم حق التعبير عن آرائهم وأفكارهم.. فلا فعالية للنقد، بدون ثقافة تعتني بعملية الحوار وتنبذ كل خيارات الإقصاء والنبذ والعنف.. فبمقدار تواصلنا المعرفي وحوارنا الثقافي مع الآخرين، تتجلى فعالية النقد في الفضاء الاجتماعي..
حيوية اجتماعية:
2-لا يتطور النقد، ولا يعطي ثماره الإيجابية، إلا في فضاء اجتماعي يستوعب ضرورات النقد، ويوفر متطلبات استيعابه..
فالحيوية الاجتماعية، ووجود أطر ومؤسسات وقنوات لتداول الرأي وممارسة النقد والمراجعة والتقويم، كلها عوامل تساهم في توظيف عملية النقد والمراجعة في تقدم المجتمع ورقيه الحضاري..
لذلك فإن المطلوب من جميع الشرائح والتعبيرات الاجتماعية، أن تتحلى بسعة الصدر وحسن الظن والحكمة من أجل تثمير عملية النقد في البناء والعمران..
حوار النخب:

3- من البديهي القول: أن المشاكل في حد ذاتها لا تنشأ من وجود الاختلاف، ولا من وجود أنظمة للمصالح مختلفة، بل تنشأ من العجز عن إقامة نظام مشترك أو من تخريب هذا النظام من بعد إيجاده..
وحوار النخب ينطلق من الاعتراف بالآخر كما هو شريكا مختلفا مع احترام هذا الاختلاف وفهم أسبابه واعتباره حافزا على التكامل لا داعيا إلى الافتراق، وقدرة نفسية وعملية تتطلب رؤية الذات من موقع الآخر، وقدرة على فهم الآخر بلحاظ اعتباراته ومعاييره الخاصة..
فحوار النخب من الأطر الهامة، لاستيعاب عملية النقد والمرجعة، والانطلاق نحو تصحيح الأوضاع وتقويم الاعوجاج.. كما أن هذا الحوار من الخطوات الجوهرية التي تساهم في تأسيس نظام مشترك وصيغة فعالة وعملية للتنسيق والتعاون..
وجماع القول: إننا لا يمكن أن نمنع النقد والتفكير الحر، وأن أي جهد يبذل في سبيل منعهما، يدخل الجميع في متاهات ودهاليز، لا تفضي إلا إلى المزيد من التدهور والدخول في معارك هامشية، تشتت الطاقات، وتبعثر الجهود، وتكثف من حالات التردد وجلد الذات..
بينما المطلوب هو الإنصات الوعي لعملية النقد والتفكير الحر، واستيعاب القضايا الرئيسية المطروحة والمتداولة، وذلك لإحداث نقلة نوعية في مسيرة مجتمعنا ووطنا باتجاه أكثر حيوية وفعالية نحو التطلعات والطموحات المشروعة..
وجماع القول: إن إعادة الاعتبار إلى الانسان، هو المدخل الضروري لتحويل الإنسان من طاقة سلبية لا إبالية، إلى طاقة إيجابية – بناءه.. لذلك عمل الدكتور علي شريعتي في مشروعه الثقافي والاصلاحي، إلى إعادة الاعتبار إلى الانسان، وعمل على إزالة كل الوقائع التي تحول دون إنسانية الانسان.. وحينما يتمكن الانسان من إزالة كل ما يعيقه، سيتحول هذا الانسان إلى فاعل إيجابي في هذه الحياة..
ورؤية علي شريعتي في هذا السياق، قائمة على تحرير الانسان من كل ما يعيقه من عوامل نفسية وموضوعية واجتماعية وسياسية.. لأن الانسان المحرر من القيود هو القادر على العطاء والتميز وصناعة الفرادة والتميز..

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on ندوة حول : “حرب اوكرانيا وانعكاساتها على أوربا وتونس والمنطقة المغاربية”

ندوة حول : “حرب اوكرانيا وانعكاساتها على أوربا وتونس والمنطقة المغاربية”

دعوة
ينظم بمقر مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات يوم السبت 24 سبتمبر انطلاقا من التاسعة والنصف صباحا ندوة حول : “حرب اوكرانيا وانعكاساتها على أوربا وتونس والمنطقة المغاربية”بمشاركة الاساتذة المنصف السليمي وكمال بن يونس واسيا العتروس .
1) المنصف السليمي. الصحفي ومدير تحرير في شبكة دوتشي فيلا الالمانية .DW .عمل في مؤسسات اعلامية عربية ودولية، كمراسل في المنطقة المغاربية ومنتج برامج وثائقية تفزيونية بدبي. ويعمل حاليا مديرا للتحرير في القسم العربي لمؤسسة دويتشه فيله الألمانية في بون.
له عدة مؤلفات حول “صناعة القرار السياسي الأمريكي” و”التغيير والشباب في المغرب” والعلاقات الاسبانية المغربية (أزمة جزيرة ليلى نموذجا) ومنظومات الحكامة في الدول المغاربية..كما صدرت له مؤلفات جماعية ودراسات في دوريات متخصصة حول قضايا الاعلام الرقمي والشباب والحكامة والهجرة والاسلام السياسي في المنطقة المغاربية وملف الصحراء والعلاقات المغاربية.
رئيس ومؤسس المؤسسة الالمانية المغاربية للثقافة والاعلام

2) كمال بن يونس، رئيس مؤسسة ابن رشد للدراسات الاستراتيجية و مستشار عديد مراكز الدراسات الدولية، مدير تنفيذي لجمعية دراسات دولية سابقا ..
+مدير عام سابق لقناة الجنوبية التلفزية وإذاعة الزيتونة التونسية.
+ رئيس تحرير أول في دار الصباح، باحث في التاريخ والعلوم السياسية والدراسات الدولية .
• خبير و محلل ومراسل إقليمي في قنوات تونسية وعربية ودولية عديدة من بينها BBC والشرق الأوسط وعربي 21.

3) اسيا العتروس رئيسة تحرير صحيفة الصباح سابقا والخبيرة في الشؤون العربية والدولية الاعلامية.

+متحصلة على الاستاذية المزدوجة في اللغات انجليزية صينية معهد بورقيبة للغات قبل أن تلتحق بمعهد بيكين للغات لدراسة الحضارة واللغة الصينية

+ مارست التدريس قبل الالتحاق بالصحافة في 1990 في قسم الشؤون العالمية بجريدة “الصباح” اليومية.

+ واكبت عديد القمم والاحداث الاقليمية والدولية وتولت تغطية أكثر من قمة عربية وإسلامية ودولية وأجرت مئات الحوارات مع شخصيات سياسية و فكرية و علمية و ثقافية عربية وغربية.

حازت على جائزة أفضل مقال صحفي لجمعية الصحفيين في 2006 عن سلسلة تقارير “رحلة الى افغانستان ” وجائزة اكاديميا لافضل حوار صحفي في 2015 وجائزة الصحافة لجمعية حماية الصحفيين في 2015 .
وتحصلت على الشهادة في اللغة والحضارة الصينية جوان 1989التحقت بمعهد بيكين للغات واكبت احداث ساحة تيان ان من ومعها كان الاهتمام بعالم الصحافة وكان الحدث التاريخي لسقوط جدار برلين اول تقرير نشرته على اعمدة الصباح”.
حضوركم ومساهمتكم في اثراء الندوة يشرفنا.

عن المجلس العلمي للمؤسسة د.عبد الجليل التميمي
والدعوة موجهة إلى جميع المهتمين والمعنيين لحضور هذا المنتدى وتفعيل الحوار السبت 24 سبتمبر 2022 ابتداء من الساعة 9.30 صباحا.
العنوان المنطقة العمرانية الشمالية – عمارة الامتياز – 1003 تونس ا

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on احتمال تأجيل الانتخابات التونسية وارد جداً .. بقلم كمال بن يونس

احتمال تأجيل الانتخابات التونسية وارد جداً .. بقلم كمال بن يونس

> يلاحظ مراقبون في تونس راهناً أن صناع القرار داخل مؤسسات الحكم والمعارضة والنقابات والمجتمع المدني ترصد وتتابع باهتمام المواقف المتناقضة الصادرة عن واشنطن وبروكسل وباريس وبرلين ولندن وروما والجزائر من مشروع «الجمهورية الجديدة» الذي يعمل عليه الرئيس قيس سعيد، وأيضاً من الانتخابات البرلمانية التي من المقرر أن تنظم في آخر عام 2022 الجاري بعد تعديل القانون الانتخابي القديم.
وبالفعل، فتحت مختلف وسائل الإعلام التونسية حوارات حول سيناريوهات تنظيم هذه الانتخابات أو تأجيلها، شملت رسميين ومستقلين ومعارضين وشخصيات عربية ودولية. ولقد أوحت هذه الحوارات بأن «تأجيل» الانتخابات البرلمانية احتمال «وارد جداً. أما السبب وراء ذلك فهو أن تنظيم الاقتراع العام في ظل المشهد السياسي الحالي سيفرز برلماناً جديداً «متشرذماً سياسياً» وتتحكم فيه أساساً ثلاثة أطراف كبرى، هي: أنصار الرئيس قيس سعيد، ومنظومة ما قبل 2011 بزعامة حزب عبير موسي (زعيمة الحزب الدستوري الحر)، ومنظومة العشرية الماضية بقيادة أحزاب «النهضة» و«النداء» و«تحيا تونس» و«قلب تونس».
من ناحية أخرى، قد تكرس الانتخابات هذه – وفق المراقبين – تأثيراً متزايداً لقيادات النقابات العمالية اليسارية والقومية العروبية و«الاتحاد العام التونسي للشغل» في المشهدين البرلماني والسياسي المقبلين. ويجمع المراقبون على أن «رموز الدولة»، بما في ذلك «قيادات المؤسسة العسكرية والأمنية التي ساندت بقوة قرارات 25 يوليو 2012 الاستثنائية»، وأيضا الإطاحة بالبرلمان وحكومة هشام المشيشي، و«تهميش دور النقابات والأحزاب وحركة النهضة»، لا يريدون إعادة إنتاج «نفس المشهد السياسي والبرلماني».
في هذا السياق بالضبط، فهم المراقبون الرسائل الواضحة التي صدرت أخيراً عن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وعدد من أعضاء الكونغرس الأميركي والبرلمان الأوروبي، والتي أكدت على «حياد المؤسسة العسكرية في تونس خلال المرحلة القادمة» وعلى «مدنية الدولة». وتزامن ذلك مع إعلان هذه المرجعيات نفسها وبوضوح عن معارضتها ما اعتبرته «تغول النقابات»، وعن إعلان مساندتها لشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنوك الأوروبية بما فيها اعتماد «إصلاحات اقتصادية اجتماعية» تهدف إلى إيقاف «نزيف أموال الدولة» بسبب عشرات آلاف الإضرابات التي شهدتها تونس منذ «يناير 2011»، وكلفتها أعباء مالية، وتسببت في تراكم عجز موازنة الدولة، وارتفاع نسب المديونية والتضخم والبطالة والفقر.
في ضوء هذا كله من بين الأسئلة التي تفرض نفسها على الجميع اليوم هو… هل ستقبل الأطراف التي نجح الرئيس سعيد في إضعافها، وبينها النقابات والأحزاب وجماعات «الإسلام السياسي»، بموازين القوى الجديدة… أم ستعمل على استغلال الأزمات الاقتصادية الاجتماعية والسياسية المعقدة والمتراكمة، فتفجر اضطرابات جديدة بعد موسم الإجازات الصيفية وإعادة فتح الجامعات والمدارس في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل؟
ثم إنه في حال «تمردت» قيادات النقابات والأحزاب وقيادات «الإسلام السياسي»… هل سترد السلطة بصورة مباشرة، فتمضي في «المواجهة الشاملة»، أم تقرر من جديد أن تغير أولوياتها وسياساتها بالتفاعل مع «توصيات» الاتحاد الأوروبي وكبار شركائها في فرنسا والولايات المتحدة الأميركية؟
في كل الحالات يبدو أن «سيناريو» تفعيل دور المؤسستين العسكرية والأمنية قد يفرض نفسه… وإن كان الشعار لا يزال «حياد الجيش» و«ضمان مدنية الدولة».