البارزة, ندوات ودراسات 0 comments on وثائق نادرة عن قيس سعيّد والسبسي وعالم السياسة بتونس

وثائق نادرة عن قيس سعيّد والسبسي وعالم السياسة بتونس

صدر مؤخرا المجلدان السابع والثامن عن “مرصد الثورة التونسية” ضمن منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، التي نشرت في الأعوام الماضية عشرات المؤلفات الثرية عن تجارب الحكم والمعارضة وبناء الدول الحديثة في تونس وشمال أفريقيا والمنطقة.

ونشرت مئات الدراسات والكتب المختصة عن تاريخ الأندلس والدولة العثمانية بعضها في “المجلة التاريخية المغاربية” التي أسسها الأستاذ التميمي منذ 1974. وقد خصص جانب من محوتيات العدد 181 لتكريم العالم والباحث الجامعي المغربي “التطواني-الأندلسي” الأستاذ امحمد بن عبود.

وقد تضمن المجلد السابع، الذي صدر في حوالي 500 صفحة من الحجم الكبير محاور عديدة من بينها بالخصوص:

محور الشخصيات وطنية

وجاء في هذا المحور بالخصوص:

ـ أولا: عرض لملتقى خصص لتاريخ الزعيم الوطني صالح بن يوسف، شهادة من نجله الحكيم لطفي بن يوسف ونخبة من الجامعيين والسياسيين عن مسيرة الزعيم الذي نافس الزعيم الحبيب بورقيبة على رأس الحركة الوطنية ثم قاد تمردا ضده انتهى باغتياله عام 1962 في عملية تبناه بورقيبة رسميا.

 

                        الزعيم الوطني في تونس صالح بن يوسف

ـ ثانيا: عرض للمسار السياسي لرجل الدولة الكبير الوزير الباهي الأدغم، تقديم كتابه مع نجله الحكيم والوزير السابق عبد الرحمان الأدغم، مع استعراض دوره في تونس وفي فلسطين ومصر والمشرق العربي ونجاحه في إنقاذ الزعيم ياسر عرفات وإيقاف مذبحة الفلسطييين في الأردن ضمن ما عرف بـ “مذبحة أيلول الأسود” عامي 1970 و1971.

 

ـ ثالثا: ملتقى الذاكرة الوطنية مع رئيس الحكومة الأسبق ووزير الاقتصاد رشيد صفر حول فترات عمله السياسي من 1977 إلى أكتوبر 1988.

الصراعات في تونس وفي الوطن العربي:

تضمن هذا المحور ورقات مهمة عن المحاور التالية:

ـ أولا: سوريا بعد 2011 والعلاقات التونسية-السورية المعاصرة مع المفكر الأستاذ احميده النيفر، والسفير محمد الحصايري، والمؤرخ عبد اللطيف الحناشي، والزعيم النقابي والحقوقي القومي العربي سالم الحداد..

ـ ثانيا: ملتقى عن “ذاكرة الحركة الطلابية” وتحديدا حول تجربة “حركة الطلبة العرب التقدميين الوحدويين”؛ مع عالم الاجتماع القومي العربي سالم لبيض والمؤرخ محمد ضيف الله.

ـ ثالثا: تطورات الأوضاع في تونس والمنطقة، من خلال شهادات الإعلامي والأكاديمي والحقوقي المستقل كمال بن يونس والملتقى الحواري الكبير الذي نظم معه تحت عنوان “40 عاما بين الصحافة والسياسة”.

وقدم الكتاب عرضا من خمسين صفحة لشهادات كمال بن يونس وتفاعل شخصيات إعلامية وسياسية تونسية وفلسطينية وعربية بينها نقيب الصحفيين سابقا عبد اللطيف الفراتي، والإعلامي والنقابي الكبير محمد العروسي بن صالح، ورئيس حزب التكتل والمجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، ووزير التربية والأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية عبد اللطيف عبيد، والمؤرخين الكبيرين عبد الجليل التميمي ومحمد ضيف الله، والصحفيين آسيا العتروس ومحمد الصالح الربعاوي ومحمد بنور، والمحامي الحقوقي فتحي عبيد، وثلة من كبار المثقفين والحقوقيين التونسيين والعرب بينهم الطاهر بوسمة وبديع جرادو رجاء سليم وعامر محمد ومصطفى بن شعبان والطاهر خواجة وسفير فلسطين بتونس هائل الفاهوم والأكاديمي والاعلامي الفلسطيني هاني مبارك ومدير وكالة وفاء الفلسطينية بتونس منذ عقود الطاهر الشيخ عثمان جولاق…الخ .

 

                                 كولن باول وبن علي

رهانات اقتصادية وعلمية

ورد في هذا المحور بالخصوص عرض ملتقيات وندوات وحوارات حول القضايا الاقتصادية والتربوية والعلمية من بينها :

1 ـ ندوة مع العميدة السابقة لكلية الاقتصاد الدكتورة رياض الشعبوني الزغل حول “الرهان على دور الجامعات في تحقيق التغيير الاجتماعي والإداري الناج “.

2 ـ ملتقى مع الأكاديمي والخبير الاقتصادي ياسين بن إسماعيل تحت عنوان “مقاربة علمية في أنثروبولوجيا البنوك المركزية لتمويل عجز ميزانيات الدول”.

قيس سعيّد وقائد السبسي

وتضمن المجلد الثامن لمرصد الثورة التونسية دراسات وشهادات مهمة عن مسيرة رجل الدولة وأب الديمقراطية التونسية أحمد المستيري بمشاركة نخبة من المثقفين والسياسيين التونسيين بينهم الأساتذة نجيب العياري ورشيد خشانة وكمال بن يونس ونور الدين مباركي محمد بنور والطاهر خواجة ومريم بن القدوة…

وتضمن المجلد عرضا لفحوى ندوة علمية حوارية تاريخية نظمتها مؤسسة التميمي في أيلول (سبتمبر) 2017 حول تصريحات مثيرة للجدل صدرت عن رئيس الجمهورية آنذاك الباجي قائد السبسي.

 

               قائد السبسي في مؤتمر حزب النهضة بحضور الغنوشي ومورو

وكان أول المتدخلين في تلك الندوة خبير القانون الدستوري آنذاك قيس سعيد الذي قدم مداخلة شاملة حول نقده للمنظومة السياسية التي تحكم تونس منذ ثورة إسقاط حكم الرئيس زين العابدين بن علي في موفى 2010 ومطلع 2011 .

وقد انتقد سعيد في مداخلته كامل المنظومات السياسية التي حكمت البلاد منذ عهد بورقيبة. واعتبر أن بعض السياسيين وقادة “الأحزاب” التفوا بعد ثورة يناير 2011 على الانتفاضة الاجتماعية للشباب والمهمشين.

واتهمهم بالانقلاب خلال “اعتصام القصبة 2” على “ثورة الشباب وفي مطالبه الاجتماعية التي عبر عنها في اعتصام القصبة 1”.

وانتقد سعيد في تلك المداخلة “التلاعب بالبرلمان” وطريقة إسقاط حكومة الحبيب الصيد. كما أنه انتقد كامل المنظومة السياسية ونظام الاقتراع وما وصفه باختراق الأطراف السياسية للبرلمان وللقضاء وللمجلس الأعلى للقضاء..

ودعا سعيد السياسيين والخبراء إلى القيام بمراجعات وإلى اعتماد نظام سياسي جديد لا يتغول فيه السياسيون ومسؤولو الأحزاب وإلى الاقتراع على الأفراد عوض الاقتراع على نظام القائمات..

وتؤكد هذه المواقف التي أدلى بها قيس سعيد في 2017 أنه يحمل منذ ذلك الوقت نفس الأفكار والمواقف التي يسعى إلى تطبيقها منذ تموز (يوليو) 2021.. بما في ذلك موقفه من البرلمان ومن القضاة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني.. وثائق تستحق القراءة والنقاش..

 

 

المصدر:  عربي21- كمال بن يونس  

البارزة, ندوات ودراسات, وجهات نظر 0 comments on تيار الهوية في البلدان المغاربية.. «سلفي – مشرقي» أم « وطني تحديثي»؟ .. بقلم كمال بن يونس

تيار الهوية في البلدان المغاربية.. «سلفي – مشرقي» أم « وطني تحديثي»؟ .. بقلم كمال بن يونس

هل أفرزت حركات الإصلاح والنهضة في القرنين 19 و20 وعيا سياسيا حداثيا وتحديثيا أم انتصر تيار «السلفيين – المشارقة» التقليدي تحت تأثير تلامذة المصلحين (جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا) من قيادات تيارات «الإسلام السياسي المعاصر» وبينها جماعة الإخوان المسلمين والحركات التي خرجت من رحمها؟
وهل لا يمكن الحديث عن «الاستثناء التونسي والمغاربي» عربيا وإسلاميا نتيجة تميز شمال أفريقيا بسياسيين ومثقفين ومفكرين «ليبراليين وحداثيين» حاولوا منذ القرنين الماضيين الانخراط في تيار المعاصرة الأوروبي العالمي مع الاستفادة من الرصيد العقلاني للتراث العربي الإسلامي ومكاسب التحديث التي سبقت الاستعمار، ثم تعززت خلال مرحلتي الصراع معه وبناء الدولة الحديثة المستقلة؟

الدولة الحسينية

من خلال قراءة تطورات المشهد الفكري والسياسي في تونس والبلدان المغاربية منذ القرن 18 يتضح بروز مبكر لتيارات التجديد والتحديث في مفهوم نظم الحكم ودور الدولة «الوطنية».
فقد كان عام 1705 – تاريخ تأسيس الدولة الحسينية التي حكمت تونس حتى 1957 – محطة حاسمة في تأسيس «نواة» الدولة الوطنية.. التي تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية عن «الباب العالي» في اسطنبول.. وكان مؤسسها عسكريا من أصول يونانية ومن أم تونسية (كورغلي)، وليس تركيا بنسبة مائة في المائة.. واختاره أعيان العاصمة التونسية ورجال أعمالها وليس قادة الجيش العثماني.. مثلما أوضح المؤرخ التونسي الكبير محمد الهادي الشريف الذي قضى 20 عاما في إعداد رسالة دكتوراه عن الدولة الحسينية.. تحت عنوان «السلطة والمجتمع في تونس في عهد حسين بن علي 1705 – 1740».
وفي المغرب والجزائر وليبيا برزت ظواهر «استقلالية وطنية» مبكرة مماثلة.. فضلا عن كون المملكة المغربية لم تكن أبدا «إيالة (أي ولاية) عثمانية».. مثلما أوضح المؤرخ سعيد بحيرة في رسالته الجامعية عن «قراءة أخرى في الهوية التونسية».

تأثيرات جغرافية وتاريخية

ويعتبر عدد من الخبراء في الأنتروبولوجيا والعلوم الاجتماعية والتاريخية والحضارية أن عوامل جغرافية وتاريخية كثيرة تفسر «خصوصيات» النخب والمثقفين والمصلحين الدينيين والسياسيين في تونس والمنطقة المغاربية.. وانخراطهم المبكر في قيم الحداثة والمواطنة والتأويل العقلاني للتراث مع التفاعل الإيجابي مع تيار النهضة والتنوير في فرنسا وأوروبا.. بفضل القرب الجغرافي والانفتاح الثقافي المبكر في بلدان شمال أفريقيا على أدبيات الفلاسفة والمثقفين الفرنسيين.
في هذا السياق يتحدث الجامعي فتحي القاسمي، صاحب رسالتي دكتوراه عن الفكر التونسي والمغاربي في العهدين الحديث والمعاصر عن تأثيرات موجة هجرة الأندلسيين إلى تونس وشمال أفريقيا منذ مطلع القرن 17.. خاصة بعد ترحيلهم النهائي عام 1609.

كما كشف القاسمي في رسالته الجامعية عن تفاعل علماء جامع الزيتونية التونسي، الذي تخرج منه جل علماء وساسة شمال أفريقيا وبعض كبار المصلحين في مصر منذ القرن 18 مع تيار الإصلاح والتجديد الأوروبي «ثم مع مضامين الثورة الفرنسية قبل عقود من احتلال نابليون لمصر واحتلال فرنسا للجزائر وتونس والمغرب وإيطاليا لليبيا».
وينفي غالبية المؤرخين التونسيين، مثل عبد الحميد هنية والهادي التيمومي، أن يكون «الاستعمار سبب نشر القيم الحديثة والإصلاحية في دول شمال أفريقيا».. ويؤكدون على البروز المبكر «للبعد الوطني والإصلاحي» في مؤلفات أبرز المثقفين والأدباء والمصلحين التونسيين والمغاربيين مثل أحمد ابن أبي الضيف مؤلف الكتاب السياسي المرجع عن إصلاح نظم الحكم في الدولة الحديثة «أقوم المسالك».

[inset_right]مفهوم «الأمة» بمفهوم «الوطن الصغير» و«المواطنة» ظهر مبكرا في تونس وبلدان شمال أفريقيا لدى جمعيات أساتذة الجامعة والمصلحين وزعماء الحركات الوطنية المقاومة للاحتلال الأجنبي[/inset_right]

وينفي كثير من الباحثين الوطنيين المغاربيين أن يكون مفهوم الدولة الوطنية وتيارات الإصلاح من ثمرات الاستعمار وتمركز البواخر الحربية الأجنبية في سواحل بلدان جنوبي البحر الأبيض المتوسط.. وقد نشر الخبيران في الدراسات الحضارية؛ فتحي القاسمي وكمال عمران، دراسات جامعية معمقة حول دور مصلحين مستنيرين بارزين من الجامعة الزيتونية منذ النصف الأول من القرن 19 من أمثال الشيخ سالم بو حاجب (1824 – 1924) الأب الروحي والأستاذ المعلم لكبار المصلحين الوطنيين والليبراليين والزيتونيين في كامل شمال أفريقيا، مثل محمد الخضر حسين، وبيرم الخامس، وخير الدين باشا التونسي.. ثم الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، وجمعيات علماء المسلمين في الجزائر والمغرب، وجمعية طلبة شمال أفريقيا المسلمين، وجمعية صوت الطالب الزيتوني، وحركة «تونس الفتاة»، وجمعية الشبان المسلمين التونسية، وزعماء الإصلاح السياسي، والحركة الوطنية في ليبيا، مثل الشيخ سليمان الباروني، مؤسس أول جمهورية مدنية عربية في مرحلة بين الحربين في القسم الغربي من ليبيا «الجمهورية الطرابلسية».

دساتير عصرية وصحافة قبل الاحتلال

وكانت الأدبيات «الوطنية» للمصلحين والوطنيين التحديثيين والزيتونيين (نسبة إلى جامع الزيتونة) سبقت الاحتلال الفرنسي لتونس وليبيا وأفرزت منذ النصف الأول للقرن الـ19 عن تأسيس صحافة وطنية في ليبيا (صحيفة المنقب الأفريقي عام 1827)، وتونس (صحيفة الرائد التونسي في 1860)، وإلغاء الرق في تونس (في 1846).. ثم إعلان دستور «عهد الأمان» للتعايش بين المواطنين التونسيين من مختلف الأديان والجنسيات (1857) وصولا إلى إصدار دستور تونسي مدني حداثي شامل (1861).

الشيخ محمد عبده الشيخ محمد عبده

وقد نصت وثيقة «عهد الأمان» – التي أصدرها الملك محمد باي في شكل مقدمة و11 مادة – على المساواة بين «سائر سكان المملكة» في الحقوق والواجبات.. وتعهد الملك المصلح في نص دستور «عهد الأمان» بضمان المساواة بين جميع سكان تونس مهما كانت دياناتهم وأجناسهم وجنسياتهم. كما جاء في مادته الأولى: «تأكيد الأمان لسائر رعيتنا وسكان إيالتنا (أي دولتنا) على اختلاف الأديان والألسنة والألوان في أبدانهم المكرمة، وأموالهم المحرمة، وأعراضهم المحترمة، إلا بحق يوجبه نظر المجلس بالمشورة، ويرفعه إلينا ولنا النظر في الإمضاء أو التخفيف ما أمكن، أو الإذن بإعادة النظر».
ونص «عهد الأمان» على مساواة الجميع في مسائل الضرائب والرسوم الجمركية، وأقر كذلك بـ«حرية مزاولة التجارة وحرية العمل في المملكة وتملك العقارات وشراء الأراضي الزراعية للوافدين على البلاد من الأجانب بشرط التزام الجميع بالقوانين المتداولة».

والتزم دستور «عهد الأمان» بإحداث مجالس قضائية «للنظر في أحوال الجنايات من نوع الإنسان والمتاجر التي بها ثروة البلدان».. وأوضح النص الحرفي بتعهد الملك بأن تكون «فصوله السياسية بما لا يصادم إن شاء الله القواعد الشرعية (أي الشريعة الإسلامية).

المواطنة.. و«القومية الملية»

وتؤكد دراسات الخبراء المستقلين وكبار المؤرخين التونسيين والمغاربيين، مثل محمد الهادي الشريف، والبشير التليلي، وعبد الجليل التميمي، ولطفي الشايبي، وسعيد بحيرة، أن مفهوم «الأمة» بمفهوم «الوطن الصغير» و«المواطنة» ظهر مبكرا في تونس وبلدان شمال أفريقيا.. لدى جمعيات أساتذة الجامعة والمصلحين وزعماء الحركات الوطنية المقاومة للاحتلال الأجنبي من محمد وعلي باش حانبة، والطاهر والبشير صفر، وعبد العزيز الثعالبي في تونس إلى سليمان الباروني، وعمر المختار، رمضان الشتيوي السويحلي، وأحمد المريض، وعبد النبي بالخير، في ليبيا إلى مصالي الحاج، وفرحات عباس، وعبد الحميد بن باديس، والبشير البراهيمي في الجزائر وعبد السلام بنونة، وأحمد بلافريج، والمختار السوسي، والمكي الناصري، وعلال الفاسي، وعبد الكريم الخطابي، وعبد الكريم غلاب في المغرب. واتضح المضمون «الوطني» أكثر ما بين الحربين العالميتين بعد بروز منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والنقابات والأحزاب العصرية.. التي كانت جميعا تنتسب إلى «الوطن» وإن أعلنت اعتزازها بالانتماء الثقافي إلى فضاء أوسع مثل «الجامعة الإسلامية» أو «الأمة الإسلامية» وروادها بزعامة جمال الدين الأفغاني ثم «الجامعة العربية» بمفهوم «الوطن العربي الكبير».. التي تبلورت خاصة بعد «الثورة العربية الكبرى» (1936 – 1938) في فلسطين بزعامة الحاج أمين الحسيني.

[inset_right]بدأ التجديد الفكري والسياسي في تونس مع تيار هوية إصلاحي من داخل الحزب الدستوري الحاكم وتيار داخل «اتحاد الكتاب التونسيين» بزعامة محمد مزالي وزير التربية
[/inset_right]

وفي هذا السياق ظهرت في الصحافة وأدبيات الأحزاب الوطنية المغاربية كتابات مصلحين ووطنيين إسلاميين وليبراليين وزعماء سياسيين يستعملون مصطلح «القومية الملية»؛ (من الملة بكسر الميم وفتح اللام وتشديدها).
وكانت القيادة الوطنية للحزب تسمى «الهيئة الملية».. أو «المجلس الملي»؛ أي «المجلس الوطني».
وفي كل تلك الأدبيات برز حديث عن الوطنية والقومية معا.. مع عدم تمييز في أدبيات جل الساسة والكتاب والمصلحين المغاربيين بين النضال ضد الاحتلال الأجنبي ومشاريع بناء «دولة عصرية» و«إصلاح التعليم» و«قيم العروبة والإسلام».. لأسباب كثيرة من بينها انتساب أكثر من 99 في المائة من المواطنين في شمال أفريقيا للإسلام وللمذهب المالكي وعدم وجود طوائف دينية ومذهبية.

ومن خلال مختلف التعريفات التي قدمت للوطن و«الملة» – من قبل الزعماء الوطنيين العلمانيين والليبراليين أنفسهم مثل عبد الكريم الخطابي، وعبد الكريم غلاب في المغرب، وعبد العزيز الثعالبي، ومحمود الماطري، والحبيب بورقيبة، وصالح بن يوسف في تونس – يتضح أن الهاجس كان التوفيق بين «الوطن الصغير» والأمة العربية كانتماء ثقافي حضاري.. بين مكاسب الحداثة في أوروبا والجوانب المستنيرة في التراث وفي أدبيات المجددين، ومصلحي القرن 19.. الذين أكدوا على أن التقدم يبدأ ببناء دولة عصرية لديها مؤسسات سياسية حديثة على غرار تلك التي برزت في أوروبا بعد الثورة الفرنسية في 1789.

الاتجاه الوطني الإسلامي

ويعتبر الباحث الجامعي والكاتب سعيد بحيرة أن «أحزاب الحركة الوطنية في تونس والدول المغاربية تميزت مبكرا بطرحها لفكرة المواطنة والهوية الوطنية».. وفي هذا السياق كانت قيادة الحزب الدستوري تسمى «المجلس الملي» (أي المجلس الوطني). وكان الحزب الحر الدستوري التونسي الذي تأسس في 1920 بزعامة الشيخ المستنير والعلامة المصلح عبد العزيز الثعالبي ألف مع نخبة من رفاقه في فرنسا وتونس كتاب «تونس الشهيدة» بالفرنسية لمحاولة البرهنة على وجود هوية وطنية تونسية تختلف عن «هوية شعب فرنسا».. كما برزت في أدبيات عبد الكريم الخطابي، وعبد الكريم غلاب في المغرب أدبيات تتمسك بـ«الخصوصيات الوطنية» وتعترض على «ذوبان» الشخصية الوطنية المغربية في «هوية شعب فرنسا».. مع الرد على حملات «التجنيس الإجبارية» – أي إسناد الجنسية الفرنسية لكل من يتنازل عن جنسيته الوطنية – لسكان الدول المغاربية، وخصوصا ما كانت تسميه «الجزائر الفرنسية».

الشيخ الخضر حسين الشيخ الخضر حسين

نفس الطرح برز لاحقا في أدبيات «الحزب الدستوري الجديد» بزعامة الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف ومحمود الماطري.. الذين كان خطابهم في المحافل الثقافية والسياسية وفي جامعي الزيتونة وصاحب الطابع يؤكد على «التوفيق بين الحداثة والهوية الوطنية».

وتجلى هذا «التوجه الوطني الإسلامي» في قيادة الحركة الوطنية الجزائرية والمغربية والليبية؛ حيث حاولت «التوفيق» بين مرجعياتها الفكرية الإسلامية الإصلاحية وبرامج حركات التحرر الوطني المعاصرة.

ويعتبر عبد العزيز بالخادم، الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية، أن حزبه يضم تيارين: الأول «وطني إسلامي»، يتزعمه هو شخصيا والأمين العام السابق عبد الحميد المهري. والثاني ليبرالي اجتماعي يضم شخصيات أكثر اقتناعا بالمرجعيات الغربية.. لكنها لا تعادي مقومات «الهوية الوطنية للجزائر»، ومن بينها اللغة الوطنية العربية والتراث الثقافي الإسلامي وجغرافية الجزائر وخصوصياتها البشرية.

وإذا كانت جامعتا الزيتونة في تونس والقرويين في فاس، مركزا العلوم، اللتين تخرج منهما غالبية ساسة المنطقة من بنغازي وبرقة إلى مراكش، فإن من بين مميزات «الدولة الحديثة» في الدول المغاربية أن نفس النخب تخرجت كذلك من مدارس «مشتركة» عربية فرنسية، ومن جامعات علوم قانونية أوروبية بارزة في فرنسا وبرلين ولندن.. حيث أعرق مدارس «الدولة الوطنية» بمفهومها المعاصر.

الدفاع عن الهوية

ولكن ماذا عن الحقبة الحالية؟ وماذا عن الغموض السياسي والفكري الذي يزداد تعقيدا منذ تضاعف تأثير «الإسلام السياسي» بتعبيراته السلمية العقلانية المدنية حينا، و«السلفية الجهادية المتشددة» و«الجماعات المتطرفة» حينا آخر؟
إذا سلمنا جدلا بحتمية التركيز على حقبة «بناء الدولة الوطنية الحديثة»؛ أي العقود الأربعة التي تشكلت خلالها البنية الأساسية لـ«الاتجاه الإسلامي التونسي – المغاربي» الجديد، فإن من بين الأسئلة التي نسعى للإجابة عنها:
إذا كان من المسلم به أن المجتمعات تدافع عن نفسها وعن هويتها ومصالحها، هل كان «الاتجاه الإسلامي الجديد» أحد التعبيرات التونسية – الشمال أفريقية (أو المغاربية) عن مطالب التحرر الوطني والاجتماعي، وبناء الدولة الوطنية الحديثة، والدفاع عن الهوية، وعن مصالح الفئات الشعبية والوسطى؟

أم كان مجرد «موضة» روج لها عدد من الشباب والسياسيين كان بعضهم متأثرا بتجارب برزت في المشرق العربي الإسلامي مثل جماعة الإخوان أو الثورة الإيرانية ثم ببعض المفكرين الذين أسسوا تيار «اليسار الإسلامي» (أو الإسلاميين التقدميين) في المشرق العربي مثل د.حسن حنفي وكتاب مجلة «المسلم المعاصر» في مصر أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات؟
وهل كان هذا «الاتجاه الإسلامي» التونسي – الذي شكل بعض زعمائه نواة «حزب حركة النهضة» بعد فيفري 1989 – امتدادا لتيار النهضة والإصلاح الأوروبي والعربي والمغاربي منذ القرن 17 بما في ذلك «تيار الإصلاح والتجديد داخل الزيتونيين والصادقيين»، أم أن العكس هو الصحيح أي أنه شكل قطيعة معه.. ثم أسس تيارا سلفيا محافظا ومتشددا معارضا للتجديد والاجتهاد والحداثة وروج لمرجعيات «أشعرية» حينا ومدارس «حنبلية – وهابية» حينا آخر؟

وإذا سلمنا بانفتاح المكتبة التونسية (والمغاربية) في السبعينات والثمانينات على أدبيات بعض رموز الإخوان المسلمين المصريين، الذين قمعهم جمال عبد الناصر في الخمسينات والستينات، (مثل سيد قطب وعبد القادر عودة والخطيب عبد الحميد كشك) أو الذين استضافتهم السعودية مثل محمد قطب، فهل يعني ذلك أن المرجعيات الرئيسة لغالبية مؤسسي «الاتجاه الإسلامي» الجديد في البلدان المغاربية كانت «إخوانية» وليست تونسية مغاربية عربية؟
وإذا سلمنا أن التيار السائد داخل طلاب «الاتجاه الإسلامي» في الجامعات المغاربية» كان في أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات التعاطف مع الثورة الإيرانية ومنهجها في قراءة الإسلام وفي التغيير السياسي، فهل يعني ذلك أن «ظاهرة الإسلام السياسي» «انقلبت» بسرعة من مشروع وطني إلى «مشاريع ثورية عالمية» أو «أممية» وأنصارها إلى «خمينيين» مثلما جاء في أوراق المتهمين في قضية 1987 أمام محكمة أمن الدولة التونسية؟

أم كان «الاتجاه الإسلامي» الجديد في تونس والبلدان المغاربية مشروعا سياسيا وطنيا «قطريا» (بضم القاف وسكون الطاء) للتغيير السياسي والثقافي والاجتماعي جمع بين «فسيفساء» من أنصار «تيار الهوية» الذين تشقهم تناقضات جوهرية مع تأثر متزايد بعلماء العصر في شمال أفريقيا والعالمين الغربي والعربي.. مثل مالك بن نبي، ومحمد أركون، والطاهر حداد، وعلي شريعتي، ومحمد باقر الصدر، ومحمد عابد الجابري، ومحمد عمارة (عندما كان يساريا)، وعبد الله العروي، وسمير أمين، وجورج غارودي (قبل إعلان إسلامه)، وفتح الله ولعلو، وأنور عبد الملك، وحسن حنفي، ومحمد الطالبي، وعبد المجيد الشرفي، والحبيب الجنحاني، وأحميدة النيفر، وصلاح الدين الجورشي وغيرهم.

التأثيرات المحلية حاسمة

ولا بد أن نسجل هنا تأثيرات المستجدات الإقليمية والدولية مثل الهزائم العربية في الحروب مع إسرائيل وقوى «الاستعمار الجديد».. وقبل ذلك انتصارات الدول المستعمرة على «الإمبراطورية العثمانية» وحلفائها في الحرب العالمية الأولى، وما أعقب ذلك من هزائم نفسية بالنسبة لمواطني الدول المغاربية والعالم الإسلامي.. ثم انتصاراتها مجددا في الحرب العالمية الثانية على دول «المحور» بزعامة ألمانيا التي سبق أن تحالف معها بعض زعماء حركات التحرر الوطني العربية والمغاربية ووظفوا «إذاعة برلين» للتعريف بمطالبهم وقضاياهم.
ومنذ مطلع النصف الثاني من القرن الـ20 بدا مسار جديد أثر على أدبيات كل رموز تيارات «الهوية الوطنية» بمكوناتها العروبية والإسلامية.

الامين باي الامين باي

فقد شكل منعرج إعلان استقلال الدول المغاربية نقطة انطلاق المراحل الملموسة لبناء «الدولة الوطنية الحديثة»، البداية كانت في ليبيا مع الزعيم الوطني الملك إدريس السنوسي زعيم «الحركة السنوسية» (تيار وطني إسلامي معتدل) منذ عام 1951.. ثم تونس التي استلم مقاليد الأمور فيها إلى جانب الملك محمد الأمين باي زعماء وطنيون ليبراليون من خريجي جامعات فرنسية، مثل السوربون برئاسة الحبيب بورقيبة.. والمغرب التي تحالف فيها الملك المغربي محمد الخامس ثم نجله الحسن الثاني مع زعماء الحركة الوطنية وحزب الاستقلال.

الإخفاقات والتباينات

لكن مرحلة بناء الدولة الوطنية الحديثة من قبل الزعماء السابقين لحركات مقاومة الاستعمار سرعان ما أفرزت تناقضات علنية وعنيفة بين رفاق الأمس الإسلاميين والعلمانيين (الزيتونيين المشرقيين) و(المتغربين) أو (المتفرنسين).. خاصة في تونس التي سعى فيها الحبيب بورقيبة ورفاقه إلى بناء دولة وطنية عصرية على الطريقة الأوروبية تقطع مع الشرق على غرار ما فعل مصطفى كمال أتاتورك بعد سقوط الخلافة العثمانية.
ولئن لم يتبن بورقيبة علنا كل مرجعيات مصطفى كمال أتاتورك «العلمانية» وقدم «اجتهادات وقراءات عقلانية» للإسلام من داخل «المنظومة العربية الإسلامية» فقد أسهب في خطبه في التنظيم «للأمة التونسية» و«الوحدة القومية التونسية» و«الجبهة الوطنية».. وقضى في وقت قياسي على القبلية والعشائرية وهمش اللغة البربرية، وخصص ثلث ميزانية الدولة للتربية والتعليم لنشر قيم الدولة الحديثة، وتعميم استعمال اللغتين العربية والفرنسية، وتشجيع تعلم بقية اللغات الأوروبية من إنجليزية وإسبانية وإيطالية.

أما في ليبيا والمغرب والجزائر فقد حرص حكام الدول الوطنية على التوفيق بين الخصوصيات الثقافية والدينية وقيم الدولة الحديثة.. واعتبر التراث الإسلامي عنصر إثراء وأداة من أدوات الحكم بالنسبة لـ«أمير المؤمنين» في المغرب والزعيم السنوسي في ليبيا.. وكذلك في الجزائر التي كان نشر القيم العربية والفرنسية فيها مطلبا أكثر إلحاحا بسبب سياسات «الاستئصال الثقافي» التي اعتمدتها فرنسا الاستعمارية فيها.
هذا الاختلاف في التعامل مع مكونات «الهوية الوطنية» جعل تونس مرشحة أكثر عرضة لبروز تيارات «الإسلام الاحتجاجي».. بينما كانت «الظاهرة الشبابية الإسلامية» موالية للسلطات (أو مخترقة) في كل من ليبيا والمغرب والجزائر.. إلى حدود التسعينات من القرن الماضي عندما نشأت فيها جماعات شبابية «احتجاجية» مرجعياتها عروبية إسلامية.

مواجهات.. وتجديد فكري؟

تراوحت العلاقة بين زعماء الدولة الوطنية الحديثة في تونس ورموز «الإسلام الاحتجاجي» ثم الحركات الشبابية والسياسية من ذوي «الاتجاه الإسلامي» بين الصدام والحوار.. بين المواجهات ومحاولات الاندماج في «المنظومة الوطنية».
المواجهات بدأت عام 1961 ردا على دعوات بورقيبة للإفطار في شهر رمضان «حتى يتفرغ المسلمون للجهاد الأكبر: جهاد بناء الدولة الوطنية».. وتزعمها إمام جامع عقبة بن نافع في القيروان، الشيخ عبد الرحمان خليف.. وانتظمت مظاهرة حاشدة معارضة لاعتقاله عرفت بتسمية «مظاهرة الله أكبر ما يمشيش».. وتواصلت في الساحل التونسي بزعامة الزيتوني محمد موه قائد احتجاجات شعبية ضد «الاستبداد والسياسة الاشتراكية» وضد افتكاك أراضي الفلاحين لإقحامها في «تعاضديات اشتراكي»..
وبدأ التجديد الفكري والسياسي مع تيار هوية إصلاحي من داخل الحزب الدستوري الحاكم وتيار داخل «اتحاد الكتاب التونسيين» بزعامة محمد مزالي وزير التربية الذي قاد تيار «تعريب التعليم» ومدير مجلة «الفكر».. وتيار إسلامي مستنير نشر «مجلة جوهر الإسلام» بزعامة الشيخ الزيتوني الحبيب المستاوي، القيادي في الحزب الحاكم.. وكانت منبرا لعدد من الخطباء الوطنيين المعتدلين في الإذاعة الوطنية مثل محمود الباجي والبشير العريبي.. وبرز في نفس السياق أئمة وخطباء في جل المدن والقرى، وخصوصا في جامع الزيتونة وبعض جوامع العاصمة (الحجامين والصباغين والقصبة وسيدي يوسف).. ساهموا تدريجيا في بناء جيل من الشباب و«الصحوة الإيمانية».. انخرط تيار منه في مسار «الإسلام الاحتجاجي».. وفي تأسيس «الاتجاه الإسلامي في الجامعة» ثم «حركة الاتجاه الإسلامي» التي خرجت من رحمها «حركة النهضة» عام 1989.

تيار وطني واسع

تراكمت أواخر الستينات وأوائل السبعينات خلافات خريجي الجامعات والمثقفين والنقابيين مع نظام بورقيبة تحت يافطات يسارية وقومية ووطنية وإسلامية.
ولئن كانت مرجعيات الخطاب السياسي لبعض الفصائل المعارضة «كونية» و«تقليمية» فقد كانت في شواغلها أساسا وطنية وتونسية.
وقد ساهم في بلورة الخطاب السياسي «الوطني» لشباب «الإسلام الاحتجاجي»، علماء زيتونيون وصادقيون كان لبعضهم دور كبير في الحركة الوطنية مثل محمد الصالح النيفر وحسن الخياري والشاذلي النيفر.. فضلا عن خريجي المدارس العصرية من الإخصائيين في الفلسفة والقانون والدراسات الحضارية مثل راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وأحميدة النيفر وحسن الغضبان وصلاح الدين الجورشي.

[inset_right]تراوحت العلاقة بين زعماء الدولة الوطنية الحديثة في تونس ورموز «الإسلام الاحتجاجي» ثم الحركات الشبابية والسياسية من ذوي «الاتجاه الإسلامي» بين الصدام والحوار[/inset_right]

وفي الجهات، برز أساتذة تعليم عصري و«وعاظ» مثل د. فرحات الجعبيري، وقاسم قوجة، والهادي الحاج إبراهيم في جربة وتونس، والصادق الجدي في الكاف، وعبد المجيد الصكلي في خنيس من ولاية المنستير.. فضلا عن خطباء جماعة «الدعوة والتبليغ» في كل الجهات، بمشاركة خطباء لهم كاريزما كبيرة من فرنسا مثل الشيخ «يونس من تونس» ومحمد الهمامي.
في هذا المناخ العام تعاقبت الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والنقابية والمحاكمات السياسية للشباب الجامعي والنقابيين والمعارضين.. واستفحلت المعارك حول خلافة بورقيبة من داخل الحزب الحاكم وخارجه.. فانخرط «شباب الاتجاه الإسلامي» في المعاهد الثانوية والجامعات وفي الأحياء السكنية الشعبية في «الشأن العام الوطني».. وتطوروا تدريجيا من «ظاهرة دينية شبابية» إلى «ظاهرة سياسية وطنية».. رفعت يافطات النضال من أجل التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي والديمقراطية.
في الإثناء برزت تناقضات فكرية وسياسية داخلية كثيرة داخل «الجماعة الإسلامية» و«الاتجاه الإسلامي في الحركة الطلابية» نتيجة مراجعات عميقة لتجارب الإخوان المسلمين، والجماعات السلفية، وأداء قيادة الثورة الإيرانية بعد استلامها مقاليد الأمور.. وشملت المراجعات خاصة أدبيات منظري «الجماعات الإسلامية» المعاصرة، وخصوصا أبي الأعلى المودودي وسيد قطب.. وبعض «آيات الله» الذين انقلبوا بعد ثورة 1979 إلى «مستبدين جدد» مثل آية الله خلخالي.
وكانت على رأس الانتقادات التي وجهها «تيار المراجعات» إلى سيد قطب ورموز من «تيار الإخوان المسلمين» مواقفهم من «جاهلية القرن 20» وتكفير جانب من المجتمع.. وتضخيم دور الجماعة (أي التنظيم) على حساب المجتمع والوطن.
تلك المراجعات كانت منطلقا لتأسيس تجارب أخرى من بينها «تيار الإسلاميين التقدميين» و«الإسلاميين المستقلين» وتطوير جذري لأدبيات «حركة الاتجاه الإسلامي» في اتجاه مواكبة الخطاب الديمقراطي والوطني على الصعيدين الرسمي والشعبي.. وهو ما ساهم لاحقا في بلورة خطاب سياسي مدني عند غالبية قيادات حركة النهضة التونسية قبل الثورة وبعدها.. الأمر الذي أهلها، لأن تصبح مرجعا إقليميا وأن تصبح جزءا من منظومة الأحزاب السياسية الوطنية في تونس والمنطقة.

أخبار, مقالات و دراسات ابن رشد, ندوات ودراسات, وجهات نظر 0 comments on مسارات التطرف الجهادي وتجارب الإقصاء اليومي عند شباب الأحياء الشعبيّة: محاولة في الفهم

مسارات التطرف الجهادي وتجارب الإقصاء اليومي عند شباب الأحياء الشعبيّة: محاولة في الفهم

ملخـــــــــــص :
تسعى هذه الورقة إلى فهم مسارات التطرف الجهادي عند شباب الأحياء الشعبيّة التونسية ضمن سياق معيشهم اليومي. وهو معيش مطبوع بتوتر صارخ بين شعور بالإقصاء والإذلال، من جهة، وشعور بالسخط والاحتجاج، من جهة أخرى، يتولد أساسا عن أنماط الحكم السائدة في هذه الأحياء. وبالاعتماد على معطيات مستمدة من ملاحظات ومقابلات إثنوغرافية، تجادل الورقة بإمكانية فهم هذه المسارات بوصفها مسارات تحول جوهري، أي انتقالاً رمزياً من موقع الخضوع والإذلال إلى موقع التفوق المبني على الانتماء إلى صفوة دينيّة فائقة، عبر تبني نموذج تأويلي متخيّل عن جماعة المسلمين الأولى وتجسيده ضمن هويّة سرديّة متطرّفة.

في كتابه حرب الذاتيّات في الإسلام، يرسم المحلّل النفساني فتحي بن سلامة صورة الجهادي على أنّه مسلم فائق (sur-musulman). فهو لا يكتفي بأن يكون كأيّ مسلم، بل يرى ضرورة إظهار ذلك، وتبليغه عبر الرموز الخارجيّة، والمغالاة السلوكيّة والتعبديّة. وينمّ ذلك، في نظر بن سلامة، عن قناعة لدى المسلم الفائق بأنّ سبب هزيمة المسلمين وإذلالهم، هو خيانتهم للدّين المتماهي في تصوّره مع تقليد إسلامي أصيل متخيّل ومتعيّن في زمن النبيّ والصحابة والتابعين، وأنّ تمكينهم لن يكون سوى باستعادة هذا المثال المجروح عبر مواجهة شاملة مع الحداثة والعالم الذي شكّلته. وتجري هذه المواجهة في مجالات متعدّدة، ابتداءً من اللباس والتعبّد وصولاً إلى الجهاد المسلّح، حيث تتّخذ شكل مطالبة عنيفة تتطلّب من الذات أن تطهّر نفسها من شوائب العالم الحديث، فتؤدّي بها إلى إلغاء الآخر، بإلغاء نفسها حتى تتأكّد كذاتيّة فائقة وقد أتاح عملنا الإثنوغرافي حول مسارات التطرّف الجهادي لدى شباب الأحياء الشعبيّة في تونس ما بعد الثورة، معاينة عمليّات تشكّل ذاتيّة المسلم الفائق في سياقات تجريبيّة. وقد تركّز حقل العمل البحثي في عدد من الأحياء الشعبيّة التونسيّة بغرب العاصمة، والتي مثلت بالنّسبة للجهاديّين الأماكن المفضّلة للدّعوة والتعبئة الجماهيريّة، ومجالاً حيويّاً لأنشطتهم. وكانت هذه الأحياء قد تشكّلت منذ بداية السبعينات في أحزمة العاصمة على وتيرة ديناميّة حضريّة هامشيّة تغذّيها هجرة ريفيّة وافرة. وقد حال تعطّل مسار التصنيع وانحصاره في قطاعات محدودة، كالصّناعات التحويليّة وصناعة الملابس والنسيج، دون توفّر شروط اندماج الوافدين في النسيج المديني بالكامل، وهو ما أدّى إلى تحوّل التجمّعات السكنيّة العفويّة حول المدن إلى “مجالات هامشيّة” تعاني من الهشاشة والإقصاء الاجتماعي، وتنتشر فيها بشدّة مظاهر الانحراف والجريمة والاقتصاد اللانظامي. كما حوّلها كذلك إلى “مجالات احتجاجيّة” تتخلّق في رحمها الهويّات الرّافضة، مثل مجموعات موسيقى الرّاب ومشجّعي كرة القدم، والهبّات الشعبيّة المناهضة والثوريّة.

وفي جميع الأحوال، كان انتشار الحركة السلفيّة الجهاديّة يتمّ في الأحياء الشعبيّة من خلال جملة من الأنشطة والممارسات التي تحشد نموذجاً معياريّاً متخيَّلاً ومتعيّناً في جماعة المسلمين الأولى، وهو ما تبلوره الإيديولوجيا الجهاديّة وتسعى إلى نشره على مستوى الساحات المحليّة والمعيش اليومي، مشكّلة بذلك حركة اجتماعيّة متطرّفة، لم تتّخذ شكلاً حزبيّاً أو مؤسّساتياً، بل بقيت تُمارَس ضمن شبكات ممتدّة تفتقر إلى الهيكلة والتّراتب الهرمي الشكلي والصفة القانونيّة الرسميّة إزاء الدولة، متّخذة شكل مجموعات من الشباب الجهادي المتناثرة في مناطق متعدّدة على مدى البلاد. وتنتظم هذه المجموعات إمّا حول مرجعيّة ترابيّة أو مشيخيّة، متغذّية من التفاعلات اليوميّة المباشرة بين الأنصار والمتعاطفين، ويوحّدها توجّه إيديولوجي مشترك.

لأن توحّد جزء واسع من هذه المجموعات ضمن تنظيم “أنصار الشريعة” على قاعدة مشروع سياسي جهادي، إلاّ أنّ هذا التنظيم لم ينجح في الانتقال التامّ إلى مستوى التشكّل المؤسّساتي المكتمل، حيث انهارت التجربة إثر حظره من قبل “حكومة الترويكا” الثانية في جويليّة 2013. ليدخل في صراع مسلح مع الدولة سيؤدّي إلى هروب قياداته، وتفكّك شبكات أنصاره وانتقالها إلى العمل السرّي ضمن مجموعات صغيرة العدد متعاطفة أو منتمية إلى “الدولة الإسلاميّة”، بشكل غالب، أو إلى “تنظيم القاعدة”، بشكل أقلّ. فمع بدايات العام 2014، غادر قرابة 3000 شابّ تونسي إلى سوريا للقتال في صفوف “الدولة الإسلاميّة”. وينحدر قسم كبير من هؤلاء المقاتلين الجهاديّين، حسب التقارير الإعلاميّة والأمنيّة المتوفّرة، من مناطق البلاد الداخليّة المهمّشة والأحياء الشعبيّة الطرفيّة بالمدن الكبرى.

ما هي الفئات الاجتماعيّة التي يجتذبها التطرّف الجهادي بالأساس؟ ما هي دلالة التحوّل الجهادي في سياق الأحياء الشعبيّة التونسيّة؟ وكيف ترتبط مسارات التحول الجهادي بتجارب الإقصاء اليوميّة التي يعيشها الشباب في الأحياء الشعبيّة؟

نجد، من جهة أولى، شبيبة الطبقات الشعبيّة التي تعيش حالة هشاشة اقتصاديّة وعلائقيّة، وتحمل رأسمالاً تعليميّاً متدنيّاً، ووصوماً رمزية تتعلّق إمّا بأصولها الاجتماعيّة أو بتجارب إجراميّة أو تجارب انحراف عاشتها سابقاً، وهي حالة شريحة واسعة منها. ومن جهة أخرى، شبيبة الفئات الهشّة من الطبقة الوسطى، التي تتمتّع عموماً برأسمال تعليمي عالٍ وأصول اجتماعيّة معتبرة، لكنها تجد نفسها مع ذلك في وضع إقصاء اجتماعي نتيجة أزمة بطالة أصحاب الشهادات العليا. وهذا ما يجعل فئات واسعة من الطبقة الوسطى عاجزة عن إعادة إنتاج مواقعها الاجتماعيّة في سياقٍ يتميّز بتآكل نظام قيمها المرتكز أساساً على الاستحقاق والجدارة، وعلى الترقّي الاجتماعي من خلال التعليم، وذلك نتيجة تعطّل إواليّات الصعود الاجتماعي التقليديّة. لكن، كيف نفسّر انجذاب هاتين الفئتين بالأساس إلى التطرّف الجهادي؟

في خيمة دعويّة نظّمها شباب “أنصار الشريعة”، بدُوّار هيشر في 12 نوفمبر 2012 بعد صلاة العصر ببطحاء تسمّى “بطحاء الرياحي” بشارع “خالد ابن الوليد” بحيّ “دوّار هيشر”، خطب الداعية السلفي الجهادي “كمال زرّوق” بحماس شديدٍ في جمهور غالبيّته شبابي صارخاً:

شباب الإسلام… إنّ الشعب ينتظركم… فعلّموا الناس الدّين ولنرى معاملاتكم… ولنرى أقوالكم وأفعالكم في المجتمع بإذن الله. أنتم الخير وأنتم القادة وأنتم الصّحوة… أنتم ستقودون الأمّة إلى النّصر، وقد قال فيكم النبيّ ”يخرجون رجالاً من المغرب يلبسون الصّوف يفتحون جزيرة العرب وهي مسلمة”… أنتم الشباب الذي سيدرك المهدي ويدرك الفتن ويدرك الملاحم”.

كمال زرّوق – سلفي جهادي

كان يمكن لهذه الملاحظة أن تمرّ مرور الكرام دون أن تسترعي أيّ انتباه، لكونها تفصيلاً غير ذي قيمة تفسيريّة هامّة، وهي ظاهريّاً كذلك. إلاّ أنّها أبانت عن قيمتها الفعليّة حين استثارت سؤالاً بسيطاً في ذهننا مفاده: كيف يتحوّل هؤلاء الشبّان من أفراد مهمّشين ومقصيّين، إلى فاعلين يمثّلون “القادة والصحوة الذين سيقودون الأمّة إلى النّصر“؟ فعلى رأي مارسيل موس، فإنّ “ما قد يبدو تفاصيل عابرة، قد تكون في الواقع تركّزاً لمبادئ“

وفي هذا المستوى، سنحاول طرح فرضيّة مفادها أنّ هؤلاء الشبّان الجهاديّين يعيشون التحوّل الجهادي بوصفه عمليّة تحوّل جوهري (Transsubstanciation) يختبرون من خلاله نوعاً من الترقّي الأنطولوجي، بحيث يمكن أن يتحوّل الفرد الموصوم سلبيّاً، ابن الحيّ الشعبي المهمّش أو حامل الشهادة الجامعيّة العاطل عن العمل أو المنحرف أو الممارس للعمل الهشّ، الخ… إلى واحد من “الصفوة” المشكّلة للـ”طائفة المنصورة” التي ستحقّق وعد الله في الأرض.

من أبرز وجوه وضعيّات الإقصاء الاجتماعي التي يعيشها شباب الأحياء الشعبيّة التونسيّة، هي الوصمة السلبيّة التي تعلق بهويّتهم الذاتيّة. ويتأتّى جزء مهمّ من هذه الوصمة، لا من خصائصهم الذاتيّة أو موقعهم الاجتماعي الفردي، بل أساساً من هويّتهم الجماعيّة بوصفهم من سكّان حيّ شعبي. فعلى قول أحد شبّان حيّ “دوّار هيشر”، في خضمّ تفسيره أسباب سعيه لتغيير مكان إقامته المدوّن في بطاقة تعريفه الوطنيّة وعموماً.

ما دام عنوان إقامتك المسجّل في بطاقة تعريفك هو دوّار هيشر، فذلك مشكل… حتى لو كنت تشتغل ولك مورد رزق قارّ وأنت إنسان مستقيم لا غبار عليك، فستبقى دائماً النظرة السلبيّة تلاحقك، لأنّك من دوّار هيشر لا غير !”

أحمد – 26 سنة

تتشكّل هذه الوصمة العالقة بالأحياء الشعبيّة في تونس من ثلاثة أبعاد أساسيّة، وهي الجريمة والعنف وظروف العيش المتدنيّة. ففي دراسة كميّة أجرتها منظّمة “أنتيرناشيونال آلرت” على عيّنة ممثّلة من 750 شابّ من حيّ “دوّار هيشر” وحيّ “التضامن” بين سنّ 18 و35 سنة، أجاب 42.2% من المستجوبين على سؤال “كيف يرى غير المتساكنين حالة الأمن في حيّك؟” بمترديّة جدّاً، وأجاب 28.2% بمترديّة. فيما أجاب 32.9 % من المستجوبين على سؤال “كيف يرى غير المتساكنين ظروف العيش في حيّك؟” بمترديّة جدّاً، و30% بمترديّة. ومن الملاحظ اعتبار المستجوبين، بنسبة 30%، حضور الحركة السلفيّة أهمّ

الأبعاد التي انضافت إلى صورة الحيّين بعد الثورة. والمثير في ذلك بروز أهميّة هذا المتغيّر الجديد في تشكيل صورة الحيّين، في مقابل تصريح المستجوبين بتراجع أهميّة متغيّر الجريمة من 29.2% قبل الثورة إلى 13.8% بعدها، ومتغيّر النزاعات المحليّة من 26.1% إلى 16.1%. وبقدر ما يدّل ذلك على تغيّر في هويّة هذين الحيّين الشعبيّين بعد الثورة، فهو يدلّ كذلك على قوّة الانغراس المجالي المادّي والرّمزي الذي حقّقته الحركة الجهاديّة فيهما.

جمعية مبدعون

وتزوّدنا دراسة كميّة أخرى أجرتها جمعيّة “مبدعون” بمعطيات مقارنة حول فروقات تمثّلات المراهقين بين سنّ 12 و18 سنة لصورة حيّهم، ضمن عيّنة تمثيليّة موزّعة بين الأحياء الشعبيّة والأحياء السّكنيّة الفاخرة ونصف الفاخرة. حيث شملت هذه الدراسة 272 مراهق من حيّ “الكرم الغربي”، و110 مراهق من أحياء “سيدي بو سعيد” و”المرسى”. وفي حين تقع جميع هذه الأحياء في الضاحية الشماليّة للعاصمة تونس، يُعرف الكرم الغربي عموماً بأنّه حيّ شعبي، فيما تعرف أحياء “سيدي بو سعيد” و”المرسى” بكونها من فضاءات سكنى الطبقات الوسطى والعليا خصوصاً. وتظهر النتائج الأوليّة لهذه الدراسة فروقات بارزة بين تمثّلات المستجوبين في “الكرم الغربي” لهويّة حيّهم وصورته لدى غير المتساكنين، في مقابل تمثّلات المستجوبين في “المرسى” و”سيدي بو سعيد”.

فبخصوص تمثّلات المستجوبين لهويّة أحيائهم، نجد أنّ 75% من المستجوبين في “الكرم الغربي” يوافقون بشدّة على اعتبار حيّهم حيّاً شعبيّاً، فيما يوافق 13.6% منهم نسبيّاً على ذلك. وعلى عكس ذلك، لا يوافق سوى 11.8% من المستجوبين في “سيدي بو سعيد” و”المرسى” تماماً على اعتبار أحيائهم أحياءً شعبيّة، فيما يوافق 25.5% منهم نسبيّاً على ذلك. ومن جهة أخرى، يوافق 30.9% من المستجوبين في “الكرم الغربي” بشدّة على أنّ حيّهم مهمّش، فيما يوافق 25.7% منهم نسبيّاً على ذلك. وفي المقابل، نجد أنّ 0.9% فحسب من المستجوبين في “سيدي بو سعيد” و”المرسى” يوافقون تماماً على أنّ أحياءهم مهمّشة، في حين يوافق 10% منهم فقط نسبيّاً على ذلك.

وإجمالاً، فإنّه بقدر ما يعتبر تراكم التفاوتات الاجتماعيّة والاقتصاديّة مهمّاً في فهم موقع الأحياء الشعبيّة ضمن التكوين الحضري لمدينة تونس، فإنّ هذه المعطيات تنبّهنا إلى أنّ الرموز والصور السلبيّة مهمّة بدورها في تشكيل هذه الجغرافيا الاجتماعيّة المخصوصة. فهذه الصور والرموز ليست مجرّد “أحكام مسبقة” أو “مغلوطة” ينبغي الاشتغال على تفكيكها، بقدر ما تمثّل “أفعالاً خطابيّة” بتعبير فيلسوف الخطاب جون أوستين، أي إحدى مظاهر نشاط القوى الاجتماعيّة الفاعلة في تحديد موقع الأحياء الشعبيّة في “أدنى سلّم نظام التراتبيّة الهرميّة للأماكن التي تتشكّل منها المدينة”. فهذه الصور والرّموز، تنخرط عبر تراكمها في شكل وصمة جماعيّة سلبيّة ضمن إواليّات الإقصاء التي تجعل من الأحياء الشعبيّة مناطق نبذ حضري. وهي وصمة ترزح بقوّة على معيش سكّان الأحياء الشعبيّة، وتساهم في إنتاج أشكال التمييز المادّي التي يعانونها. وفي هذا الصدد، توقّفنا خلال عملنا الميداني في حيّ “دوّار هيشر” على عدد من التجارب المعيشيّة التي يواجه فيها شباب هذه الأحياء أشكالاً مختلفة من التمييز على أساس الوصمة السلبيّة العالقة بهويّتهم الجماعيّة. ففي سياق حديثه عن الصعوبات التي تواجه شباب حيّه في إيجاد موطن شغل.

انطلاقاً من هذه المعطيات الكميّة والكيفيّة، يمكن أن نرى تأثير الوصمة السلبيّة العالقة بشباب الأحياء الشعبيّة على العلاقة بالذّات وتشكيل الهويّة الجماعيّة والقدرة على الحراك والصعود في الفضاء الاجتماعي. حيث يصحّ القول، على نحو ما يستنتج ديدييه لابيروني بخصوص الضواحي الحضريّة الفرنسيّة، أنّه لا وجود لأحياء شعبيّة دون صورة الأحياء الشعبيّة، و“لا وجود لتفاوتات دون تأويل لهذه التفاوتات”. إذ ليست هذه الصور والتأويلات مجرّد نظام رمزي يعكس علاقات اجتماعيّة مخصوصة، بقدر ما هو نظام ينخرط في بناء هذه العلاقات وهيكلتها. ومن ذلك، يمكن أن نفهم نزوع شباب الأحياء الشعبيّة إلى التعبير عن وضعيّات الإقصاء الاجتماعي التي يختبرونها، رغم اختلاف مساراتهم الاجتماعيّة وتعدّدها، انطلاقاً من لغة يغلب عليها الطابع المعياري والأخلاقي بما هي “تجربة احتقار و”شعوراً باللامساواة” والإقصاء، وعدم القدرة على عيش “الحياة” والانخراط بشكل كامل في المجتمع“.

وهو ما يؤشّر على أنّ تجربة الاقصاء الاجتماعي لا تتحدّد فحسب بلغة الاقتصاد السياسي للتفاوتات، الذي يركّز على الفوارق الطبقيّة والماديّة بين التكوينات الاجتماعيّة، بل تتحدّد أيضاً بلغة اقتصاد معياري تنخفض فيه الدلالات الاجتماعيّة للتفاوتات لتكتسي دلالات “أخلاقيّة” و”معنويّة” بوصفها “ثمرة تمييز إقصائي معمّم. وهو تمييز يحرم الأفراد من الولوج إلى نمط عيش “عادي” أو يقدّرون أنّه عادي، وهو أيضاً من نتاج الإرادة السلبيّة للفئات المتفوقّة“. فبقدر ما يعتبر الإقصاء الاجتماعي تجربة لامساواة في توزيع الرساميل الاقتصاديّة وتجريداً من دعائم الحماية الاجتماعيّة ونبذاً خارج دوائر الإدماج المؤسّساتيّة، على نحو ما يبرز روبرت كاستيل، فهو كذلك تجربة احتقار وتجريد من الاعتبار المعنوي واختبار أشكال متراكبة من نفي الاعتراف بتعبير أكسيل هونيث. ومن هنا، تبرز أهميّة تجاوز الفصل التحليلي الذي أقامته نظريّات الإقصاء الاجتماعيّة والفلسفيّة بين مجالي التوزيع الاجتماعي والاعتراف الرّمزي، نحو الدمج بينهما على نحو دعوة نانسي فرايزر، وهو ما يتولّد عنه مقاربة مزدوجة للإقصاء “تُتناول ضمنها كلّ ممارسة على أنّها ممارسة اقتصاديّة وثقافيّة في الآن نفسه… وتقيّم ضمنها جميع الممارسات من منظورين مزدوجين، أي منظور التوزيع ومنظور الاعتراف، لكن دون أن يُختزل أيّاً منهما في الآخر“.

تقدّم لنا بعض المعطيات الكيفيّة من سيرة أنس (33 سنة) مدخلاً إلى قراءة مسارات التطرّف الجهادي لشباب الأحياء الشعبيّة التونسيّة، انطلاقاً من منظور الاقتصاد المعنوي لديناميّات الإقصاء التي تخضع لها ساكنة هذه الأحياء، وخصوصاً منها فئات الشباب. حيث ينحدر أنس من حيّ “التضامن” الواقع غرب العاصمة تونس، وهو من أضخم الأحياء الشعبيّة التونسيّة من جهة تعداد ساكنته وأقدمها من جهة التكوّن التاريخي، أين اعتنق المنهج السلفي الجهادي سنة 2004، وسجن سنة 2006 تحت طائلة قانون الإرهاب. وبعد الثورة، انضمّ أنس إلى تنظيم “أنصار الشريعة”، قبل أن يغادر نحو سوريا سنة 2012 حيث قاتل مع “جبهة النصرة” لسنتين، ومن ثمّ انحاز إلى “الدولة الإسلاميّة” في صراعها مع “تنظيم القاعدة” حول أولويّة قيادة الجبهة السوريّة أوائل سنة 2014، قبل أن ينشقّ عنها أواخر سنة 2016.

وفي مستهلّ سلسلة مقابلاتنا البحثيّة، طلبنا من أنس أن يصف حياته قبل بداية مسار تطرّفه الجهادي، فكانت اجابته:

“أنا ابن حيّ شعبي من العاصمة تونس. كنت مغرماً بموسيقى الرّاب والهيب هوب، وكنت لاعب كرة قدم كذلك. كنت أجيد لعبة كرة القدم، قبل أن تزلّ بي الأقدام وأصير معروفاً في الحيّ بالسطو على النّاس والسّرقة. بالطبع، خارج الحيّ، كان كلّ همّي التسلّط على أولئك الذين يسمّون بالطبقة الغنيّة في البلد، الذين أرى منهم الظلم… يعني، حاول أن تتخيّل ابن حيّ شعبي، ذليل، لا تلبس مثل النّاس ولا تعيش مثل النّاس. ترى أحدهم من أبناء فلان أو علاّن الذي يسرقك كلّ يوم، وأبوه يضحك على النّاس، تراه يرتدي حذاءً رياضيّاً قيمته 280 ديناراً، أمّا أنا فأجد نفسي غير قادر على اقتناء حذاء قيمته 70 ديناراً مثلاً. هذه من الأشياء التي جعلتني أفكّر أنّ مالهم هو في الأصل مالنا، وأنّه ينبغي عليّ استعادته. هذه هي القاعدة المتعارف عليها في الأحياء الشعبيّة… كذلك، تخيّل أنّك جالس أمام منزلكم، ويأتيك أحدهم لا علاقة له بك لا من قريب ولا من بعيد، يأمرك بالدخول إلى المنزل. لماذا ذلك؟ حينها تشعر بأنّك محقور… تشعر بأنّك تعيش تحت الذّل. يعني، تصوّر ابن الغنيّ يقوم بأيّ فعلة ولا يحاسب عليها، أمّا أنت فتحاسب على سفاسف المشاكل، وقد يبعثون بك إلى السّجن ستّة أشهر لمجرّد أنهم مسكوا لديك آلة حادّة… والحمد لله، قدّر الله عزّ وجلّ أنني لم أدخل السجن، وكان الله سبحانه وتعالى خير حافظ، رغم تورطّي في قضيّة محاولة قتل آنذاك وعمليّات سرقة وسطو. لكن الله عزّ وجلّ سلّم أمري، ولم أحاكم بالسجن في هذه القضايا لأنّي كنت عندها قاصراً في سنّ السّابعة عشرة، ولم يكن القضاة يرغبون في التركيز على قضايا القُصَّر، فلا يحكمون فيها بالسجن… لكن، كما قلت لك، كلّ من عاش في تونس يعرف معنى الظلم، ويعرف كيف يتسلّط هؤلاء الطواغيت… يعرف كيف يمسكون بالمرء في الشارع ويصفعونه على الملأ ويأمرونه بالعودة إلى منزله…”.

أنس – 33 سنة
يتواتر في سرد أنس لمسار عيشه قبل تحوّله الجهادي عبارتان تحملان شحنة معنويّة صارخة، وهما الذلّ والاحتقار. ويمكننا المجادلة بأنّ هذه الشحنة المعنويّة تتأتّى من سرد أنس لمسار عيشه بوصفه سرداً لتجارب مكثّفة من الاحتقار، يمكن ارجاعها إلى اختبار شكل أساسي من أشكال نفي الاعتراف، ألا وهو نفي الحقوق. وتبعاً لأكسيل هونيث، يشير نفي الحقوق إلى “أشكال الاحتقار الشخصي التي يخضع لها فرد ما، عبر اقصائه من التمتّع بحقوق مخصوصة ضمن المجتمع“. ومن الجدير هنا التنويه إلى أنّ هذه الحقوق تتحدّد اجتماعيّاً وسياسيّاً بحسب الظرفيّة التاريخيّة والتطوّر المؤسّساتي العامّ لكلّ نظام اجتماعي مخصوص، حيث تمثّل “المطالب الفرديّة التي يمكن أن يتوقّع الفرد أن يحظى بها اجتماعيّاً بشكل مشروع بوصفه منخرطاً في النظام الاجتماعي، متساوياً مع غيره في الحقوق، كعضو كامل في جماعة معيّنة“. بذلك، لا يتمّ ضمن هذه التجربة المخصوصة من الاحتقار تجريد الفرد من احترامه المعياري لذاته فحسب، بل من “قدرته على الارتباط بذاته بوصفه شريكاً تفاعليّاً يتساوى قانونيّاً مع أضرابه من البشر“.

ويظهر هذا الأمر جليّاً في شهادة أنس، من ناحية أولى، من خلال حديثه عن الفوارق بين من يسمّيهم “أبناء الطبقة الغنيّة” وأمثاله من “أبناء الأحياء الشعبيّة”. حيث يصف أنس هذه العلاقة من منظور “النحن والهم”، أي من منظور التفرقة الحادّة بين مجموعتين متفاوتتين في الحقوق، نتيجة التوزيع غير المتكافئ للرساميل الاقتصاديّة داخل المجتمع. غير أنّ المصطلحات التي يستخدمها في إعادة بناء هذه العلاقة في خطابه لا تصوّرها على أنّها علاقة تفاوت في الحقوق فحسب، بقدر ما تصوّرها كذلك على أنها علاقة استغلال. ففي نظر أنس، لا يكتفي “برجوازيّو المدينة” والطبقات الحضريّة العليا بالتّمتع بنمط عيش فائق يُحرم ساكنة الأحياء الشعبيّة من حقّ الولوج إليه، بل يتحقّق لها ذلك أساساً من خلال استغلال الطبقات الشعبيّة والعمل على تأبيد وضعها.

وإزاء صورة “أبناء الأغنياء” القادرين على اكتساب علامات الترف المادي المحروم منها وتأكيد الذّات من خلال الاستهلاك والترفيه، يصف أنس صورته بسيمياء شعوريّة يمتزج فيها الإذلال بالسّخط. وبناءً عليه، تتّخذ علاقة التفاوت التي يصوّرها أنس بين “أبناء الأحياء الشعبيّة” و“أبناء الأغنياء”، بعداً معنويّاً يتشابك فيه نفي الاعتراف مع التفاوت في التوزيع المادّي للثروة. فإذا كانت هذه العلاقة قائمة، من جهة، على التفاوت في توزيع الرساميل الماديّة بين الطبقات داخل المجتمع، فهي تُختبر في المعيش اليومي، من جهة أخرى، على أنّها علاقة حيف في توزيع الجدارة المعنويّة المتأتيّة من التمتّع بقسم متساوٍ من هذه الموارد والخيرات بوصفه حقّاً مشروعاً.

من ناحية ثانية، يصف أنس لقاءاته بعناصر الشّرطة بلغة معنويّة صارخة، فهي وضعيّات يشعر فيها بـ”الحُقرة” إلى درجة يخيّل له معها أنّه يعيش” تحت الذلّ”، حيث تتكثّف في هذه اللقاءات تجربة الإقصاء، لا من حيث هي علاقة تفاوت في القوّة فحسب، بل أساساً من جهة أنّها عمليّة تجريد من الاعتبار المعنوي.

وفي حين يمكن المجادلة بأنّ هذه العلاقة تمثّل نمط تفاعل متواتر بين شباب الأحياء الشعبيّة التونسيّة وأجهزة الشّرطة وأعوانها، في سياق هيمنة أنماط الحكم النيوليبراليّة القائمة على بتر يد الدولة الرّاعية وتعزيز يد الدولة العقابيّة([1])، فإنّ هذا الشكل من اللقاءات بالشّرطة يتردّد وصفه بنفس الوقع واللّغة المعنويّة لدى العديد من الشبّان الجهاديّين.

ومن ذلك، ما يصفه أسعد 38 سنة، وهو شابّ جهاديّ سابق من حيّ دوّار هيشر، في علاقته بالشّرطة وأثرها في تجربة تحوّله الجهاديّة:

أكثر شيء كنت أكرهه في حياتي هو الشّرطة… كرهتهم منذ صغري، وزاد كرهي لهم حين سُجنت أوّل مرّة نظراً لكميّة الضرب والصفع والإهانة التي تلقيّتها… لقد سُجنت سبع مرّات بعد ذلك، منهم مرّتين من أجل تعنيفي لحرّاس السجن… حين بدأت ألتزم دينيّاً وأواظب على الصّلاة في المسجد، هناك تعرّفتُ على مجموعة من السلفيّين الجهاديّين… وبعد فترة قصيرة، بدؤوا باستقطابي إلى المنهج وتعليمي الأصول… أتذّكر حينها أنّ أحدهم قال لي كونهم يعرفون ماضيّ جيّداً، وأنّه يقدّر ذلك لأنّي كنت ضدّ الطاغوت حتى وأنا على ضلالة، وذكر لي حينها قول الرّسول “خياركم في الجاهليّة، خياركم في الإسلام”… وقد كان لكلامه وقع كبير في نفسي”.

أسعد – 38 سنة

وفي كلتا الشهادتين، تبرز اللقاءات اليوميّة والعاديّة بأعوان الشرطة على أنّها تجربة احتقار يتزاوج فيها شكلان من نفي الاعتراف، وهما نفي الحقوق والاعتداء الجسدي. فبالنسبة إلى نفي الحقوق، فهو يبرز في حديث أنس عن الممارسات التمييزيّة التي يفعّلها أعوان الشرطة بين “أبناء الأحياء الشعبيّة” و”أبناء الأغنياء”. وفي نظره، فإنّ تطبيق القانون على الفئتين فيه كيل بمكيالين، فهو تطبيق أعمى وصارم وعنيف حين يتعلّق الأمر بشباب الأحياء الشعبيّة، فيما يتسنّى لأبناء الطبقات العليا الإفلات من القانون، بقوّة الرأسمال الرمزي المتعيّن في الجاه الاجتماعي، والرأسمال الاقتصادي المتعيّن في الثروة الماديّة.

أمّا بالنسبة إلى الاعتداء الجسدي، فيظهر في صورة الحرمان “من السيطرة الذاتيّة التي يمارسها المرء على جسده الخاصّ“، من خلال الضرب أو الاعتداء أو سوء المعاملة السجنيّة، حيث لا يتضمّن فحسب اختبار الأذى، بقدر ما يتضمّن أيضاً اختبار “الشعور بالخضوع التامّ إلى رحمة ذاتٍ أخرى“([1]). كذلك، يشمل الاعتداء الجسدي إخضاع الذّوات عبر مراقبة حركة أجسادها وضبطها في المجال العامّ، وهو شكل طاغٍ من السيطرة اليوميّة يختبره شباب الأحياء الشعبيّة التونسيّة بكثافة، عبر عديد الممارسات الأمنيّة مثل حملات الشّرطة وعمليّات التثبّت من الهويّة أو المداهمات الفجئيّة.

فعبر مثل هذه الممارسات الأمنيّة، المنغرسة بدقّة في نسيج المعيش اليومي، يتمّ تربيع الأحياء الشعبيّة ومراقبتها وضبط سلوكيّات ساكنتها بوصفها “مناطق خطرة” تمثّل تهديداً للنّظام العامّ. وبهذا، يكتسب الحيّ أو “الحومة”، لدى ساكنيها من الشباب معنى مزدوجاً: فالحومة تمثّل ضرباً من الحمى بما هي مجال انتماء وحماية، كما تمثّل أيضاً مجال اخضاع ونبذ. وفي هذا الصدد، يخبرنا عليّ 25 سنة، وهو شابّ من حيّ “دوّار هيشر”، ضمن سياق تفكّره في تجربته السجنيّة القصيرة: “لا فرق بين أن تكون في الداخل أو في الخارج… في السجن أو في الحومة… ففي تونس، حتى في الـcivile كلّنا مرابيط“. وفي كلّ الحالات، يؤدّي اختبار هذه التجارب اليوميّة من الإخضاع والنبذ والاحتقار إلى إنتاج تشكيلة ذاتيّة يقع الإذلال في القلب منها.

ضمن مقابلة بحثيّة أخرى مع أنس، سألناه عن الفروق بين ضروب المقاتلين التونسيّين الذين “هاجروا” إلى الدولة الإسلاميّة وانخرطوا في صفوفها، فكانت إجابته:

لكلّ منهم نموذجه وقدوته… فهناك الاستشهادي الذي تراه يبغي “الدقمة” ويرغب في أن يفجرّ نفسه في العدوّ مسبّباً فيه الضرر حتى ينال الجنّة مباشرة… وهناك الاقتحامي الذي يكون مثله مثل بقيّة الجنود يقاتل في المعارك إلى أن ينال الشهادة… وهناك الانغماسي، الذي يندسّ في صفوف العدوّ وخطوطه الخلفيّة، فيُثخن فيه ما أمكنه ذلك من ثمّ يخرج سالماً… من قبل، كنتُ مولعاً بسيرة خالد بن الوليد، سيف الله المسلول، فهو عقل عسكري كبير وقائد سيّر جيوشاً وفتح بلداناً… ذاك قدوتي، لذلك اخترت أن أكون مقاتلاً انغماسيّاً… فأنا أبغي الموت بعد الإثخان في العدوّ، فإمّا أن أُقتل أنا، أو يُسَلّم هو أمره… أبغي أن أفتح بلداناً وأنشر الدين وأقاتل الكفّار حتى تكون كلمة الله هي العليا”.

أنس – 33 سنة

ومجدّداً، نجد أنفسنا هنا إزاء نفس السؤال الذي استهللنا به هذه الورقة: كيف نفهم التحوّل السردي بين المقطعين الذين أوردناهما من شهادة أنس البحثيّة، من بناء سرديّ لذات محتقَرة ومذلولة وممحوقة، إلى بناء سرديّ آخر لذات فائقة ومتمكّنة وقاهرة؟ إنّ واحدة من الفرضيات التفسيريّة الممكن طرحها، هو فهم هذا التحوّل بوصفه مسار تحوّل جوهري. حيث يؤشّر التحوّل الجوهري على السيرورة التي تكتسب من خلالها الكائنات أو الأشياء قيمة أو رأسمالاً رمزيّاً لا تتوفّر عليهما بحكم أصالتها، ممّا يمنحها جوهراً مغايراً. وقد صاغ بيير بورديو هذا المفهوم ضمن نظريّته عن الهيمنة الرمزيّة، وتحديداً في وصفه السيرورات التي تُكتسب من خلالها المنتجات الثقافيّة والشهادات العلميّة قيمة الرّفعة أو النّبالة، من خلال تكريسها عبر المؤسّسات المحتكرة للشرعيّة الرمزيّة ضمن الفضاء الاجتماعي. وفي بعض المواضع، يؤشّر بورديو على المفهوم بمصطلحات رديفة، مثل السحر الاجتماعي أو الخيمياء الاجتماعيّة. فمثله مثل السّحر والخيمياء، يمرّ التحوّل الجوهري بالأساس عبر الاعتقاد في القدرة الرمزيّة التي تدّعيها قوّة ما على تحويل جواهر الموادّ والكائنات، حتى تترقّى أنطولوجيّاً.

في هذا الصدد، سنكتفي بطرح فرضيّة مفادها أنّ مسارات التطرّف الجهادي لشباب الأحياء الشعبيّة التونسيّة، تمثّل مسارات تحوّل جوهري يترقّون عبرها أنطولوجيّاً من وضعيّة إذلال إلى وضعيّة تفوّق مبنيّ على الاعتقاد في الانتماء إلى نخبة دينيّة مصطفاة، يؤدّي ضمنها مفعول القوّة الرمزيّة التي تتوفّر عليها الطوبى الجهاديّة دوراً مهمّاً. فمثلها مثل جلّ الطوباويّات، تمثّل الطوبى الجهاديّة “نمط خيال اجتماعي“تكمن ميزته الأساسيّة في قدرته على نقل الخيال من فضاء الواقع الرّاهن إلى فضاء واقع مفارق لم يتحقّق بعد. و”من أجل القدرة على الحلم بواقع آخر”، على نحو ما يؤكّد بول ريكور، “ينبغي أوّلاً ضمان اكتساب هويّة سرديّة، من خلال التأويل المتجدّد للتقاليد التي نستند عليها في ذلك“، وهذا عين ما نستكشفه في شهادة أنس البحثيّة، إذ أنّ تحوّله من ذاتيّة خاضعة حيث كان “يحسّ كأنّه يعيش تحت الذلّ“، إلى ذاتيّة فائقة حيث “يبغي فتح بلدان ونشر الدين وقتال الكفّار“، يمثّل بناءً لهويّة سرديّة من خلال اقتدائه بنموذج تأويلي متخيّل متعيّن في سيرة الصحابي خالد بن الوليد. ففي مقابل الواقع الرّاهن الذي يجعل منهم أفراداً خاضعين وممحوقين ومذلولين، تطرح الطوبى الجهاديّة على أمثال أنس من شباب الأحياء الشعبيّة التونسيّة، إمكانيّة استئناف واقع آخر يكونون فيه أفراداً فاعلين وقاهرين وفائقين، عبر التماهي مع تصوّرات مثاليّة لأبطال تاريخيّين مستمدّة من نموذج تأويلي مخصوص لتاريخ الإسلام. ومن ذلك، نقرأ في نصّ صدر عن “كتيبة عقبة بن نافع”، الفرع الأساسي لـ”تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” بتونس، تنعى فيه اثنين من مقاتليها لقيا حتفهما في عمليّة شنّتها ضدّها قوّات الأمن والجيش التونسيّة:

“…في الوقت الذي كانت فيه قوافل الشباب المغرّر بهم تخوضُ البحار على مراكب الموت، زرافاتٍ ووحداناً تشوُّفًا لعيشة رغيدة خلف البحار، كان أبطال الإسلام وشباب الإيمان يبحثون عن مواطن العزِّ والاستشهاد، ليبرهنوا للعالم أجمع بأنّ روح التضحية والفداء لا زالت راسخة في أمّة الإسلام، يضخّها الآباء والأمّهات دماً دفّاقاً في عروق الأبناء، لا يمكن لأيّ قوّة متغرطسة على وجه الأرض استئصالها، ومن يسدّ طريق العارض الهطلِ؟! إنّها ظاهرة عجز الغرب الكافر وأذنابه من حكام الرِّدّة عن استيعابها، فسخّروا كلّ طاقاتهم وأجهدوا أنفسهم عبر مكرٍ خبيث لإغراق الشباب المسلم في مستنقعات الرذيلة والضياع…، فيتحوّل أولئك الشباب وبصناعة الله إلى فرسان يذودون عن الإسلام، شباب يخرجون من قاعات اللَّهو والغناء إلى ساحات المدافع والقنابل، شباب لطالما رابط على مدرّجات الملاعب يحملون أعلام الأندية، يرابطون اليوم على خطوط القتال الأولى وهم يحملون رايات الجهاد بيمينهم وبالأخرى سلاحهم، ولكنّ هذا التحوّل وللأسف هو حال القليل من شباب الأمّة، لتبقى الأغلبيّة الغالبة خارج مجال التغطية… فعليك يا أخي بسيرة هؤلاء، فلن تعدم نوراً من أنوارهم تضيء به دربك، وبلسماً يقطع عنك الهمّ والغمّ، وينبوعاً من الماء الزُّلال يُذهب عنك ظمأ الحياة، فهي سِيَرٌ تعيد سِيَرَ الصالحين الأوّلين من سلفنا الصالح التي جَمَعَت بين جميع أحوال المؤمن في هذه الدنيا، من الهداية إلى الصدع بالحقّ إلى الهجرة ثمّ الجهاد والثبات، ثمّ في الختام الشهادة”.

إنّ التحوّل الذي يتحدّث عنه بيان هذه المجموعة الجهاديّة، هو تحوّل جوهري لفئات شبابيّة من ذاتيّات خاضعة ومستلبة إلى ذاتيّات فائقة وبطوليّة، بوصفها جزءًا من الطّائفة المنصورة الموكول لها تحقيق العود الأبدي الموعود لزمن التمكين والسطوة المنقضي، تبعاً لنموذج تأويلي مؤسطر لتاريخ القرون الثلاثة الأولى من الإسلام. ومن لدنّ هذا النموذج، تشكّل هذه الفئات من الشباب سرديّات هوويّة تصير عبرها ذواتاً فائقة، تكتسب تفوّقها المتخيّل من التفوّق المثالي لأيقونات نموذجها المؤسطر، فكأنّها سرديّات محبوكة على طراز “سِيَر تُعيد سِيَر الصالحين الأوّلين من السلف الصالح” في زمن الإخضاع والاحتقار والإذلال الحاضر. فالعالم الاجتماعي، يُمثّل بالنسبة إلى فئات واسعة من الشباب التونسي، بفعل الهشاشة الاقتصاديّة وانحصار دوائر الإدماج وتعطّل إواليّات الصعود الاجتماعي وموروث الاستبداد السياسي الكاسح، كليّة ساحقة يختبرون تحت وطأتها نفي الاعتراف في شكله الجذري، إلى حدّ أن يصير “عالماً لا يقدر فيه على البقاء سوى البطل. حيث يغدو الانضمام إلى الفيالق الجهاديّة والدفاع عن إسلام “قويّ وقاهر” نمط بقاءٍ، ووهماً هستيريّاً بالاندماج ضمن فضاءٍ يحمي ويرتق نرجسيّة مفتوقة“.

وإذا كان هذا المسلم الفائق يتمثّل نفسه بطلاً، إلاّ أنّه “بطل سلبي” بتعبير فرهاد خوسروخوفار، أي أنّ بطولته ليست بطولة إيجابيّة تتأتّى من سعيه إلى الاندماج في المجتمع والنجاح ضمنه ونيل تقديره الإيجابي، بل بطولة سلبيّة تتأتّى من سعيه إلى إخضاع المجتمع لإرادة تفوّقه، عبر إرهابه. لذلك، فإنّه كلّما زاد كره المجتمع له، كلّما تعزّز إحساس البطل السلبي بالتفوّق، بحيث لم يعد هذا الكره يمثّل في نظره علامة نبذ وإقصاء وتحقير، بل علامة مفاصلة تؤكّد تفوّقه على المجتمع الذي حقّره سابقاً. وصراع البطل السلبي ليس صراعاً من أجل الاعتراف، أي من أجل استعادة مكانته المعنويّة المسلوبة ضمن النظام الاجتماعي المحقّر له، بل صراعاً من أجل التفوّق المطلق ضدّ هذا النظام. وبعبارة أخرى، فإنّ البطل السلبي لا يبحث عن “نيل الاعتراف من هيئة الاعتراف العليا القائمة…، بل إلى تنصيب نفسه كمانح أعلى للاعتراف…، ينبغي على الآخرين انتظار اعترافه وتلمّسه منه“، وهو صميم ما يعبّر عنه مقطع دالّ من شهادة أنس، حين يصرّح: “أنا أبغي الموت بعد الإثخان في العدوّ، فإمّا أن أقتل أنا، أو يُسَلّم هو أمره“.

ما العمل لمناهضة تحوّل هذه الفئات من الشباب التونسي نحو التطرّف الجهادي، بما تخلّفه آثار العنف والإرهاب على المجتمع من آثار مدمّرة؟

منذ اندلاعها في ربيع سنة 2011، ما يزال مسار الثورة التونسيّة مستمرّاً عبر نضالات طيف واسع من الحركات الاجتماعيّة والمدنيّة الشبابيّة التي تشكّلت في خضمّها. ورغم اختلاف رهاناتها وديناميّاتها وفاعليها، فإنّ هذه الحركات تشترك في مطلب أساسي يُشكّل رابطاً يصلها أفقياً ببعض، وهو الكرامة باعتبارها الشكل الأوّلي من الاعتراف السياسي المؤسّس للمواطنة. ولعلّ الرهان على دعم هذه الحركات الاجتماعيّة وتجذيرها مجتمعيّاً في صراعاتها من أجل الاعتراف والإدماج والمواطنة، قد يدعّم قدرتها على حشد فئات الشباب المقصيّة والمذلولة ضمن تحوّلات جوهريّة نحو ذاتيّات مواطنيّة، وتطرح عليها أطراً وخطابات تتوسّل النضال ديمقراطيّاً ومدنيّاً من أجل نظام اجتماعي عادل، عوض أطر وخطابات الحركات الجهاديّة المتطرّفة. وقد يكون ذلك خياراً في النضال السياسي يطرح على الشباب بديلاً مواطنيّاً عن التطرّف، كما يناضل في الآن نفسه من أجل تغيير النظام الاجتماعي القائم المساهم في إنتاج شروط التطرّف.

المصدر : مركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان___ 9سبتمبر 2020

 

أخبار, البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد, ندوات ودراسات 0 comments on ألبوم صور : ندوة عن دلالات الاتفاق الأمريكي “الاسرائيلي” الإماراتي

ألبوم صور : ندوة عن دلالات الاتفاق الأمريكي “الاسرائيلي” الإماراتي

في مؤسسة التميمي :
ندوة عن دلالات الاتفاق الأمريكي الاسرائيلي الإماراتي (التطبيع) بمشاركة التنسيقية التونسية الفلسطينية ومنتدى ابن رشد وسفارة فلسطين بتونس و ديبلوماسيين و اكاديميين و إعلاميين وشخصيات سياسية

أخبار, ندوات ودراسات 0 comments on فيديو – -40 عاما بين الصحافة و السياسة … شهادات مع الإعلامي و الخبير في العلاقات الدولية “كمال بن يونس”

فيديو – -40 عاما بين الصحافة و السياسة … شهادات مع الإعلامي و الخبير في العلاقات الدولية “كمال بن يونس”

منية عيادي – مغرب نيوز

 

نظمت مؤسسة التميمي للبحث العلمي و المعلومات مؤخرا لقاء فكريا علميا حول مسيرة الإعلامي و الأكاديمي و الخبير في العلاقات الدولية كمال بن يونس و سجلّ تجربته و خبرته في الإعلام خلال 40 سنة من  التحليل السياسي و متابعة الأحداث المحلية و العربية و الدولية و مواكبة أدق الأحداث الجيوسياسية إضافة إلى قراءة لدور الورقة الدولية في المتغيرات الداخلية لدول جنوب المتوسط.

و و واكب الملتقى السفير الفلسطيني بتونس هائل الفاهوم و عشرات المثقفين و السياسيين و نخبة من أبرز الباحثين في التاريخ و كبار الإعلاميين و الصحفيين .

و من بين الصحفيين الذين شاركوا في الحوار الأساتذة عبد اللطيف الفراتي نقيب الصحفيين و رئيس تحرير الصباح سابقا و محمد العروسي بن صالح رئيس تحرير الشعب و قناة الجنوبية و الشروق سابقا والمدير التنفيذي لجمعية مديري الصحف و آسيا العتروس رئيسة تحرير الصباح و محمد بنور رئيس تحرير جريدة المسقبل و الصحفي و القيادي في حركتي الديمقراطيين الاشتراكيين و المؤرخ محمد ضيف الله.

و من بين أبرز السياسيين الذين واكبوا الحدث مصطفى بن جعفر الرئيس السابق للمجلس الوطني التأسيسي و الوزير عبد اللطيف عبيد الأمين العام المساعد بجامعة الدول العربية عبد اللطيف عبيد .

كما حضر اللقاء المحامون الطاهر بوسمة و فتحي عبيد و بديع جراد و عبد الحميد الجلاصي القيادي في حركة النهضة و المناضل الحقوقي القومي الإعلامي عمر الماجري و الحقوقي و الأكاديمي زهير بن يوسف و الحقوقي و الاعلامي عبد العزيز التميمي و القيادي النقابي السابق الطيب الورايري و ثلة من النقابيين و رجال الاعمال ..

و استعرض الإعلامي كمال بن يونس بعض الشهادات عن أحداث مثلت محطات سياسية بارزة في تاريخ تونس و المغرب الكبير و الدول العربية و أيضا في الفضاء الأورو متوسطي و في أمريكا و دول المشرق العربي و إيران وتركيا و الدول الإفريقية، كان عايشها و واكبها عن قرب.

كما تحدث عن بعض الشخصيات السياسية و الوطنية في تاريخ تونس المعاصر ثم بعد ثورة جانفي 2011 و فتح صفحات من تاريخ المعارضة التونسية و الحركة الطلابية و الاتجاه الإسلامي و بقية التيارات النقابية و النضالية و قيادات اليسار الطلابي و أبراز حركات التصعيد مع النقابات و المعارضة و الجامعات … 

و قدم بن يونس أيضا شهادات موثقة بالصور عن تحقيقات صحفية عن الحروب و الانتخابات و مؤتمرات سياسية و علمية وطنية و دولية ( أوروبا و أمريكا و اليابان – الجزائر – المغرب – ليبيا – فلسطين – مصر- الخليج- ايران – تركيا – جنوب افريقيا و روندا..)

كما تطرق إلى خفايا و هوامش من مقابلات مع صناع القرار وطنيا و عربيا و دوليا قرابة 40 عاما من رؤساء و ملوك و وزراء و ديبلوماسيين و زعماء المعارضة و المجتمع المدني و مفكرين.. .)

و في مداخلة له أبدى المؤرخ و صاحب مؤسسة التميمي للبحث العلمي و المعلومات عبد الجليل التميمي إعجابه بالسيرة الذاتية للإعلامي كمال بن يونس التي تزخر بكم هائل من المسؤوليات و المهمات الصحفية التي تقلدها على مدى 40 سنة من مسيرة حافلة معتبرا إياه قامة من قامات الإعلام في تونس و مرجعا هاما للصحفيين سواء من خلال شهاداته عن الأحداث المعاصرة أو في قراءة الأحداث الحالية و تحليلها .

الصحفي عبد اللطيف الفوراتي تحدث بدوره عن تجربته في العمل الصحفي مع الإعلامي كمال بن يونس بجريدة الصباح، التي تولى فيها عدة مسؤوليات وصولا إلى رئاسة تحريرها فيما بين عامي 1988 و 1993، كما عرج على جزء من الحياة العملية بالجريدة في مرحلة حكم زين العابدين بن علي و مواكبة الأحداث النضالية لليسار ضد نظام بن علي .

و قالت الإعلامية آسيا العتروس إن بداياتها بدار الصباح تعود إلى بدايات التسعينات الدار التي مثلت فرصة لها للتعرف على وجوه وجوه إعلامية بارزة صالح الحاجة و عبد اللطيف الفراتي و عبد السلام الحاج قاسم و كمال بن يونس الذي تحدثت عن مسيرته الإعلامية التي تنوعت على امتداد 40 عاما بين ما هو محلي وطني و دولي .
كما تطرقت العتروس إلى الحديث عن كمال بن يونس الإنسان الذي ساند الجميع في دار الصباح خاصة الملتحقين الجدد بالمؤسسة ” الصحفيين الشبان” ، مشيرة إلى أن علاقتها توطدت بكمال بن يونس أثناء مواكبتها معه الأحداث و المستجدات الفلسطينية رفقة القيادات الفلسطينية المتواجدة في تونس كالقيادي ياسر عبد ربه . لافتة إلى أن تجربتها الصحفية مع كمال بن يونس امتدت على عقدين و نصف من الزمن .

و استعرض الصحفي و النقابي محمد العروسي بن صالح أبرز محطات العمل الصحفي مع الإعلامي كمال بن يونس حين كان مديرا عاما لقناة الجنوبية و تحدث عن أهم الضغوطات التي مورست عليهما في اختيار الخط التحريري للقناة.

كما فتح الصحفي محمد بنور صفحات من تجربته الصحفية بدار الصباح مع الإعلامي كمال بن يونس و تحدث عن الضغوطات التي تمت ممارستها على الإعلام و الصحافة في عهد النظام السابق و التعتيم على الأحداث الوطنية التي تأتي في شكل برقيات من وكالة تونس افريقيا للانباء  .

من جهته تحدث المحامي فتحي عبيد عن أهمية الصحافة و الدور الكبير الذي لعبته في الدفاع عن الإسلاميين في سنوات حكم بورقيبة مضيفا أن الإعلام في تلك الحقبة كانت له سلطة كبيرة و تأثير أكبر من القضاء و السلطة القضائية و تميز بالجرأة حيث كانت له اليد البيضاء في النضال ضد الأحكام التعسفية التي طالت عديد الوجوه النقابية و الإسلامية .

 و قدم رئيس المجلس الوطني التأسيسي السابق و رئيس حزب التكتل  مصطفى بن جعفر قراءة في تطور العلاقات بين التيارات الفكرية و السياسية الليبيرالية و اليسارية و الاسلامية في تونس خلال العقود الماضية و نوه بالدور الذي لعبه الأستاذ أحمد المستيري الزعيم المؤسس لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين و زعيم المعارضة التونسية منذ 1971 في تشجيع قيم المواطنة و التوافق بين كل الأطراف السياسية و الفكرية مع تشجيع الرهان على الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و الهوية الوطنية التونسية العربية الإسلامية.

 

و تحدث الوزير السابق و الأمين العام المساعد بجامعة الدول العربية عبد اللطيف عبيد عن متابعة الصحفي كمال بن يونس لنشاط حركة الديمقراطيين الاشتراكيين التي كان فيها مسؤولا طيلة عشر سنوات عن ولاية نابل و كان رئيس الحركة آنذاك المناضل أحمد المستيري حيث قام بن يونس بتغطية كافة أنشطتها بفروعها ال16.

و أشاد عبيد بالحضور الكبير و المميز للصحفي كمال بن يونس في متابعة و تغطية الأحداث السياسية الكبرى بالبلاد عبر مقالاته الدقيقة و الموضوعية خصوصا في جريدة الصباح العريقة و مراسلاته في وسائل الإعلام العربية و الغربية.