أخبار, البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد, وجهات نظر 0 comments on الغنوشي : مستقبل حكومة الفخفاخ إثر مستجدات أزمة كورونا

الغنوشي : مستقبل حكومة الفخفاخ إثر مستجدات أزمة كورونا

كمال بن يونس

بعد 6 أشهر عن الانتخابات التونسية وتنصيب قيس سعيد رئيسا للبلاد وراشد الغنوشي رئيسا للبرلمان، وبعد شهرين عن تنصيب إلياس الفخفاخ رئيسا للحكومة، برز مجددا في وسائل الإعلام وكواليس السياسة حديث عن خلافات بين “الرؤساء الثلاثة” وبين الأغلبية البرلمانية والسلطة التنفيذية.. فما هي حقيقة هذه الخلافات؟ وما هي ملامح المشهد السياسي الجديد في بلد يعطي دستوره أغلب الصلاحيات للبرلمان ويمنحه نفوذا كبيرا في مراقبة رئاسة الجمهورية والحكومة؟

وكيف سيتفاعل الغنوشي وأنصاره مع معارضيهم داخل البلاد وخارجها بما في ذلك في واشنطن وأوروبا وليبيا والجزائر؟ وكيف يستشرف رئيس حزب النهضة مرحلة ما بعد كورونا وطنيا وإقليما ودوليا ومستقبل تيار “الإسلام الديمقراطي” والأطراف المحسوبة على “الإسلام السياسي”؟ وماهي رؤيته لتطبيع علاقات حركته مع الدولة ومع العواصم الغربية والإقليمية وعلى رأسها الجزائر؟ وكيف ينظر رئيس البرلمان إلى دور المؤسسة التشريعية مستقبلا وإلى “الديبلوماسية البرلمانية”؟

الإعلامي كمال بن يونس التقى رئيس البرلمان التونسي ورئيس حزب “النهضة” التونسي الشيخ راشد الغنوشي وأجرى معه الحوار التالي حصريا لـ “عربي21”، الذي قدم الغنوشي في جزئه الأول الذي ننشره اليوم رؤية استشرافية لمستقبل تونس والأحزاب السياسية والمنطقة والعالم بعد جائحة كورونا، بينما يقدم في جزئه الثاني والذي ننشره غدا، قراءة استشرافية لعلاقة “الإسلام الديمقراطي” بمكونات النظام العالمي الجديد..

س ـ كيف تقيم علاقتكم بالسلطة التنفيذية في بلد يوصف فيه النظام السياسي بكونه “نظام برلماني معدل”؟ هل وقع تجاوز ما وصف بـ “التجاذبات بين الرؤساء الثلاثة” أي رئيس الجمهورية القائد العام للقوات المسلحة قيس سعيد ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ ورئاسة البرلمان؟

ـ علاقة مجلس النواب بالسلطة التنفيذية محكومة بالدستور الذي حدد مهام كل جهة ووضع طرق التعامل، ولكن ما يظهر هنا أو هناك مما يسمى تجاذبا هو في الحقيقة تدرب على تنزيل الدستور، فتجربتنا الديمقراطية المحكومة بالقانون لا تزال فتية والكل في درس التجربة والممارسة وحسن التنزيل، ومثل هذه الأمور تحتاج إلى وقت وتعود ودربة وثقافة تتحول تباعا إلى مسلمات ووقائع.

الحديث عن تجاذبات أمر مبالغ فيه، ونعتقد أن المقصود هو التدرب على التنزيل وتحويل النصوص الدستورية إلى قواعد حاكمة وضابطة لسلوك الجميع وفي هذه الحالة.. كما يتوجب الأمر الدقة والوضوح يتطلب كذلك اللين والتفاعل الإيجابي.

مجلس نواب الشعب يقوم بدوره وفق الدستور، فإضافة إلى سلطته التشريعية هو سلطة رقابية تراقب الحكومة وتسائلها، وتلك ثقافة الديمقراطية التي سلكناها منذ الثورة، وهذا الأمر واضح في مهامنا وأعمالنا.

وأيا كان الأمر فقد مثلت جائحة كورونا مناسبة لتظهر فيها مؤسسات الحكم موحدة في الحرب.. وهي وحدة لم تظهر في مؤسسات الحكم فقط بل تجلت في وحدة كل القوى الوطنية، حيث ظهر الجميع في وحدة شاملة نحتاجها اليوم في مواجهة هذه الجائحة كما نحتاجها غدا في مواجهة الآثار والمخلفات التي ستتركها جائحة كورونا من أجل الانطلاق والإنعاش الاقتصادي..

مستقبل حكومة الفخفاخ

س ـ كيف تنظرون إلى مستقبل حكومة الفخفاخ التي تشاركون فيها خاصة إثر مستجدات أزمة كورونا؟ 

ـ الحكومة تجتهد وعلى كل الأصعدة في التصدي لهذه الآفة، وهي تواجه هذه الصعوبات على كل  الجبهات، ونحن نتعاطى معها من منطلقات عديدة:

من منطلق إننا نشارك فيها، ولذلك ندفع بها إلى النجاح، خاصة في هذه الظروف الصعبة. وفي نفس الوقت لا نتخلى عن دورنا كمجلس نواب الشعب في الرقابة والتي تتحول في مثل هذه المناسبات إلى نوع من إسداء النصح.

وفي الأنظمة الديمقراطية التي تواجه نفس التحديات، لم تتخل السلطة البرلمانية عن دورها لأن التناصح والتعاون واختلاف الرأي في النظام الديمقراطي أمر ثمين لا بد من استثماره، فضرب الرأي بالرأي والموقف بالموقف هو خير لصالح الوطن بدل الرأي الواحد والموقف الواحد. كورونا لا شك ستكون لها انعكاساتها على كل الأصعدة وفي مقدمتها المجال الصحي والاقتصادي والاجتماعي، والحكومة معنية بأن تتصدى لهذه الجبهات، ونحن نقدرعاليا التحدي ولكن المستحيل ليس تونسيا فشعبنا له من الإرادة والقوة ما يمكنه من تحويل المحن إلى فرص.

القطيعة مع المعارضة

س ـ هل تجاوزتم مرحلة القطيعة والصدام بين نواب حزب “النهضة” وحلفائه في الحكومة مع نواب الحزب الحر الدستوري بزعامة عبير موسي؟

ـ نواب النهضة ليسوا في صدام مع أي من الأحزاب أو الكتل.. نحن نختلف هنا مع البعض ونلتقي هناك مع البعض الآخر.. والمعارضة في البرلمان تشكلها العديد من الكتل، فهناك قلب تونس الكتلة الأولى في المعارضة وائتلاف الكرامة والدستورى الحر.. كل هؤلاء في المعارضة. وثقافة الديمقراطية تقتضي منا وفي أغلب الأوقات أن نستمع لرأي المخالف أكثر من رأي الصديق.

المصالحة الشاملة أولوية وطنية وواجب ديني وقانون الإقصاء كان سيقصي قائد السبسي

ومن المؤسف أن تظهر بعض الأصوات هنا أو هناك تؤسس للإقصاء وتتمسك به وهو ما جاءت الثورة لتجاوزه. فالديمقراطية سفينة تحمل الجميع باختلافهم وتنوعهم وتوفر للجميع الراحة دون تمييز. النظام القديم لما كان يحكم كان المعارض في السجن أو في المهجر.. أما النظام الديمقراطي اليوم فهو يحمي حق الجميع بمن فيهم من لا يزال يمدح القديم أو يحن إليه، وتلك حقيقة الديمقراطية التى اعتبرناها الخيمة التي تتسع للجميع.

نحن نتمثل القول الذي يجعلنا ندافع عن حق المختلف في الوجود وفي التعبير عن رأيه حتى وهو  يختلف معنا في الرؤية والمنهج.. تلك هي قيمنا نستمدها من الإسلام الذي لا يضيق بالاختلاف بل يؤصل له كمبدأ وجودي وممارسة ثقافية. والاختلاف أيضا قيمة من القيم المعاصرة لا تتناقض مع جوهر تراثنا ومقاصده بل تعبر عن الثراء والتنوع.. الربيع لا تصنعه الوردة الواحدة.

المصالحة الوطنية الشاملة

س ـ تقدمتم بمشروع جديد للمصالحة الشاملة يوم انتخابك رئيسا للبرلمان ثم يوم المصادقة على حكومة إلياس الفخفاخ هل من متابعة لهذا المشروع؟ 

ـ المصالحة الوطنية الشاملة ضرورة وقناعة لا بد أن تنجز. إنه موقفنا منذ البداية. وهو موقف يستند إلى استقراء للتاريخ. عندما ننظر إلى الماضي أو نتأمل تجارب الدول حولنا نجد أن ممارسة الإقصاء والاستئصال لا تخلف إلا الخراب والصراعات التي لا تنتهي .

نحن عانينا من الإقصاء لعقود طويلة وذقنا مرارته، ولذلك لا نرضاه لغيرنا ولا يمكنه أن يكون وسيلة بناء. هل يعقل أن يحمل حزب أو جهة ما مشروعا إقصائيا وعندما تسأله ما هو مشروعك يجيبك هو التخلص من هذا الطرف أو إقصاء ذاك؟

أن يوضع التاريخ القديم في سلة واحدة هو حكم غير دقيق وغير موضوعي، ولذلك عارض حزبنا قانون الإقصاء داخل البرلمان، ولو مر يومها لكان من ضمن المقصيين الأستاذ الباجي قائد السبسي رحمه الله .

قلنا ان خيمة الدستور تتسع للجميع. ومن آمن بهذا الدستور فهو قد انخرط في الثورة، فمنطقيا يرفض نظريات العنف الثورى ويشرع للسلم الثوري ومن تبعاته الابتعاد عن الإقصاء ..

نعتقد أن هذه المصالحة لم تنجز إلى حد الآن.. ولذلك دعونا إلى مصالحة شاملة تستوعب العدالة الانتقالية وتنصف المظلومين وهدفها مداواة الجراح وتجاوزها من أجل طَي صفحة الماضي للذهاب بوحدة وطنية إلى بناء المستقبل .

بلادنا تحتاج إلى كل قواها وكفاءاتها، وهذه الكفاءات منها من لا يزال معطلا لغياب المصالحة الشاملة وقد شرعنا في تصور خطة لإنجاز هذا المطلب.

ولكن جائحة كورونا غيرت من الأولويات وسيظل المطلب قائما لأنه من الأولويات الوطنية ومن الواجبات الدينية .ففي ديننا ما يؤكد هذا التوجه ويدعمه، إذ العفو والصفح والتجاوز كلها قيم متأصلة في ديننا وتاريخنا ..

الثورة لم تحقق أهدافها الاجتماعية والاقتصادية

س ـ تواجه تونس صعوبات اقتصادية واجتماعية توشك أن تزداد حدة وخطورة بعد أزمة كورونا، كيف ستتعاملون مع هذه المستجدات؟

ـ حققت تونس نجاحات سياسية كبيرة وهي واضحة في تثبيت قيم الديمقراطية ولكنها لم تنجز نفس المطلوب في الجانب الاقتصادي والاجتماعي وهي مطالب الثورة، فمطلب الشغل ومطلب العدالة الاجتماعية كانا من شعارات الثورة إلى جانب مطلب الحرية، ولذلك اعتبرنا التحدي الأكبر اليوم هو إنجاز القفزة الاقتصادية بإعادة النظر في المنوال التنموي واجتراح مسالك جديدة تستثمر ما لدينا من إمكانيات وتعمل على حسن توظيفها .

الثورة لا تحقق أهدافها مادامت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية لم تتحق داخلها. العالم من حولنا يعيش داخل دولة الرفاه والتي تضمن الضرورات الحياتية وغيرها من الحقوق وأوطاننا لا يزال المواطن داخلها يواجه الفقر والأمية والبطالة، وقد جاءت جائحة كورونا لتكشف عورات في المجالات المختلفة وهي مناسبة لتقييم موضوعي كي نخلص لتجاوز كل النقائص .

منفتحون على المعارضة بكل ألوانها.. في سياق القانون وحكومة الفخفاخ أمام امتحان كبير

هذا الوضع الجديد لا بد أن يواجه بطرق جديدة، فالوسائل القديمة لم تعد كافية ولذلك نحتاج إلى المصارحة والجرأة الاقتصادية والشجاعة . هناك إصلاحات كبرى لا بد من تحقيقها والمنوال التنموي لا بد من مراجعته.. وهناك عدالة بين الجهات والأفراد لا بد أن تنجز.. واقتصاد تضامني لا بد أن يتحقق.

كل هذه الإصلاحات تحتاج إلى موقف وطنى جامع تتوحد حوله كل الأطراف أحزابا ومنظمات. وتونس قادرة على أان تنجز تحولها الاقتصادي العميق بما يحقق تطلعات أبناء شعبنا .

الديبلوماسية البرلمانية

س ـ هل تنوون توظيف الدبلوماسية البرلمانية وشبكة العلاقات العربية والدولية لدعم الحكومة في الحصول على موارد مالية؟ 

ـ نعم، نحن ندعم هذه الحكومة ونوظف كل ما لدينا من إمكانيات وعلاقات من أجل نجاحها، لأن نجاحها هو نجاح لتونس. وقد قمنا بهذا الجهد في أوقات السلم أي في الأوقات العادية فما أدراك وبلادنا تخوض حربا ضد هذا الوباء القاتل .

نجتهد جميعا في دعم الحكومة حتى تواجه المشكلات المستجدة ونتواصل مع كل أصدقائنا وأشقائنا من أجل تحقيق هذا المطلب مع تقديرنا للصعوبات الكبيرة التي تواجه الجميع فكل الدول تعيش تحدي هذا الفيروس وكلها تواجه التحديات الاقتصادية. ولكن حسن علاقاتنا مع الجميع يساعدنا على مواجهة مجمل التحديات ..

بعد 6 أشهر من الانتخابات التونسية وتنصيب قيس سعيد رئيسا للبلاد وراشد الغنوشي رئيسا للبرلمان، وبعد شهرين من تنصيب إلياس الفخفاخ رئيسا للحكومة، برز مجددا في وسائل الإعلام وكواليس السياسة حديث عن خلافات بين “الرؤساء الثلاثة” وبين الأغلبية البرلمانية والسلطة التنفيذية.. فما هي حقيقة هذه الخلافات؟ وما هي ملامح المشهد السياسي الجديد في بلد يعطي دستوره أغلب الصلاحيات للبرلمان ويمنحه نفوذا كبيرا في مراقبة رئاسة الجمهورية والحكومة؟

وكيف سيتفاعل الغنوشي وأنصاره مع معارضيهم داخل البلاد وخارجها بما في ذلك في واشنطن وأوروبا وليبيا والجزائر؟ وكيف يستشرف رئيس حزب النهضة مرحلة ما بعد كورونا وطنيا وإقليميا ودوليا ومستقبل تيار “الإسلام الديمقراطي” والأطراف المحسوبة على “الإسلام السياسي”؟ وماهي رؤيته لتطبيع علاقات حركته مع الدولة ومع العواصم الغربية والإقليمية وعلى رأسها الجزائر؟ وكيف ينظر رئيس البرلمان إلى دور المؤسسة التشريعية مستقبلا وإلى “الديبلوماسية البرلمانية”؟

الإعلامي كمال بن يونس التقى رئيس البرلمان التونسي ورئيس حزب “النهضة” التونسي الشيخ راشد الغنوشي وأجرى معه الحوار الآتي حصريا لـ“عربي21”، الذي قدم الغنوشي في جزئه الأول الذي نشرناه أمس الأثنين رؤية استشرافية لمستقبل تونس والأحزاب السياسية والمنطقة والعالم بعد جائحة كورونا، بينما يقدم في جزئه الثاني والذي ننشره اليوم، قراءة استشرافية لعلاقة “الإسلام الديمقراطي” بمكونات النظام العالمي الجديد..

العلاقات مع أوروبا والدول العربية

س ـ قبل الانتخابات زرتم عددا من البلدان العربية والدولية بينها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا واستقبلتم في البرلمان عددا كبيرا من السفراء بما في ذلك سفراء الجزائر وواشنطن وباريس في تونس.. هل تعتقدون أن تلك البلدان سوف تقدم دعما سياسيا وماديا للتجربة التعددية والديمقراطية التونسية قولا وفعلا؟ 

ـ نعم هذه الدول تقف إلى جانب تونس فبلدنا يتمتع بسمعة طيبة وعلاقاته جيدة مع الأشقاء والأصدقاء.

وقد ازدادت هذه السمعة نصاعة بفضل التجربة الديمقراطية التي تظل الشمعة المضيئة الوحيدة في واقع إقليمي مضطرب تتقاذفه الأمواج وتسيل فيه الدماء في كل الاتجاهات ولذلك نجد الدعم من الجميع. وقد لمسنا هذا الدعم يوم كنّا نخوض الحرب ضد الإرهاب وهي حرب شرسة ومكلفة.

ثقتنا في الجميع كبيرة وقد بدأت الإعلانات عن هذا الدعم تأتي من المنظمات الدولية والإقليمية لنا ولغيرنا كمنظمة الصحة العالمية ومنظمات التعاون الإسلامي وكذلك منظمات الاتحاد الإفريقي. والدعم الثنائي لن يتأخر تجاه تونس، فالاستثمار في الديمقراطية هو أفضل الاستثمارات لأنه يجنبنا الصراعات والحروب ويدفع إلى التنمية العادلة والمتوازنة.

الإسلام الديمقراطي.. والإرهاب

س ـ هل اقتنعت تلك الدول بأن حزبكم حركة “النهضة” يختلف عن الجماعات الإسلامية المتشددة والمليشيات المسلحة مثل القاعدة وتنظيم الدولة وأنها تبنت مدنية الدولة وعلوية الدستور والقانون؟ وهل اقتنعت معارضتكم في الداخل بعمق التحولات داخلكم؟ 

ـ الجميع يعلم أن حزبنا حزب مدني يؤمن بالدولة ويشتغل في إطار القوانين منذ تأسيسه. ومن كان مترددا في القناعة فقد جاءت الممارسة لتثبت له ذلك.

حكومتنا صنفت “أنصار الشريعة” منظمة إرهابية وثقافة التعدد واحترام الاختلاف خيار مبدئي

قولك بأننا نؤمن بالقانون والدستور يجعلني أقف عند هذه النقطة فنحن لا نؤمن بالدستور فقط بل نحن شاركنا في كتابته. وكنا الكتلة الأكبر يوم صياغته وقد تم التنصيص على مدنية الدولة وعلوية القانون. ومثل هذه القناعات والممارسات تجعلنا في اختلاف جوهري وفي قطيعة مع التيارات التي ذكرتها. وأذكر هنا أنه في أيام حكم “النهضة” وقع تصنيف أنصار الشريعة منظمة إرهابية.

“النهضة” تصنف نفسها ضمن ما أطلقنا عليه تسمية “الإسلام الديمقراطي”، وهو تيار يؤمن بأن الديمقراطية في توافق مع الإسلام..

الشورى ليست نقيضا للديمقراطية

س ـ ماذا تقصدون بـ”بالإسلام الديمقراطي”؟

ـ الديمقراطية أُسلوب حكم ونظام تسيير للشأن العام وقد شهدت كمفهوم وكتجربة تحولات كبيرة منذ اليونان إلى اليوم. ونحن إذ نأخذ بها كمجهود راكمته التجارب الإنسانية حتى استقرت في شكلها المعاصر ومن أهم ما يميزها عن غيرها من الأنظمة أنها تضمن مكانة للمختلف وتحفظ له حقوقه وهي أيضا تداول سلمي على الحكم والمحدد، والحكم الإسلامي الديمقراطي يعني أن الشعب هو الذي يختار بإرادة حرة من يريد ويسحب منه الثقة متى شاء.

هذه الديمقراطية التي نأخذ بها لها أيضا أبعادها الاجتماعية، ونحن نؤكد على بعدها الاجتماعي حتى لا تظل مجرد آلية جوفاء. كل ذلك يترسخ عبر ثقافة التعدد والديمقراطية التي تعني ثقافة الاختلاف.

وعندما نظرنا إلى مقاصد الإسلام وقيمه وجدنا أنها تلتقي مع هذه الطريقة في إدارة الشأن العام، فالشورى ليست في خلاف مع الديمقراطية بل هما وجهان لعملة واحدة.

لذلك نختلف جوهريا عن الحركات التي لا تؤمن بالديمقراطية. وبمجرد القول بأنك مسلم ديمقراطي اختلفت عن كل تيارت العنف والإرهاب التي لا تؤمن بقوامة الشعب وبحقه في اختيار من يحكمه.

تيار الإسلام الديمقراطي من الممكن اعتباره تيار “ما بعد الإسلام السياسي”. فقد نشأت التيارات الإسلامية كغيرها من التيارات في فضاء الأنظمة الشمولية. لكن هذا السياق حكم على هذه الأنظمة بالنهاية وساعد في بروز الإسلام الديمقراطي الذي نعتقد أنه الأقرب إلى روح العصر وقيمه.

وما يمكن ملاحظته أن التيار الإسلامي أكثر قدرة على التجدد من التيارت التقليدية في العالم العربي خاصة التيار القومي واليساري والعلماني، فهذه التيارات لم تجدد نفسها وبقيت سجينة التصورات التقليدية. وقد وضعتها الثورة في اختبار خاصة في قيم المعاصرة والديمقراطية.

والسياسي لا يمكنه أن يكون مرة ديمقراطيا وأخرى استبداديا. لكننا رأينا ممثلين عن مثل هذه التيارات تبرر الديكتاتورية على حساب الديمقراطية والحكم العسكري على حساب المدني.

ولذلك نحن نسجل بارتياح التطورات التي حصلت في حزبنا ولا زال جهد التطوير قائما وسوف نواصله فالذي لا يتطور يتراجع والكائنات الحية هي بطبيعتها في تطور دائم.

تنسيق مع الجزائر حول ليبيا

س ـ تطور الأوضاع في ليبيا يؤثر كثيرا في تونس ودول الجوار الليبي وبينها الجزائر ومصر. هل سيعمل البرلمان التونسي على إحياء المبادرة التونسية الجزائرية المصرية وغيرها من المبادرات الإقليمية الخاصة بالملف الليبي؟ 

ـ الأحداث تتسارع وكنا نتمنى أن تواجه ليبيا الشقيقة جائحة كورونا موحدة. الوضع في ليبيا تتقاذفه الأجندات الدولية والإقليمية ولو كانت كل القوى تعمل بجهد حقيقي من أجل فرض الحل السياسي لتحقق ذلك.

تعلم أن علاقة تونس بليبيا علاقة عميقة وأساسية، فثلث الشعب الليبي يقيم تقريبا في تونس بين سائح وزائر ومقيم.. ونحن نرحب بإخوتنا في أرضنا وتونس تعمل من منطلقات عديدة إلى التوصل إلى الحل النهائي والذي لن يكون إلا سياسيا.

نحن لا نريد أن نعمق الخلاف بين الليبيين وإنما نلتقي بهم ونقدّم النصيحة المطلوبة والتي مفادها أن الحل لن يكون إلا ليبيا ولن يكون إلا سياسيا.

أما عن التنسيق مع دول الجوار الليبي فنحن في تواصل مع الأشقاء في الجزائر وهناك تطابق في الرؤية وندفع إلى تبني الحل المقترح من دول الجوار الليبي، والذي لا يتعارض بدوره مع ما انتهت إليه المؤسسات الدولية.

من المقرر أن يستضيف البرلمان التونسي جلسة لمجلس الشورى المغاربي سيحضرها رؤساء البرلمانات ومن بين بنود جدول الأعمال الوضع الليبي. وقد تأجل هذا الاجتماع جراء حالة كورونا.

نحن اليوم نراقب عن كثب تطورات الوضع الليبي ونعتقد أن الشعب الليبي والدولة الليبية في حاجة إلى المساعدة من أجل إنهاء الخلاف. نحن متفائلون بمستقبل ليبيا ومستقبل العلاقات الاستراتيجية التي لنا معها.

البرلمانات الإسلامية والعربية

س ـ شاركتم في مؤتمر اتحاد البرلمانات الإسلامية والعربية ثم استقبلتم رئيس الاتحاد العربي عاطف الطراونه في تونس. كيف تنظرون إلى تفعيل دور هذه المؤسسات الإقليمية؟

ـ ذهبنا إلى بوركينافاسو للمشاركة في اتحاد البرلمانات الإسلامية الذي يضم 54 دولة إيمانا منا بدور البرلمانات في خدمة الشعوب فلا أحد يستطيع أن ينكر ما يضطلع به البرلمان الأوروبي أو الأمريكي اللاتيني وبقية البرلمانات الإقليمية.

ونحن على ثقة بأن تدفع هذه البرلمانات نحو الاستقرار والتنمية. وقد فازت تونس برئاسة الدورة القادمة لاتحاد البرلمانات الإسلامية. كما أنها سوف تترأس اتحاد البرلمان العربي، بما سوف يساعد على إضفاء حراك فعلي على هذه المؤسسات.

نعتقد أن البرلمانات صوت الشعوب وهي أقرب إلى نبض الشارع وقد أثبتت العديد من هذه المؤسسات دورها في معاضدة جهد الحكومات أمام جائحة كورونا. على البرلمانات أن تنجز من المقترحات والتشريعات والاتفاقيات وتبتدع من المبادرات ما يقرب الشعوب العربية والإسلامية على كل الأصعدة.

علينا أن نقترب أكثر من التعاون الاقتصادي والثقافي والتشريعي ونزيد من تبادل الخبرات في كل المجالات وهي كلها مشاريع سنعمل على المضي فيها قدما. شعوبنا تتطلع إلى مزيد من التقارب والتعاون وعلينا أن نمهد لكل ذلك ونعمل على إنجاز المطلوب.

نحن ممتلئون قناعة بأن هذه الأزمة الوبائية ستمر جارفة معها كثيرا من الحطام وعاصفة بكثير من الأنظمة والأفكار والقيم المعطلة لمسيرة البشرية صوب عالم أكثر عدالة وأكثر حرية وأكثر إنسانية، فغالبا ما تتشكل الأهداف النفيسة في خضم الأمواج العاتية المتلاطمة.

بعد نصف عام من الانتخابات

س ـ كيف تقيمون اداء البرلمان التونسي بعد نصف عام من الانتخابات العامة وتنصيب مكتبه الجديد؟

ـ عملنا في البرلمان يتقدم بصورة جيدة ومتزنة وقد حققنا خلال هذه المدة الوجيزة العديد من الإنجازات بالرغم من الصعوبات التي واجهتنا بدءا من تأخر موعد تشكيل الأغلبية الحكومية، وهو ما انعكس على المجال التشريعى. وقد كان لزاما علينا أن ننتظر تشكل هذه الأغلبية حتى يكون التسريع في الإنجاز التشريعي .

ولكن وبمجرد أن تمت المصادقة على الحكومة داهمتنا جائحة كورونا وهو ما جعل كل الجهد يتوجه في هذا الاتجاه. حاولنا أن نتقدم رغم كل الصعوبات في الإنجاز فقد تمكن البرلمان من المصادقة على الحكومة التى نالت الثقة بعد  حوارات كبيرة واختلافات أكبر. لكننا جنبنا البلاد الذهاب إلى المجهول . كما صادق البرلمان على ميزانية 2020 .

ويتزامن الجهد التشريعي مع تحركنا لتحقيق الاستقلالية الإدارية والمالية للمجلس. ونعتقد أن ذلك ضروري جدا ولا بد من تحقيقه. فالبرلمان سلطة أصلية ومهامه كبيرة في نظام برلماني معدل .

وحتى تتحقق تلك المهام لا بد من توفير وسائل نجاحها. إلى جانب ذلك قمنا بنشر مدونة الجلسات العامة التي عقدت أثناء مناقشة الدستور وهي وثيقة هامة لأنها جزء من الذاكرة الوطنية ومرجع من المراجع التى تساعد على التأويل عند قراءة الدستور وباب يفتح أمام الدارسين ورجال القانون.

في نفس الوقت فعلنا الدبلوماسية البرلمانية. ومن المؤكد أن البرلمان ورغم هذه الإنجازات يحتاج إلى المزيد من الجهد والتنظيم والعطاء. وقد لمسنا ذلك أمام جائحة كورونا، فقد تم التفاعل مع المستجدات منذ اللحظات الأولى ونبهنا السلطة التشريعية منذ جلسة 16 آذار (مارس) الماضي إلى ضرورة الذهاب إلى الأقصى من أجل الحماية والتوقي بإغلاق الحدود والحجر الشامل. وكذلك تم تكوين خلية الأزمة. ونحن كما ترون نمارس أعمالنا عن بعد عن طريق العمل الإلكتروني .

وقد نجح البرلمان في ذلك وهو أمر سيسجل في تاريخ تونس المعاصرة. فنحن من البرلمانات النادرة التى تعمل دون انقطاع عن بعد وهو بعد مجازي لأننا في الحقيقة ندير الحوار عن طريق الوسائط الافتراضية .

بلادنا في حالة حرب ونحن جنود من أجل عزة شعبنا ومناعته. وعملنا يجب أن لا ينقطع. ففي حالة الحرب الكل ينجز المهام الموكولة إليه وعلى أحسن وجه وأفضل من الزمن العادي حتى ننتصر.

أخبار, البارزة, حوارات, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on النص الكامل لحديث الغنوشي لموقع عربي 21 بلندن

النص الكامل لحديث الغنوشي لموقع عربي 21 بلندن

كمال بن يونس

بعد 6 أشهر عن الانتخابات التونسية وتنصيب قيس سعيد رئيسا للبلاد وراشد الغنوشي رئيسا للبرلمان، وبعد شهرين عن تنصيب إلياس الفخفاخ رئيسا للحكومة، برز مجددا في وسائل الإعلام وكواليس السياسة حديث عن خلافات بين “الرؤساء الثلاثة” وبين الأغلبية البرلمانية والسلطة التنفيذية.. فما هي حقيقة هذه الخلافات؟ وما هي ملامح المشهد السياسي الجديد في بلد يعطي دستوره أغلب الصلاحيات للبرلمان ويمنحه نفوذا كبيرا في مراقبة رئاسة الجمهورية والحكومة؟

وكيف سيتفاعل الغنوشي وأنصاره مع معارضيهم داخل البلاد وخارجها بما في ذلك في واشنطن وأوروبا وليبيا والجزائر؟ وكيف يستشرف رئيس حزب النهضة مرحلة ما بعد كورونا وطنيا وإقليما ودوليا ومستقبل تيار “الإسلام الديمقراطي” والأطراف المحسوبة على “الإسلام السياسي”؟ وماهي رؤيته لتطبيع علاقات حركته مع الدولة ومع العواصم الغربية والإقليمية وعلى رأسها الجزائر؟ وكيف ينظر رئيس البرلمان إلى دور المؤسسة التشريعية مستقبلا وإلى “الديبلوماسية البرلمانية”؟

الإعلامي كمال بن يونس التقى رئيس البرلمان التونسي ورئيس حزب “النهضة” التونسي الشيخ راشد الغنوشي وأجرى معه الحوار التالي حصريا لـ “عربي21”، الذي قدم الغنوشي في جزئه الأول الذي ننشره اليوم رؤية استشرافية لمستقبل تونس والأحزاب السياسية والمنطقة والعالم بعد جائحة كورونا، بينما يقدم في جزئه الثاني والذي ننشره غدا، قراءة استشرافية لعلاقة “الإسلام الديمقراطي” بمكونات النظام العالمي الجديد..

س ـ كيف تقيم علاقتكم بالسلطة التنفيذية في بلد يوصف فيه النظام السياسي بكونه “نظام برلماني معدل”؟ هل وقع تجاوز ما وصف بـ “التجاذبات بين الرؤساء الثلاثة” أي رئيس الجمهورية القائد العام للقوات المسلحة قيس سعيد ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ ورئاسة البرلمان؟

ـ علاقة مجلس النواب بالسلطة التنفيذية محكومة بالدستور الذي حدد مهام كل جهة ووضع طرق التعامل، ولكن ما يظهر هنا أو هناك مما يسمى تجاذبا هو في الحقيقة تدرب على تنزيل الدستور، فتجربتنا الديمقراطية المحكومة بالقانون لا تزال فتية والكل في درس التجربة والممارسة وحسن التنزيل، ومثل هذه الأمور تحتاج إلى وقت وتعود ودربة وثقافة تتحول تباعا إلى مسلمات ووقائع.

الحديث عن تجاذبات أمر مبالغ فيه، ونعتقد أن المقصود هو التدرب على التنزيل وتحويل النصوص الدستورية إلى قواعد حاكمة وضابطة لسلوك الجميع وفي هذه الحالة.. كما يتوجب الأمر الدقة والوضوح يتطلب كذلك اللين والتفاعل الإيجابي.

مجلس نواب الشعب يقوم بدوره وفق الدستور، فإضافة إلى سلطته التشريعية هو سلطة رقابية تراقب الحكومة وتسائلها، وتلك ثقافة الديمقراطية التي سلكناها منذ الثورة، وهذا الأمر واضح في مهامنا وأعمالنا.

وأيا كان الأمر فقد مثلت جائحة كورونا مناسبة لتظهر فيها مؤسسات الحكم موحدة في الحرب.. وهي وحدة لم تظهر في مؤسسات الحكم فقط بل تجلت في وحدة كل القوى الوطنية، حيث ظهر الجميع في وحدة شاملة نحتاجها اليوم في مواجهة هذه الجائحة كما نحتاجها غدا في مواجهة الآثار والمخلفات التي ستتركها جائحة كورونا من أجل الانطلاق والإنعاش الاقتصادي..

مستقبل حكومة الفخفاخ

س ـ كيف تنظرون إلى مستقبل حكومة الفخفاخ التي تشاركون فيها خاصة إثر مستجدات أزمة كورونا؟ 

ـ الحكومة تجتهد وعلى كل الأصعدة في التصدي لهذه الآفة، وهي تواجه هذه الصعوبات على كل  الجبهات، ونحن نتعاطى معها من منطلقات عديدة:

من منطلق إننا نشارك فيها، ولذلك ندفع بها إلى النجاح، خاصة في هذه الظروف الصعبة. وفي نفس الوقت لا نتخلى عن دورنا كمجلس نواب الشعب في الرقابة والتي تتحول في مثل هذه المناسبات إلى نوع من إسداء النصح.

وفي الأنظمة الديمقراطية التي تواجه نفس التحديات، لم تتخل السلطة البرلمانية عن دورها لأن التناصح والتعاون واختلاف الرأي في النظام الديمقراطي أمر ثمين لا بد من استثماره، فضرب الرأي بالرأي والموقف بالموقف هو خير لصالح الوطن بدل الرأي الواحد والموقف الواحد. كورونا لا شك ستكون لها انعكاساتها على كل الأصعدة وفي مقدمتها المجال الصحي والاقتصادي والاجتماعي، والحكومة معنية بأن تتصدى لهذه الجبهات، ونحن نقدرعاليا التحدي ولكن المستحيل ليس تونسيا فشعبنا له من الإرادة والقوة ما يمكنه من تحويل المحن إلى فرص.

القطيعة مع المعارضة

س ـ هل تجاوزتم مرحلة القطيعة والصدام بين نواب حزب “النهضة” وحلفائه في الحكومة مع نواب الحزب الحر الدستوري بزعامة عبير موسي؟

ـ نواب النهضة ليسوا في صدام مع أي من الأحزاب أو الكتل.. نحن نختلف هنا مع البعض ونلتقي هناك مع البعض الآخر.. والمعارضة في البرلمان تشكلها العديد من الكتل، فهناك قلب تونس الكتلة الأولى في المعارضة وائتلاف الكرامة والدستورى الحر.. كل هؤلاء في المعارضة. وثقافة الديمقراطية تقتضي منا وفي أغلب الأوقات أن نستمع لرأي المخالف أكثر من رأي الصديق.

المصالحة الشاملة أولوية وطنية وواجب ديني وقانون الإقصاء كان سيقصي قائد السبسي

ومن المؤسف أن تظهر بعض الأصوات هنا أو هناك تؤسس للإقصاء وتتمسك به وهو ما جاءت الثورة لتجاوزه. فالديمقراطية سفينة تحمل الجميع باختلافهم وتنوعهم وتوفر للجميع الراحة دون تمييز. النظام القديم لما كان يحكم كان المعارض في السجن أو في المهجر.. أما النظام الديمقراطي اليوم فهو يحمي حق الجميع بمن فيهم من لا يزال يمدح القديم أو يحن إليه، وتلك حقيقة الديمقراطية التى اعتبرناها الخيمة التي تتسع للجميع.

نحن نتمثل القول الذي يجعلنا ندافع عن حق المختلف في الوجود وفي التعبير عن رأيه حتى وهو  يختلف معنا في الرؤية والمنهج.. تلك هي قيمنا نستمدها من الإسلام الذي لا يضيق بالاختلاف بل يؤصل له كمبدأ وجودي وممارسة ثقافية. والاختلاف أيضا قيمة من القيم المعاصرة لا تتناقض مع جوهر تراثنا ومقاصده بل تعبر عن الثراء والتنوع.. الربيع لا تصنعه الوردة الواحدة.

المصالحة الوطنية الشاملة

س ـ تقدمتم بمشروع جديد للمصالحة الشاملة يوم انتخابك رئيسا للبرلمان ثم يوم المصادقة على حكومة إلياس الفخفاخ هل من متابعة لهذا المشروع؟ 

ـ المصالحة الوطنية الشاملة ضرورة وقناعة لا بد أن تنجز. إنه موقفنا منذ البداية. وهو موقف يستند إلى استقراء للتاريخ. عندما ننظر إلى الماضي أو نتأمل تجارب الدول حولنا نجد أن ممارسة الإقصاء والاستئصال لا تخلف إلا الخراب والصراعات التي لا تنتهي .

نحن عانينا من الإقصاء لعقود طويلة وذقنا مرارته، ولذلك لا نرضاه لغيرنا ولا يمكنه أن يكون وسيلة بناء. هل يعقل أن يحمل حزب أو جهة ما مشروعا إقصائيا وعندما تسأله ما هو مشروعك يجيبك هو التخلص من هذا الطرف أو إقصاء ذاك؟

أن يوضع التاريخ القديم في سلة واحدة هو حكم غير دقيق وغير موضوعي، ولذلك عارض حزبنا قانون الإقصاء داخل البرلمان، ولو مر يومها لكان من ضمن المقصيين الأستاذ الباجي قائد السبسي رحمه الله .

قلنا ان خيمة الدستور تتسع للجميع. ومن آمن بهذا الدستور فهو قد انخرط في الثورة، فمنطقيا يرفض نظريات العنف الثورى ويشرع للسلم الثوري ومن تبعاته الابتعاد عن الإقصاء ..

نعتقد أن هذه المصالحة لم تنجز إلى حد الآن.. ولذلك دعونا إلى مصالحة شاملة تستوعب العدالة الانتقالية وتنصف المظلومين وهدفها مداواة الجراح وتجاوزها من أجل طَي صفحة الماضي للذهاب بوحدة وطنية إلى بناء المستقبل .

بلادنا تحتاج إلى كل قواها وكفاءاتها، وهذه الكفاءات منها من لا يزال معطلا لغياب المصالحة الشاملة وقد شرعنا في تصور خطة لإنجاز هذا المطلب.

ولكن جائحة كورونا غيرت من الأولويات وسيظل المطلب قائما لأنه من الأولويات الوطنية ومن الواجبات الدينية .ففي ديننا ما يؤكد هذا التوجه ويدعمه، إذ العفو والصفح والتجاوز كلها قيم متأصلة في ديننا وتاريخنا ..

الثورة لم تحقق أهدافها الاجتماعية والاقتصادية

س ـ تواجه تونس صعوبات اقتصادية واجتماعية توشك أن تزداد حدة وخطورة بعد أزمة كورونا، كيف ستتعاملون مع هذه المستجدات؟

ـ حققت تونس نجاحات سياسية كبيرة وهي واضحة في تثبيت قيم الديمقراطية ولكنها لم تنجز نفس المطلوب في الجانب الاقتصادي والاجتماعي وهي مطالب الثورة، فمطلب الشغل ومطلب العدالة الاجتماعية كانا من شعارات الثورة إلى جانب مطلب الحرية، ولذلك اعتبرنا التحدي الأكبر اليوم هو إنجاز القفزة الاقتصادية بإعادة النظر في المنوال التنموي واجتراح مسالك جديدة تستثمر ما لدينا من إمكانيات وتعمل على حسن توظيفها .

الثورة لا تحقق أهدافها مادامت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية لم تتحق داخلها. العالم من حولنا يعيش داخل دولة الرفاه والتي تضمن الضرورات الحياتية وغيرها من الحقوق وأوطاننا لا يزال المواطن داخلها يواجه الفقر والأمية والبطالة، وقد جاءت جائحة كورونا لتكشف عورات في المجالات المختلفة وهي مناسبة لتقييم موضوعي كي نخلص لتجاوز كل النقائص .

منفتحون على المعارضة بكل ألوانها.. في سياق القانون وحكومة الفخفاخ أمام امتحان كبير

هذا الوضع الجديد لا بد أن يواجه بطرق جديدة، فالوسائل القديمة لم تعد كافية ولذلك نحتاج إلى المصارحة والجرأة الاقتصادية والشجاعة . هناك إصلاحات كبرى لا بد من تحقيقها والمنوال التنموي لا بد من مراجعته.. وهناك عدالة بين الجهات والأفراد لا بد أن تنجز.. واقتصاد تضامني لا بد أن يتحقق.

كل هذه الإصلاحات تحتاج إلى موقف وطنى جامع تتوحد حوله كل الأطراف أحزابا ومنظمات. وتونس قادرة على أان تنجز تحولها الاقتصادي العميق بما يحقق تطلعات أبناء شعبنا .

الديبلوماسية البرلمانية

س ـ هل تنوون توظيف الدبلوماسية البرلمانية وشبكة العلاقات العربية والدولية لدعم الحكومة في الحصول على موارد مالية؟ 

ـ نعم، نحن ندعم هذه الحكومة ونوظف كل ما لدينا من إمكانيات وعلاقات من أجل نجاحها، لأن نجاحها هو نجاح لتونس. وقد قمنا بهذا الجهد في أوقات السلم أي في الأوقات العادية فما أدراك وبلادنا تخوض حربا ضد هذا الوباء القاتل .

نجتهد جميعا في دعم الحكومة حتى تواجه المشكلات المستجدة ونتواصل مع كل أصدقائنا وأشقائنا من أجل تحقيق هذا المطلب مع تقديرنا للصعوبات الكبيرة التي تواجه الجميع فكل الدول تعيش تحدي هذا الفيروس وكلها تواجه التحديات الاقتصادية. ولكن حسن علاقاتنا مع الجميع يساعدنا على مواجهة مجمل التحديات ..

بعد 6 أشهر من الانتخابات التونسية وتنصيب قيس سعيد رئيسا للبلاد وراشد الغنوشي رئيسا للبرلمان، وبعد شهرين من تنصيب إلياس الفخفاخ رئيسا للحكومة، برز مجددا في وسائل الإعلام وكواليس السياسة حديث عن خلافات بين “الرؤساء الثلاثة” وبين الأغلبية البرلمانية والسلطة التنفيذية.. فما هي حقيقة هذه الخلافات؟ وما هي ملامح المشهد السياسي الجديد في بلد يعطي دستوره أغلب الصلاحيات للبرلمان ويمنحه نفوذا كبيرا في مراقبة رئاسة الجمهورية والحكومة؟

وكيف سيتفاعل الغنوشي وأنصاره مع معارضيهم داخل البلاد وخارجها بما في ذلك في واشنطن وأوروبا وليبيا والجزائر؟ وكيف يستشرف رئيس حزب النهضة مرحلة ما بعد كورونا وطنيا وإقليميا ودوليا ومستقبل تيار “الإسلام الديمقراطي” والأطراف المحسوبة على “الإسلام السياسي”؟ وماهي رؤيته لتطبيع علاقات حركته مع الدولة ومع العواصم الغربية والإقليمية وعلى رأسها الجزائر؟ وكيف ينظر رئيس البرلمان إلى دور المؤسسة التشريعية مستقبلا وإلى “الديبلوماسية البرلمانية”؟

الإعلامي كمال بن يونس التقى رئيس البرلمان التونسي ورئيس حزب “النهضة” التونسي الشيخ راشد الغنوشي وأجرى معه الحوار الآتي حصريا لـ“عربي21”، الذي قدم الغنوشي في جزئه الأول الذي نشرناه أمس الأثنين رؤية استشرافية لمستقبل تونس والأحزاب السياسية والمنطقة والعالم بعد جائحة كورونا، بينما يقدم في جزئه الثاني والذي ننشره اليوم، قراءة استشرافية لعلاقة “الإسلام الديمقراطي” بمكونات النظام العالمي الجديد..

العلاقات مع أوروبا والدول العربية

س ـ قبل الانتخابات زرتم عددا من البلدان العربية والدولية بينها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا واستقبلتم في البرلمان عددا كبيرا من السفراء بما في ذلك سفراء الجزائر وواشنطن وباريس في تونس.. هل تعتقدون أن تلك البلدان سوف تقدم دعما سياسيا وماديا للتجربة التعددية والديمقراطية التونسية قولا وفعلا؟ 

ـ نعم هذه الدول تقف إلى جانب تونس فبلدنا يتمتع بسمعة طيبة وعلاقاته جيدة مع الأشقاء والأصدقاء.

وقد ازدادت هذه السمعة نصاعة بفضل التجربة الديمقراطية التي تظل الشمعة المضيئة الوحيدة في واقع إقليمي مضطرب تتقاذفه الأمواج وتسيل فيه الدماء في كل الاتجاهات ولذلك نجد الدعم من الجميع. وقد لمسنا هذا الدعم يوم كنّا نخوض الحرب ضد الإرهاب وهي حرب شرسة ومكلفة.

ثقتنا في الجميع كبيرة وقد بدأت الإعلانات عن هذا الدعم تأتي من المنظمات الدولية والإقليمية لنا ولغيرنا كمنظمة الصحة العالمية ومنظمات التعاون الإسلامي وكذلك منظمات الاتحاد الإفريقي. والدعم الثنائي لن يتأخر تجاه تونس، فالاستثمار في الديمقراطية هو أفضل الاستثمارات لأنه يجنبنا الصراعات والحروب ويدفع إلى التنمية العادلة والمتوازنة.

الإسلام الديمقراطي.. والإرهاب

س ـ هل اقتنعت تلك الدول بأن حزبكم حركة “النهضة” يختلف عن الجماعات الإسلامية المتشددة والمليشيات المسلحة مثل القاعدة وتنظيم الدولة وأنها تبنت مدنية الدولة وعلوية الدستور والقانون؟ وهل اقتنعت معارضتكم في الداخل بعمق التحولات داخلكم؟ 

ـ الجميع يعلم أن حزبنا حزب مدني يؤمن بالدولة ويشتغل في إطار القوانين منذ تأسيسه. ومن كان مترددا في القناعة فقد جاءت الممارسة لتثبت له ذلك.

حكومتنا صنفت “أنصار الشريعة” منظمة إرهابية وثقافة التعدد واحترام الاختلاف خيار مبدئي

قولك بأننا نؤمن بالقانون والدستور يجعلني أقف عند هذه النقطة فنحن لا نؤمن بالدستور فقط بل نحن شاركنا في كتابته. وكنا الكتلة الأكبر يوم صياغته وقد تم التنصيص على مدنية الدولة وعلوية القانون. ومثل هذه القناعات والممارسات تجعلنا في اختلاف جوهري وفي قطيعة مع التيارات التي ذكرتها. وأذكر هنا أنه في أيام حكم “النهضة” وقع تصنيف أنصار الشريعة منظمة إرهابية.

“النهضة” تصنف نفسها ضمن ما أطلقنا عليه تسمية “الإسلام الديمقراطي”، وهو تيار يؤمن بأن الديمقراطية في توافق مع الإسلام..

الشورى ليست نقيضا للديمقراطية

س ـ ماذا تقصدون بـ”بالإسلام الديمقراطي”؟

ـ الديمقراطية أُسلوب حكم ونظام تسيير للشأن العام وقد شهدت كمفهوم وكتجربة تحولات كبيرة منذ اليونان إلى اليوم. ونحن إذ نأخذ بها كمجهود راكمته التجارب الإنسانية حتى استقرت في شكلها المعاصر ومن أهم ما يميزها عن غيرها من الأنظمة أنها تضمن مكانة للمختلف وتحفظ له حقوقه وهي أيضا تداول سلمي على الحكم والمحدد، والحكم الإسلامي الديمقراطي يعني أن الشعب هو الذي يختار بإرادة حرة من يريد ويسحب منه الثقة متى شاء.

هذه الديمقراطية التي نأخذ بها لها أيضا أبعادها الاجتماعية، ونحن نؤكد على بعدها الاجتماعي حتى لا تظل مجرد آلية جوفاء. كل ذلك يترسخ عبر ثقافة التعدد والديمقراطية التي تعني ثقافة الاختلاف.

وعندما نظرنا إلى مقاصد الإسلام وقيمه وجدنا أنها تلتقي مع هذه الطريقة في إدارة الشأن العام، فالشورى ليست في خلاف مع الديمقراطية بل هما وجهان لعملة واحدة.

لذلك نختلف جوهريا عن الحركات التي لا تؤمن بالديمقراطية. وبمجرد القول بأنك مسلم ديمقراطي اختلفت عن كل تيارت العنف والإرهاب التي لا تؤمن بقوامة الشعب وبحقه في اختيار من يحكمه.

تيار الإسلام الديمقراطي من الممكن اعتباره تيار “ما بعد الإسلام السياسي”. فقد نشأت التيارات الإسلامية كغيرها من التيارات في فضاء الأنظمة الشمولية. لكن هذا السياق حكم على هذه الأنظمة بالنهاية وساعد في بروز الإسلام الديمقراطي الذي نعتقد أنه الأقرب إلى روح العصر وقيمه.

وما يمكن ملاحظته أن التيار الإسلامي أكثر قدرة على التجدد من التيارت التقليدية في العالم العربي خاصة التيار القومي واليساري والعلماني، فهذه التيارات لم تجدد نفسها وبقيت سجينة التصورات التقليدية. وقد وضعتها الثورة في اختبار خاصة في قيم المعاصرة والديمقراطية.

والسياسي لا يمكنه أن يكون مرة ديمقراطيا وأخرى استبداديا. لكننا رأينا ممثلين عن مثل هذه التيارات تبرر الديكتاتورية على حساب الديمقراطية والحكم العسكري على حساب المدني.

ولذلك نحن نسجل بارتياح التطورات التي حصلت في حزبنا ولا زال جهد التطوير قائما وسوف نواصله فالذي لا يتطور يتراجع والكائنات الحية هي بطبيعتها في تطور دائم.

تنسيق مع الجزائر حول ليبيا

س ـ تطور الأوضاع في ليبيا يؤثر كثيرا في تونس ودول الجوار الليبي وبينها الجزائر ومصر. هل سيعمل البرلمان التونسي على إحياء المبادرة التونسية الجزائرية المصرية وغيرها من المبادرات الإقليمية الخاصة بالملف الليبي؟ 

ـ الأحداث تتسارع وكنا نتمنى أن تواجه ليبيا الشقيقة جائحة كورونا موحدة. الوضع في ليبيا تتقاذفه الأجندات الدولية والإقليمية ولو كانت كل القوى تعمل بجهد حقيقي من أجل فرض الحل السياسي لتحقق ذلك.

تعلم أن علاقة تونس بليبيا علاقة عميقة وأساسية، فثلث الشعب الليبي يقيم تقريبا في تونس بين سائح وزائر ومقيم.. ونحن نرحب بإخوتنا في أرضنا وتونس تعمل من منطلقات عديدة إلى التوصل إلى الحل النهائي والذي لن يكون إلا سياسيا.

نحن لا نريد أن نعمق الخلاف بين الليبيين وإنما نلتقي بهم ونقدّم النصيحة المطلوبة والتي مفادها أن الحل لن يكون إلا ليبيا ولن يكون إلا سياسيا.

أما عن التنسيق مع دول الجوار الليبي فنحن في تواصل مع الأشقاء في الجزائر وهناك تطابق في الرؤية وندفع إلى تبني الحل المقترح من دول الجوار الليبي، والذي لا يتعارض بدوره مع ما انتهت إليه المؤسسات الدولية.

من المقرر أن يستضيف البرلمان التونسي جلسة لمجلس الشورى المغاربي سيحضرها رؤساء البرلمانات ومن بين بنود جدول الأعمال الوضع الليبي. وقد تأجل هذا الاجتماع جراء حالة كورونا.

نحن اليوم نراقب عن كثب تطورات الوضع الليبي ونعتقد أن الشعب الليبي والدولة الليبية في حاجة إلى المساعدة من أجل إنهاء الخلاف. نحن متفائلون بمستقبل ليبيا ومستقبل العلاقات الاستراتيجية التي لنا معها.

البرلمانات الإسلامية والعربية

س ـ شاركتم في مؤتمر اتحاد البرلمانات الإسلامية والعربية ثم استقبلتم رئيس الاتحاد العربي عاطف الطراونه في تونس. كيف تنظرون إلى تفعيل دور هذه المؤسسات الإقليمية؟

ـ ذهبنا إلى بوركينافاسو للمشاركة في اتحاد البرلمانات الإسلامية الذي يضم 54 دولة إيمانا منا بدور البرلمانات في خدمة الشعوب فلا أحد يستطيع أن ينكر ما يضطلع به البرلمان الأوروبي أو الأمريكي اللاتيني وبقية البرلمانات الإقليمية.

ونحن على ثقة بأن تدفع هذه البرلمانات نحو الاستقرار والتنمية. وقد فازت تونس برئاسة الدورة القادمة لاتحاد البرلمانات الإسلامية. كما أنها سوف تترأس اتحاد البرلمان العربي، بما سوف يساعد على إضفاء حراك فعلي على هذه المؤسسات.

نعتقد أن البرلمانات صوت الشعوب وهي أقرب إلى نبض الشارع وقد أثبتت العديد من هذه المؤسسات دورها في معاضدة جهد الحكومات أمام جائحة كورونا. على البرلمانات أن تنجز من المقترحات والتشريعات والاتفاقيات وتبتدع من المبادرات ما يقرب الشعوب العربية والإسلامية على كل الأصعدة.

علينا أن نقترب أكثر من التعاون الاقتصادي والثقافي والتشريعي ونزيد من تبادل الخبرات في كل المجالات وهي كلها مشاريع سنعمل على المضي فيها قدما. شعوبنا تتطلع إلى مزيد من التقارب والتعاون وعلينا أن نمهد لكل ذلك ونعمل على إنجاز المطلوب.

نحن ممتلئون قناعة بأن هذه الأزمة الوبائية ستمر جارفة معها كثيرا من الحطام وعاصفة بكثير من الأنظمة والأفكار والقيم المعطلة لمسيرة البشرية صوب عالم أكثر عدالة وأكثر حرية وأكثر إنسانية، فغالبا ما تتشكل الأهداف النفيسة في خضم الأمواج العاتية المتلاطمة.

بعد نصف عام من الانتخابات

س ـ كيف تقيمون اداء البرلمان التونسي بعد نصف عام من الانتخابات العامة وتنصيب مكتبه الجديد؟

ـ عملنا في البرلمان يتقدم بصورة جيدة ومتزنة وقد حققنا خلال هذه المدة الوجيزة العديد من الإنجازات بالرغم من الصعوبات التي واجهتنا بدءا من تأخر موعد تشكيل الأغلبية الحكومية، وهو ما انعكس على المجال التشريعى. وقد كان لزاما علينا أن ننتظر تشكل هذه الأغلبية حتى يكون التسريع في الإنجاز التشريعي .

ولكن وبمجرد أن تمت المصادقة على الحكومة داهمتنا جائحة كورونا وهو ما جعل كل الجهد يتوجه في هذا الاتجاه. حاولنا أن نتقدم رغم كل الصعوبات في الإنجاز فقد تمكن البرلمان من المصادقة على الحكومة التى نالت الثقة بعد  حوارات كبيرة واختلافات أكبر. لكننا جنبنا البلاد الذهاب إلى المجهول . كما صادق البرلمان على ميزانية 2020 .

ويتزامن الجهد التشريعي مع تحركنا لتحقيق الاستقلالية الإدارية والمالية للمجلس. ونعتقد أن ذلك ضروري جدا ولا بد من تحقيقه. فالبرلمان سلطة أصلية ومهامه كبيرة في نظام برلماني معدل .

وحتى تتحقق تلك المهام لا بد من توفير وسائل نجاحها. إلى جانب ذلك قمنا بنشر مدونة الجلسات العامة التي عقدت أثناء مناقشة الدستور وهي وثيقة هامة لأنها جزء من الذاكرة الوطنية ومرجع من المراجع التى تساعد على التأويل عند قراءة الدستور وباب يفتح أمام الدارسين ورجال القانون.

في نفس الوقت فعلنا الدبلوماسية البرلمانية. ومن المؤكد أن البرلمان ورغم هذه الإنجازات يحتاج إلى المزيد من الجهد والتنظيم والعطاء. وقد لمسنا ذلك أمام جائحة كورونا، فقد تم التفاعل مع المستجدات منذ اللحظات الأولى ونبهنا السلطة التشريعية منذ جلسة 16 آذار (مارس) الماضي إلى ضرورة الذهاب إلى الأقصى من أجل الحماية والتوقي بإغلاق الحدود والحجر الشامل. وكذلك تم تكوين خلية الأزمة. ونحن كما ترون نمارس أعمالنا عن بعد عن طريق العمل الإلكتروني .

وقد نجح البرلمان في ذلك وهو أمر سيسجل في تاريخ تونس المعاصرة. فنحن من البرلمانات النادرة التى تعمل دون انقطاع عن بعد وهو بعد مجازي لأننا في الحقيقة ندير الحوار عن طريق الوسائط الافتراضية .

بلادنا في حالة حرب ونحن جنود من أجل عزة شعبنا ومناعته. وعملنا يجب أن لا ينقطع. ففي حالة الحرب الكل ينجز المهام الموكولة إليه وعلى أحسن وجه وأفضل من الزمن العادي حتى ننتصر.

البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on الغنوشي: الإسلام الديمقراطي بديل عن “الإسلام السياسي”

الغنوشي: الإسلام الديمقراطي بديل عن “الإسلام السياسي”

كمال بن يونس

بعد 6 أشهر من الانتخابات التونسية وتنصيب قيس سعيد رئيسا للبلاد وراشد الغنوشي رئيسا للبرلمان، وبعد شهرين من تنصيب إلياس الفخفاخ رئيسا للحكومة، برز مجددا في وسائل الإعلام وكواليس السياسة حديث عن خلافات بين “الرؤساء الثلاثة” وبين الأغلبية البرلمانية والسلطة التنفيذية.. فما هي حقيقة هذه الخلافات؟ وما هي ملامح المشهد السياسي الجديد في بلد يعطي دستوره أغلب الصلاحيات للبرلمان ويمنحه نفوذا كبيرا في مراقبة رئاسة الجمهورية والحكومة؟

وكيف سيتفاعل الغنوشي وأنصاره مع معارضيهم داخل البلاد وخارجها بما في ذلك في واشنطن وأوروبا وليبيا والجزائر؟ وكيف يستشرف رئيس حزب النهضة مرحلة ما بعد كورونا وطنيا وإقليميا ودوليا ومستقبل تيار “الإسلام الديمقراطي” والأطراف المحسوبة على “الإسلام السياسي”؟ وماهي رؤيته لتطبيع علاقات حركته مع الدولة ومع العواصم الغربية والإقليمية وعلى رأسها الجزائر؟ وكيف ينظر رئيس البرلمان إلى دور المؤسسة التشريعية مستقبلا وإلى “الديبلوماسية البرلمانية”؟

الإعلامي كمال بن يونس التقى رئيس البرلمان التونسي ورئيس حزب “النهضة” التونسي الشيخ راشد الغنوشي وأجرى معه الحوار الآتي حصريا لـ“عربي21”، الذي قدم الغنوشي في جزئه الأول الذي نشرناه أمس الأثنين رؤية استشرافية لمستقبل تونس والأحزاب السياسية والمنطقة والعالم بعد جائحة كورونا، بينما يقدم في جزئه الثاني والذي ننشره اليوم، قراءة استشرافية لعلاقة “الإسلام الديمقراطي” بمكونات النظام العالمي الجديد..

العلاقات مع أوروبا والدول العربية

س ـ قبل الانتخابات زرتم عددا من البلدان العربية والدولية بينها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا واستقبلتم في البرلمان عددا كبيرا من السفراء بما في ذلك سفراء الجزائر وواشنطن وباريس في تونس.. هل تعتقدون أن تلك البلدان سوف تقدم دعما سياسيا وماديا للتجربة التعددية والديمقراطية التونسية قولا وفعلا؟ 

ـ نعم هذه الدول تقف إلى جانب تونس فبلدنا يتمتع بسمعة طيبة وعلاقاته جيدة مع الأشقاء والأصدقاء.

وقد ازدادت هذه السمعة نصاعة بفضل التجربة الديمقراطية التي تظل الشمعة المضيئة الوحيدة في واقع إقليمي مضطرب تتقاذفه الأمواج وتسيل فيه الدماء في كل الاتجاهات ولذلك نجد الدعم من الجميع. وقد لمسنا هذا الدعم يوم كنّا نخوض الحرب ضد الإرهاب وهي حرب شرسة ومكلفة.

ثقتنا في الجميع كبيرة وقد بدأت الإعلانات عن هذا الدعم تأتي من المنظمات الدولية والإقليمية لنا ولغيرنا كمنظمة الصحة العالمية ومنظمات التعاون الإسلامي وكذلك منظمات الاتحاد الإفريقي. والدعم الثنائي لن يتأخر تجاه تونس، فالاستثمار في الديمقراطية هو أفضل الاستثمارات لأنه يجنبنا الصراعات والحروب ويدفع إلى التنمية العادلة والمتوازنة.

الإسلام الديمقراطي.. والإرهاب

س ـ هل اقتنعت تلك الدول بأن حزبكم حركة “النهضة” يختلف عن الجماعات الإسلامية المتشددة والمليشيات المسلحة مثل القاعدة وتنظيم الدولة وأنها تبنت مدنية الدولة وعلوية الدستور والقانون؟ وهل اقتنعت معارضتكم في الداخل بعمق التحولات داخلكم؟ 

ـ الجميع يعلم أن حزبنا حزب مدني يؤمن بالدولة ويشتغل في إطار القوانين منذ تأسيسه. ومن كان مترددا في القناعة فقد جاءت الممارسة لتثبت له ذلك.

 

 

حكومتنا صنفت “أنصار الشريعة” منظمة إرهابية وثقافة التعدد واحترام الاختلاف خيار مبدئي

قولك بأننا نؤمن بالقانون والدستور يجعلني أقف عند هذه النقطة فنحن لا نؤمن بالدستور فقط بل نحن شاركنا في كتابته. وكنا الكتلة الأكبر يوم صياغته وقد تم التنصيص على مدنية الدولة وعلوية القانون. ومثل هذه القناعات والممارسات تجعلنا في اختلاف جوهري وفي قطيعة مع التيارات التي ذكرتها. وأذكر هنا أنه في أيام حكم “النهضة” وقع تصنيف أنصار الشريعة منظمة إرهابية.

“النهضة” تصنف نفسها ضمن ما أطلقنا عليه تسمية “الإسلام الديمقراطي”، وهو تيار يؤمن بأن الديمقراطية في توافق مع الإسلام..

الشورى ليست نقيضا للديمقراطية

س ـ ماذا تقصدون بـ”بالإسلام الديمقراطي”؟

 

ـ الديمقراطية أُسلوب حكم ونظام تسيير للشأن العام وقد شهدت كمفهوم وكتجربة تحولات كبيرة منذ اليونان إلى اليوم. ونحن إذ نأخذ بها كمجهود راكمته التجارب الإنسانية حتى استقرت في شكلها المعاصر ومن أهم ما يميزها عن غيرها من الأنظمة أنها تضمن مكانة للمختلف وتحفظ له حقوقه وهي أيضا تداول سلمي على الحكم والمحدد، والحكم الإسلامي الديمقراطي يعني أن الشعب هو الذي يختار بإرادة حرة من يريد ويسحب منه الثقة متى شاء.

هذه الديمقراطية التي نأخذ بها لها أيضا أبعادها الاجتماعية، ونحن نؤكد على بعدها الاجتماعي حتى لا تظل مجرد آلية جوفاء. كل ذلك يترسخ عبر ثقافة التعدد والديمقراطية التي تعني ثقافة الاختلاف.

وعندما نظرنا إلى مقاصد الإسلام وقيمه وجدنا أنها تلتقي مع هذه الطريقة في إدارة الشأن العام، فالشورى ليست في خلاف مع الديمقراطية بل هما وجهان لعملة واحدة.

لذلك نختلف جوهريا عن الحركات التي لا تؤمن بالديمقراطية. وبمجرد القول بأنك مسلم ديمقراطي اختلفت عن كل تيارت العنف والإرهاب التي لا تؤمن بقوامة الشعب وبحقه في اختيار من يحكمه.

تيار الإسلام الديمقراطي من الممكن اعتباره تيار “ما بعد الإسلام السياسي”. فقد نشأت التيارات الإسلامية كغيرها من التيارات في فضاء الأنظمة الشمولية. لكن هذا السياق حكم على هذه الأنظمة بالنهاية وساعد في بروز الإسلام الديمقراطي الذي نعتقد أنه الأقرب إلى روح العصر وقيمه.

وما يمكن ملاحظته أن التيار الإسلامي أكثر قدرة على التجدد من التيارت التقليدية في العالم العربي خاصة التيار القومي واليساري والعلماني، فهذه التيارات لم تجدد نفسها وبقيت سجينة التصورات التقليدية. وقد وضعتها الثورة في اختبار خاصة في قيم المعاصرة والديمقراطية.

والسياسي لا يمكنه أن يكون مرة ديمقراطيا وأخرى استبداديا. لكننا رأينا ممثلين عن مثل هذه التيارات تبرر الديكتاتورية على حساب الديمقراطية والحكم العسكري على حساب المدني.

ولذلك نحن نسجل بارتياح التطورات التي حصلت في حزبنا ولا زال جهد التطوير قائما وسوف نواصله فالذي لا يتطور يتراجع والكائنات الحية هي بطبيعتها في تطور دائم.

تنسيق مع الجزائر حول ليبيا

س ـ تطور الأوضاع في ليبيا يؤثر كثيرا في تونس ودول الجوار الليبي وبينها الجزائر ومصر. هل سيعمل البرلمان التونسي على إحياء المبادرة التونسية الجزائرية المصرية وغيرها من المبادرات الإقليمية الخاصة بالملف الليبي؟ 

ـ الأحداث تتسارع وكنا نتمنى أن تواجه ليبيا الشقيقة جائحة كورونا موحدة. الوضع في ليبيا تتقاذفه الأجندات الدولية والإقليمية ولو كانت كل القوى تعمل بجهد حقيقي من أجل فرض الحل السياسي لتحقق ذلك.

تعلم أن علاقة تونس بليبيا علاقة عميقة وأساسية، فثلث الشعب الليبي يقيم تقريبا في تونس بين سائح وزائر ومقيم.. ونحن نرحب بإخوتنا في أرضنا وتونس تعمل من منطلقات عديدة إلى التوصل إلى الحل النهائي والذي لن يكون إلا سياسيا.

نحن لا نريد أن نعمق الخلاف بين الليبيين وإنما نلتقي بهم ونقدّم النصيحة المطلوبة والتي مفادها أن الحل لن يكون إلا ليبيا ولن يكون إلا سياسيا.

 

أما عن التنسيق مع دول الجوار الليبي فنحن في تواصل مع الأشقاء في الجزائر وهناك تطابق في الرؤية وندفع إلى تبني الحل المقترح من دول الجوار الليبي، والذي لا يتعارض بدوره مع ما انتهت إليه المؤسسات الدولية.

من المقرر أن يستضيف البرلمان التونسي جلسة لمجلس الشورى المغاربي سيحضرها رؤساء البرلمانات ومن بين بنود جدول الأعمال الوضع الليبي. وقد تأجل هذا الاجتماع جراء حالة كورونا.

 

نحن اليوم نراقب عن كثب تطورات الوضع الليبي ونعتقد أن الشعب الليبي والدولة الليبية في حاجة إلى المساعدة من أجل إنهاء الخلاف. نحن متفائلون بمستقبل ليبيا ومستقبل العلاقات الاستراتيجية التي لنا معها.

البرلمانات الإسلامية والعربية

س ـ شاركتم في مؤتمر اتحاد البرلمانات الإسلامية والعربية ثم استقبلتم رئيس الاتحاد العربي عاطف الطراونه في تونس. كيف تنظرون إلى تفعيل دور هذه المؤسسات الإقليمية؟

ـ ذهبنا إلى بوركينافاسو للمشاركة في اتحاد البرلمانات الإسلامية الذي يضم 54 دولة إيمانا منا بدور البرلمانات في خدمة الشعوب فلا أحد يستطيع أن ينكر ما يضطلع به البرلمان الأوروبي أو الأمريكي اللاتيني وبقية البرلمانات الإقليمية.

ونحن على ثقة بأن تدفع هذه البرلمانات نحو الاستقرار والتنمية. وقد فازت تونس برئاسة الدورة القادمة لاتحاد البرلمانات الإسلامية. كما أنها سوف تترأس اتحاد البرلمان العربي، بما سوف يساعد على إضفاء حراك فعلي على هذه المؤسسات.

 

نعتقد أن البرلمانات صوت الشعوب وهي أقرب إلى نبض الشارع وقد أثبتت العديد من هذه المؤسسات دورها في معاضدة جهد الحكومات أمام جائحة كورونا. على البرلمانات أن تنجز من المقترحات والتشريعات والاتفاقيات وتبتدع من المبادرات ما يقرب الشعوب العربية والإسلامية على كل الأصعدة.

علينا أن نقترب أكثر من التعاون الاقتصادي والثقافي والتشريعي ونزيد من تبادل الخبرات في كل المجالات وهي كلها مشاريع سنعمل على المضي فيها قدما. شعوبنا تتطلع إلى مزيد من التقارب والتعاون وعلينا أن نمهد لكل ذلك ونعمل على إنجاز المطلوب.

نحن ممتلئون قناعة بأن هذه الأزمة الوبائية ستمر جارفة معها كثيرا من الحطام وعاصفة بكثير من الأنظمة والأفكار والقيم المعطلة لمسيرة البشرية صوب عالم أكثر عدالة وأكثر حرية وأكثر إنسانية، فغالبا ما تتشكل الأهداف النفيسة في خضم الأمواج العاتية المتلاطمة.

بعد نصف عام من الانتخابات

س ـ كيف تقيمون اداء البرلمان التونسي بعد نصف عام من الانتخابات العامة وتنصيب مكتبه الجديد؟

ـ عملنا في البرلمان يتقدم بصورة جيدة ومتزنة وقد حققنا خلال هذه المدة الوجيزة العديد من الإنجازات بالرغم من الصعوبات التي واجهتنا بدءا من تأخر موعد تشكيل الأغلبية الحكومية، وهو ما انعكس على المجال التشريعى. وقد كان لزاما علينا أن ننتظر تشكل هذه الأغلبية حتى يكون التسريع في الإنجاز التشريعي .

ولكن وبمجرد أن تمت المصادقة على الحكومة داهمتنا جائحة كورونا وهو ما جعل كل الجهد يتوجه في هذا الاتجاه. حاولنا أن نتقدم رغم كل الصعوبات في الإنجاز فقد تمكن البرلمان من المصادقة على الحكومة التى نالت الثقة بعد  حوارات كبيرة واختلافات أكبر. لكننا جنبنا البلاد الذهاب إلى المجهول . كما صادق البرلمان على ميزانية 2020 .

ويتزامن الجهد التشريعي مع تحركنا لتحقيق الاستقلالية الإدارية والمالية للمجلس. ونعتقد أن ذلك ضروري جدا ولا بد من تحقيقه. فالبرلمان سلطة أصلية ومهامه كبيرة في نظام برلماني معدل .

وحتى تتحقق تلك المهام لا بد من توفير وسائل نجاحها. إلى جانب ذلك قمنا بنشر مدونة الجلسات العامة التي عقدت أثناء مناقشة الدستور وهي وثيقة هامة لأنها جزء من الذاكرة الوطنية ومرجع من المراجع التى تساعد على التأويل عند قراءة الدستور وباب يفتح أمام الدارسين ورجال القانون.

في نفس الوقت فعلنا الدبلوماسية البرلمانية. ومن المؤكد أن البرلمان ورغم هذه الإنجازات يحتاج إلى المزيد من الجهد والتنظيم والعطاء. وقد لمسنا ذلك أمام جائحة كورونا، فقد تم التفاعل مع المستجدات منذ اللحظات الأولى ونبهنا السلطة التشريعية منذ جلسة 16 آذار (مارس) الماضي إلى ضرورة الذهاب إلى الأقصى من أجل الحماية والتوقي بإغلاق الحدود والحجر الشامل. وكذلك تم تكوين خلية الأزمة. ونحن كما ترون نمارس أعمالنا عن بعد عن طريق العمل الإلكتروني .

 

وقد نجح البرلمان في ذلك وهو أمر سيسجل في تاريخ تونس المعاصرة. فنحن من البرلمانات النادرة التى تعمل دون انقطاع عن بعد وهو بعد مجازي لأننا في الحقيقة ندير الحوار عن طريق الوسائط الافتراضية .

بلادنا في حالة حرب ونحن جنود من أجل عزة شعبنا ومناعته. وعملنا يجب أن لا ينقطع. ففي حالة الحرب الكل ينجز المهام الموكولة إليه وعلى أحسن وجه وأفضل من الزمن العادي حتى ننتصر.

مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on وزير الخارجية التونسي الأسبق: فلسطين أولوية للأمن القومي

وزير الخارجية التونسي الأسبق: فلسطين أولوية للأمن القومي

كمال بن يونس

رأى الحبيب بن يحيي وزير خارجية تونس سابقا والأمين العام للاتحاد المغاربي لمدة 10 أعوام، أن القمة العربية في دورتها الـ 30 المقرر عقدها بتونس يوم 31 آذار (مارس) الجاري، يمكن أن تنجح في تحسين واقع الوطن العربي وفرص التكامل والشراكة الاقتصادية والسياسية والتنسيق الأمني بين الدول العربية.

ودعا ابن يحيي في حديث مع “عربي21”، إلى أن تكرس قمة تونس مرجعيات الجامعة العربية وثوابتها القومية والمقررات السابقة للقادة العرب ومجلس جامعة الدول العربية في مستوى وزراء الخارجية، بما في ذلك ما يتعلق بأولوية الأمن القومي العربي وقضية فلسطين وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف.

المفتاح بأيدي وزراء الخارجية

واعتبر ابن يحيى أن مشاركاته في الأعمال التحضيرية للقمم العربية لمدة طويلة، ثم مشاركته في عدد من القمم الدولية وفي لقاءات القادة العرب وزعماء الدول الإسلامية الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي سابقا)، أقنعته أن حصيلة أعمال أي قمة رهينة الاجتماعات التمهيدية التي يعقدها المندوبون ووزراء الخارجية.

واستحضر الحبيب بن يحيي مشاركاته في الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية في عدد من دوراتها السابقة، وبينها بالخصوص القمة التي عقدت في 2004 بتونس بعد حرب غزو العراق في 2003.

وقد خصص وزراء الخارجية العرب وقتا طويلا لمناقشة جدول الأعمال والمستجدات في المنطقة، وعندما تبين في آخر لحظة أن الأوضاع لم تكن مهيأة لعقد لقاء القمة، وقع تأجيلها واستؤنفت المحادثات في مقر الأمانة العامة للجامعة العربية في القاهرة، ثم في اجتماعات مصغرة أشرف عليها الأمين العام السابق للجامعة عمرو موسى.

 

ورغم عمق الاختلافات أمكن التوصل إلى تفاهمات وتوافقات مكنت من عقد اجتماع مجلس الرؤساء والملوك العرب في ظروف أفضل بتونس. وصادقت القمة على مقررات مهمة شملت الأمن القومي والإصلاح السياسي والشراكة وفق أسس جديدة.

التطبيع مع إسرائيل

وماذا عن الأخبار التي تروج عن كون القمة العربية التي سوف تعقد بتونس سوف تصادق على مشروع قرار يبرر التطبيع الشامل مع سلطات الاحتلال الإسرائيلية، تطبيقا للتطورات في السياسة الخارجية لإدارة دونالد ترامب وعدد من حلفائه؟

رئيس الديبلوماسية التونسية السابق أورد جوابا عن السؤال، أنه يعتبر أن “الأهم اليوم هو تطبيع العلاقات العربية العربية، وتحسين مستوى المشاورات والتعاون ومنسوب الثقة المتبادلة بين القادة العرب”.

وأكد ابن يحيي كون مثل هذا “التطبيع الشامل في العلاقات بين الدول العربية سيؤدي إلى تحسين فرص التنمية والشراكة بين الدول والشعوب ورجال الأعمال في الدول العربية، بما يخدم مصلحة المواطنين والحكومات ويحسن الموقع التفاوضي للقادة العرب في القضايا الإقليمية والدولية”.

الديبلوماسية تحاصر النزاعات

واعتبر وزير الخارجية التونسي الأسبق أن دور وزراء الخارجية والسفراء محاصرة النزاعات والخلافات بطرق سياسية، عبر المثابرة على الحوار وتعميق المشاورات السياسية الهادئة.

واستحضر ابن يحيى تجربته الديبلوماسية الطويلة في عدد من عواصم العالم وبينها واشنطن، عندما كان ديبلوماسيا عاديا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ثم سفيرا لتونس في الولايات المتحدة، قبل أن يعين كاتب دولة للخارجية (وكيل وزارة)، ثم وزيرا للخارجية في التسعينيات ثم في مطلع القرن الجاري.

ونوه ابن يحيي إلى تجربة التفاوض الناجحة التي قامت بها الديبلوماسية التونسية على هامش العدوان الإسرائيلي على مقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في تونس في تشرين أول (أكتوبر) 1985، مما تسبب وقتها في حالة احتقان شعبي وسياسي كبير في تونس وفي دول المنطقة.

العدوان على مقر القيادة الفلسطينية بتونس

وكشف الحبيب بن يحيى أن الرئيس التونسي ـ وقتها ـ الراحل الحبيب بورقيبة اتصل به وطلب منه إبلاغ الإدارة الأمريكية في أعلى مستوى، بكون تونس سوف تغلق سفارتها في واشنطن وستقطع علاقتها بها في صورة استخدامها حق النقض، الفيتو، في مجلس الأمن الدولي ردا على الشكوى التي تقدمت بها تونس.

وكان الباجي قائد السبسي وقتها وزيرا للخارجية ومحمد مزالي، رحمه الله، رئيسا للحكومة، وقد تحركا بقوة دعما للمساعي الديبلوماسية ولموقف الرئيس الحبيب بورقيبة رحمه الله.

وقد انتقل ابن يحيي إلى البيت الأبيض وقابل الجنرال كولن باول، الذي كان من أقرب المقربين إلى الرئيس الامريكي ريغن وأعلمه بقرار الرئيس بورقيبة. وقد طلب منه كولن باول الانتظار في البيت الأبيض حتى يقابل الرئيس ريغن وينقل إليه مشاغل تونس ومطالبها.

وكانت الإدارة الأمريكية قد علمت بموقف الزعيم بورقيبة الذي أبلغ بنفسه في مكتبه بقرطاج السفير الأمريكي في تونس سيبستيان بحضور الحبيب بورقيبة الابن.

وقد أعلمه بورقيبة وقتها أن تونس ستغلق السفارة الأمريكية في تونس ولن تقبل إقامة علاقات ديبلوماسية مع الولايات المتحدة، إذا استخدمت واشنطن حق النقض ضد مشروع القرار الأممي الذي يدين العدوان الإسرائليي على حمام الشط.

وقد أكدت تحركات الديبلوماسية التونسية ومواقف الرئيس بورقيبة وحكومته اعتبار الاعتداء على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، اعتداء على السيادة التونسية وعلى منطقة مدنية آهلة بالسكان، مما تسبب في أضرار بشرية ومادية من الجانبين الفلسطيني والتونسي.

وكانت نتيجة تلك التحركات تراجع واشنطن عن استخدام حق النقض، واكتفت بالاحتفاظ بصوتها، وكانت سابقة في تاريخها.

ومكن القرار من حصول تونس على إدانة سياسية دولية غير مسبوقة للعدوان الإسرائيلي، مع مطالبة حكومة الاحتلال بدفع تعويضات عنه.

الاتحاد المغاربي.. إلى أين؟

وماذا عن مستقبل العلاقات بين دول الاتحاد المغاربي الخمس التي تتعثر منذ تجميد الرباط عضويته في الاتحاد قبل 25 عاما؟

 

وهل من المتوقع أن يجري القادة المغاربيون أو وزراء خارجية الدول الخمس مشاورات على هامش قمة تونس مثلما جرت عليه العادة؟

ابن يحيى الذي واكب مسيرة بناء الاتحاد المغاربي منذ مؤتمر مراكش 1989 ثم تولى الأمانة العامة للاتحاد مدة 10 أعوام ما بين 2007 و2016، لا يزال مقتنعا أن فرص تحقيق التكامل وتطوير الشراكة والتعاون بين الـ 100 مليون مغاربي ممكن إذا توفرت شروطه، ومن بينها عدم الخلط بين عمل مؤسسات العمل المغاربي المشترك وبعض الخلافات الثنائية، وبينها الخلاف حول الملف الصحراوي.

واعتبر ابن يحيي أن أهم نجاح تحقق خلال توليه مهمة الأمانة العامة للاتحاد المغاربي، إحداث مؤسسة مشتركة لرجال الأعمال في البلدان المغاربية وأخرى لسيدات الأعمال.

وقد أسفرت لقاءات رجال الأعمال الجزائريين والمغاربة وشركائهم في بقية الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى حركية مالية واقتصادية وتقاطع للمصالح، ثم إلى إعادة الاجتماعات الوزارية وبينها مؤتمرات وزراء الخارجية والاقتصاد والمالية والتجارة والزراعة، فضلا عن إحداث آليات للتنسيق والتعاون بين البنوك ومؤسسات التمويل في البلدان المغاربية.

إذن، فالمطلوب حسب الحبيب بن يحيى بعد خبرة طويلة سياسيا وديبلوماسيا وطنيا ومغاربيا وعربيا، المثابرة وتشجيع فرص تقاطع المصالح بين رجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية والشعوب.

مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on وزير خارجية تونس: حرب طرابلس خطر على دول الجوار الليبي

وزير خارجية تونس: حرب طرابلس خطر على دول الجوار الليبي

كمال بن يونس

كثفت السلطات التونسية تحركاتها لمحاولة إنجاح جهود وقف إطلاق النار في ليبيا عموما وفي العاصمة طرابلس على وجه الخصوص.

وحذر وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي خلال جلسات عمل جمعته مع سفيري فرنسا بتونس وطرابلس ومع الموفد الأممي في ليبيا غسان سلامة، من المخاطر التي تهدد ليبيا وكل دول الجوار الليبي ومنطقة البحر الأبيض المتوسط وأوروبا في صورة عدم وقف الحرب الحالية في ليبيا التي استفحلت بعد الهجوم الذي شنته القوات الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر مطلع الشهر الجاري.

وبحكم معارضة باريس جهود مجلس الأمن الدولي استصدار قرار لوقف إطلاق النار، فقد اجتمع وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي مساء أمس الاثنين، في مقر الوزارة بسفير فرنسا بتونس أوليفيي بوافر دارفور الذي كان مصحوبا بسفيرة فرنسا بطرابلس بياتريس لو فرابر دو هيلان.

ودعا الجيهناوي باريس وكل الأطراف الدوالية بالمناسبة إلى إنجاج جهود الأمم المتحدة التي تهدف إلى وقف إطلاق النار في ليبيا والعودة إلى المسار السياسي.

واعتبر الجهيناوي في تصريحات بعد استقبال السفيرين الفرنسيين وغسان سلامة أنه لا يمكن التوصل إلى حل للأزمة الليبية بالاعتماد على الوسائل العسكرية، وطالب مختلف الأطراف الليبية بتقديم تنازلات متبادلة لتجنيب بلادهم مزيد الانزلاق نحو الفوضى والدمار.

 

وجاء في بلاغ صحفي بعد المقابلة مع السفيرين الفرنسيين أنه وقع الاتفاق “على مواصلة التشاور والتنسيق على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف لبحث سبل إنهاء النزاع العسكري وإعادة الأمن والاستقرار إلى ليبيا”.

ودعا وزير الخارجية التونسي والموفد الأممي غسان سلامة في أعقاب جلسة عمل، في مقر الخارجية التونسية، كل أطراف النزاع في ليبيا إلى وقف إطلاق النار والتحلي بأقصى درجات ضبط النفس والعودة لاستئناف المسار السياسي الكفيل وحده بالتوصل إلى حل سياسي توافقي شامل للأزمة الليبية تحت رعاية الأمم المتحدة.

وقد نوه الجهيناوي بكون الحكومة التونسية تواصلت مع كل الأطراف الليبية خلال الأعوام الثمانية الماضية وبعد اتفاق الصخيرات للسلام ثم بعد اندلاع الحرب الجديدة في العاصمة الليبية طرابلس.

 

وقد شملت المحادثات الهاتفية التي أجراها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ووزير الخارجية الجهيناوي اللواء خليفة حفتر وممثلين عن سلطات شرق ليبيا ووزيرالخارجية في حكومة الوفاق محمد الطاهر سيالة ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج ورئاسة مجلس الدولة الليبي في طرابلس وفي برلمان طبرق.

يذكر أن أطرافا سياسية واعلامية تونسية انتقدت ما وصفته رهانا على الطرف الضعيف في الحرب بسبب دعوتها إلى وقف إطلاق النار وعدم انحيازها إلى اللواء خليفة حفتر وخاصة بعد المكالمة الهاتفية التي أجراها معه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

 

إقرأ أيضا: الغارديان: طائرات الإمارات بليبيا رفعت أعداد الضحايا

من جهة أخرى استقبل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي قبل أيام زعيم حركة “النهضة” الإسلامية راشد الغنوشي في قصر قرطاج. وجاء في البلاغ الرسمي الذي صدر بعد المقابلة أن المحادثة شملت تفعيل الجهود الديبلوماسية التونسية لوقف الاقتتال في طرابلس وحث كل الأطراف على العودة إلى حسم الخلافات عبر المسار السياسي وعقد المؤتمر الوطني الجامع.

وكانت وزارة الخارجية التونسية قد أكدت في وقت سابق الأسبوع الماضي، أنه يجري العمل حاليا على عقد اجتماع لوزراء خارجية تونس والجزائر ومصر بتونس العاصمة، لتنسيق جهود الدول الثلاث بهدف إنهاء حالة التوتر في ليبيا واستئناف المباحثات السياسية، مشيرة في هذا الخصوص إلى أن وزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي يواصل القيام باتصالات وإجراء مشاورات مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية للتعجيل بإنهاء المواجهات العسكرية في هذا البلد المجاور لتونس.

 

وذكر تقرير نشرته وزارة الخارجية التونسية على صفحتها على الإنترنت، أنه ومنذ اندلاع المواجهات العسكرية في عدد من المناطق الليبية وفي محيط العاصمة طرابلس يوم 4 نيسان (أبريل) الجاري، كثفت تونس اتصالاتها مع مختلف الأطراف الليبية لحثها على الوقف الفوري لإطلاق النار وحقن دماء أبناء الشعب الواحد ووضع حد للتصعيد العسكري.

فقد انعقد اجتماع لمجلس الأمن القومي يوم 5 نيسان (أيريل) الجاري، بعد يوم واحد من اندلاع المواجهات في ليبيا، بإشراف الرئيس الباجي قايد السبسي، جرى خلاله التأكيد على خطورة ما آلت إليه الأحداث في هذا البلد وعلى ضرورة تفادي التصعيد والتسريع بإيجاد حل سياسي مبني على الحوار بين كافة الأطراف.

كما عبرت وزارة الشؤون الخارجية في بيان لها يوم 8 نيسان (أبريل) الجاري عن انشغالها العميق للتصعيد العسكري الخطير الذي تشهده ليبيا وبالخصوص في محيط العاصمة طرابلس، داعية جميع الأطراف إلى التهدئة وضبط النفس وتغليب الحوار وإلى الحفاظ على المسار السياسي برعاية الأمم المتحدة وتوفير كل ظروف نجاح المؤتمر الوطني الجامع الذي كان من المقرر عقده من 14 إلى 16 نيسان (أبريل) الجاري، باعتباره مرحلة أساسية على طريق التوصل إلى حلّ سلمي توافقي.

وأكد الرئيس السبسي أيضا يوم 10 نيسان (أبريل) الحالي في اتصالين هاتفيين مع كلّ من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا فائز السراج والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة، على أهمية الحفاظ على المسار السياسي لحلّ الأزمة في ليبيا برعاية الأمم المتحدة بما يُعيد إلى هذا البلد أمنه واستقراره ويُجنّبه ويلات الفرقة والتطاحن.

وتطرق لدى استقباله النائب الأوّل لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا أحمد معيتيق، يوم 17 نيسان (أبريل) الجاري بقصر قرطاج، بالخصوص، إلى الجهود المبذولة من أجل وقف العمليات العسكرية وفسح المجال للحوار والتفاوض لاستئناف العملية السياسية بين مختلف الأطراف الليبية.

وأمام استفحال الأزمة في ليبيا واتجاه الأمور نحو التصعيد العسكري بين الجانبين، بادر وزير الشؤون الخارجية الخميس 18 نيسان (أبريل) الجاري بإجراء عدة اتصالات هاتفية مع كل من رئيس بعثة الدعم الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، ووزير الخارجية الليبي محمد الطاهر سيالة، بالإضافة إلى “القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر”، كما أنه استقبل بمقر الوزارة رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري.

 

مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on سياسة المكيالين مجددا: القتل «المباح».. والقتل «الممنوع»

سياسة المكيالين مجددا: القتل «المباح».. والقتل «الممنوع»

كمال بن يونس

يختتم قادة العمالقة العشرون G20 اليوم قمتهم الدورية في سان بتسبورغ الروسية.. وسط جدل كبير حول الموقف من شن «حرب ضد النظام السوري» ردا على قتل اكثر من ألف طفل سوري بالسلاح الكيمياوي.. فيما تبادلت السلطات والمعارضة المسلحة السورية الاتهامات حول مسؤولية تلك الجريمة البشعة..

وقد كشفت قمة الزعماء العشرين تضارب مصالح الدول الصناعية الكبرى من جهة.. وحرص كل طرف على لعب «سياسة المكيالين» على طريقته: البعض لتبرير شن الحرب والبقية للاعتراض على حرب «لا يوافق عليها مجلس الأمن الدولي»..
مرة أخرى تدخل الدول العظمى فيما بينها في»لعبة لي الذراع».. متجاهلة حقوق الشعوب ومبادئ الأمم المتحدة والقيم الإنسانية.. ولعل من أكثر ما يثير الحيرة اليوم أن أنصار شن حرب جديدة في المنطقة وتحديدا في سوريا يبررون موقفهم ب»الجريمة ضد الإنسانية» بسبب قتل أكثر من الف طفل بالسلاح الكيمياوي في سوريا.. هل يفهم من هذا أن القتل بالاسلحة غير الكيمياوية والبيولوجية والنووية مسموح به ؟ هل أن تورط بعض العسكريين في قتل اكثر من الف متظاهر مدني مسالم في مصر بعد الانقلاب مسموح به.. ومن نوع «القتل المباح»؟
وهل أن حرق عناصر من الامن والجيش في مصر لمئات المدنيين الذين احتموا بالجوامع والكنائس من نوع « القتل المباح» لانه قوات القمع المصرية لم تستخدم «اسلحة ممنوعة دوليا»؟
وماذا عن المائة الف قتيل في سوريا منذ اندلاع الثورة السلمية قبل اكثر من عامين ونصف؟
هل أن قتلهم»مباح» أيضا.. سواء كان القتلة من الجيش النظامي وحلفائه اللبنانيين أو من قبل»المعارضة السورية المسلحة» وتنظيم «جيش النصرة «؟؟
واذا كانت المجموعة الدولية مطالبة بالتدخل عسكريا في سوريا «وفاء لمبادئ حقوق الانسان العالمية» فلم لا تتدخل لمحاسبة الانقلابيين في مصر الذين يتحدون منذ أكثر من شهرين شعب مصر العظيم ويقتلون معارضيهم ويعتقلونهم وينظمون لهم محاكمات عسكرية صورية لم ينج منها بعض من ساهم في الانقلاب مثل محمد البرادعي؟
ولم لا يتحرك المتحمسون للحرب في سوريا لمناصرة الشعوب التي تقمع منذ عقود مثل شعب البحرين الذي يتحرك الالاف من ابنائه قبل»الربيع العربي» وبعده للمطالبة باصلاحات؟
ولم لا يلتفت قادة الدول العظمى لشعوب الدول النفطية و»دول المواجهة « مع اسرائيل التي تحركت شعوبها بعد بدء»الربيع العربي» للمطالبة بالتغيير والديمقراطية والاصلاح؟
هل يعني ذلك أن قادة الدول الصناعية يعتبرون فعلا أن قتل المدنيين الابرياء يكون «مباحا» حينا و»ممنوعا» حينا آخر؟
.. قد تتعرض سوريا الى غارات قريبا..
وقد تتوسع تلك الغارات الى حرب تتوسع لتشمل دولا مجاورة لسوريا.. ومن بينها خاصة لبنان والعراق والاردن وفلسطين المحتلة وايران ومصر..
وفي كل الحالات فان شن الحرب في مثل هذا المناخ الاقليمي والدولي قد يعني جر المنطقة الى مزيد من التدمير المنهجي»للدولة الوطنية» في العالم العربي الاسلامي.. متابعة لما يجري منذ سنوات في افغانستان وباكستان والصومال ومالي والسودان والعراق.. وهو مسار تواصل بعد «الربيع العربي» في ليبيا ومصر واليمن وجزئيا في تونس..
ولا يمكن التصدي لمشروع جر المنطقة الى مزيد من»الفوضى الخلاقة» الا عبر نقد ذاتي يقوم به صناع القرار الوطني داخل كل بلد عربي.. في اتجاه البحث عن توافقات ملموسة بين الوطنيين.. ضد أنصار المشاريع الاستعمارية الجديدة..

أخبار, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on تونس والتصعيد العسكري والسياسي في ليبيا : خبراء وسياسيون يدعمون التسوية السياسية

تونس والتصعيد العسكري والسياسي في ليبيا : خبراء وسياسيون يدعمون التسوية السياسية

·     دعوات إلى السياسيين التونسيين لالتزام الحياد

متابعة للمستجدات العسكرية والسياسية في ليبيا وللجدل الذي أعقب بعض تصريحات وزيري الدفاع عماد الحزقي والخارجية نور الدين الري والرئيس قيس سعيد حولها ، انتظم مؤخرا بتونس ملتقى تقييمي ولاستشراف السيناريوهات القادمة . وقد أوصى الملتقى بدعم التسوية السياسية في ليبيا بدعم من الأمم المتحدة وإلى تحييد مؤسسات الدولة التونسية عن الصراعات الداخلية الليبية- الليبية ولعبة المحاور الاقليمية والدولية .

كان ذلك بمناسبة ندوة حوارية دولية عبر منصة الكترونية نظمتها مؤسسة ابن رشد للدراسات الاستراتيجية والدولية شارك فيها خبراء من تونس وأوربا وأمريكا ، ساهم في تأثيثها الديبلوماسي السابق في ليبيا والخبير في الشؤون الليبية لدى الاتحاد الاوربي الاستاذ البشير الجويني ، وعدد من الخبراء في السياسة الدولية بينهم المدير العام السابق للأمن العسكري وللديوانة الجنرال محمد المؤدب ، ونخبة من الجامعيين والمختصين في الدراسات الافريقية والعلاقات الاورومتوسطية بينهم الاساتذة كمال بن يونس ومحرز الدريسي وعلي عبد اللطيف اللافي والمنجي الذوادي ..

 

ذكرى الهجوم على طرابلس

 

وقد ناقش خبراء عسكريون وفي الدراسات الدولية وديبلوماسيون بالمناسبة التطورات الميدانية والسياسية  في مدينتي طرابلس وترهونة ،  وفي المدن والقواعد العسكرية القريبة من الحدود التونسية الليبية . وسجلوا أن التصعيد تزامن مع تبادل الاتهامات بين بعثة الأمم المتحدة وقيادة القوات الموالية لحفتر ، حول مسؤوليتها في قصف مستشفيات وأهداف مدنية في طرابلس بينها محيط مطار معيتيقة والمستشفى الأخضر المخصص لمعالجة المصابين بكورونا ..

 وأوردت المداخلات أن التطورات الامنية والعسكرية خلال الاسابيع القليلة الماضية ناجمة عن حرص أنصار ” الجيش الوطني الليبي” وخصومهم في طرابلس على حسم المعارك بمناسبة مرور عام كامل على بدء هجوم القوات الموالية لخليفة حفتر على طرابلس وغرب ليبيا وعلى القوات الموالية لحكومة فايز السراج المعترف بها دوليا يوم 4 افريل 2019.

 

المدن القريبة من تونس

 

وقدم الباحث البشير الجويني بالمناسبة دراسة شاملة مدعومة بالخرائط والاحصائيات حول التطورات العسكرية والسياسية غربي ليبيا خلال الاسابيع الماضية ، بعد أن تكثفت المعارك منذ شهر مارس الماضي بين قوات” الجيش الوطني الليبي” الموالي للجنرال حفتر و”الجيش الليبي” الموالي لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج .

وقد أسفرت تلك المعارك في موفى مارس الماضي عن سيطرة أنصار حفتر على مدن ومواقع استراتيجية في الخط البحري في اتجاه تونس من بينها زلطن ورقدالين والعسة . كما حققت قوات حفتر اختراقات في اتجاه العاصمة شرقا وغربا وعززت حضورها في قاعدة ” الوطية ” الجوية المتاخمة للحدود التونسية ، في محاولة لحسم المعارك4 أفريل الجاري والتقدم بمبادرة سياسية جديدة ” بديلة عن اتفاق برلين ” و” اتفاقات وقف اطلاق النار” المعلن عنها مرارا في باريس وروما وموسكو…

 

متغيرات

 

لكن الهجوم الديبلوماسي والعسكري المعاكس الذي قامت به الأطراف الموالية لحكومة السراج ،بدعم من قبائل ومناطق في الغرب بينها ” الزنتان ” ووزير الدفاع الاسبق أسامة الجويلي ، أدى إلى استرجاع المواقع التي سيطرت عليها قوات حفتر يوم 25 مارس الماضي ، وإلى إعادة تغيير جوهري في موازين القوى لصالح حكومة الوفاق  بزعامة فايز السراج .

وكانت الحصيلة الجديدة سيطرة قوات السراج  على 7 مدن ومواقع استراتيجية تربط بين طرابلس والحدود التونسية في مستوى رأس الجدير أهمها صرمان ، 40 كلم غربي طرابلس ، والمدن الثلاثة الأكثر كثافة سكانيا : صبراطة والجميل والعجيلات ، وتضم كل منها أكثرمن 100 ألف ساكن . وسبق لتلك المدن أن شهدت خلال الاعوام الماضية معارك كثيرة أسفرت في 2016 عن طرد  ” الميليشيات الإرهابية ” و” المجموعات السلفية المسلحة ” بالتنسيق بين القوات الامريكية وحكومتي طرابلس وتونس  .

وكانت أكبر عملية سجلت في هذا السياق في 2016 مات شملت ارهابيين تونسيين وليبيين في صبراطة ، مما تسبب لاحقا في محاولة احتلال مدينة بن قردان وتأسيس “نواة دولة داعشية فيها “.

 

التسوية السياسية

 

وقد أكدت المداخلات خلال هذا الملتقى أن تغيير ميزان القوى العسكري في ليبيا شرقا وغربا لا يمكن أي يؤدي إلى حل نهائي إلا إذا اقترن بتسوية سياسية شاملة تدعمها الأمم المتحدة والدول العظمى المشاركة في الحرب الليبية بصفة مباشرة وغير مباشرة منذ 9 أعوام وخاصة الدول الأوربية والإمارات وقطر وتركيا .

واعتبرت جل المداخلات أن من بين التحديات التي تواجه التسوية السياسية السلمية في ليبيا انتهاء ” الآجال القانونية ” و” انتفاء الشرعية ” بالنسبة لكل السلطات التي أفرزتها الانتخابات والاتفاقات الأممية السابقة ، وبينها برلمان طبرق الذي انتخب في صائفة 2014 وانسحب أغلب أعضائه ثم اتفاق الصخيرات في المغرب الذي وقع في موفى 2015 وأفضى إلى تشكيل ” مجلس أعلى للدولة ” وحكومة الوفاق في طرابلس ، لكن أنصار القذافي من جهة وقيادة الجيش الموالية لخليفة حفتر من جهة ثانية يعترضان عليه ويشككان في شرعيته.

 

 حياد تونس

 

وأقرت المداخلات أن الحل لايكون إلا سياسيا “مهما طالت مدة الحرب”. واعتبرت أن التسوية السياسية تبدأ بتنظيم انتخابات تفرز قيادة شرعية جديدة ، وأن الحل الانتقالي لا يمكن أن يكون إلا بالتوافق مع بعثة الأمم المتحدة ، التي ترأسها الديبلوماسية الأمريكية ستيفاني وليامز ، منذ استقالة اللبناني غسان سلامة.

وأكدت التوصيات على ضرورة تحييد العلاقات التونسية الليبية عن الاعتبارات الداخلية والحزبية في تونس ن ودعوا السياسيين التونسيين إلى تجنب إقحام أنفسهم في الخلافات الليبية الليبية أو محالة فرض سيناريو تسوية عليهم ، بما في ذلك ” السنياريو الدستوري والقانوني التونسي”.

كما طالب عدد من المشاركين في الملتقى بمعارضة التدخل الأجنبي في ليبيا مهما كان مصدره ، وإلى عدم الانخراط في لعبة المحاور الإقليمية والدولية وصراعات مصالح الشركات الدولية العملاقة على الصفقات وعلى مصالحها في ليبيا .

كمال بن يونس 

مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on رئيس التأسيسي التونسي: الموقف من النهضة يقسم النخبة

رئيس التأسيسي التونسي: الموقف من النهضة يقسم النخبة

كمال بن يونس

مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي وأحد “الرؤساء الثلاثة” في تونس ما بين موفى 2011 وموفى 2014 و”أب الدستور التونسي الجديد”. من أبرز الشخصيات الحقوقية والنقابية والسياسية والثقافية الوطنية التونسية المثيرة للجدل منذ أكثر من 40 عاما. اعتبره بعض العروبيين والإسلاميين وحلفائهم “علمانيا اشتراكيا قريبا من فرنسا”، ويعيب عليه بعض العلمانيين واليساريين والدستوريين معارضته بقوة قمع الإسلاميين وحلفائهم قبل 2011 ثم مشاركة حزبه معهم في “الترويكا” التي حكمت البلاد ما بين 2011 و2014.

بدأ ابن جعفر مسيرته السياسية في الجناح الطلابي والشبابي في الحزب الدستوري بزعامة الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة قبل أن ينحاز إلى الليبيراليين واليساريين المعتدلين الذين انشقوا عليه ثم أسسوا صحيفة “الرأي” المعارضة وحزب الديمقراطيين الاشتراكيين بزعامة الوزير السابق أحمد المستيري في 1977 والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في 1978.

برز ابن جعفر بعد 1994 عندما أسس مع نخبة من رفاقه حزب التكتل الديمقراطي، وبعد 1996 عند تأسيس المجلس الوطني للحريات. ثم كان ابن جعفر من بين القيادات اليسارية والعلمانية المعتدلة التي قادت في آخر عهد ابن علي حراكا حقوقيا سياسيا معارضا ضمن ما عرف بجبهة 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2005، التي كانت أول ائتلاف موسع للمعارضة تشكل في عهد ابن علي بمشاركة فصائل علمانية وإسلامية وأخرى يسارية وليبيرالية للمطالبة بالحريات والديمقراطية ومعارضة نظام الحكم.

التقيناه في “عربي21“، فكان معه هذا الحوار الشامل حول المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي التونسي عشية انتخابات رئاسية وبرلمانية وسط تخوفات من الانعكاسات السلبية للحرب في ليبيا والمتغيرات الإقليمية بما في ذلك في الجزائر والسودان:

س ـ أستاذ مصطفى بن جعفر، يتابع التونسيون والمراقبون المستجدات في تونس والدول العربية التي شهدت ثورات من أجل الديمقراطية والإصلاح وتلك التي تشهد حاليا حراكا شعبيا طموحا، مثل الجزائر والسودان، بقدر كبير من الحذر والتخوف من المستقبل.

 

ألا تعتقد أن السبب الرئيسي وراء تعثر الثورة التونسية والثورات العربية التي اندلعت في 2011 والحراك الشعبي الحالي في الجزائر والسودان غياب قيادة كفؤة ونزيهة ونخبة لديها رؤيا ومشروع واستراتيجية؟ 

ـ فعلا، تمرّ تونس وكثير من الدول العربية بمأزق سياسي اجتماعي كبير، وقد عجزت السلطات الجديدة عن معالجة الأزمات الهيكلية والمشاكل الظرفية التي كانت تسببت في الانتفاضات الشبابية الاجتماعية واحتجاجات المهمشين وثورة الشباب في موفى 2010 ومطلع 2011.

لكن السبب ليس افتقار بلداننا لنخب لديها رؤيا وتصورات ومشاريع، بل تعمد بعض اللوبيات المالية والإعلامية والسياسية تهميش الخبراء والزعامات التي لديها رؤيا وتصورات استراتيجية وعرفت بنزاهتها.

أغلب السياسيين والمثقفين والنشطاء النزهاء الذين لهم رؤية ومشروع أصبحوا يهمشون أو يتعرضون لمضايقات مالية ومحاصرة إعلامية وسياسية.

نفس العائلات المتنفذة منذ عهد بورقيبة

س ـ لماذا ؟

ـ لأن نفس العائلات واللوبيات المتنفذة في عهد بورقيبة وابن علي هي المتنفذة اليوم. النتيجة هي أن المواطن أصبح يتساءل بعد 8 أعوام من تحركاته من أجل التغيير والإصلاح وتحقيق مطالب ثورية: ما هو الفرق اقتصاديا واجتماعيا بين الأحزاب المتنافسة على الحكم؟

 

تونس لم تتحرر بعد من الاصطفاف الأيديولوجي

الديمقراطيون والحقوقيون من ذوي الخبرة والنزاهة والكفاءة كثيرون في تونس وفي المعارضة والمنظمات الحقوقية، شخصيات لديها مشاريع اقتصادية واجتماعية وسياسية واجتماعية، لكن كثيرا من الأبواب كانت ولا تزال موصدة أمامها.

المال والاعلام

س ـ لكن في البلاد اليوم أكثر من مائتي حزب وآلاف الجمعيات تتحرك بكامل الحرية.. وتحسن هامش الحريات الصحفية يكاد يكون أهم مكسب تحقق بعد ثورة 2011 حسب أغلب المراقبين؟

ـ هذا صحيح ولكن المشهد السياسي تشكل بعد ثورة 2011 بطريقة سريعة واستفادت من الحريات أساسا اللوبيات القديمة، والمشكل أن أغلب أصحاب التصورات والمشاريع والديمقراطيين الاجتماعيين الوسطيين المتصالحين مع شعبهم وثقافتهم ليس لهم موقع.

قبل الثورة كان في البلاد مشاريع أحزاب منها حزبنا حزب التكتل والحزب الديمقراطي التقدمي وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية. البقية كانت السلطة تختارها وتوجهها بما يذكر بمقولة “معارضة صاحب الجلالة”.

 

ورغم إعادة تشكل المشهد السياسي فقد وجدت البلاد نفسها أمام أحزاب لديها رصيد حاولت أن تلعب دورا لكن خانتها الإمكانيات المالية والإعلامية، ولوبيات توجه المشهد نحو إعادة إنتاج المنظومة القديمة.

بعد 8 سنوات عن الثورة ليس دينا قانون أحزاب والتمويل العمومي للأحزاب غير منظم، وهذا بفعل فاعل..

مسؤولية الرؤساء الثلاثة؟

س ـ لكن السيد مصطفى بن جعفر ترأس البرلمان الانتقالي، المجلس الوطني التأسيسي، لمدة 3 أعوام، وكان أحد الرؤساء الثلاثة الذين حددوا ملامح تونس الجديدة مع الرئيس المنصف المرزوقي ورؤساء الحكومة المتعاقبين حمادي الجبالي وعلي العريض والمهدي جمعة؟

ـ كنا مشغولين بصياغة الدستور والقوانين ومتابعة الملفات المستعجلة في ظروف استثنائية جدا.. والتحدي الكبير أنه ليس هناك قواعد منظمة بوضوح لقانون اللعبة بين الأحزاب ومؤسسات الدولة والمجتمع..

نحن لا نتنصل من مسؤولياتنا ومستعدون للنقد الذاتي، لكن نسجل أنه بفضل جهود الائتلاف الحكومي والمجلس الوطني التأسيسي والرئاسات الثلاثة أمكن إبعاد تونس عن منطقة الخطوط الحمراء التي وصلت إليها بعض الدول العربية، وخاصة تلك التي شهدت ثورات شعبية وتغييرا سياسيا شاملا مثل ليبيا واليمن وسوريا ومصر..

أين اليسار واليمين؟

س ـ بحكم خبرتك الطويلة في منظمة الأحزاب الاشتراكية الدولية وفي الحركات السياسية التونسية والعربية، هل يمكن اليوم تصنيف الأحزاب والحركات السياسية التونسية حسب مواقفها من الظلم الاجتماعي والاقتصادي وموقفها من الاستعمار الاقتصادي العالمي الجديد؟ هل يوجد في تونس اليوم طرف يميني ليبرالي قريب من الغرب الرأسمالي وآخر يساري حليف للحكومات الوطنية والتقدمية العالمية وثالث وسطي ديمقراطي اجتماعي أم أن هذا العهد قد ولى بعد انهيار جدار برلين والمعسكر الاشتراكي الشرقي؟

ـ هناك غموض في المشهد السياسي والحزبي وتداخل للأوراق وتقاطع بين الشعارات والتصريحات الظرفية ..وأعتقد أن التصنيفات التقليدية الاجتماعية السياسية للأحزاب والكتل السياسية موجودة بيمينها ويسارها ووسطها..

لكن لدينا في تونس إشكاليات وتصنيفات أخرى من بينها الاصطفاف حسب الموقف مما يسمى بتيارات “الإسلام السياسي” أو الأطراف السياسية التي لديها مرجعيات دينية.. والمشهد السياسي يتميز بالاصطفاف بين المناصرين والمعارضين لصيغ التعامل مع أنصار هذه التيارات بما في ذلك حركة النهضة ودورها السياسي..

 

هذا الاصطفاف دفع بعض أصدقائنا الديمقراطيين من تيارات مختلفة نحو انتقاد تجربة الائتلاف الثلاثي ما بين 2011 و2014، والذي كنا طرفا فيه مع حزب المؤتمر بزعامة السيد المنصف المرزوقي وحركة النهضة بزعامة السيد راشد الغنوشي.

الرشوة والبطالة والفقر

س ـ بعد 8 أعوام عن التغيير في أعلى هرم السلطة في تونس واندلاع الثورات العربية، هل ما زلت تؤمن بسلامة المسار رغم تزايد نسبة منتقديه مع التركيز على استفحال ظواهر البطالة والفقروالفساد والرشوة وتدهور الأحوال المعيشية والأوضاع العامة؟

ـ النخب والأحزاب منقسمة بين متمسك بالثورة ومكاسبها ورافض لها جملة وتفصيلا.. مع المطالبة  بـ “غلق القوسين” والعودة إلى المربع الأول.. أي إلى مرحلة ما قبل الاحتجاجات الشعبية الشبابية والاجتماعية والمسار الثوري ..النتيجة في ظل الترويج لمثل هذا الخطاب وربط الأزمات والمشاكل الاجتماعية الاقتصادية والأمنية بالثورة أن المواطن أصبح في حيرة كبيرة..

 

النخب التي لديها مشروع ورؤيا تهمشها لوبيات مالية وإعلامية

بصراحة علينا أن نقر أن المبالغات بأنواعها لا تساعد على تطوير المشهد السياسي ولكن تزيد “اللخبطة” الحالية تعقيدا.. لا ينبغي أن ننسى أن من بين أسباب تعثر مسار التغيير في تونس والثورات العربية أن المتحكم في تطورات المشهد السياسي هي لوبيات المال الفاسد عبر وسائل الإعلام وبعض الجمعيات.. ولا يمكن في مثل هذا المناخ أن تنجح الأحزاب والأطراف التي تعترض على الفساد والرشوة وعلى بعض الاجندات المعادية للديمقراطية والتغيير..

لوبيات مالية وإعلامية

س ـ بصراحة، هل تعتبر أن الذين قادوا الثورة التونسية والثورات العربية في 2011 كانوا زعماء وقياديين لديهم رؤيا استراتيجية ومشاريع إصلاح وتغيير؟ أم أن تسارع الاحتجاجات ثم الأجندات الدولية أقحمت النخب في مسار صراع على المواقع والكراسي لملء الفراغات التي أحدثتها الاطاحة برأس النظام وأقلية من المقربين منه؟

 

ـ صحيح أن الذين قادوا الثورة لم تكن لديهم مشاريع وتصورات شاملة.. لكن النخب التونسية نجحت عموما في تنظيم عملية الانتقال الديمقراطي وأحدثت مؤسسات المرحلة الانتقالية ووفرت أرضية لتبرز الكفاءات والبدائل والرؤى.. في البلدان الديمقراطية العريقة نفسها لا يكفي أن تكون الأفضل ولكن يجب أن تسمع وأن يبلغ صوتك..

وبحكم هيمنة مؤسسات المال الفاسد على كثير من وسائل الإعلام استغلت أطراف معارضة للتغيير وللمسار الثوري المنظومة القديمة وإمكانياتها.. لذلك لم ينتصر بعد صوت المؤمنين بتونس الجديدة وبقيم الديمقراطية والتقدم والشفافية والقطع مع الفساد والاستبداد..

معارك أيديولوجية؟

س ـ وهل هناك اليوم في تونس طرف ثقافي سياسي لديه مشروع سياسي اجتماعي اقتصادي شامل. أم أن لكل طرف أولوية أيديولوجية خاصة في معاركه الانتخابية: الانتصار للهوية بالنسبة للنهضة وحلفائها مقابل معاداة الإسلاميين ومشروعهم الثقافي المجتمعي جملة وتفصيلا من منطلقات إيديولوجية بالنسبة للطرف المقابل؟

ـ الأمور نسبية.. للأسف فإن السباق الانتخابي تحركه أحيانا أجندات ظرفية توظف كل شيء بما في ذلك الأيديولوجيا.. لكن هدف البعض كان ولا يزال استبعاد الطرف المقابل أو الإطاحة به بكل الطرق.. حزب النداء مثلا هل كان لديه قبل انتخابات 2014 مشروع غير إسقاط حكومة الترويكا عموما واستبعاد قيادات حركة النهضة خاصة؟ حزب النداء لم يكن لديه مشروع.. والدليل أنه انقسم وفشل.. رغم تصويت حوالي مليون ونصف المليون من الناخبين لفائدته في انتخابات 2014..

 

اليوم هاجر أغلب “الندائيين” إلى حزب “تحيا تونس” بزعامة السيدين يوسف الشاهد وسليم العزابي.. لكن هل يمتلك هذا الحزب الجديد وزعماؤه مقومات الحركة السياسية بما في ذلك امتلاك مشروع واضح لإنقاذ الأوضاع وحكم البلاد؟

لا أعتقد ذلك.. وحسب المؤشرات الحالية فإن غالبية مؤسسي هذا الحزب وكوادره ليسوا سياسيين وإن كانت لدى بعضهم خبرة في الإدارة وحكومات حزب النداء الذي فشل على كل المستويات خلال الأعوام الماضية.. واختيار الحبيب الصيد لرئاسة الحكومتين الأولى والثانية بعد الانتخابات التي فاز فيها النداء ورئيسه دليل على أن حزب النداء كان أساسا تجمعا سياسيا ظرفيا من أجل إسقاط حكومة الترويكا والوصول إلى السلطة وليس لديه برنامج ولا مشروع ولا قيادات مؤهلة لرئاسة الحكومة.. وقد عوض لاحقا بالسيد يوسف الشاهد الذي لم يكن بدوره صاحب رصيد سياسي ولا خبرة في الحكم وتسيير شؤون الدولة والأحزاب..

تضخم مؤسسة الرئاسة

س ـ هناك من يقول إن الرئيس الباجي قائد السبسي عين الحبيب الصيد لأنه يريد أن يتحرر من هيمنة الحزب وأن يتحكم في ورقة اختيار السلطة التنفيذية.. ضمن إيمانه بالنظام الرئاسوي وبمدرسة بورقيبة التي يتضخم فيها دور الرئيس ومؤسسة الرئاسة؟

ـ هذا صحيح.. والخطأ الكبير أنه بعد سقوط ابن علي اعتقدنا أن التغيير كان جاهزا وأن مكونات الشعب والإدارة والمؤسسات مستعدة للتغيير.. ووقع التصرف وكان البديل جاهزا ومناخ التغيير مكتملا.. البعض تمسك بالقطع مع الماضي ورموزه.. والبعض حاول تسيير الأوضاع كأن الثورة لم تقع.. وقد كانت أولويتنا مع شركائنا في الترويكا إنجاز دستور يصادق عليه غالبية التونسيين والتونسيات، وهذا ما تحقق وظل فخرا لكل التيارات والأطراف السياسية بما في ذلك تلك التي كانت في المعارضة..

ولا ننسى أن الترويكا لم تنتخب لتحكم بل لتشرف على صياغة دستور والتأسيس للمرحلة الجديدة..

س ـ لكن الترويكا حكمت البلاد طوال 3 أعوام والمجلس الوطني التأسيسي لعب دور البرلمان وكانت لديه سلطة على الحكومة ومؤسسات الدولة التنفيذية؟

ـ  نعم.. لكن ضمن سياق عام وسلطات مؤقتة والجميع يعترف بذلك.. وفي كل الحالات كانت الحصيلة الاقتصادية والاجتماعية ونسبة النمو لحكومتي الترويكا الأفضل منذ 2011 رغم صبغتهما المؤقتة.. وقد امتنعنا عن التشهير بالأوضاع الاقتصادية التي ورثناها عن حكومة السيد الباجي قائد السبسي في موفى 2011 اعترافا منا بالصعوبات التي واجهتها وبينها خسائر تقدر بحوالي 8 مليارات دينار بسبب الحرائق والخسائر التي سجلت قبل انهيار حكم ابن علي وبعده… ثم الاعتصامات والإضرابات العشوائية والأعمال الإرهابية..

مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on مستشار الأمن القومي للرئيس التونسي: هذه أسباب الإرهاب

مستشار الأمن القومي للرئيس التونسي: هذه أسباب الإرهاب

دعا إلى مراجعة الخطاب الإعلامي والديني وحذّر من “الصحوة الدينية المغشوشة”

 

الأميرال كمال العكروت، مستشار الأمن القومي في الرئاسة التونسية والأمين العام لمجلس الأمن القومي مثقف وسياسي مخضرم، تولى مسؤوليات عسكرية وسياسية ودبلوماسية عديدة، من بينها رئاسة الأمن العسكري في وزارة الدفاع، وسفير إلى جانب مستشار أول لدى رئيس الجمهورية منذ وصول الباجي قائد السبسي إلى قصر قرطاج قبل 4 أعوام ونصف.

ويتميز الجنرال كمال العكروت ونخبة جديدة من كبار كوادر الجيش التونسي بإسهاماتهم في الدراسات الدولية والمؤتمرات العلمية، إلى جانب دوره في تطوير الدور العلمي والأمني والاستراتيجي لمؤسسة الأمن القومي في رئاسة الجمهورية.

التقيناه، فكان هذا الحوار حول استراتيجيات الوقاية من التطرف والإرهاب بعد الضربات التي وجهت إلى تنظيمات “داعش” والقاعدة وحلفائها في سوريا والعراق وليبيا، فكان الحوار التالي:

 

س ـ هل انتهى خطر التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة في تونس والدول العربية بعد الضربات الموجعة التي وجهت إلى ما سمي دولة “داعش” في سوريا والعراق وليبيا، وإلى حلفائها في المنطقة؟

ـ للأسف، الخطر لا يزال قائما في تونس وفي بقية الدول المغاربية والعربية والإسلامية، وفي دول الساحل والصحراء الأفريقية، بل في العالم أجمع.

الضربات العسكرية التي وجهت إلى الإرهابيين وإلى التنظيمات المسلحة مثل داعش والقاعدة مهمة جدا، لكنها لا تعني استبعادا نهائيا لخطر التطرف والإرهاب وسيناريوهات عودة العنف والجريمة والهجمات الإرهابية في أشكال جديدة.

يتميز الجيل الجديد من التنظيمات الإرهابية بـ”تحرير مبادرة” المجموعات التابعة له، فهي لا تتحرك وفق تنظيم هرمي تقليدي تصدر قيادته المركزية أوامر ويمكن كشف كل عناصره. بل تستفيد من الخلايا النائمة والجيل الجديد من المقاتلين والشباب العاديين المستعدين للمشاركة في هجمات إرهابية. وهؤلاء يرتدون ملابس عادية، ولا يثير سلوكهم أو شكلهم حفيظة رجال الأمن والقوات المسلحة.

هم يتحركون ضمن ما عرف بخطة مجموعات “الذئاب المنفردة”. وخطة “الذئاب المنفردة” تعني مبادرة شخص أو أشخاص، غير منظمين، ولا يخضعون إلى تنظيم هرمي، بالتخطيط والتنفيذ ضمن إمكانياتهم الذاتية.

وتقوم عمليات “الذئاب المنفردة” عادة على مبدأ التمويل الذاتي المحدود، والاستعانة بالمواد التي تدخل في صناعة المتفجرات، والتي يمكن الحصول عليها في الأسواق دون أن تجلب انتباه القوى الأمنية.

أغلب هؤلاء لا يترددون على المساجد، ولا يرتدون العمامة والقميص الشرقي أو السروال الأفغاني، ولا يطلقون اللحى، ويتقنون توظيف الشبكة العالمية للمعلومات الإنترنت والتقنيات الحديثة، بما في ذلك عند تعلم طرق صنع المتفجرات والأسلحة اعتمادا على إمكانيات ذاتية وبسيطة.

العائدون من بؤر التوتر

س ـ وهل وقع التحكم في ملف العائدين من بؤر التوتر والنزاعات المسلحة؟

 

ـ هذا الملف معقد، وملف العائدين من بؤر التوتر قنبلة موقوتة في كثير من دول العالم وليس في تونس والدول المغاربية وحدها. كثير من العائدين يتحولون إرهابيين ضمن الخلايا النائمة التي قد تتحرك في أي لحظة وفق خطة “الذئاب المنفردة”.

بالنسبة لتونس، قُتل مئات من المقاتلين الذين التحقوا بالمقاتلين في سوريا والعراق وليبيا، واعتُقل العائدون، وخضعوا لاستنطاق وتتبُّع قضائي وأمني. لكن الحذر مطلوب واليقظة ضرورية. ومصالح الأمن وبقية القوات المسلحة تقوم بجهد كبير، خاصة من حيث مراقبة الحدود مع الشقيقتين ليبيا والجزائر؛ تحسبا لأي عملية تسلل عبر الصحراء والجبال والغابات.

احتلال فلسطين.. والتدخل الأجنبي

س ـ هل نجحتم في فهم الأسباب العميقة لانتشار التطرف والإرهاب والسلوكيات العنيفة بين الشباب التونسي والعربي، ما تسبب في تصنيف تونس والدول العربية في المراتب الأولى من حيث البلدان التي تصدر المقاتلين والإرهابيين إلى سوريا والعراق وليبيا وإلى العالم أجمع؟

ـ بالفعل أعددنا دراسات استراتيجية معمقة حول الأسباب العميقة للتطرف والإرهاب، وسبل الوقاية والمكافحة والمتابعة، من بينها الاحتلال والتدخل الأجنبي والنزاعات المسلحة.

ولا بد أن نسجل أن من بين أسباب انتشار الإحباط والتوتر ومشاعر الحقد والنقمة بين الشباب العربي استفحال النزاعات المسلحة والحروب والأزمات، وتشعب أشكال الاحتلال الأجنبي في عدد من بلداننا، وعلى رأسها احتلال فلسطين والأراضي العربية المجاورة لها.

إن التدخل الأجنبي في الدول العربية واحتلال فلسطين ومقدساتها وغيرها من الأراضي العربية، يستفز مشاعر الشبان العرب والمسلمين، ويدفع بعضهم نحو تبني مقولات تبرر العنف والقتل والإرهاب.

كما استفحل الإرهاب، وارتفع عدد المورطين فيه؛ بسبب احتلال دول عربية وإسلامية عديدة، وتوسع منطقة النزاعات المسلحة، وانتشار الاقتتال والصراعات الدموية فيها.

والقضاء الناجع على الإرهاب يبدأ بالقضاء على أسبابه العميقة، بينها إنجاح جهود السلام والتسويات السياسية للأزمات، وإيقاف الحروب والاقتتال، ومنع الاتجار غير المشروع في الأسلحة والمتفجرات والمواد المحظورة والتهريب.

الرؤية الاستراتيجية.. الإعلام

س ـ وماذا عن الأسباب الثقافية والاجتماعية والسياسية للعنف ولظاهرة الإرهاب في صفوف الشباب التونسي والعربي؟

ـ فعلا، الأسباب الثقافية والسياسية والاجتماعية كثيرة، من بينها أن الوطن العربي أصبح يعاني من ضعف الأنظمة، ومن سلطات سياسية فاقدة للشرعية، ما دفع بعض الشعوب نحو الولاء للمؤسسات الأمنية والعسكرية.

ويشكو الشباب والمواطنون العرب من استفحال الصعوبات والمشاكل والأزمات المرتبطة بسلطات فاسدة تخضع بدورها إلى لوبيات التهريب والتهرب من الضرائب.

وتستفحل ظاهرة الإرهاب عندما ينتشر الفقر والجهل، وتفشل وسائل الإعلام والمؤسسات التربوية والعائلة في الترويج إلى قيم الاعتدال والانفتاح، وإلى فهم عقلاني ومستنير للدين وللمقدسات والمرجعيات الثقافية.

 

وبحكم انسداد الآفاق الثقافية والمهنية والسياسية أمام الشباب، يرد قسم منعه عبر العنف واتباع المقولات المتطرفة والمجموعات العنيفة والإرهابية.

نحن أمام شعوب ناقمة وساخطة على الدولة في مرحلة تفتقر فيها إلى وسائل إعلام وتثقيف وتربية وتعليم مؤهلة لتأطير غضب الشباب والشعب وتوجيه الطاقات في اتجاه البناء، وليس في اتجاه الانتقام والعنف والإرهاب.

“الصحوة الدينية المغشوشة”؟

س ـ وهل يمكن اعتماد استراتيجية وقائية إعلاميا وثقافيا مع الترويج لقراءة معتدلة ومستنيرة وعقلانية للإسلام والمرجعيات الدينية والتراثية، بما يؤدي إلى إضعاف حجج الذين يبررون قتل الأبرياء والمدنيين والسواح بفتاوى فقهية ونصوص دينية؟

ـ فعلا، إن من بين أسباب انتشار التطرف والإرهاب ما أسميه شخصيا “الصحوة الدينية المغشوشة”، التي تخلط بين النصوص الدينية والفقهية والتراثية وبين الترويج لفهم معاد للعقل والعقلانية وللعلوم وقيم الحداثة تحت يافطة “الصحوة الإيمانية والدينية”.

الصحوة الدينية هي فعلا مغشوشة عندما تؤدي إلى تراجع البعد المعرفي وإلى توظيف التكنولوجيات الحديثة، وبينها شبكة الإنترنت والهواتف الذكية لصنع المتفجرات والأسلحة، وقتل الأبرياء، وشن عمليات إرهابية يقتل فيها الأبرياء وبينهم أطفال ونساء وعجائز..

وأعتقد أن من بين المخاطر التي تعقد اليوم ظاهرة الإرهاب عدم سيطرة الحكومات على الفضاء الافتراضي، وتوظيف المقاتلين السابقين في “داعش” والقاعدة وحلفائهما والعائدين من بؤر التوتر لقراءات معينة للدين، يروجونها عبر وسائل الاتصال الحديثة..

لذلك، لا بد من استراتيجية لتطوير الخطاب الإعلامي والديني، ومراجعة أداء وسائل الإعلام عموما، خاصة منها ما يسمى الإعلام الديني..

ورقة المستقبل

س ـ يتطلع الجميع إلى الاستعدادات للانتخابات التونسية والحراك الشعبي الديمقراطي السلمي في عدة دول، بينها الجزائر والسودان، هل يمكن لهذه المسارات الانتخابية والسياسية أن تقدم نموذجا عمليا في محاصرة العنف والإرهاب؟

ـ إنجاح المسارات السياسية والانتخابية والانتصار على الإرهاب يستوجبان اعتماد مقاربات استراتيجية، وتعزيز الوحدة الوطنية، ودعم السياسات الوقائية، وتسوية النزاعات الإقليمية.. الأمن الناجح يعتمد مخططات تقوم على الوقاية والحماية ثم التدخل.. بدءا من الوقاية الثقافية والإعلامية.

المسارات السياسية ضرورية، بل يجب توفير الاستقرار السياسية والمجتمعي.. لكن لا بد كذلك من اليقظة الأمنية، وتطوير التنسيق الاستخباراتي فيما يتعلق بملفات العائدين والمقاتلين والمجموعات المسلحة.. في الوقت ذاته، لا بد من تنبي خطاب ديني وإعلامي معتدل، وتعزيز الشرعية في نظر المواطنين، مع توحيد جهود الأطراف التي تقاوم الإرهاب، والعمل على دعم جهد الاستعلامات ومؤسساتها المختصة.. ولا شك أن عزل الإرهابيين عن قضيتهم ومصادر دعمهم يبدأ بتعزيز دولة القانون، وإنجاح مسارات التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية..

أخبار, البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on الغنوشي: المصالحة الشاملة واجب وطني و ديني

الغنوشي: المصالحة الشاملة واجب وطني و ديني

كمال بن يونس

بعد 6 أشهر عن الانتخابات التونسية وتنصيب قيس سعيد رئيسا للبلاد وراشد الغنوشي رئيسا للبرلمان، وبعد شهرين عن تنصيب إلياس الفخفاخ رئيسا للحكومة، برز مجددا في وسائل الإعلام وكواليس السياسة حديث عن خلافات بين “الرؤساء الثلاثة” وبين الأغلبية البرلمانية والسلطة التنفيذية.. فما هي حقيقة هذه الخلافات؟ وما هي ملامح المشهد السياسي الجديد في بلد يعطي دستوره أغلب الصلاحيات للبرلمان ويمنحه نفوذا كبيرا في مراقبة رئاسة الجمهورية والحكومة؟

وكيف سيتفاعل الغنوشي وأنصاره مع معارضيهم داخل البلاد وخارجها بما في ذلك في واشنطن وأوروبا وليبيا والجزائر؟ وكيف يستشرف رئيس حزب النهضة مرحلة ما بعد كورونا وطنيا وإقليما ودوليا ومستقبل تيار “الإسلام الديمقراطي” والأطراف المحسوبة على “الإسلام السياسي”؟ وماهي رؤيته لتطبيع علاقات حركته مع الدولة ومع العواصم الغربية والإقليمية وعلى رأسها الجزائر؟ وكيف ينظر رئيس البرلمان إلى دور المؤسسة التشريعية مستقبلا وإلى “الديبلوماسية البرلمانية”؟

الإعلامي كمال بن يونس التقى رئيس البرلمان التونسي ورئيس حزب “النهضة” التونسي الشيخ راشد الغنوشي وأجرى معه الحوار التالي حصريا لـ “عربي21”، الذي قدم الغنوشي في جزئه الأول الذي ننشره اليوم رؤية استشرافية لمستقبل تونس والأحزاب السياسية والمنطقة والعالم بعد جائحة كورونا، بينما يقدم في جزئه الثاني والذي ننشره غدا، قراءة استشرافية لعلاقة “الإسلام الديمقراطي” بمكونات النظام العالمي الجديد..

س ـ كيف تقيم علاقتكم بالسلطة التنفيذية في بلد يوصف فيه النظام السياسي بكونه “نظام برلماني معدل”؟ هل وقع تجاوز ما وصف بـ “التجاذبات بين الرؤساء الثلاثة” أي رئيس الجمهورية القائد العام للقوات المسلحة قيس سعيد ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ ورئاسة البرلمان؟

ـ علاقة مجلس النواب بالسلطة التنفيذية محكومة بالدستور الذي حدد مهام كل جهة ووضع طرق التعامل، ولكن ما يظهر هنا أو هناك مما يسمى تجاذبا هو في الحقيقة تدرب على تنزيل الدستور، فتجربتنا الديمقراطية المحكومة بالقانون لا تزال فتية والكل في درس التجربة والممارسة وحسن التنزيل، ومثل هذه الأمور تحتاج إلى وقت وتعود ودربة وثقافة تتحول تباعا إلى مسلمات ووقائع.

 

الحديث عن تجاذبات أمر مبالغ فيه، ونعتقد أن المقصود هو التدرب على التنزيل وتحويل النصوص الدستورية إلى قواعد حاكمة وضابطة لسلوك الجميع وفي هذه الحالة.. كما يتوجب الأمر الدقة والوضوح يتطلب كذلك اللين والتفاعل الإيجابي.

مجلس نواب الشعب يقوم بدوره وفق الدستور، فإضافة إلى سلطته التشريعية هو سلطة رقابية تراقب الحكومة وتسائلها، وتلك ثقافة الديمقراطية التي سلكناها منذ الثورة، وهذا الأمر واضح في مهامنا وأعمالنا.

وأيا كان الأمر فقد مثلت جائحة كورونا مناسبة لتظهر فيها مؤسسات الحكم موحدة في الحرب.. وهي وحدة لم تظهر في مؤسسات الحكم فقط بل تجلت في وحدة كل القوى الوطنية، حيث ظهر الجميع في وحدة شاملة نحتاجها اليوم في مواجهة هذه الجائحة كما نحتاجها غدا في مواجهة الآثار والمخلفات التي ستتركها جائحة كورونا من أجل الانطلاق والإنعاش الاقتصادي..

مستقبل حكومة الفخفاخ

س ـ كيف تنظرون إلى مستقبل حكومة الفخفاخ التي تشاركون فيها خاصة إثر مستجدات أزمة كورونا؟ 

ـ الحكومة تجتهد وعلى كل الأصعدة في التصدي لهذه الآفة، وهي تواجه هذه الصعوبات على كل  الجبهات، ونحن نتعاطى معها من منطلقات عديدة:

من منطلق إننا نشارك فيها، ولذلك ندفع بها إلى النجاح، خاصة في هذه الظروف الصعبة. وفي نفس الوقت لا نتخلى عن دورنا كمجلس نواب الشعب في الرقابة والتي تتحول في مثل هذه المناسبات إلى نوع من إسداء النصح.

 

وفي الأنظمة الديمقراطية التي تواجه نفس التحديات، لم تتخل السلطة البرلمانية عن دورها لأن التناصح والتعاون واختلاف الرأي في النظام الديمقراطي أمر ثمين لا بد من استثماره، فضرب الرأي بالرأي والموقف بالموقف هو خير لصالح الوطن بدل الرأي الواحد والموقف الواحد. كورونا لا شك ستكون لها انعكاساتها على كل الأصعدة وفي مقدمتها المجال الصحي والاقتصادي والاجتماعي، والحكومة معنية بأن تتصدى لهذه الجبهات، ونحن نقدرعاليا التحدي ولكن المستحيل ليس تونسيا فشعبنا له من الإرادة والقوة ما يمكنه من تحويل المحن إلى فرص.

القطيعة مع المعارضة

س ـ هل تجاوزتم مرحلة القطيعة والصدام بين نواب حزب “النهضة” وحلفائه في الحكومة مع نواب الحزب الحر الدستوري بزعامة عبير موسي؟

ـ نواب النهضة ليسوا في صدام مع أي من الأحزاب أو الكتل.. نحن نختلف هنا مع البعض ونلتقي هناك مع البعض الآخر.. والمعارضة في البرلمان تشكلها العديد من الكتل، فهناك قلب تونس الكتلة الأولى في المعارضة وائتلاف الكرامة والدستورى الحر.. كل هؤلاء في المعارضة. وثقافة الديمقراطية تقتضي منا وفي أغلب الأوقات أن نستمع لرأي المخالف أكثر من رأي الصديق.

 

المصالحة الشاملة أولوية وطنية وواجب ديني وقانون الإقصاء كان سيقصي قائد السبسي

ومن المؤسف أن تظهر بعض الأصوات هنا أو هناك تؤسس للإقصاء وتتمسك به وهو ما جاءت الثورة لتجاوزه. فالديمقراطية سفينة تحمل الجميع باختلافهم وتنوعهم وتوفر للجميع الراحة دون تمييز. النظام القديم لما كان يحكم كان المعارض في السجن أو في المهجر.. أما النظام الديمقراطي اليوم فهو يحمي حق الجميع بمن فيهم من لا يزال يمدح القديم أو يحن إليه، وتلك حقيقة الديمقراطية التى اعتبرناها الخيمة التي تتسع للجميع.

نحن نتمثل القول الذي يجعلنا ندافع عن حق المختلف في الوجود وفي التعبير عن رأيه حتى وهو  يختلف معنا في الرؤية والمنهج.. تلك هي قيمنا نستمدها من الإسلام الذي لا يضيق بالاختلاف بل يؤصل له كمبدأ وجودي وممارسة ثقافية. والاختلاف أيضا قيمة من القيم المعاصرة لا تتناقض مع جوهر تراثنا ومقاصده بل تعبر عن الثراء والتنوع.. الربيع لا تصنعه الوردة الواحدة.

المصالحة الوطنية الشاملة

س ـ تقدمتم بمشروع جديد للمصالحة الشاملة يوم انتخابك رئيسا للبرلمان ثم يوم المصادقة على حكومة إلياس الفخفاخ هل من متابعة لهذا المشروع؟ 

ـ المصالحة الوطنية الشاملة ضرورة وقناعة لا بد أن تنجز. إنه موقفنا منذ البداية. وهو موقف يستند إلى استقراء للتاريخ. عندما ننظر إلى الماضي أو نتأمل تجارب الدول حولنا نجد أن ممارسة الإقصاء والاستئصال لا تخلف إلا الخراب والصراعات التي لا تنتهي .

نحن عانينا من الإقصاء لعقود طويلة وذقنا مرارته، ولذلك لا نرضاه لغيرنا ولا يمكنه أن يكون وسيلة بناء. هل يعقل أن يحمل حزب أو جهة ما مشروعا إقصائيا وعندما تسأله ما هو مشروعك يجيبك هو التخلص من هذا الطرف أو إقصاء ذاك؟

أن يوضع التاريخ القديم في سلة واحدة هو حكم غير دقيق وغير موضوعي، ولذلك عارض حزبنا قانون الإقصاء داخل البرلمان، ولو مر يومها لكان من ضمن المقصيين الأستاذ الباجي قائد السبسي رحمه الله .

 

قلنا ان خيمة الدستور تتسع للجميع. ومن آمن بهذا الدستور فهو قد انخرط في الثورة، فمنطقيا يرفض نظريات العنف الثورى ويشرع للسلم الثوري ومن تبعاته الابتعاد عن الإقصاء ..

نعتقد أن هذه المصالحة لم تنجز إلى حد الآن.. ولذلك دعونا إلى مصالحة شاملة تستوعب العدالة الانتقالية وتنصف المظلومين وهدفها مداواة الجراح وتجاوزها من أجل طَي صفحة الماضي للذهاب بوحدة وطنية إلى بناء المستقبل .

بلادنا تحتاج إلى كل قواها وكفاءاتها، وهذه الكفاءات منها من لا يزال معطلا لغياب المصالحة الشاملة وقد شرعنا في تصور خطة لإنجاز هذا المطلب.

ولكن جائحة كورونا غيرت من الأولويات وسيظل المطلب قائما لأنه من الأولويات الوطنية ومن الواجبات الدينية .ففي ديننا ما يؤكد هذا التوجه ويدعمه، إذ العفو والصفح والتجاوز كلها قيم متأصلة في ديننا وتاريخنا ..

الثورة لم تحقق أهدافها الاجتماعية والاقتصادية

س ـ تواجه تونس صعوبات اقتصادية واجتماعية توشك أن تزداد حدة وخطورة بعد أزمة كورونا، كيف ستتعاملون مع هذه المستجدات؟

ـ حققت تونس نجاحات سياسية كبيرة وهي واضحة في تثبيت قيم الديمقراطية ولكنها لم تنجز نفس المطلوب في الجانب الاقتصادي والاجتماعي وهي مطالب الثورة، فمطلب الشغل ومطلب العدالة الاجتماعية كانا من شعارات الثورة إلى جانب مطلب الحرية، ولذلك اعتبرنا التحدي الأكبر اليوم هو إنجاز القفزة الاقتصادية بإعادة النظر في المنوال التنموي واجتراح مسالك جديدة تستثمر ما لدينا من إمكانيات وتعمل على حسن توظيفها .

الثورة لا تحقق أهدافها مادامت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية لم تتحق داخلها. العالم من حولنا يعيش داخل دولة الرفاه والتي تضمن الضرورات الحياتية وغيرها من الحقوق وأوطاننا لا يزال المواطن داخلها يواجه الفقر والأمية والبطالة، وقد جاءت جائحة كورونا لتكشف عورات في المجالات المختلفة وهي مناسبة لتقييم موضوعي كي نخلص لتجاوز كل النقائص .

 

منفتحون على المعارضة بكل ألوانها.. في سياق القانون وحكومة الفخفاخ أمام امتحان كبير

هذا الوضع الجديد لا بد أن يواجه بطرق جديدة، فالوسائل القديمة لم تعد كافية ولذلك نحتاج إلى المصارحة والجرأة الاقتصادية والشجاعة . هناك إصلاحات كبرى لا بد من تحقيقها والمنوال التنموي لا بد من مراجعته.. وهناك عدالة بين الجهات والأفراد لا بد أن تنجز.. واقتصاد تضامني لا بد أن يتحقق.

كل هذه الإصلاحات تحتاج إلى موقف وطنى جامع تتوحد حوله كل الأطراف أحزابا ومنظمات. وتونس قادرة على أان تنجز تحولها الاقتصادي العميق بما يحقق تطلعات أبناء شعبنا .

الديبلوماسية البرلمانية

س ـ هل تنوون توظيف الدبلوماسية البرلمانية وشبكة العلاقات العربية والدولية لدعم الحكومة في الحصول على موارد مالية؟ 

ـ نعم، نحن ندعم هذه الحكومة ونوظف كل ما لدينا من إمكانيات وعلاقات من أجل نجاحها، لأن نجاحها هو نجاح لتونس. وقد قمنا بهذا الجهد في أوقات السلم أي في الأوقات العادية فما أدراك وبلادنا تخوض حربا ضد هذا الوباء القاتل .

نجتهد جميعا في دعم الحكومة حتى تواجه المشكلات المستجدة ونتواصل مع كل أصدقائنا وأشقائنا من أجل تحقيق هذا المطلب مع تقديرنا للصعوبات الكبيرة التي تواجه الجميع فكل الدول تعيش تحدي هذا الفيروس وكلها تواجه التحديات الاقتصادية. ولكن حسن علاقاتنا مع الجميع يساعدنا على مواجهة مجمل التحديات ..