علي عبداللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

 

يتركز الجدل السياسي والاجتماعي في ليبيا منذ أكثر من أسبوعين حول هوية رئيس الحكومة المقبلة،  ورغم أن الموضوع تم طرحه في الأساس مُنذ جلسات أو مفاوضات النزل الغابي في العاصمة الهولندية (أمستردام) في بداية أوت/أغسطس 2018 ولكنه ذلك الجدل تعمق وكثُر منذ انطلاق الحوار الليبي في تونس عبر تقنية الفيديو في 26 أكتوبر الماضي قبل أن يشتد أكثر بالتوازي مع بداية ملتقى الحوار الليبي رسميا بداية الأسبوع الحالي في ضاحية قمرت، وكانت لقاءات بين وفود ولجان ليبية ممثلة لطرفي الصراع قد خاضت حوارات حول الشروط الخاصة بأهم المناصب السيادية في أكثر من مناسبة في أكثر من عاصمة عربية وغربية، ولعل الاهتمام بكل ذلك يعود الى أن رئيس الحكومة المقبل سيتمّ منحه صلاحيات واسعة خلال المرحلة الانتقالية الأخيرة، واليوم وفي ظل مخرجات ملتقي الحوار الذي انطلقت أشغاله بداية الأسبوع الحالي (الاثنين 09 نوفمبر) للبحث عن إيجاد حلول عملية لتوحيد المؤسسات السيادية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، وفي ظل تسريبات عدة عبر تداول أسماء مرشحة، ما هي عمليا الخيارات الرئيسية التي سترتكز عليها عملية اختيار رئيس الحكومة القادم، وما هي أهم الشخصيات المرشحة للمنصب الأهم؟

 

*** حول خيارات اختيار رئيس الحكومة القادم

طُرح قبل لقاءات “بوزنيقة” الثلاث  وبعدها خيار تغيير جزئي للسلطة التنفيذية أو تغييرها بالكامل عبر إعادة هيكلة مُؤسسات السلطة التنفيذية حيث ناقش مجلسا “النواب” و”الأعلى للدولة” في أكثر من مرة أسس تغيير السلطة التنفيذية أي المجلس الرئاسي ومن ثم الحكومة وتركيبتها وصلاحياتها، وتم وضع أسس لتلك التغييرات ومناقشة أسماء بعينها لذلك وقد تم ذلك حتى قبل اجراء السراج تغيير على حكومته في نهاية أكتوبر 2018، الا انه وبناء على تغيرات المشهد السياسي الليبي بعد فشل “حفتر” في مراميه بين 04-04-2019 و01-06-2020 وما ترتب على ذلك من ماراتون اللقاءات الدولية في عواصم عربية ودولية وتم تأبيد شبه كامل لوقف اطلاق النار، كما تم طرح سيناريوهات أخرى بديلة وعمليا ستنبني عملية إعادة هيكلة السلطة التنفيذية على بقاء المجلسين التشريعين (النواب – الأعلى للدولة) ومجلس رئاسي بتركيبة ثلاثية إضافة الى إعطاء دور للجنة الحوار، ومن ثم تعيين رئيس حكومة وفقا للمحددات التالية:

  • شخصية توافقية في الداخل الليبي من حيث قبولها من اغلب المكونات الاجتماعية والسياسية والمدن الكبرى، ومُؤمنا بالدولة المدنية والديمقراطية وأن يكون محسوب عمليا على تيار “فبراير”…
  • شخصية تحضى بدعم المؤسسات الدولية وعلى رأسها المُنتظم الأممي والمؤسسات الدولية الكبرى ومن بينها مؤسسات النقد إضافة الى ضرورة توفر رضا أهم الفاعلين الدوليين والإقليميين (المحورين “القطري – التركي” و”الاماراتي المصري السعودي”) والجزائر والمغرب ودول الجوار…
  • الأقرب أن يكون مقبول عمليا من أعيان العاصمة طرابلس وأيضا من أهم الفاعلين السياسيين والاجتماعيين في مدينتي الزاوية ومصراتة ومن طرف أعيان طرابلس وطبعا إن كان المنصب أقر في ملتقى الحوار أن يكون من المنطقة الغربية وهو أمر منتظر واقعيا…
  • لو أقر ملتقى الحوار الليبي أن يكون رئيس الحكومة المقبل من الشرق الليبي، فانه عمليا لابد أن يكون مقبولا من أنصار الكرام وفي حد أدنى غير معترض عليه من طرفهم وأن يكون مدعوم أيضا من قبائل الشرق ومن مصر (من المؤسسة العسكرية بالذات)…
  • أما إذا كان من الجنوب فان الغالب أن يكون مدعوم فرنسيا ويحضى أيضا بقبول عائلة “سيف النصر” وحلفائهم الاجتماعيين…

 

*** خيار أول، رئيس حكومة من المنطقة الغربية

 

  • “فتحي علي باشاغا”هو وزير الداخلية الحالي في حكومة الوفاق، ويعد أحد أبرز المرشحين ولديه دعم دولي وإقليمي كبير (عمليا لن تعترض عليه أي دول بما في ذلك الامارات والسعودية ومصر وفرنسا ولا حتى بقية حلفاء تلك الدول)، وهو مدعوم من كل الأطراف السياسية والاجتماعية المحلية ومعلوم أنه قد مدعوم من طرف حزب “العدالة والبناء” (بقيادة “محمد صوان”)، والرجل أصيل مدينة مصراتة ( بل هو من “أولاد الشيخ” تحديدا)، وكان من أبرز القيادات الرئيسية لثوار فبراير، وهو طيار سابق ثم رجل اعمال ورئيسا مديرا عاما لعدد من الشركات الخاصة…

 

  • “أحمد عمر معيتيق”: وهو نائب رئيس المجلس الرئاسي الحالي، والذي نجح سابقا في اعادة تقديم نفسه كرجل اقتصاد ومالي محترف، وقد كان له دور في إيقاف تقدم قوات بركان الغضب تجاه مدينة سرت والجفرة ضمن مشاورات مع الجانب الروسي والمصري والتركي، وهو مدعوم من أطراف دولية عديدة حيث يُعتبر ممثلا للشركات العالمية وبعض المؤسسات النقدية الدولية، كما لن يعترض عليه أنصار حفتر وحلفائه وخاصة الروس والمصريين كما ان علاقاته قوية مع الاتراك في أكثر من مناسبة…

 

  • “عبد الحميد الدبيبة”: وهو من رجال الأعمال البارزين في ليبيا، وهو حاليا رئيس مجلس إدارة “الشركة الليبية للتنمية والاستثمار القابضة” (المعروفة باسم “لدكو”)، وهو سياسيا مؤسس ورئيس “تيار ليبيا المستقبل”، ويحضي بدعم محلي ولكنه محدود، وله علاقات ممتدة في عدد من الدول على غرار إيطاليا والجزائر وروسيا وتركيا، وفي صورة اختياره لن تعترض عليه أيضا أغلب مكونات تيار “السبتمبريين” (أي أنصار القذافي)…

 

  • “حافظ قدور”: وهو يشغل حاليا سفير حكومة الوفاق لدى الاتحاد الأوروبي وشغل سابقا سفير لدى ايطاليا ويمتلك علاقات واسعة خارجية نتيجة ولائه السابق والقوي للنظام الليبي السابق وتقربه من “القذافي”، وهو ما مكنه من تقديم نفسه كرجل سياسي ومبعوث في مهمات خاصة ويمتلك علاقات خاصة مع أطراف إيطالية وخاصة على صعيد التجارة وغيرها من الأنشطة الأخرى…

 

  • “عثمان عبد الجليل”: وهو وزير التعليم السابق في حكومة الوفاق واستقال منها في أكتوبر 2019، وترأس لاحقا لجنة الأزمة في معركة طرابلس، ويحظى بدعم بعض مكونات المنطقة الغربية (خاصة مدينته الزنتان وعلى رأسهم اسامة جويلي)، لكن حظوظه ضعيفة في ان يكون على هرم الحكومة المقبلة رغم وجود دعم سياسي واجتماعي له من قبل العديد من الأطراف المحلية…

 

  • “فُضيل الأمين”، من أبرز المعارضين لنظام القذافي عمل وأقام في أمريكا منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، وترأس اللجنة التحضيرية للحوار السياسي في 2014 وهو أول من اقترح اسم “فائز السراج” في حوار الصخيرات، وعمليا التأييد الاجتماعي والمحلي له نسبي ولكنه كبير دوليا خاصة وأنه يترأس الفريق السياسي في خلية تفكير بالمركز الحوار الإنساني، وعلى عكس ما يعتقد البعض فان حظوظه كبيرة وليس ضعيفة…

 

  • شخصيات أخرى من الغرب الليبي، شخصيات عدة أخرى مطروحة على غرار كل من “محمد المنتصر” (رجل أعمال ومن مدينة مصراتة، وهو أيضا يحضى بدعم من بعض مكونات سياسية واجتماعية وأطراف إقليمية وأساسا دول مغاربية)، و”عبد الرحيم المنتصر” (شخصية إدارية وتكنوقراطية وان كان يُحضى بدعم السبتمبريين أكثر من غيرهم)، و”ضو بالضاوية” (شخصية مُعتبرة إداريا وثقافيا أصيل طرابلس وهو من قبيلة “ورشفانة” ويحضى بدعم اطراف من السبتمبريين ومن ومن الفبراريين أيضا، وقد رُشح أكثر من مرة لعدد من الحقائب الهامة بما فيها رئاسة الحكومة وخاصة سنة2015)، و”أسامة كعبار” (أحد أبرز وجوه التيار الإسلامي التي عرضت القذافي، مقيم في قطر، وهو صاحب خبرة إدارية ومهنية كبيرة)…

 

  • خيارات وسيناريوهات أخرى تخص شخصيات من المنطقة الغربية:  

** سيناريو ترك السراج رئاسة المجلس الرئاسي وترأسه للحكومة، وهو أيضا خيار غير وارد ولكنه غير مستبعد، وتأتي خلفية ضعف حدوثه العملي نتاج أخطاء كارثية قام بها السراج حيث لم يعد هناك أي مجال للتوافق على شخصه لرئاسة الحكومة بالذات…

** سيناريو تعيين شخصية من داخل المجلس الرئاسي الحالي، وهو خيار وارد بشكل جد نسبي ولكنه ضعيف، وتبقى امكانيته الواقعية مرتبطة بعوامل عدة وبناء على ثبوت حصر تركيبة الرئاسي الى ثلاثية فيتم اختيار أحد شخصيات الرئاسي المغادرة مثلا….

** سيناريوهات أخرى، وهي سيناريوهات تتركز أساسا وفقا لنتاج نجاح أو فشل الحوار وتتمثل في عملية الإبقاء على السراج او ما يعرف بسيناريو التطعيم فيتم اختيار شخصية قوية وذات حضور اجتماعي أو تكنوقراطية من خارج الأسماء المذكورة أعلاه وقد تم في فترة ماء تحديد حوالي 22 اسما يتم من خلالها اختيار الاسم…    

 

*** خيار أن يكون رئيس الحكومة من المنطقة الشرقية

  • محمد حسن البرغثي:وهو السفير الليبي الحالي في الأردن، وهو شخصية اعتبارية تحضى بالقبول وخاصة في الجهة الشرقية وكان صديقا للملك حسين، وله علاقات ممتدة دوليا وإقليميا وقد تم اقتراح اسمه لعضوية الرئاسي في صورة تغيير تركيبته…

 

  • محمد معين الكيخيا: وهو شخصية جدلية مقربة من “الأنقليز” والأمريكيين وفقا لما يقوله هو شخصيا للمقربين منه، وهو أقرب سياسيا لدول المحور المصري/الاماراتي/السعودي، وقد دفع “الكيخيا” بمبادرة سياسية في صائفة 2019 من مقر اقامته شبه الدائمة في العاصمة الأردنية، وعمليا ستكون له الأولوية القصوى في صورة بقاء السراج في رئاسة الرئاسي…

 

  • شخصيات أخرى: راجت أسماء عدة على غرار “جاد الله عزوز الطلحي”(رئيس وزراء سابق) و”سالم الحاسي”(الرئيس السابق لجهاز المخابرات العامة الليبية) و”مصطفى دلاف البرعصي” (عمليا تم اقتراح اسمه لعضوية أو ترأس الرئاسي وليس لرئاسة الحكومة)…

 

 

*** خيار أن يكون رئيس الحكومة من الجنوب الليبي

 

عمليا من الصعب ان يكون هذا الخيار قائما لان هناك أقرب للواقعية ان يحضى شخصية من الجنوب الليبي برئاسة البرلمان على غرار طرح اسم “علي الصغير” لذلك ومن الممكن أيضا ان يكون نائب رئيس الحكومة أيضا من الجنوب وعلى علك من الممكن أن تترأس الحكومة من الجنوب الشخصيات التالية:

  • أسامة عثمان الصيدوهو نجل السياسي ورئيس الوزراء الأسبق في العهد الملكي محمد عثمان الصيد، وهو شخصية مالية قبل ان يكون سياسيا، شارك الصيد أصيل الجنوب، في حراك ثوار العاصمة سنة 2011، وهو يحضى بعلاقات دولية واسعة مع المغرب وبريطانيا وتركيا وإيطاليا ويقيم بين المغرب وتركيا وطرابلس العاصمة والجنوب، وله شبكات علاقات واسعة مع المؤسسات المالية والنقدية، وله مؤسسات تجارية واستشارية، وهو شخصية مرنة من حيث الحوار وتقبل الآخر، وقد تم طرح اسمه منذ 2013 وتم إعادة طرحه بعد امضاء اتفاق الصخيرات أواخر سنة 2015، كما تم طرح اسمه أيضا في مفاوضات أمستردام في أغسطس/أوت 2018 الى جانب آخرين، وقد أكدت صفحات ومواقع ومصادر إخبارية أن غسان سلامة و”ستيفاني وليامز” قد التقياه في أكثر من مناسبة…

 

  • شخصيات أخرى من الجنوب: على غرار “علي الصغير“، و”عبد المجيد سيف النصر” أو “عبد الرحمان شلغم” (وزير “القذافي” الأسبق في الخارجية)، مثقف عضوي وشخصية مهمة جدا)، وعمليا هؤلاء مرشحين لعضوية الرئاسي مثلهم مثل رئيس الوزراء الأسبق “علي زيدان” وآخرين مثله….

 

*** لكن هل تتم المفاجأة ويتم اختيار شخصية أخرى غير معروفة؟

الثابت أنه في المراحل الانتقالية في كل دولة تعيش الازمات والصراعات وخاصة المسلحة، عادة ما تظهر على السطح أسماء شخصيات لم تكن معروفة لدى الراي العام، وهو امر وارد في ليبيا خلال المرحلة المقبلة، ذلك أن بعض الشخصيات الليبية اختارت خلال المرحلة الماضية الغياب نتاج منطق التجاذب وابتعادا عن الاحتراق او الاصطفاف، ومن بين تلك الشخصيات من كان قياديا في أحزاب المعارضة للقذافي طوال عقود، والبعض الاخر شخصيات اقتصادية ليبية معروفة في المؤسسات الدولية أو في الأوبك او في غيرها على غرار بعض الجامعيين، إضافة الى شخصيات عملت في الإدارة الليبية في عهد القذافي ولم ترتبط اسماؤهم بجرائم النظام أو سياساته، وعمليا لم يتوقع أي كان اسم فائز السراج فهل يأتي فعلا السراج2 أم أن الامر شبه محسوم لــــ”باشاغا” أو “الكيخيا” أو غيرهما ممن ذكرنا أعلاه…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *