يتابع عدد من صناع القرار الاقتصادي والسياسي وطنيا ودوليا استفحال الأزمات وتعقدها في كل القطاعات، في وقت تزايد فيه الخلط بين ” مظاهر الأزمة ” و أسبابها و انعكاساتها..بين خيار الانخراط في الثورات الإعلامية والمعلوماتية والتكنولوجية العالمية و”سياسة النعامة” ..التي تعودت على أن تغمس رأسها في التراب ..

ورغم تعاقب المحطات الانتخابية تجهض بعض ” المافيات ” مشاريع الإصلاح  وأحلام غالبية ساحقة من أبناء الطبقات الشعبية والوسطى ونخبة من رجال الأعمال الوطنيين في انجاز التغيير المنشود ..

وإذا كان الجميع ينسب إلى نفسه النجاح فالكل يتبرأ من الإخفاق وفشل السياسات ويتهم الأطراف المقابلة بالتسبب فيها: النقابات وبعض الأحزاب ” الثورية ” تتهم رأس المال الفاسد ومافيات التهريب والتهرب من الضرائب ورجال الأعمال ، في المقابل فإن بعض السياسيين والمستثمرين يفسرون الازمات والفشل ب” غياب مناخ ملائم للاستثمار ” وب” تضخم عدد الاضرابات والاعتصامات القانونية والفوضوية “..(؟؟)

فهل من مخرج من ” الحلقة المفرغة “..خاصة أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية مرشحة لأن تستفحل وطنيا وعالميا بعد ” وباء كورونا” الذي صعد حربا عالمية مفتوحة بين القوتين الأولى والثانية في العالم أي الولايات المتحدة الأمريكية والصين .

وكانت هذه الحرب الاقتصادية انفجرت بسبب المعركة حول الهيمنة على التقنية الثورية الجديدة لسوق اتصالات  “الجيل الخامس G5” ؟

وقد برز نوع من الاجماع بين الخبراء العالميين حول علاقة “التوتر الجديد ” بين واشنطن وبيكين بارتفاع حدة الخلافات التجارية بين الولايات المتحدة والصين بسبب صراع قادة أكبر اقتصادين في العالم للسيطرة على سوق اتصالات «الجيل الخامس» 5G.

ووصفت هذه التقنية الجديدة ب” الثورة الجديدة” ، واعتبرت بيكين أنها ستشكل ” العمود الفقري لاستراتيجية «صنع في الصين 2025»، التي ستجعل من الصين «قوة تقنية عظمى»، فيما تعتبر الادارة الامريكية وبعض مؤسسات الاعلام والاتصال  وتكنولوجيا المعلومات والتجارة الالكترونية أن  ” الإستراتيجية التجارية الاتصالية الصينية ” أصبحت تشكل “تهديداً مباشراً لأمنها القومي ” وتوشك أن تضع حدا لهيمنة مؤسسات التكنولوجيا الامريكية العملاقة على أسواق الاتصالات الامريكية والاوربية والعالمية .

ولا تبدو الولايات المتحدة مستعدة لتقديم تضحيات إلى مؤسسات تكنولوجيا الاعلام والاتصال والاتصالات الصينية ، لأن ذلك سوف يعني بكل بساطة وضع لاحتكار المؤسسات الامريكية والدولية التابعة لها لهيمنتها و لاحتكاراتها التجارية والمعلوماتية والامنية ..

وقد سبق لليابان وألمانيا وخصوم سابقون للولايات المتحدة أن نجحوا في تحقيق قفزات نوعية في عالم تكنولوجيا الاعلام والاتصال والاتصالات صناعة وتسويقا ، لكن واشنطن ردت عليهم عبر توسيع شراكاتها مع مؤسسات منافسة أوربية وآسيوية كما أحدتث فروعا متطورة جدا لها في اسرائيل .

وتحرص الادارة الامريكية اليوم على أن تكرس تفوقها وهيمنتها عبر ” سياسات حمائية ” دعما لصناعاتها في قطاعات الاتصالات واللوجيستيك والانترنيت …الخ

كما تحاول أن تحاصر تقدم البحث العلمي والتكنولوجي في قطاعات الاعلام والاتصالات في الصين والهند وأوربا عبر التلويح بفرض عقوبات مع الدول والمؤسسات التي تتعامل مع شركة ” هواوي الصينية ” ومع ” الجيل الخامس الصيني G5“..

وتعتبر الولايات المتحدة أن أوراقا كثيرة تمكنها من المحافظة على هيمنتها على هذه السوق العالمية ..وتسعى إدارة دونالد ترامب وحلفائها إلى توظيف ” وباء كورونا ”  لشن حرب جديدة ضد بيكين وتحميلها مسؤولية ” ترويج الفيروس الصيني كوفيد 19″..

أين تونس والدول العربية والاسلامية والافريقية من هذا الصراع ؟

وهل سمع ساستها بعمق المتغييرات الجيو استراتيجية والدولية في عالم تكنولوجيا الاعلام والمعلومات والاتصالات وبالحرب التي انطلقت بسببها بين الولايات المتحدة والصين وشركائهما ؟

هل أدرك هؤلاء الساسة بمختلف مواقعهم أن ” العولمة ” لم تعد مجرد مواكبة لاتفاقية منظمة التجارة العالمية  OMCالتي تأسست في مراكش المغربية في جانفي 1995 التي فتحت عهد ما بعد الاتفاقية العامة للتعريفة والتجارة ” قات ” GAT  والاتفاقيات المماثلة التي كرست تحرير المبادلات التجارية الدولية وحاربت ” السياسات الحمائية” ..؟

في كل الحالات على صناع القرار الاقتصادي والسياسي في بلداننا وفي العالم أجمع أن يعدلوا ساعاتهم وأن يستعدوا للمرحلة الجديدة من تاريخ البشرية التي ستكون فيها الحروب أساسا اعلامية اتصالية وتكنولوجية ..بما في ذلك في قطاعات التجارة والخدمات والأمن والدفاع ..

لقد فضحت الازمة الاقتصادية لعامي 2008و 2009 ثغرات في المنظومة الاقتصادية الأمريكية والعالمية التي ضخمت دور ” قطاع الخدمات ” و” التجارة الالكترونية الافتراضية ” ، لكن الحرب القادمة سيكسبه من ينتصر في معركة التحكم في البحث العلمي وتطوير التجارة في سوق تكنولوجيا الاعلام والاتصالات ..

ومن مصلحة الدول العظمى ، بما فيها الولايات المتحدة ومجموعة ال20 دولة الأغنى في العالم ، أن تستبق الحرب القادمة باعتماد سياسات ” متعددة الاطراف ” في التحكم في سباق تكنولوجيا الاتصال والاتصالات ..

وعسى أن ينفتح ساسة البلاد على الخبراء المؤهلين لدعم  الجهود الوطنية والإقليمية والدولية ردم الهوّة بين الدول المتقدمة و” النامية ” في هذا المجال ..

البلاد  والمنطقة يزخران بالمهندسين وخبراء الدراسات الاستراتيجية و المتغيرات الجيو استراتيجية  فانفتحوا عليهم ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *