• تنتسب الى بوقيبة وتعارض بحدة ” الإسلام السياسي”

تونس . كمال بن يونس
عندما وقفت المحامية الشابة عبير موسي مطلع شهر مارس 2011 أمام محكمة نظرت في قضية حل حزب الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، التجمع الدستوري الديمقراطي ، لم يتوقع أحد أن تزداد شعبيتها مع الأعوام باعتبارها ” تقديرا لوفائها لحزبها ولرئيس النظام المنهار” في وقت تبرأ فيه أغلب كبار المسؤولين السابقين منهما .
تعرضت موسي إلى حملة إعلامية غير مسبوقة وتوقع أغلب المراقبين ” موتها سياسيا ” . واتهمها بعض زملائها المحامين اليساريين والإسلاميين أمام المحاكم بالاعتداء عليهم بالعنف المادي عبر ” الغاز المخدر” ، وبالدفاع على ” منظومة الفساد والاستبداد التي ثار ضدها الشعب ” أواخر 2010 ومطلع 2011.
ولم يتوقع أحد وقتها أن تصبح محامية وسياسية من الصف الثاني ” زعيمة بارزة للمعارضة ” عام 2020 ، رغم فوزها ب4 بالمائة و135 ألف صوتا فقط من أصوات الناخبين في الدور الأول للانتخابات الرئاسية التي نظمت يوم 15 سبتمبر 2019 .
فما الذي تغير حتى تخترق هذه السياسية المخضرمة المشهد السياسي والبرلماني وتصبح ” العدو الأول” لرفاقها القدامى ثم لحزب النهضة و” تيار الإسلام السياسي وحلفائه اليساريين والليبيراليين ” وللرئيسين قيس سعيد والياس الفخفاخ اللذين رفضت مرارا دعوات وجهاها لها للحوار معها في قصري الرئاسة ؟

آخر أمين عام للحزب الحاكم في عهد بن علي الوزير محمد الغرياني قلل في تصريح للشرق الأوسط من ” زعامة ” عبير موسي ومن رصيدها السياسي، وأورد أنها ” لم تكن أبدا عضوا في القيادة المركزية للحزب الحاكم ” ، بل عينت في يناير 2009 موظفة برتبة “أمينة قارة ” ، أي مساعدة للأمين العام مكلفة بشؤون المرأة، بعد تجربة سياسية وحزبية قصيرة “في الصف الثاني لخلية المحامين ” المنتمين للحزب ، وتجربة إدارية ” متواضعة ” في إحدى بلديات أحياء العاصمة تونس وفي جمعية نسائية كانت تدعم بقوة ليلى الطرابلسي حرم الرئيس الراحل بن علي.
انتقادات ..وكاريزماتية
كما صدرت تصريحات عنيفة ضد عبير موسي عن قياديين سابقين في الدولة والحزب الحاكم، بينهم وزير الخارجية والدفاع الأسبق وزعيم حزب المبادرة الدستورية كمال مرجان والرئيس السابق الباجي قائد السبسي و المقربين منه في حزب ” نداء تونس ” .
لكن موسي تحدت على كل “القيادات التاريخية لحزب بورقيبة وين علي” وكل رؤسائها السابقين ” واتهمتهم ب” التخاذل ” وب ” التواطؤ مع ” الإخوان ” و”الانقلابيين” في يناير2011 بدعم من دول غربية وعربية ” .
كما رفضت دعوات وجهها لها الباجي قائد السبسي كي تلتحق مع أنصارها بحزبه قائلة :” لن أترك بيتي وأذهب إلى بيت الجيران “.
تصريحات عبير موسي التي وصفها أغلب السياسيين والإعلاميين طوال أعوام بال ” استفزازية ” ، تراكمت ثم روجت في المواقع الاجتماعية وساهمت في ” التسويق لشخصية كاريزماتية قيادية جديدة” ولسياسية فتحت معارك مع ” الكبار” فنجحت في مشاكسة كل خصومها ومعارضيها داخل الحزب الحاكم قبل 2011 ومعارضيه السابقين وخاصة قيادات حزب النهضة و”الإخوان ” و” المتخاذلين ” الليبيراليين واليساريين المتحالفين معهم..
البديل ” الوحيد” ؟
وبعد أن كشفت انتخابات أكتوبر الماضي اختلال التوازن داخل المشهد السياسي والحزبي في تونس لصالح التيارات الليبيرالية والاسلامية المحافظة وهزيمة مرشحي ” العلمانيين ” و” الحداثيين ” ، بدأت أطراف سياسية وإعلامية وجمعيات نسائية كثيرة تقترب من عبير موسي وتعتبرها “زعيمة صاعدة ” و” البديل الوحيد عن ” الاخوان ” وأحزاب الإسلام السياسي وحلفائهم “، حسب تقدير الباحث في علماء الاجتماع والإعلامي المنذر بالضيافي في تصريح للشرق الأوسط .
ورجح الباحثان في علم الاجتماع السياسي نور الدين العلوي والحبيب بوعجيلة في تصريحين للشرق الأوسط
” دعم لوبيات محلية ودولية لعبير موسي لأنها معادية للثورات العربية ولمسار الانتقالي الديمقراطي في تونس . لذلك تقرر تضخيم دورها ودفعها إلى الواجهة كي تتزعم المعارضة .”
في المقابل التحق بمساندي موسي في معاركها في البرلمان مع قيادات حزب النهضة والكتل البرلمانية المتحالفة معها بعض مشاهير الجامعيين والإعلاميين اليساريين و الليبيراليين مثل سلوى الشرفي مديرة معهد الصحافة والإعلام السابقة والشاعرة الليبيرالية آمال مختار و الكاتب والمدير العام للإذاعة والتلفزة الوطنية سابقا عبد العزيز قاسم واستاذ الفلسفة والكاتب حمادي بن جاء بالله.
وفي نفس السياق اعتبر القيادي السابق في نقابات الصناعيين والتجار والسياسي المخضرم المنصف البركوس في تصريح للشرق الأوسط أن ” عبير موسي نجحت في أن تصبح زعيمة سياسية وطنية بعد وفاة الباجي قائد السبسي وانهيار حزبه وفشل تلامذته في خلافته ، بمن فيهم رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد ووزير الدفاع السابق عبد الكريم الزبيدي والوزير السابق محسن مرزوق والوزير المستشار السابق ناجي جلول..”.
واعتبر المنصف بركوس أن “أنصار عبير موسي اليوم تزايدوا وأن عددهم أصبح أكبر بكثير من ” أقلية تعلن وفاءها لسياسات الزعيم الحبيب بورقيبة والرئيس زين العابدين بن علي ما بين 1956 و2010 “.
” ظاهرة صوتية”
في المقابل تبدو المحامية والسياسية المخضرمة بالنسبة لكثير من الإعلاميين والسياسيين التونسيين ” ظاهرة صوتية ” و” سياسية مشبوهة” تؤدي دورا وظيفيا لصالح دول معادية للانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي والاقتصادي في تونس ، على حد تعبير عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري المعارض والناشط الحقوقي البارز قبل 2011.
الشابي وجه في بيان رسمي باسم حزبه مؤخرا انتقادات حادة لعبير موسي وشكك في وطنيتها وقلل من جدية الحديث عن دور سياسي وطني يمكن أن تلعبه على رأس المعارضة واستدل بكون غالبية القياديين في حزبها ” شخصيات نكرة ” ما عدا عضو البرلمان سابقا ثامر سعد.
وأورد الشابي في تصريح للشرق الأوسط أن ” أطرافا تخوض حربا دولية بالوكالة في ليبيا ، بهدف اغتصاب ثرواتها ، نفخت في صورة عبير موسي ودعمت تصريحاتها الاستفزازية للتشويش على الضربات التي مني بها الانقلابيون والمرتزقة وأعداء الانتقال الديمقراطي والتسوية السياسية للأزمة الليبية “.
في نفس السياق قلل المثقف اليساري والمستشار السابق في الرئاسة التونسية ناجي جلول في تصريح للشرق الاوسط من فرص نجاح تزعم عبير موسي للمعارضة التونسية ، واعتبر أن ” نتائجها في الانتخابات البلدية والرئاسية والبرلمانية الماضية تؤكد أن حجمها سيتراوح في أي انتخابات جديدة بين 4 و10 بالمائة ، لأن الشباب والجيل الجديد من الجنسين لا يبالون كثيرا بالمعارك السياسية الإيديولوجية الموروثة بين بورقيبة وبن علي وقيادات الإخوان المسلمين واليسار الماركسي..
ألغاز..وتساؤلات
وفي الوقت الذي يثير فيه كثير من المراقبين السياسيين والإعلاميين في وسائل الإعلام نقاط استفهام حول ” الجهات التي تقف وراء عبير موسي ” محليا واقليميا ودوليا ، يلاحظ أنها بدأت تكسب فعلا مساندة مالية وإعلامية وسياسية من بعض رجال الأعمال وعدة أوساط مؤثرة في صنع القرار الوطني ، بدءا من سفراء الدول الغربية والعربية الذين تعاقبوا على زيارة مكتبها والحوار معها.
كما استفادت عبير موسي من انتمائها إلى الساحل التونسي موطن الرئيسين السابقين بورقيبة وبن علي وإلى عائلة ضباط في الأمن ، فوالدها أمني سابق وزوجها عقيد في وزارة الداخلية حاليا .
وساهم إعلان وزارة الداخلية مؤخرا عن إدراج ” تنظيمات إرهابية” اسم عبير موسي ضمن قائمة السياسيين المرشحين للاغتيال في زيادة شعبيتها .
وقد تعاقبت بالمناسبة بيانات التضامن مع عبير موسي مع التحذير من سيناريو دفع البلاد نحو مسلسل من الاغتيالات السياسية على غرار ما حصل في 2013.
وانخرط في اصدار مثل هذه البيانات رئيس البرلمان راشد الغنوشي ورؤساء الأحزاب المشاركة في الحكم ومسؤولون كبار في الدولة وفي الحزب الحاكم قبل يناير 2011 مثل الوزراء البشير التكاري وأحمدعياض الودرني و الصادق شعبان .
إذن فقد تغير المناخ السياسي لصالح عبير موسى تدريجيا داخل الطبقة السياسية الحاكمة السابقة . ولم تعد ” معزولة” مثلما كان عليه وضعها مطلع 2011 عندما انسحب أغلب رموز الدولة والحزب الحاكم السابق من المشهد السياسي ، واتهموها ب” المراهقة السياسية ” عندما قررت أن تقف “ضد التيار”وأن تخوض صراعا مع ” الثوريين ” وترافع وهي محامية في ال35 من عمرها أمام المحاكم ضد “الحكام الجدد الذين انقلبوا على حكم بن علي ” وضد من تحالف معهم من رموز النظام السابق بزعامة الرئيسين الباجي قائد السبسي وفؤاد المبزع ورئيس الحكومة الانتقالية الاولى محمد الغنوشي.
عاد تيار من “الطبقة السياسية الحاكمة السابقة ” لدعم عبير موسي بعد سنوات من تجاهلها واحتقارها والتشكيك في نجاعة تحركاتها ضد من وصفتهم ب” الانقلابيين ” وشككت في ” ثوريتهم ” ووطنيتهم ، بما في ذلك القيادات السابقة للمعارضة التي فازت أحزابها في انتخابات أكتوبر2011 بزعامة المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر وراشد الغنوشي وأحمد نجيب الشابي وغيره من قيادات اليسار الماركسي والقومي .
الإنصاف والمصالحة الوطنية
لكن المسار السياسي لعبير موسي ماضيا وحاضرا ومستقبلا يبدو رهين أوراق عديدة تتجاوز معاركها مع ” الانقلابيين ” و “الإخوان ” و” الثورجيين ” ، من بينها سيناريوهات تطور مسار العدالة الانتقالية والإنصاف والمصالحة الوطنية .
فقد أصبحت عبير موسي منذ أعوام تتصدر قائمة الشخصيات الذين انتقدت بحدّه الزعيمة الحقوقية اليسارية سهام بن سدرين رئيسة” هيئة الحقيقة والكرامة ” التي كلفت بالتحقيق في ملفات العدالة الانتقالية والإنصاف والمصالحة مابين 2014 و2019.
كما ينتقد مسؤولون سابقون في حزب قائد السبسي ، مثل رجل الأعمال عبد الرؤوف الخماسي والوزير الاسبق عبد العزيز العاشوري السياسية عبير موسي ، ويتهمونها بتعطيل مسار المصالحة بين رموز الدولة ورجال الأعمال قبل ثورة 2011 وبعدها ، وهو ما أدى في نظرهم إلى تمديد مسلسل المحاكمات بينهم.
وقد تسبب مسار المصالحة ، الذي تبناه البرلمان السابق وزعيما الحزبين الكبيرين الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي، في إعادة إحالة مئات من الوزراء وكبار الموظفين في الدولة على المحاكم التي كلفتها هيئة ” الإنصاف والمصالحة ” بزعامة سهام بن سدرين بإعادة محاكمة ” كل رموز النظام السابق” بتهم التعذيب والفساد المالي والسياسي .
لكن موسي تتمادى في معارضتها لكل أشكال المصالحة مع
من تصفهم ب” الإخوان والسياسيين المتخاذلين المتحالفين معهم”. وتستدل على ما تعتبره نجاحا في سياستها أن القضاء ألغى قبل عام ونصف حكما بسجنها لمدة 6 أشهر بعد شكوى ضدها وجهها إليها المحامي نبيل بدشيش ، اتهمها فيها بالاعتداء عليه ب”غاز يشل الحركة”، خلال جلسة في المحكمة أسفرت عن حل حزب زين العابدين بن علي في مارس 2011.
وخاضت موسي معركة مع نقابة المحامين والمنظمات الحقوقية واتهمتها بتلفيق التهم إليها ، مشيرة الى أن الهدف من وراء محاكمتها محاولة إرباكها سياسيا.
لكن هل تكفي المعارك السياسية “ضد الآخر” وحدها لتصنع من عبير موسي زعيمة فعلية لكل معارضي حكومة الياس الفخفاخ والرئيس قيس سعيد وقيادات النهضة أم يصبح مفعول تلك المعارك عكسيا في مرحلة تستفحل فيها معاناة الشباب من البطالة والتهميش التي قد تزداد تعقيها بسبب معضلات البلاد الاقتصادية والاجتماعية بعد أزمة كورونا؟
الرد قد يأتي قريبا من الشارع ضد أغلب السياسيين في الحكم وفي المعارضة بمن فيهم عبير موسي ورفاقها ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *