من المقرر أن تُجرى الانتخابات الرئاسية في الجزائر الخميس الموافق 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وهو الأمر الذي لا يلقى موافقة جزء لا بأس به من الحراك الشعبي الذي انطلق منذ بداية عام 2019، حيث يطالب الحراك باستبعاد كافة المسؤولين في عهد “بوتفليقة” وكذلك ممثلي كافة المؤسسات التي ساندت بيئة الفساد السياسي والاقتصادي خلال الفترة الماضية، قبل إجراء أية انتخابات هناك.

وإذا أُجريت الانتخابات الرئاسية في الوقت المحدد لها بين خمسة مرشحين، فإن من سيفوز فيها بمنصب الرئيس القادم ينتظر أجندة متخمة على الصعيد الاقتصادي، لتلبي الطموح العالي للحراك الشعبي بالشارع، وكذلك انتشال الاقتصاد من معضلاته المزمنة.

ويلاحظ أن حكومة “بوتفليقة” ونظامه كانوا بصدد تحقيق استجابة كاملة لبرنامج مع صندوق النقد الدولي، بسبب التداعيات السلبية التي ترتبت على أزمة انهيار أسعار النفط التي حلت مع منتصف 2014، ولازالت تداعياتها قائمة، بتأثيراتها السلبية على اقتصاد الجزائر، باعتبارها دولة نفطية.

 تحدي الهوية الاقتصادية

لايزال الاقتصاد الجزائري يسيطر عليه القطاع العام بشكل كبير، وتديره الحكومة، في وقت انتقلت معظم دول العالم إلى ما يسمى اقتصاد السوق، وهو ما يسمح للقطاع الخاص بمساحة أكبر في قيادة النشاط الاقتصادي، على حساب تراجع الدور الحكومي.

والتحدي هنا، أن معظم التجارب بالدول النامية، ومن بينها الدول العربية، خاضت تجارب سيئة في هذا المضمار، فلم تكن هناك فترة انتقالية كافية لتأهيل القطاع الخاص الوطني، من حيث القدرات التمويلية واستيعاب النواحي الفنية، ولم يتم توجيه القطاع الخاص لأجندة تنمية وطنية.

فالحاصل أن التجارب أفضت إلى تركيز القطاع الخاص على الربح السريع، فتركزت أنشطته على التجارة والاعتماد على الاستيراد، وتوقفت حركة التصنيع، ولم يتم تطويرها، وكذلك التكنولوجيا لم يتم توطينها أو تطويرها.

وبالتالي أصبحت هذه الاقتصاديات مجرد أسواق لمنتجات الدول المتقدمة والصاعدة على السواء، وهو ما يخشى أن تجنيه التجربة في الجزائر، وبالتالي فالتحدي هو أن يحمل الرئيس الجديد اقتصاد بلاده إلى تجربة ناجحة إلى اقتصاد السوق، تعظم فيها التنمية، وتبنى فيها التكنولوجيا الوطنية، ويساهم القطاع الخاص بجهود إنتاجية حقيقية بعيدًا عن الأنشطة الريعية.

 الخصخصة ومكافحة الفساد

بلا شك سيكون على أجندة الرئيس الدخول في برنامج للإصلاح الاقتصادي بتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يؤدي إلى تبني الأجندة المعروفة من خصخصة القطاع العام وتحرير التجارة وتخفيض سعر صرف العملة المحلية، وتخفيض العمالة الحكومية، وغير ذلك.

وإذا كان ولابد، فمن واجب الرئيس أن يتحسب لعمليات الفساد التي تتم في برامج الخصخصة، حيث يتم تقويم الأصول الرأسمالية للقطاع العام بأقل من قيمتها، أو وجود سماسرة محليين يشترون المنشآت العامة المطروحة للخصخصة ويمتلكونها لفترة قصيرة، ثم يبيعونها لصالح الأجانب، لتتم السيطرة على السوق في مجالات مهمة وحيوية، ويمارس الأجانب الاحتكار في السوق الجزائري فيما بعد.

ولا تحتاج الجزائر إلى بيان في ممارسات الفساد، فلديها سجل غير جيد على مدار السنوات الماضية حسب نتائج مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، حيث حصلت عام 2018 على 35 درجة من درجات المؤشر البالغة مئة، وترتبها 105 من بين 180 دولة شملها المؤشر على مستوى العالم.

وبشكل عام فدرجة الجزائر على المؤشر أقل من المتوسط العالمي بنحو عشر درجات، حيث إن المتوسط العالمي 45 درجة.

ولعل المحاكمات التي أُعلن عنها مؤخرًا لمحاكمة رموز حكم “بوتفليقة” سواء من رجال الأعمال أو المسؤولين السابقين بالحكومات والمؤسسات الحكومية النافذة تُسفر عن بداية حقيقية لمكافحة الفساد، ويتطلب الأمر وجود قواعد واضحة، ومساحات حقيقية للمؤسسات الرقابية هناك، وتمتعها باستقلالية حقيقية، يكون نتيجتها الشفافية وتبادل المعلومات، سواء للمجتمع الأهلي، أو لباقي المؤسسات المعنية برقابة المال العام، بل والشأن العام كله. 


احتياطيات الجزائر 12.2 مليار برميل بتقديرات 2017 (رويترز)
احتياطيات الجزائر 12.2 مليار برميل بتقديرات 2017 (رويترز)

التنوع الاقتصادي
يصنف الاقتصاد الجزائري على أنه نفطي، لأنه يعتمد على ريع النفط. ووفقًا لبيانات البنك الدولي، بلغ الناتج المحلي الإجمالي هناك 213 مليار دولار عام 2013، ولكن مع انخفاض أسعار النفط، تراجعت قيمة الناتج إلى 160 مليارا عام 2016، ثم تحسنت بعض الشيء عام 2018 فارتفعت قيمة الناتج إلى 180 مليارا، بسبب تحسن نسبي في أسعار النفط بالسوق الدولية، واستقرارها أعلى من ستين دولارا للبرميل منذ عام 2017.

ومما يدلل بشكل كبير على ريعية الاقتصاد الجزائري، والدور الكبير الذي يؤديه القطاع النفطي، أنه مع أزمة انهيار أسعار النفط بالسوق العالمية، انخفضت قيمة احتياطي البلاد من النقد الأجنبي إلى 87.3 مليار دولار عام 2018 بعد أن كانت 201.4 مليار عام 2013.

الجدير بالذكر أن احتياطيات الجزائر من النفط تبلغ 12.2 مليار برميل نهاية 2017، وفق بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2018، كما تبلغ احتياطياتها من الغاز الطبيعي أربعة تريليونات متر مكعب، في حين بلغ الإنتاج من النفط حسب نفس المصدر ما يزيد بقليل على مليون برميل يوميًا، ونحو 91 مليار متر مكعب سنويًا من الغاز الطبيعي.

والتحدي الذي ينتظر الرئيس الجديد أن يتبنى أجندة تنموية تعتمد على بناء وتقوية قاعدة إنتاجية تقوم على قطاعي الزراعة والصناعة، وتحرير أنشطة الإنتاج والتوزيع في هذين القطاعين من سيطرة البيروقراطية الحكومية، ولا يعني ذلك أن تترك هذه المساحات لفاسدي القطاع الخاص، فتكون الجزائر حققت النتائج السلبية للبلدان العربية باستبدال بيروقراطية القطاع العام ببروقراطية القطاع الخاص.

وقد لوحظ خلال العامين الماضيين استقدام بعض أنشطة تجميع السيارات، وإطلاق مسمى صناعة السيارات على هذا النشاط، وبلا شك فإن أي حراك في قطاع الصناعة مطلوب، ولكن على صانع التنمية أن يركز على صناعة خطوط الإنتاج وقطع الغيار، ليضمن استقرار الصناعة وتحقيق قيمة مضافة، فضلًا عن مساهمتها الدائمة بالناتج المحلي بقيم إيجابية، وكذلك توفير فرص عمل تتسم بالاستقرار.

ونفس الشيء في قطاع الزراعة، يستلزم الأمر تنشيط مراكز البحوث، وتشجيع الإنتاج المحلي، وتطوير التصنيع الزراعي، وتبني إستراتيجية لتوفير الأمن الغذائي من خلال نسب كبيرة من الإنتاج المحلي. ومن شأن هذا التوجه- لو تم السير فيه- أن يجنب البلاد حدة تقلبات ميزان المدفوعات، الناتجة عن الاعتماد على النفط كمصدر رئيس لدخل الجزائر.


احتياطي النقد الأجنبي انخفض إلى 87.3 مليار دولار عام 2018 (الجزيرة)
احتياطي النقد الأجنبي انخفض إلى 87.3 مليار دولار عام 2018 (الجزيرة)

بطالة الشباب
على الرغم من أن الحراك بالشارع يشمل كافة الشرائح العمرية، فإن الشباب حاضر بقوة، ويناظر ما تم في غالبية الحراك في دول ثورات الربيع العربي بموجتيه الأولى والثانية، وحسب بيانات الديوان الوطني للإحصاءات بالجزائر، فإن معدل البطالة بلغ أواخر عام 2018 نحو 11.7%، إلا أن معدل البطالة بين الشباب (16-24 عامًا) بلغ نحو 29.1%.

والتحدي أمام الرئيس القادم أن يُوجد فرص عمل غير هامشية، وبخاصة إذا ما تحسنت أسعار النفط، وسمحت بإيرادات عامة أفضل.

فما يغري الشباب الآن أن يكون له دور ومساهمة حقيقية، وبالتالي لابد من إعادة النظر بشكل حقيقي بين مخرجات مؤسسة التعليم واحتياجات سوق العمل، حتى لا تكون الهجرة الملاذ وحلم الشباب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *