حاوره : كمال بن يونس

 

المنجي الحامدي وزير خارجية تونس في مرحلة حكومة التكنوقراط التي ترأسها المهندس المهدي جمعة عام 2014. كان الشخصية رقم 26 التي تٍرأس ديبلوماسية تونس منذ استقلالها عن فرنسا في آذار (مارس) 1956، وإسناد رئاسة حكومتها الأولى وحقيبة الخارجية فيها إلى زعيم الحركة الوطنية الراحل الحبيب بورقيبة.

والحامدي هو الوزير الوحيد الذي أسندت إليه حقيبة سيادية من بين أصيلي منطقة سيدي بوزيد، التي اشتهرت عالميا منذ موفى 2010، لأنها شهدت أولى الاحتجاجات الشبابية والاجتماعية ضد البطالة والفقر والتهميش وسياسات التفاوت الاجتماعي، مما فجر الثورة التونسية والثورات العربية.

تولى الحامدي بعد تخرجه مهندسا من الجامعة التونسية في 1980 ثم من جامعات أمريكية مسؤوليات عديدة في الأمم المتحدة في نيويورك وخارجها. كما عين عام 2015 رئيسا لـ “بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي”، وخلف بذلك الهولندي بيرت كويندرز.

التقيناه بتونس على هامش انعقاد القمة العربية في دورتها الـ 30 فكان معه الحوار التالي:

 

هكذا انظر إلى أولويات القمة العربية في تونس

س ـ ماذا ينتظر وزير الخارجية التونسي السابق والخبير الأممي من القمة العربية الـ 30 بتونس؟

ـ التحديات التي تواجه الدول العربية كثيرة جدا ومعقدة، لكن القادة العرب يمكنهم أن ينطلقوا من توصيات مؤتمر وزراء التجارة والاقتصاد والمالية، ثم مؤتمر وزراء الخارجية بمناسبة قمة تونس ليعطوا دفعا للعمل العربي المشترك اقتصاديا وماليا، والتفاعل مع مطالب التنمية والإصلاح التي يرفعها المواطنون وتطالب بها النخب السياسية.

في الوقت نفسه يؤمل أن تقدم اجتماعات القادة العرب في تونس دعما حقيقيا للشعب الفلسطيني والدولة الفلسطينية، لأنه لا استقرار ولا أمن في المنطقة العربية والإسلامية والأورو متوسطية دون سلام عادل وشامل في فلسطين، وتسوية للصراع العربي الإسرائيلي وفق مقررات الأمم المتحدة والشرعية الدولية.

وبالنسبة لبلدان المغرب العربي ومصر والسودان والدول الأفريقية، تعدّ أولية الأولويات اليوم إقليميا تسوية الأزمة الليبية التي طالت وأصبحت دول الساحل والصحراء والدول المغاربية، وكذلك دول عربية عديدة عرضة لمضاعفات بعض أعراضها السلبية.

وبحكم الموقع المميز لسوريا عربيا وحجم الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بها، والظروف الصعبة التي يمر بها أكثر من 20 مليون مواطن سوري حوالي نصفهم أصبحوا مشردين خارج بلدهم وبعيدا عن ديارهم، لا بد من التعجيل في معالجة هذا الملف عبر مسار سياسي، والبدء بمعالجة ملفات حارقة من بينها ملف ملايين اللاجئين والنازحين.

وتتصدر قضية اليمن الشقيق وجهود إيقاف الحرب فيه الاهتمام في دول الخليج العربية الشقيقة، التي تعدّ المستجدات في اليمن شأنا ملحا بالنسبة لها يؤثر فيها على كل المستويات.

كما ينتظر أن يكون للقمة موقف من مستقبل العلاقة مع دول الجوار، التي لديها تأثير مباشر في المستجدات الداخلية في الدول العربية، وخاصة مع إيران وتركيا واسرائيل واثيوبيا ومالي والسينغال.

القدس و الجولان و غزة ؟

س ـ ألا تعتقد أن الرئيس الأمريكي أحرج الزعماء العرب وخاصة حلفاءه في المنطقة، عندما أعلن عن “اعتراف بشرعية احتلال الجولان السوري” عشية القمة العربية، بعد عام وأشهر معدودة عن مبادرته لتشريع احتلال مدينة القدس العربية، وفي مرحلة كثفت فيها سلطات الاحتلال الإسرائلية هجماتها على قطاع غزة والضفة الغربية؟

ـ القمة العربية الماضية التي عقدت في الظهران في المملكة العربية السعودية، وقعت تسميتها “قمة القدس”، رغم انعقادها بعد أشهر عن قرار دونالد ترامب نقل مقر السفارة الإسرائليية من تل أبيب إلى القدس المحتلة.

والدول العربية عارضت قراره عن القدس وسوف تعارض قرار ترامب عن الجولان السوري المحتل، وفق مقررات الأمم المتحدة والمجموعة الدولية، وكل مؤسسات العمل العربي المشترك.

لكن لا بد من اعتماد آلية عربية ناجعة لمتابعة المشاورات والتحركات الديبلوماسية من أجل ضمان  تقديم دعم مالي واقتصادي وسياسي ناجع للدولة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وضمان تلبية مطالب سوريا وكل الدول العربية بشان إنهاء احتلال أراضيها.

الأولويات الاقتصادية

س ـ وحسب تقديرك، هل ينبغي للقادة العرب التركيز على الملفات السياسية التقليدية أم إعطاء اهتمام أكبر للملفات التنموية الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية؟

ـ العالم يمر بمرحلة صعوبات اقتصادية قد تتعقد أكثر وتتسبب في مزيد من الخلافات بين الدول وفي الحروب.

والدول العربية تمر اليوم بأسوأ المراحل اقتصاديا وبشريا وأمنيا وسياسيا، إلى درجة أن المكاسب التنموية التي تحققت خلال العقود الماضية أصبحت مهددة.

لذلك ينبغي أن تكون أولوية كل الدول العربية على مستوى خياراتها الوطنية والجماعية، اعتماد سياسات تنموية أكثر نجاعة لتتمكن من معالجة ما تواجهه من مشاكل مثل البطالة والفقر واختلال الميزانية والعجز التجاري والتضخم، واستفحال معضلات الأمن الغذائي والخلل في التوازن بين الجهات والفئات والدول.

لقد سبق للمؤتمرات العربية، في مستوى الخبراء والوزراء والرؤساء والملوك أن قررت إجراءات اقتصادية وتنموية بالجملة، بما في ذلك ما يهم تحرير الإجراءات الجبائية والجمركية وفتح الأسواق أمام البضائع ذات المنشأ الوطني.

لكن الواقع العربي لا يزال بعيدا عن تفعيل أغلب تلك القرارات ولا تزال المبادلات البينية ضعيفة جدا.

والمؤمل أن تبدأ بعد القمة العربية في تونس خطوات عملية في اتجاه ترفيع قيمة الاستثمارات والمبادلات المشتركة، لأن تقاطع المصالح يفيد الجميع دولا وحكومات وشعوبا.

العلاقة مع المهدي جمعة

س ـ أخيرا، ما هو الدور السياسي للوزير المنجي الحامدي اليوم بعد أن أسس رئيس الحكومة الأسبق المهدي جمعة حزبا بدأ ينجح في تنظيم تحركات شعبية كبيرة، وبعد أن أعلن نية حزبه خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة مع احتمال الترشح للرئاسة؟

ـ السيد المهدي جمعة كان وزيرا ثم رئيس حكومة حظي بثقة أغلب الأطراف السياسية في تونس وعربيا ودوليا.

وأذكر أن أهم زيارات العمل نظمت في تاريخ تونس لرئيس حكومة تونسي كانت للسيد المهدي جمعة.

بل إن الإدارة الأمريكية وألمانيا وفرنسا وعدة دول أوروبية، خصته بزيارة في مستوى زيارة كبار رؤساء الدول والملوك تقديرا لكفاءته وخبرته ولتونس شعبا ودولة.

وقد سمعت مباشرة عبارات التقدير لشخصه من الرئيس باراك أوباما والمستشارة الألمانية ميركل وأغلب ساسة أوروبا والعالم ومن الدول العربية.

لقد قدمت حكومة المهدي جمعة بكل أعضائها الكثير لتونس وشعبها عام 2015 بشهادة الجميع، رغم الظروف الصعبة التي كانت تمر بها البلاد .

ومن حق السيد المهدي جمعة أن يخوض اليوم تجربة انتخابية وسياسية جديدة.

لكن بالنسبة لي شخصيا، لقد كنت دوما مستقلا عن كل الأحزاب، ولست منخرطا حاليا في المشروع السياسي والحزبي للسيد المهدي جمعة أو غيره.

عربي 21

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *