لم يكن هجوم نيوزيلندا الإرهابي مفاجئا للكثيرين، خصوصا للمسلمين الذين يعيشون في الغرب ويتابعون بشكل يومي تصاعد خطاب الإسلاموفوبيا، الذي مهد لهذه الجريمة ولجرائم أخرى سبقتها وقد تلحقها -لا قدر الله-.

فخطاب اليمين الغربي المقزز ضد الإسلام والمسلمين هو الذي أسس بلا شك لمجموعة هجمات إرهابية ضد المسلمين ومساجدهم، لأنه غذى نزعات الخوف من المسلمين واعتبارهم خطرا على أوروبا والأمريكيتين وأستراليا وغيرها من الدول ذات الغالبية البيضاء/المسيحية.

وقوع الهجوم الإرهابي الأخير في نيوزيلندا الدولة المعروفة بهدوئها وتنوعها، والتي تحكم من رئيسة وزراء ليبرالية ربما سمح لكشف الأيدولوجيا المؤسسة لعقلية الإرهابي منفذ العملية، وبالتالي كشف تأثره بخطاب الإسلاموفوبيا، وقطع الطريق على تقديم قراءات “نفسية” للحدث تستخدم أحيانا في تفسير مثل هذه العمليات. 

ولكن ما هي الأسباب الرئيسية في تصاعد الإسلاموفوبيا؟ ثمة أربعة أسباب رئيسية:

أولا: تصاعد شعور الرفض للمؤسسات الحاكمة في الغرب، والتي تحكم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وتتموضع هذه المؤسسات والأحزاب الحاكمة غالبا في تيارات الوسط: يسار الوسط ويمين الوسط، وبما أنها تحكم منذ أكثر من ستة عقود فمن الطبيعي أن تظهر تيارات “متمردة” مناهضة لها.

 

تمظهر هذا التمرد في اتجاهين متناقضين، أحدهما “محمود” وهو اليسار، والآخر متطرف وهو اليمين المتشدد. ظهر في أمريكا ترامب على اليمين، ولكن ظهر أيضا بيرني ساندرز على اليسار، وفي بعض الدول الأوروبية صعدت تيارات يسارية أهمها على الإطلاق جيرمي كوربن ويسار اليونان، ولكن التوجه لليمين كان أكبر وهو الذي يشكل خطورة حقيقية على الوضع القائم وهو الذي صنع الأرضية الخصبة للإسلاموفوبيا.

 

خطاب اليمين الغربي المقزز ضد الإسلام والمسلمين هو الذي أسس بلا شك لمجموعة هجمات إرهابية ضد المسلمين ومساجدهم

ثانيا: الانكماش الاقتصادي وتراجع “دولة الرفاه” في كثير من دول الغرب والشرق. وفي حالات الانكماش وتراجع الموارد تبدأ مظاهر الانفجارات الاجتماعية بالتشكل، وقد كانت مسألة الهجرة وارتفاع عدد المهاجرين إحدى القضايا المركزية في هذه الانفجارات، حيث نظر إليها كسبب في قلة الموارد وزيادة السكان بدرجة تقلل من نسبة الرفاه الذي يوزع على كل فرد. ومع ارتفاع عدد المسلمين في دول الغرب ونيوزلندا وغيرها من الدول اختلطت الشعارات الرافضة للهجرة بشعارات التخويف من المسلمين “كمهدد للطبيعة الثقافية للغرب وكسبب في تراجع الرفاه”، وهو ما ساهم في تصاعد “الإسلاموفوبيا”.

ثالثا: صعود نخب سياسية متطرفة، استغلت المشاعر المناهضة للهجرة والأيدولوجيا الكامنة لدى بعض القطاعات الشعبية حول “تفوق” الرجل الأبيض وهوية “أوروبا المسيحية” لتحقيق أهداف انتخابية.

 

لعبت بعضت وسائل الإعلام اليميني بشكل متعمد أو غير متعمد على الخلط بين الإسلام وبين التطرف، أو بين المسلمين وبين التنظيمات الإرهابية التي تنسب نفسها “للجهاد”

 

وقد أصبح بعض سياسي هذه النخب خلال العقدين الماضيين جزءا من “التيار الرئيسي” في السياسة الغربية وحققوا إنجازات انتخابية غير مسبوقة بالاستفادة من السببين المذكورين سابقا، بل إن تقدم هذه النخب أدى إلى التأثير بشكل غير مباشر على خطاب زعماء بعض تيارات الوسط ويمين الوسط وجعلها تلجأ لشعارات “يمينية” وتنتمي للإسلاموفوبيا بهدف الحفاظ على القواعد الانتخابية ومنع تسربها للتيارات اليمينية المتشددة، كما أن هذه المناخات أدت إلى تراخي بعض أحزاب “يمين الوسط” في التعامل مع ظاهرة الخوف “الرهابي” من الإسلام داخل صفوف سياسييها ووضع حد لها خوفا من خسارة بعض قواعدها الشعبية.

رابعا: صعود حركات التطرف “الجهادية” وخصوصا تنظيم “الدولة”، الذي أصبح مادة يومية للإعلام الغربي خصوصا بعد العمليات الإرهابية التي نفذت في الغرب من قبل منتمين أو متأثرين بهذا التنظيم.

وهنا لعبت بعضت وسائل الإعلام اليميني بشكل متعمد أو غير متعمد على الخلط بين الإسلام وبين التطرف، أو بين المسلمين وبين التنظيمات الإرهابية التي تنسب نفسها “للجهاد”. ومع الضخ الإعلامي الكبير تصاعدت ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تصور بشكل أو بآخر كل مسلم باعتباره “خطرا ممكنا” أو “إرهابيا محتملا”.

وعلى الرغم من تصاعد هذه الظاهرة، إلا أن من المنصف القول أن غالبية الشعوب الغربية لم تتأثر بها حتى الآن، كما أن كثرا من وسائل الإعلام الغربية تواجهها وإن كانت حتى الآن عاجزة عن التأثير الذي يمكن أن يوازي الإعلام اليميني أو إعلام “التابلويد” الشعبي الأكثر انتشارا.

هذا عن الغرب وظاهرة الإسلاموفوبيا، فماذا عنا نحن العرب والمسلمين؟

لا بد في الحديث عن هذه الظاهرة السرطانية من ملاحظات عن تعامل العرب والمسلمين معها، وثمة ملاحظتان رئيسيتان:

أولا: غياب دور قوي وفعال للدول العربية والإسلامية في مواجهة الظاهرة، وخفوت الصوت الرسمي، باستثناءات بسيطة، عن المطالبة عبر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالتركيز على محاربة الخوف الرهابي من الإسلام، وأيضا محاربة بعض مظاهر القمع ضد الأقليات المسلمة كما يحدث في ميانمار/بورما أو في الصين.

 

ثمة ظاهرة عربية تتصاعد يوما بعد يوم، وهي “الليبراليين” المعادين لليبرالية! فالليبرالي الحقيقي يجب أن يقف مع حقوق الجميع وحرياتهم

 

إن غياب مثل هذا الدور يجعل مسلمي الغرب ضحية سهلة أمام تغول اليمين وتجاه ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، إذ أن دول العالم في النهاية لا يوجد ما “يضغط” عليها لوضع حد للتخويف من الإسلام، بل إن الأمر يزداد سوءا بقيام بعض الدول بالتحريض المباشر وغير المباشر على مسلمي الغرب ومنظماتهم لأسباب تتعلق بصراعات سياسية داخلية، وهو أمر مؤسف وغريب لأن الدولة العاقلة لا تحكم سياستها الخارجية بصراعاتها الداخلية، بل بمصالحها ومصالح شعوبها.

ثانيا: ثمة ظاهرة عربية تتصاعد يوما بعد يوم، وهي “الليبراليون” المعادون لليبرالية! فالليبرالي الحقيقي يجب أن يقف مع حقوق الجميع وحرياتهم، ويجب أن يواجه الظلم والكراهية ضد أي طرف حتى لو كان مختلفا معه، وهذا ما يحدث لدى غالبية الليبراليين في الغرب، بينما يغرق كثير من “ليبراليي” العرب بالخصومة مع الإسلاميين، التي تحولهم إلى داعمين للاستبداد داخليا، ومنكرين للإسلاموفوبيا خارجيا!

هذا التيار من الليبراليين كان يسخف من مخاوف مسلمي الغرب من “الإسلاموفوبيا”، واعتبرها بعض رموزه جزءا من دعاية “الإخوان” في الغرب، ووقف بعضهم مع قرارات مجحفة بحق المسلمين مثل سماح المحكمة الأوروبية قبل عام للشركات بمنع الحجاب ضمن رموز دينية أخرى، واعتبروا من يرفضون القرار “إسلاميين” غير مندمجين في مجتمعاتهم الغربية.

 

هنا يتحول هذا التيار إلى دفاع عن ظلم الأقليات برغم ادعائه لليبرالية، وينصب نفسه للحكم في قضية تخص مسلمي الغرب بالرغم من أنه لا يعيش في الغرب ولا يتابع الضخ الإعلامي اليومي المتأثر بالإسلاموفوبيا، ولكنه يتخذ هذا الموقف بسبب خلافاته الداخلية “المشروعة” مع تيارات إسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *