يمثّٰل التحوير الوزاري الأخير خاتمة لمرحلة أولى انطلقت مع نتائج انتخابات 2014، وهي مرحلة يمكن تسميتها بـ”الحرب الباردة“، وفي هذا السياق نسجل الملاحظات التالية:


– طرفا هذه الحرب هما النهضة والنداء، وقد اختارا لهذه الحرب عنوان “التوافق”. ويكشف مسار هذه الحرب الباردة تواصل الصراع بين القديم بانتصاره المنقوص والـ”جديد” (أو ظلاله) بهزيمته غير الظاهرة أو الجزئيّة. 


– كانت أزمة نداء تونس( الواجهة السياسية للسيستام) وتواصل انقسامه وتشظّيه أوّلَ نتائج هذه الحرب الباردة. فلم يستطع القديم العائد أن يحافظ على هدفه ( شطب الجديد بكل تعبيراته)، وعلى وسيلة تحقيقه ( وحدة أداته الحزبية والسياسية )
– نجاح الباجي في الانقلاب على النظام السياسي المثبت في الدستور وتحويله إجرائيا إلى نظام رئاسوي، وبسط سيطرته على الرئاسات الثلاث رغم أزمة النداء المتفاقمة وإخفاق ابنه في أن يكون سياسيا ولو من الصنف الثالث. 


– تحوّل نوعي في أزمة نداء تونس بظهور الشاهد أمام ضعف قيادات ندائية مُؤسِّسة لوجسيالُ أغلبها “يسار تجمّعي”، هذه القيادات الضحلة انسحبت بسبب شراكة الباجي مع النهضة في الحكم، ثم بسبب سيطرة ابنه على ما بقي من الحزب.
وبدا الصراع في بدايته بين حافظ والشاهد ولكنه في حقيقته بين السبسي والشاهد الذي رفض “التمرميد” و أبدى استعدادا لـ”التمرّد” بدعم جهات دولية معلومة.

– أفضى الصراع بين “إسقاط الحكومة” و”التحوير الوزاري الجزئي” إلى انتصار بقاء الشاهد وإجراء تحوير وزاري وتشكيل حكومة بين الشاهد والنهضة والمبادرة وبعض مشتقات النداء.

– الباجي يتجرّٰع هزيمة مذلّة، ويقلّب كفَّيه على ما بدّد ممّا اجتمع بين يديه، بعد انتخابات 2014، من سلطة وسمعة ( ما كيل له من صفات الحنكة وثراء التجربة والمعرفة بدواليب الدولة وفنون الحكم)، وأضاع رهان القوى الدولية وحلفائها من الثورة المضادة خليجيا ومحليا التي كانت تعوّل عليه شطب السياق الذي دشّنته الثورة.

– يُتوقع توجه الباجي إلى تحويل الحرب الباردة إلى “حرب ساخنة”، وكان تعليقه على العملية الإرهابيّة الأخيرة بالإضافة إلى ما قيل عن رفضه التحوير الوزاري، يصبّ في هذا الاتجاه. و هو يعلم ألا قيمة لرفضه، وسيكون للبرلمان الكلمة الفصل، والحسبة محسوبة قبل التحوير الوزاري. وسيطبع صراع القصبة قرطاج الفترة الفاصلة بين التحوير والانتخابات. وسيكون الاتحاد وفيا لموقعه إلى جانب الباجي مواجهة للنهضة وليس لاختلافه مع الشاهد صديق كريستين لاغارد.

– سيقول المشاركون في الحكومة بأنّها “حكومة كفاءات وطنية”، وسيعتبرها بوبكر وبوغلاب حكومة النهضة، وقد اعتبرت كذلك حتى عندما كان أغلب وزرائها من النداء المهشّم.

و في كل الأحوال لن تكون هذه الحكومة حكومة رفع الفشل وبدء العمل على التعامل الحدي مع الأزمة الشاملة، ففاقد الشيء لا يعطيه، فضلا عن أنّٰ ما بقي من وقت لايسعفها. إلى جانب أن “لمن نحمّٰل الفشل؟” مقدّم على “كيف نتخطى الفشل؟”

– المشهد يتغيّر في أكثر من مستوى، وليس بإمكان هذه الحكومة أن تقدم أكثر من الوصول إلى انتخابات 2019 في موعدها وبشروط الانتخابات الديمقراطية والشفافية والنزاهة، إذا تواصل تقدير أصحاب المصالح بأنّ استمرار الديمقراطية أضمن للمصالح.
– تواصل صراع القديم والـ”جديد”(ولو في أدنى مستوياته) وستكون انتخابات 2019 ، إذا توّفرت شروط إجرائها تدشينا لمرحلة جديدة من صراعهما. وهو صراع يتأثر بدرجة كبيرة بأطوار الصراع الإقليمي والصراع العالمي في منطقتنا خاصة.

– يُتوقع بروز عنوان بديلا عن عنوان “التوافق” المستهلك يُوصف به لقاء الشاهد والنهضة، وسيقول أهل التوافق إنّ المتغيّٰر هو المتوافقون، وأمّٰا التوافق فثابت.

– سيكون الفشل في الوصول إلى انتخابات 2019 في موعدها وبالشروط الديمقراطية مقدمة لتحول “الحرب الباردة” إلى “حرب ساخنة” وربما مدمّرة تعصف بكل شيء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *