أكّد وزير المالية الأسبق ورئيس المجلس الوطني لحزب التكتّل الياس فخفاخ، أن قانون المالية الجديد واصل في نفس التمشّي و بذات الخيارات و التوجّهات التي أثبتت فشلها في السابق، مشيرا إلى أن الإشكال ليس في اتخاذ الإجراءات ولكن في تنفيذ هذه الإجراءات التي على أهميتها بقيت مجرّد حبر على ورق، قائلا «لقد قمنا بـ600 إجراء جبائي جديد لكن هل دخلوا حيز التنفيذ فعلا..؟».
كما تساءل فخفاخ «أين هي الشرطة الجبائية بعد سنتين من اتخاذ قرار إحداثها، رغم أن أولوية أولويات الإصلاح كانت مقاومة التهرّب الجبائي؟»، وذلك في حديث مطوّل أدلى به لـ«الصباح».
وزير المالية الأسبق أكّد أيضا أن مقاومة الفساد هي الطريق الصحيح لمحاربة فساد المحتكرين والمتهربين وفساد لوبيات التصدير والتوريد، مضيفا «ولكن للأسف الى اليوم بقيت محاربة الفساد مجرّد شعارات، كما أشار الياس فخفاخ الى أنه لم يتم القيام بإجراءات جدّية حتى يذهب الدعم الى مستحقيه رغم أننا طوال الوقت نتحدّث عن ترشيد الدعم، بالإضافة الى ملفات أخرى على علاقة بقانون المالية 2019 تطرّق لها الوزير الأسبق في هذا الحوار.
وفي علاقة بالملف السياسي أكّد فخفاخ أن الباجي قائد السبسي مثل كل السياسيين في تونس «لا يعرفون الخروج من الباب الكبير»، وفق تعبيره. وبالنسبة لعلاقة يوسف الشاهد بالاتحاد قال أنّه استغرب تغيّر موقف الاتحاد بنسبة 180 درجة، فبعد أن كان الاتحاد أبرز المساندين للشاهد أصبح من أوّل المتمسكين بتغيير الحكومة، مؤكّدا أنه بدوره يعتبر الحكومة فاشلة وكان يفترض تغييرها منذ سنة، وفق تعبيره.
كما أشار فخفاخ الى ملف هام وهو تراجع حجم الادخار العائلي بنسبة 50 بالمائة مقارنة بـ2012، وهذا «ما يؤشّر لعمق الأزمة الاقتصادية الحالية» وفق تعبيره.
* كوزير مالية أسبق كيف تقيّم التوجهات المعلنة في قانون المالية الجديد؟
– هو مواصلة في أخطاء قوانين المالية السابقة، طالما كنّا نعيب على قوانين المالية السابقة 2016/2017/2018 الفرضيات التي يتأسّس عليها، ونقصد بالفرضيات سعر صرف الذي تأسسّ عليها القانون..
سعر برميل النفط نحن أسّسنا على سعر 70 دولار رغم أن السعر مرشّح للارتفاع، وعلى تطوّر المداخيل الجبائية رغم أن ذلك يبقى مجرّد توقعّ وفرضيات لن تتحقّق.. والأهم أن هذا القانون ليس له أدنى علاقة بالمخطّط الخماسي الذي يبدو أنه ذهب الى «سلّة المهملات» وبقي مجرّد حبر على ورق رغم أن قانون المالية في العادة هو تنزيل للسياسات الكبرى التي تم اتخاذها في المخطّط لكن في الحالة الراهنة هذا القانون لا علاقة له بأي خطّة أو سياسية.
* وفي رأيك ما هي أبرز الاخلالات أو السلبيات التي أعاد هذا القانون تكريسها؟
– ليس هناك أدنى تقييم جدّي للإجراءات المتخذة في السنوات السابقة بما أفقد القانون مصداقيته. مثلا في قانون المالية الماضي كان هناك تخمين حكومي بأن الشراكة بين القطاع العام والخاصّ ستحقق موارد للميزانية بقيمة 500 مليون دينار لكن لم نجن شيئا..
هناك أيضا شعبوية مكرّسة في هذا القانون لأننا ونحن نعاني من عجز تجاري فظيع والذي يقف وراء حجم المديونية المتزايد ومعدّل التضخّم المرتفع تطالعنا الحكومي بإجراء شعبوي وهي السيارة الشعبية بـ20 ألف دينار، وبالتالي هذا الإجراء هو حملة انتخابية سابقة لأوانها… المفروض أن نستورد أقّل سيارات لنحافظ على مستوى العجز وليس أن نسعى إلى مراكمته.
* من المتوقّع أن تبلغ ميزانية الدولة في 2019 حدود 40 مليار دينار، كيف تفسّر التطوّر الكبير من سنة الى أخرى في ميزانيات ما بعد الثورة؟
– منذ 2011 تمت «فرملت» الزيادة في حجم الميزانية سنة 2014 عندما كنت على رأس ميزانية الدولة حيث لم يتجاوز التطوّر نسبة 3.5%، ولكن يبقى معدّل تطوّر الميزانيات من 2011 الى 2018 هو بين 13 و14 %.. القانون الذي حصل فيها 2014 لأنه يلزم في وقت من الأوقات أن توقف التيار لتحدّ من المديونية والمصاريف.. وتوقّعت هذه السنة يكون هناك «كبح فرامل» جديد لقانون المالية لنعيد الانطلاق من جديد بعد مشاكل السنوات الأخيرة..
* في ندوة الحكومة حول قانون المالية وقع تجاهل الأسئلة حول مصادر التمويل والتعبئة بالنسبة لميزانية الدولة. في تقديرك من أين ستموّل هذه الميزانية الضخمة؟
– لم يقع الغوص في التفاصيل ولكن قيل أن هناك زيادة بحوالي 6 مليار دينار في المداخيل الجبائية  بينها 2 مليار دينار ليس زيادة في المداخيل لكن مرتبطة بالأجور، لكن هذه الزيادة في المداخيل غير واضحة وغير مفهومة.
المحصّلة أن هناك كثير من التفاؤل في قانون المالية هذا رغم أن الظروف كلّها متردّية، وليس هناك إجراءات واضحة لتقليص نسبة التضخّم وكل الأمور مبنية على «ان شاء الله»..
* ميزانية «ان شاء الله» إذن؟
– صحيح.. نحن يمكن أن نتداين في حدود 10 مليار دينار أما تطوّر مداخيل هي التي بها إشكال وهذه المداخيل لن تتطوّر الاّ بإجراء إصلاحات وليس بمجرّد إعلان نوايا الإصلاحات.. عموما لا ننتظر من الحكومة في السنة التي تسبق الانتخابات تنفيذ إصلاحات لأن هذه الإصلاحات لوّ نفذت لكان ذلك في البداية أي في 2015 و2016 .
* الخروج للتداين من الأسواق المالية العالمية خيار مطروحا أمام وزارة المالية، لكن كل مرّة يتم إرجاء الأمر، في تقديرك لماذا؟
– وزارة المالية في حرج لأن وضع البلاد اليوم لا يشّجع على الخروج بطريقة مرنة للأسواق المالية الدولية للاقتراض.. نحن خرجنا في السابق بضمانات من الولايات المتحدة الأمريكية لمرتين ومن اليابان وخرجنا مرّة لوحدنا في 2014 وكانت نسبة فوائد الاقتراض مرتفعة. اليوم النسبة ستكون أعلى بكثير، لذلك يتم إرجاء الأمر لأنه لو حصل وخرجنا للأسواق الدولية للاقتراض ولم ننجح في جمع التمويلات المطلوبة ستتعمّق أكثر أزمة ثقة العالم في تونس وسيكون الأمر أسوأ مع تدنّي متوقّع في الترقيم السيادي.
* هل سيكون هناك «ضامنون» جدد؟
– لا.. إذا خرجنا الآن سنخرج دون ضمانات ومع نسبة مديونية بلغت وضعا كارثيا وتضاعفت بشكل كبير..
* وزير المالية أكّد على تراجع بنقطتين في نسبة المديونية؟
– نسبة المديونية كانت في حدود 49 بالمائة سنة 2014 اليوم في حدود 73 بالمائة وقبل الحديث عن تراجع بنقطتين يجب تفسير لماذا ارتفعت بهذا الشكل «الجنوني» في وقت كانت كل المؤشرات ملائمة بما في ذلك سعر البرميل الذي نزل الى 50 دولار..
اليوم هناك حديث عن تراجع في نسبة المديونية بنقطتين ولكن لست متأكّدا من ذلك وفي أحسن الظروف ستبقى في نفس المستوى رغم أن المتوقّع أن ترتفع النسبة بنقطة.. وحتى ان تراجعت فذلك ليس انجاز وما يجب المحاسبة عليه كيف ارتفعت نسبة المديونية من 49 الى 70 % أي كيف ارتفعت 40 ألف مليون دينار كحجم مديونية في الاربع سنوات الماضية.
* دائما تطرح مسألة الاملاءات في علاقة تونس بصندوق النقد الدولي… هل هناك فعلا املاءات خاصّة وأنّك كنت وزيرا للمالية؟
– صندوق النقد الدولي بنك كجميع البنوك نتوجّه اليه عندما تكون هناك صعوبات لكن هناك ملفات يجب أن تكون لدينا القدرة على التفاوض والرفض متى استدعى الأمر ذلك لأن الصندوق سحبنا الى خيارات لم تثبت جدواها مثل التوجّه نحو التخفيض من قيمة الدينار ليخسر في 2017 أكثر من 40 بالمائة من قيمته والصندوق النقد الدولي سحبنا الى ذلك الطريق.. ونحن ما زلنا نواصل في نفس التمشّي والسبب في كل ذلك أن صندوق النقد الدولي لم يجد مفاوضين أقوياء يمكنهم التصدّي للاملاءات وما يقوله الصندوق ننفّذه سواء على مستوى البنك المركزي أو مستوى الحكومة دون تفاوض.
* تغيير محافظ البنك المركزي هل أتى بأكله؟
– أنا لا أؤمن بالرجل المنقذ.. الدولة لديها سياسات ومؤسسات  وتغيير المحافظ لن لن يغيّر شيئا لأن التوجّه خاطئ حيث نريد إصلاح السياسيات الاقتصادية بالسياسات المالية وهذا غير ممكن لأن السياسية المالية تكمّل السياسات الاقتصادية ولا تصلحها .وكان يفترض القيام بإجراءات للحدّ من التوريد وخاصّة توريد الكماليات فهذه السنة ارتفعت نسبة توريد الملابس الجاهزة بـ40 بالمائة في الوقت الذي نعتبر من البلدان المصدّرة للملابس الجاهزة أي بزيادة تقدّر بـ400 مليون دينار قيمة توريد ملابس جاهزة، وفي حالات مشابهة من المنطقي أن ينخرم الميزان التجاري وتتحوّل السياسة النقدية إلى مشكل عوض أن تكون هي الحلّ في الأزمة.. ضف إلى ذلك الرضوخ إلى املاءات صندوق النقد الدولي.
* هناك من يبرّر الرضوخ بعدم القدرة على التفاوض بـ«ندّية»؟
– نحن طالما كنّا في موقع قوّة حتى في سنة 1986 لم يكن لنا احتياطي يوم توريد كنّا نتفاوض ونحن في موقع قوّة فهذه المؤسسات المانحة تقبل التفاوض الذي يقوم على أسباب وجيهة، ولكن عندما يقتضي الأمر قول «لا» يجب قول «لا» ورفض الاملاءات..
* التفويت في المؤسسات العمومية ،هناك من ينظر للأمر كـ»خطّ أحمر» وهناك من يراها «طوق النجاة» الاقتصادي الأخير للحكومة.. أنت ما رأيك؟
– يجب أن ننزع «التابوه» عن هذا الملف.. هناك مؤسسات عمومية يجب خوصصتها لأنها لم تعد تمثّل لا ركيزة تعديلية ولا استراتيجية كما كان في الماضي.. فالدولة بإمكانها الخروج من مؤسسات والدخول في أخرى ففي الستينات الدولة خلقت المؤسسات السياحية ولكن اليوم السياحة تمت وخصصتها بالكامل اليوم.. وهناك قطاعات أخرى وجديدة وخاصّة القطاعات الرقمية يمكن للدولة أن تستثمر فيها والشراكة مع القطاع الخاصّ لا تكون ببيع الأوهام وأضغاث الأحلام.
* لكن اتحاد الشغل يؤكّد أن التفويت في المؤسسات العمومية «خطّ أحمر»؟
– هذا خطأ، ليست هناك خطوط حمراء.. أنا أوافق الاتحاد عندما يتحدّث عن حالة بحالة في علاقة بالمؤسسات العمومية، هناك مؤسسات إستراتيجية وفعلا خطّ أحمر التفويت فيها فلا معنى أن تملك الدولة مؤسسات خاسرة.. هناك مؤسسات لا مشكل في بيعها ولكن أسعار البيع لا يجب استهلاكها بل تحويلها الى استثمارات جديدة في 20 سنة القادمة.
* يُتهم قانون المالية وفي إطار المعركة السياسية الحالية بأنه وضع على مقاس رجال الأعمال بحثا من الحكومة عن حلفاء جدد، فهل تعتقد أن ذلك ممكن؟
– هناك رجال أعمال يعانون الويلات وخاصّة أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسّطة هؤلاء لا يساندون أحد وليسوا سعداء بالوضعية.. المستفيدون فقط بعض الحيتان الكبرى وبعض اللوبيات المتنفّذة.
* الحلول في تقديرك ؟
– لدينا مشكل عجز الميزان التجاري وهو يتطلّب إجراءات فورية لإيقاف توريد الكماليات ودفع التصدير خاصّة في الفسفاط والبترول  مع المحافظة على سعر الصرف والخروج من كل الاملاءات للحدّ من التضخّم وهذا كله ممكن اذا توفّرت الإرادة ووضعت الحكومة على جنب الجانب السياسي والانتخابي.. ومن يموّل من أو ترضية صندوق النقد.
* ومستقبل حزب التكتّل كيف تنظر اليه؟
– التكتّل حزب عمره 25 سنة، حزب يحمل مشروع وفكرة، دافع عن مبادئه وحقق جزء منها في صياغة الدستور أو من خلال المواقع التي تقلّدتها قياداته مني بخيبة أمل التكتل لكن اليوم يعيد بناء نفسه ويجدّد طاقاته اليوم هناك قيادة جديدة لكن نحن مقتنعون بأن الأمر يتطلب مجهود ونقد ومراجعة للتجربة، الجميع ينتظر الكثير من العائلة الدمقراطية التي يأتي التكتّل على رأسها.
* ماذا تقول عن هؤلاء:
– الباجي قائد السبسي: لعب دورا مهما في إعادة تشكيل المشهد السياسي لكن بعد ذلك أخطأ فلم يُسارع بتفعيل وتنزيل أحكام الدستور ومنها المحكمة الدستورية كما لم يفسّر للتونسيين كيف تحالف مع من كان يشيطنهم والأخطر انه فجّر الحزب الذي أسّسه بخيارات عائلية وشخصية ما ولّد حالة من عدم الاستقرار الحزبي والبرلماني جعل البلاد تتخبّط في أزمات متتالية.. قائد السبسي للأسف ككل السياسيين لا يعرفون الخروج من الباب الكبير.
حافظ قائد السبسي: لا أعرفه شخصيا سياسي.. لكن هو لا شيء فقط ابن الباجي قائد السبسي.
راشد الغنوشي: في موقع غير سهل في حزب يريد أن يتطوّر ولكن لم يحسم أمره بعد على كل حال لديه معركة داخل حزبه، وعملية شدّ العصا من الوسط ليرضي الجميع أصبحت تعطّل البلاد ولا تتقدّم بها.. عليه التخلّي عن الحسابات أدعوه للمخاطرة حتى تتقدّم البلاد.
نور الدين الطبوبي : على رأس منظمة عتيدة وقيادتها ليس بالأمر الهيّن وكذلك يمكنه الدفع الى الحلول بمخاطرة أكبر.
يوسف الشاهد: أقّل تكتيك وأكثر التزاما ومصداقية.. لا نريد الشاهد «التكتاك» ولكن الرجل الوطني الذي يضع مصلحة البلاد فوق كل الاعتبارات.

الصباح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *