البارزة, وجهات نظر 0 comments on تتضارب حوله المواقف محليا و اقليميا و دوليا : السراج رجل مرحلة أم خيار مستقبلي ؟ .. بقلم علي اللافي

تتضارب حوله المواقف محليا و اقليميا و دوليا : السراج رجل مرحلة أم خيار مستقبلي ؟ .. بقلم علي اللافي

               يعتقد بعض المتابعين أن رئيس المجلس الرئاسي الليبي شخصية ضعيفة سياسيا  وأنه خيار مرحلي فرضته الظروف والتجاذبات بين فرقاء الصراع، وأنه قد يختفي بمجرد انجاز الاستحقاقات الانتخابية المرتقبة في ربيع 2019، بينما بينت التطورات خلال الأيام والاسابيع الماضية أن الكل في ليبيا قابل للتغيير والأبعاد من الساحة السياسية إلا السراج فإنه باق في المشهد بغض النظر عن الفاعلية والقُدرة على الإمساك بكل الأوراق أو طبيعة المنصب الذي سيتولاه مستقبلا في السلطة التنفيذية، حتى أنه نقل على بعض السياسيين الايطاليين قوله لأحد الفاعلين الليبيين غداة مؤتمر باليرمو أننا “ابتلعنا السراج وتقيأنا حفتروهو تعبير رمزي على أهمية الرجل المرحلية وتوسع أفاقه المستقبلية….

 

* من هو فائز السراج ؟

 

فائز السراج هو شخصية أقرب للإداريةبمنطق التصنيف السياسي الايديولوجي أي أنه تكنوقراط وليس سياسيا رغم اقترابه العملي سنة 2012 من تحالف القوى الوطنية (بقيادة محمود جبريل)، وهو أصيل مدينة طرابلس العاصمة ونائبا في انتخابات جوان 2014 عنها (تحديدا عن دائرة حي الاندلس)، وقد تم اختياره رئيسا للجنة الطاقة في المجلس كما تم تعيينه عضوا في لجنة الحوارليصبح في 08 أكتوبر 2015 رئيسا للمجلس الرئاسي ورئيسا لحكومة التوافق الوطني….

وهو من مواليد 20 فيفري 1960، وقد بدأ حياته المهنية كمهندس في إدارة المشروعات بصندوق الضمان الاجتماعي، ثم عمل كمستشار هندسي فكانت له مُشاركات بالعديد من اللجان المتخصصة لدراسة وتصميم المشروعات، كما اتجه إلى العمل الخاص فكان عضواً مؤسسا لمكتب “تريبوليس” للاستشارات الهندسية، وعرف عنه صداقته مع الإداريين وكبار الموظفين وقد عُرف عنه علاقاته الممتدة مع عدد من الموظفين التكنوقراط في حقبة القذافي بناء على ارتياده لعدد من مقاهي ومجالس طرابلس مع أولئك الأصدقاء وخوض مُناقشات حذرة حول الأوضاع الإدارية والاجتماعية …

وفائز السراج هو ابن مصطفى السراج (أحد رفقاء السياسي المعروف والمناضل الليبي بشير السعداوي في حزب المؤتمر الليبي يومها)، وقد كان والده وزيرا للاقتصاد، ثم للتعليم في العهد الملكي،وقد كانت عائلته تقيم خلال السنوات الماضية في مصر حتى بداية سنة 2017 ثم رحلت الى بريطانيا تحت رعاية شقيقه والذي كان موظفا قنصليا سابقا في الامارات قبل تقاعده منذ سنتين…

تضارب مواقف الأطراف المحلية من السراج وموقع كُل طرف منه

  • الليبراليون:  

المساحات المشتركة بين السراج والتيار الليبرالي تبقى ممتدة ومفتوحة ولكنها ستختلف من حزب الى آخر ومن شخصية الى أخرى وستغلب عليها عقلتي “الغلبة” و”الغنيمة”:

  • تحالف القوى الوطنية: رغم ان السراج أقرب للتحالف (انضم اليه عمليا سنة 2012 كما أسلفنا الذكر)، إلا أنه لا ينظرُ بارتياح لجبريل وحزبه نتاج الصراع على الزعامة ونتاج اصطفاف جبريل في مرحلة معينة مع الكرامة….
  • حزب الجبهة الوطنية: السراج غير متواصل مع قيادات الحزب، ولا يعرف الحزب وطبيعته ومواقفه وكل فكرته عليهم انهم امتداد لجبهة الإنقاذ (أكبر مكونات المعارضة الراديكالية للقذافي)، وقد تتكيف العلاقة مع الحزب بناء على تواصله من عدمه مع شخصيات قريبة من الحزب على غرار الغرياني وأبوشاقور وآخرين…
  • تجمع الوطنيين الأحرار: يعتقد قياديي هذا الطرف السياسي أن السراج وفريقه مرحليون وأن المُهم عموما هو الامتداد الافقي تجاه جماهير الشعب الليبي…
  • تكتلات سياسية أخرى: على غرار “حراك نعم ليبيا” (خليط بين بعض فبرايريين وبعض سبتمبريين)، وهو تيار ليبرالي قد يجد مثله مثل مكونات ليبرالية صغيرة مساحات مستقبلية مع السراج أو ينصهر داخل بوتقته الحزبية والتي من المتوقع ان تُؤسس له خلال الأسابيع والأشهر القادمة…
  • الإسلاميون

طبعا فسيفساء التيار الإسلامي متنوعة وتختلف في رؤيتها للصراع الليبي المحتدم منذ 2014، مما يعني ان رؤيتها للمجلس الرئاسي ولرئيسه الحالي فائز السراج، هي رؤى متباعدة بل ومتضاربة ولكنها مواقف ترتكز على التفاعل مع الوقائع، فالسراج كان مرفوضا من طرف تيار فبراير والإسلاميين خاصة اثر دخوله العاصمة، بينما يغلب على تيارات الإسلاميين وتنظيماتهم حاليا القبول المتفاوت به على اعتبار أنه خصم رئيسي لعدوهم الألد اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وهو حليف مرحلي لتيار الاخواني، وخاصة لذراعهم السياسية أي حزب العدالة والبناء(بقيادة محمد صوان)، وهو اليوم مقبول مرحليا بالنسبة لحزب الوطن وبقية مكونات السلفية الحركية وهو مرفوض من إسلاميين آخرين شخصيات واطراف وتيارات وأحزاب وفاعلين في المجتمع المدني والأهلي والقبلي…

  • العدالة والبناء: هُو أقرب الأطراف التي لها تواصل سياسي دوري مع السراج، وتُسانده في بعض مواقف، وفي الأخير قد تفرض المعطيات الإقليمية والدولية على الحزب التمسك بالسراج كخيار مرحلي ومستقبلي أيضا بما في ذلك خلال الاستحقاقات الانتخابية المرتقبة في ربيع 2019، وحتى عندما فاوض المشري مجلس النواب في مبدأ القبول بحصر تركيبة الرئاسي في تركيبة ثلاثية (عضو عن كل منطقة)، سرعان ما تم التراجع عن خيار استبعاد السراج من رئاسة المجلس الرئاسي، بل تم دعمه في اجراء تغييرات جذرية على حكومته بل تم تسمية وزراء محسوبين عمليا على الحزب، والخلاصة ان الحزب سيبقى حليفا للسراج معطيا إياه هامش للمناورة حسب المتغيرات والتطورات وسيتابع طبيعة الرهانات وطبيعة القرارات المتخذة خلال المرحلة القادمة، وسيكون مؤتمر الحزب في جانفي المقبل محددا لسياسات الحزب وبالتالي التموقع بجانب السراج أو أخذ مساحة عنه…
  • الاخوان: ليس خافيا على أحد أن هناك خلافات بين قيادات الاخوان وبعض قيادات الحزب في رؤيتهم لطبيعة التطورات منذ 2015 وأساسا الموقف من اتفاق مفاده دعمه الصخيرات بل وحدث التجاذب بشكل كبير حتى بين الاخوان وخاصة بين تيار المشارقة (الأقرب للتمسك بخيار الارتباط بالحركة الأم تنظيميا وفكريا وسياسيا) وتيار المغاربة والأخير يميل الى فصل الدعوي عن السياسي وإبقاء العلاقة بالأخوان في سياقها الفكري فقط، وعلاقة السراج بالأخوان المسلمين الليبيين ليست حدية من كلا الطرفين فهو لا يتبنى الرؤية الاستئصالية ويعمل مع بعضهم كاستشاريين وكأفراد في المؤسسات المختلفة في الحكومة والمجلس الرئاسي على غرار بعض مستشاريه، ويعتبرهم أنزه واقدر من غيرهم، وقد رفض القطيعة معهم حتى عندما أرسلت اطراف إقليمية رسائل له توحي بدعمه ان هو اخذ مسافات قطيعة مع الأخوان …
  • حزب الوطن: العلاقة مع السراج ومحيطه تبدو علاقة تنافر سياسي، ولكنها ليست صدامية أو عدائية، وهي علاقة أقرب للقطيعة ومحدداتها غامضة وحذرة…
  • باقي مكونات السلفية الحركية: أغلب مكوناتها ترفض المجلس الرئاسي ولا تعترف به وهي أقرب لحكومة الانقاذ السابقة، رغم انها تناصب العداء للسلفيتين الجهادية والمدخلية…
  • المحافظون: وهم أنصار المفتي وبعض المختلفين مع الاخوان فكريا وسياسيا وتنظيميا أو يرون أنهم قد انحرفوا بثورة فبراير، وهؤلاء سيبقون على مسافة من السراج وهو سيبقى محترزا منهم هو ومحيطه نتاج طبيعة الرهانات السياسة وخوف السراج من التواصل معهم ومما يعني له فقدان بعض حلفاء آخرين…
  • الصوفيون: وهم تيار متصاعد في ليبيا خاصة بعد المؤتمر الأخير لرابطة علماء ليبيا وطرد عارف النايض منه، وهؤلاء وإن ليس لهم علاقات مع السراج ومحيطه فانهم قد يوظف جزء منهم لخدمة مشروعه، كما قد يتم توظيف بعضهم من أطراف اقليمية ودولية لصالحه بآليات غير مباشرة…
  • السبتمبريون

وهم ليسوا وحدة متكاملة لا سياسيا ولا تنظيمياولا في قراءة المستجدات، حيث يختلفون في مقارباتهم للسياسيين ولمختلف التيارات الفكرية وأيضا من حيث اصطفافاتهم المحلية أو الاقليمية أو الدولية، وقد اقترب بعضهم من السراج وروجوا له وحاولوا احتواءه في 2017 وتداولوا أنه خيار أمريكي مستقبلي وانه من الممكن اختراق مجاله واحتوائه وأنه لابد من لعب ورقته، وفي وقت لاحق وعندما لم يتماه معهم أصبحوا يروجون علنا عبر مواقعهم وصفحاتهم وبين أنصارهم، أنه مرتهن وأنه جاء ليقبل بما رفضه القذافي، ثم زاد سخطهم وغضبهم عليه عندما قام بالتحوير الوزاري الأخير وخاصة بسبب تعييه لــ”باشاغا” و”العيساوي” وتفكيره في تغيير وزيري الخارجية والحكم المحلي (المحسوبين عليهم نظريا)…

وعمليا للسبتمبريين اشكالات من البداية مع بعض المقربين منه على غرار أحمد معيتيق والذي يشن الذباب الالكتروني الخاص بهم حملات تشويهية عليه بشكل مستمر، والثابت أيضا أن بعض أنصار القذافي من رجال الامن الداخلي والخارجي هم أقرب للسراج ويشتغلون تحت إمرته، وهؤلاء وظفوا له حزبيين واداريين وشبكات وعلاقات في الداخل والخارج….

  • حفتر ومُحيطه الحالي

نتاج العقلية المركبة لحفتر، فإنه لا يرتاح عمليا لكل صاحب سُلطة وكل من له موقف أو من تقف وراءه قُوى وأحزاب ومكونات أو يحس أنه مدعوم خارجيا أو قد يكون خيارا مستقبليا، وهذا هو الاشكال لحفتر مع السراج، ولن يكون له أي اشكال معه في صورة اخذ وعد بانه سينسحب من الساحة بل انه قال في “باليرمو”، أن السراج هو “الربان ونحن لا نغير الربان عند عبور النهر”، ولكن يبقى السؤال الأهم بناء على أي أسس يتعامل السراج مع حفتر؟، فهو يحرص على عدم استفزازه ورفض تعيين وزير دفاع منذ 2016 وترك المنصب شاغرا، وهو لم يرد على استفزازات حفتر في أكثر من مناسبة على غرار رفض حفتر لقائه في القاهرة في بدايات 2017 ومعلوم انه، ثم التقاه في ابوظبي منتصف 2017 وفي باريس في جويلية 2017 ثم في باليرمو في نوفمبر الماضي، كما راج في الكواليس انه التقاه الأيام  الأخيرة في روما وتم برمجة لقاء في الأردن (قيل أنه الغي)، ومن المنتظر ان يلتقيه مجددا في قادم الأيام رغم تغير مواقف حفتر باستمرار وهو ما قد يؤدي لقطيعة مفترضة بينهما مستقبلا مع أن البعض يُروج أن السراج يتكتم عن اتفاق غير معلن بينه وبين حفتر بدعم أطرف إقليمية ودولية…

  • علاقاته بعقيلة صالح والمشري والآخرين
  • علاقة السراج مع عقيلة صالح يغلب عليه التوتر والتنافر، أولا أن صالح حليف للثني وحفتر، وثانيا بسبب التموقع وبسبب الزعامة المستقبلية وطموحات صالح عالية الوتيرة و بحثه عن علاقات خارجية…
  • علاقة السراج بالمشري ودية، وهي أفضل من علاقته السابقة مع السويحلي وهي مترتبة على ودية علاقاته مع حزب العدالة والبناء والاخوان، وهما (المشري– السراج)متماهيان في رؤية عدد من القضايا المهمة سياسيا واقتصاديا ومرحليا وهو ما تجسد في إصراراهما في باليرمو في رفض اسناد خطة القائد الأعلى مرحليا لحفتر…
  • شخصية السراج المُتسمة بالإدارية وهدوء الشخصية تجعله محل ارتياح من أغلب الأطراف والشخصيات، ولكن موقعه الحالي وإمكانية بقاءه مستقبلا في المشهد جعلت البعض يعتبره خصما وعائقا أمام عدد من الفاعلين في مجلسي “النواب” و”الأعلى للدولة” وحتى بعض الوزراء وعديد الزعامات القبلية والسياسية والاجتماعية….

 تضارب المواقف الاقليمية من السراج وعلاقاته بكل دولة

  • مؤثرات شخصية السراج في علاقاته الاقليمية

شخصية السراج وكما بينا من خلال استعراض سيرته الذاتية ومسيرته غير صدامية ولا هي انفعالية، وهي شخصية مرنة وقد تصل الى درجة السلبية أحيانا حتى أن مُقربين من دوائر المجلس الرئاسي الليبي قد أكدوا أن السراج وبعض أعضاء الرئاسي قد قبلوا بتجاوزات بعض المحيطين بهم وأن بعض مسؤولي المليشيات أساؤوا إليهم اساءات مباشرة في أكثر من مناسبة وخاصة سنتي 2016 و2017 كما فرضوا عليهم شروطهم واملاءاتهم، ولكن تطورات سياسية واجتماعية فرضت على السراج تغيير معاملاته منذ سنة 2018 وخاصة بعد اشتباكات جنوب طرابلس في أوت الماضي بل وأصبح يرفض الاملاءات والتجاوزات ويتمسك برؤاه وقراراته وبالترتيبات الرسميةوأصبح يتمتع بكاريزما سياسية مُعتبرة في التعامل البروتوكولي وفي اتخاذ المواقف وإدارة اللقاءات والعلاقات …

ومع ذلك فالسراج يميل غاليا الى الأخذ برأي مستشاريه في اتخاذ المواقف والقراراتالحاسمة وفي تنزيلها أو تحويلها الى أوامر نافذة حتى يصل به الأمر بعدم تقدير مواقف بقية المؤسسات أو الأطراف، وهو لا يزال يرفُض الصدام وتوتير المواقف مع أي طرف إقليمي ويميلُ الى البُعد الديبلوماسي وعدم اثارة أي مشكل وهو لا يميل للضغط أو الحرص على الدفع نحو مسارات بعينها، ويُؤمن بالحوار والمقاربة التفاوضية وحل الإشكالات بطرق دبلوماسية …

* طبيعة العلاقة مع القطريين والأتراك

  • يتابع السراج العلاقات بهم بنفسه ويحرص على عدم توتير العلاقة بهم رغم حرص بعض مستشاريه من الإداريين السابقين ومن أنصار القذافي في أكثر من مرة على الوقيعة بينه وبينهم، وقد أصر خلال المدة الماضية مثلا على استقبال الاتراك كما كان واضحا في رفض ما حدث مع الاتراك في باليرمو، وكان قد طلبتدعيم حضور القطريين والأتراك في ليبيا استثماريا كما حرص على حل اشكال المهندسين الاتراك في أوباري منذ أشهر…
  • رفض السراج في أكثر من مرة توجيه الاتهامات المجانية للقطريين والأتراك…
  • قبل السراج أثناء استقباله وزير الخارجية التركي فتح تحقيق مشترك مع الاتراك في حادثة السفينة التي وصلت وبها ذخيرة الى مدينة الخمس…

* حول العلاقة مع السعوديين

يحرص السراج على دعم العلاقات السعودية الليبية بل ويدفع سيالة والمقربين منه على تطوريها ودعمها، وقد زار السعودية في بداية جوان الماضي لمدة يومين وهي الزيارة التي بقيت اجنداتها غير معروفة وعليها أكثر من نقطة استفهام، خاصة وأنها قد سبقت يومها موضوع الإعلان عن الإصلاحات الاقتصادية في العاصمة التونسية…

وبعد تلك الزيارة تم الحديث عن وساطة قام بها السفير الليبي السابق في السعودية بين اللواء المتقاعد خليفة حفتر وبعض قيادات مدينة مصراتة…

ومقابل ذلك صمت السراج سنتي 2016و2017 عن الحضور المتنامي للتيار المدخلي القريب من السعوديين تنظيميا وفكريا وسياسيا وخاصة في مدن الغرب الليبي على غرار صرمان وصبراطةومسلاتة والخمس…

* العلاقة مع الاماراتيين والمصريين

  • رغم أن البعض يدعي أن الاماراتيين قد نجحوابطريقة غير مباشرة في قطع الطريق على أحد المرشحين اثناء حوارات الصخيرات مما سمح بوصول السراج لمنصبه الحالي بعد ان كان خيارا ثالثا وليس أوليا بين المتفاوضين يومها (معروف ان الإماراتيين يؤمنون في الصراعات بالترتيب للخيارات البديلة)، ولكن المؤكد أن السراج لم يتماه بشكل كُلي مع الخيارات الإماراتية (ربما ليس اختيارا منه) خلال السنتين الماضيتين، وهو ما دفعهم الى مزيد توطيد العلاقة مع عارف النايض من جهة وباللواء خليفة حفتر من جهة ثانية إضافة الى أن الاماراتيين حاضرين عبر آليات متعددة ومنذ مدة في الغرب الليبي بغض النظر عن استيعاب الرئاسي الليبي والسراج تحديدا لذلك الحضور المتعدد الأشكال أو صمته على ذلك…
  • عمليا تبقى علاقة السراج بالإماراتيين حذرة ويسودها الغموض والارباك والمراوحة بين التمدد والانحسار وهي قابلة لكل الاحتمالات خلال الأسابيع والاشهر القادمة خاصة في ظل التباينات بين المصريين والاماراتيين من جهة وبين حفتر وكل حلفائه الإقليميين في نقطة مدى طموحاته السياسية من جهة ثانية…
  • علاقات السراج بالمصريين ليست بعيدة عن علاقاته بالإماراتيين، ورغم أن المصريين حادين في انتقاده إعلاميا وسياسيا،فإنهم يحتفظون بعلاقات مباشرة مع بعض المقربين منه وفي ديبلوماسية التعامل المباشر معه ومعلوم أن للسراج علاقات قديمة مع مسؤولين مصريين بارزين خصوصا وانه قد أقام لفترة في القاهرة بل أن عائلته كما سلف وان ذكرنا ذلك في الحلقة الأولى كانت أيضا هناك حتى بداية 2017…
  • ستبقى علاقة السراج مع القاهرة قابلة للذهاب في كل الاتجاهات مع غلبة خيار التقرب والتحاور الحذر، ومعلوم أن النظام المصري قد دخل أخيرا على خط التفاوض بين السراج وحفتر بناء على طلب الأول وساطة المصريين ليبتعد حفتر عن استعمال ورقة النفط مرة أخرى، وقد لُوحظ حفاوة القاهرة من أسبوعين بالوزير علي العيساوي ورغبتهم في التعامل التجاري والمالي مع طرابلس…

* العلاقة مع الجزائريين

  • يدعم الجزائريون حكومة الوفاق الوطني، ويحرصون على الحد من التدخل الخارجي وليس لهم أي فيتو معلن على السراج، ولكن التواصل معه نادر وحذر وتغلب عليه العقلية الديبلوماسية…
  • يعرف السراج جيدا أنه لا حل في أي موضوع ذي ارتباطات إقليمية بدون الجزائريين، فهم عصب المنطقة المغاربية سياسيا وعسكريا وديبلوماسيا نتاج مؤثرات تاريخية وجغرافية ولوجستية وإقليمية…

* العلاقة مع المملكة المغربية

  • تتسم السياسة المغربية الملكية بعدم التوضح الكامل للمتابعين وتعتمد الطرق الناعمة والصامتة وهم على علاقة ودية مباشرة مع السراج ويدعمونه وهم ليسوا بعيدين كما يتصور البعض عن الملف الليبي وارهاصاته وتطوراته، وهم على علاقة تواصلية بأهم الفاعلين السياسيين وناشطي المجتمع المدني الليبي وبعض الشخصيات الفاعلة حاليا كانت تقيم في المغرب اثناء حكم القذافي على غرار بعض افراد عائلة سيف النصر وأيضا أبناء رئيس وزراء ليبيا الأسبق محمد عثمان الصيد وخاصة نجله أسامة الصيد والذي رُشح لرئاسة الحكومة الليبية في أكثر من مناسبة بين سنتي 2013 و2018
  • ليس غريبا خلال الفترة القادمة أن تمتلك المغرب من جديد وعبر دعم دولي واقليمي متابعة الملف الليبي واحتضان حوارات ليبية – ليبية مجددا في العاصمة الرباط…

* العلاقة بالتونسيين

  • السياسة التونسية تجاه الملف الليبي منذ 2017 يسودها الارتباك وعدم الإلمام والاقتصار على مسايرة التحركات الدولية وأخذ مربعات صغيرة في التحركات والاتصالات مع الفرقاء الليبيين (زار الجهناويليبيا في ثلاث مناسبات سنة 2018 في ظرف شهرين منها مرتين للشرق الليبي)
  • هناك تضارب كبير بين توجه الوزير في الاقتراب غير المعلنمن المحور الاماراتي المصري وحرص الحكومة والسياسيين على الحياد وعدم الاصطفاف، ولا يحتفظ التونسيون بعلاقات كبيرة مع السراج مع أنه محل ترحاب بروتوكوليا ورسميا رغم أن علاقات بعض وزرائه ومستشاريه ممتدة مع أهم السياسيين التونسيين وخاصة مع بعض مستشاري الرئيس السبسي ومن بعض قيادات حركة النهضة …
  • على السراج الوعي والانتباه العملي أن تونس وبغض النظر عن الهوية السياسية للحكومة الحالية أو ما بعد 2019، رقما مهما بسبب عدم وجود أطماع سياسية تونسية مباشرة في ليبيا ونتاج العلاقات التاريخية والاجتماعية بين البلدين ونتاج تجسد عملي وميداني لمقولة ان التونسيين والليبيين هم “شعب واحد في بلدين”…

* العلاقة مع الأردنيين

  • المملكة الأردنية ليست بعيدة عن الملف الليبي كما يعتقد بعض المتابعين فهي على تواصل مع طرفي الصراع،ورغم أن البعض يعتبر العاصمة عمان قاعدة خلفية لمحور “حفتر – مصر-الإمارات”(بعض سياسيين ليبيين يعتبرون أن الأردن هي “غرفة عمليات المحور المصري الاماراتي السعودي”)، فان الأردنيين رسميا وعلى مستوى الخطاب السياسي محايدين تجاه طرفي الصراع…
  • التقى الملك عبدالله الثاني السراج خلال الأسابيع الماضية وعقد معه عدد من الاتفاقيات المهمة سياسيا واجتماعيا…
  • كان مبرمجا أن تحتضن عمان لقاء بين السراج وحفتر ومعلوم أن بعض مواقع وقنوات قريبة من حفتر والاماراتيين، تتخذ من الأردن مقرا لها…
  • السفير الليبي في الأردن محمد حسن البرغثي مرشح لمنصب رئيس الحكومة إضافة الى الحديث عن ترشيحه في وقت سابق لعضوية الرئاسي عن المنطقة الشرقية…

* السودانيون والملف الليبي

  • جدلية العلاقة بين النظامين السوداني والليبي تاريخية حيث كان هناك تجاذب بين القذافي وكل سياسيي السودان وحكامه منذ السبعينات على غرار النميري ثم سوار الذهب فالصادق المهدي فحسن الترابي (رئيس البرلمان الأسبق )فعمر حسن البشير…
  • علاقة الخرطوم مع السراج فهي ودية نتاج رؤية السودان للازمة الليبية وتدعمت خلال مؤتمر الخرطوم الأخير الخاص بدول الجوار الليبي وقد توطدت من خلاله العلاقات بين البشير وحكومة التوافق الوطني خاصة على المستوى الأمني،
  • معلوم أن اعداد السودانيين في التنظيمات الإرهابية في ليبيا لافتة لنظر المتابعين إضافة الى ان المعارضة السودانية متواجدة في الجنوب الليبي بأشكال مختلفة، وهو ما سيُلح على الحكومتين التواصل والتفاوض ووضع اتفاقيات مشتركة في كل المجالات الحيوية وخاصة في المجلين الأمني والاقتصادي….

* بقية دول الساحل والصحراء والملف الليبي

وإن كانت بعض الدول الافريقية لا تملك سياسات إقليمية مستقلة ولا هي محددة للخيارات الكبرى وأسس التفاعل مع التطورات السياسية والاقتصادية فان تأثيرها في الملف الليبي سيبقى مُهما وهو ا يعني أن على الدبلوماسيين والسياسيين في ليبيا وضع تلم الأهمية السياسية والاستراتيجية في الاعتبار، ولا شك ان السراج والمقربين منه يعون ان نجاحهم مرتبط آليا بإيجاد صيغ ومفاهمات مع الدول الساحل والصحراء لكبح جماح عصابات التمرد والتهريب والإرهاب الناشطة في الصحراء الكبرى وخاصة في التشاد والنيجر ومالي، واضافة الى كل ذلك لابد عمليا من الوعيبخطورة الاختراقات الإسرائيلية الأخيرةفي اتجاه القارة السمراء وخاصة في التشاد لان ذلك سيضع السراج والرئاسي وحكومة التوافق في مأزق كبير نتاج تطور علاقات حفتر وحلفائه مع مكونات وأطراف في النيجر والتشاد إضافة الى ان حدود ليبيا مع التشاد والنيجر وباقي الدول الافريقية ستزيد أزمة جديدة على الازمات الموجودة سابقا وخاصة الخلايا الإرهابية التي تتحرك في الجنوب الليبي والتي قد تجد في أجندات ومطامح الصهاينة وبعض قوى اقليمية ودولية سندا مهما لإقامة امارة هناك تكون سيفا مسلطا على حكومة التوافق أو أي حكومة قادمة في ليبيا…

* أي دور للدول والمحاور الإقليمية في المستقبل السياسي للسراج

مما لا شك فيه ان مستقبل الأنظمة السياسية منذ السبعينات يُدار بمنطق القابلية للاصطفاف لأحد المحاورالإقليمية العربية والإسلامية رغم إعادة التشكل المستمر لتلك المحاور وبالتالي يمكن الجزم أن مستقبل ليبيا كبلد ومستقبل حكومة الوفاق ورئيسها فائز السراج مُرتبط بقدرته على التماهي مع التطورات البينية داخل المحورين الاقليميين وعدم السقوط في الاصطفاف لأحدهما بسبب ظروف ليبيا الذاتية والموضوعية اضافة للتطورات المنتظرة والسريعة الممكنة والمتوقعة داخل المحورين الإقليميين الحاليين وفي العلاقة بينهما (المحور “القطري – التركي” – المحور “المصري – الاماراتي – السعودي )

كما لابد من الوعي بالأهمية الاستراتيجية لدول الجوار وخاصة الدول المغاربية والعمل على المساهمة الليبية بأشكال عدة في وقت لاحق بعد حل الازمة الليبية سياسيا في إعادة إحياء الاتحاد المغاربي بآليات جديدة ومنطق ونفس جديدين…

 المواقف الدولية من السراج وعلاقاته الخارجية

  • مؤثرات شخصية السراج في علاقاته الدولية

فائز السراج وكما بينا من خلال الحلقتين السابقتين، هو شخصية هادئة ويغلب عليها الحذر والتردد وهو شخص غير صدامي ولا هو انفعالي، وفائز السراج اقرب للمحافظة سياسيا ودبلوماسيا ومن الصعب عليه أن يقدم على خطوات وعلاقات في اتجاه ضد الأحداث أو الارتباط الاصطفافي، ولكنه قد يقبل أن يرتبط ضمن الخيارات المطروحة في ليبيا بلوبيات ومحافل عالمية لطبيعة ثقافته السياسية الناشئة  – رغم تطورها السريع والديناميكي – مع أنه قادر أن يكتسب كاريزما سياسية مستقلة وأخذ مساحات تمكنه من اكتساب علاقات خارجية ودولية ممتدة مع رؤساء دول وفاعلين من قوى دولية نافذة، ولكنه قد يضع نفسه أيضا خارج لوبيات الداخل مما يسهل لاحقا الانقلاب عليه وإخراجه من مسرح الأحداث (خاصة في ظل حديث مروج خلال الأيام الماضية أنه قد يطلب منه من اعضاء الرئاسي ضمن ترتيب معين أن يكون عضوا عاديا فقط في الرئاسي لا غير)

وعمليا أصبح السراج بعد أحداث جنوب العاصمة (في أوت الماضي)، يرفض الإملاءات والتجاوزات ويتمسك برؤاه وقراراته وبالترتيبات الرسمية وأصبح يتمتع بقدرات تراكمية مُعتبرة في التعامل البروتوكولي وفي اتخاذ المواقف وإدارة اللقاءات والعلاقات …

ومع ذلك سيبقى السياسي الذي يميل غالبا إلى الأخذ برأي مستشاريه في اتخاذ المواقف والقرارات الحاسمة وفي تنزيلها أو تحويلها الى أوامر نافذة،  وهو يتجنب باستمرار الصدام وتوتير المواقف مع أي طرف إقليمي أو دولي ويميلُ الى البُعد الدبلوماسي وعدم إثارة أي مشكل وهو لا يميل للضغط أو الحرص على الدفع نحو مسارات بعينها، ويُؤمن بالحوار والمقاربة التفاوضية وحل الإشكالات بطرق دبلوماسية …

* الأمريكيون والسراج

يرتكز الأمريكيون في سياساتهم على استحضار العملي لسيناريوهات عدة والدعم لأحدها في الوقت المناسب عندما يكون ذلك السيناريو متماهيا مع طبيعة التطورات والمصالح الأمريكية، والسراج هو احد السيناريوهات المطروحة أمريكيا لاعتبارات عدة وقد زار الولايات المتحدة الأمريكية قبل إمضاء اتفاق الصخيرات بين فرقاء الصراع الليبي، وكانت الزيارة يومها ضمن وفد من الفاعلين الليبيين وقيل انه عقد لقاءات مهمة مع مؤسسات وشخصيات أمريكية مهمة ومؤثرة  كما زار واشنطن مرة ثانية نهاية 2017 كرئيس لحكومة الوفاق وقد ارتاح الأمريكيون لهدوء شخصيته والتزامه السياسي، ومعلوم أنه انفرد بالسفير الأمريكي في ليبيا في العاصمة التونسية في أكثر من مناسبة إضافة للقائه بالسفراء السبع في أوت الماضي، كما من الثابت أن السراج مقبول من كل الدول التي تقوم بأدوار وظيفية للسياسات الأمريكية على غرار ما أوردناه أسفله حول علاقاته بالايطاليين والألمان إضافة للأردنيين وبقية الأذرع الإقليمية الخادمة للسياسات الأمريكية بشكل أو بآخر، ولكن الأمريكيين براغماتيين وديناميكيين في رؤيتهم للتطورات والمتغيرات في المنطقة ولهم رؤية تقوم على القابلية للتغيير النسقي بين الأوضاع السياسية في كل من تونس والجزائر وليبيا ومصر من حيث العلاقات السياسية وتماهي ذلك مع السياسات الأمريكية وبالتالي فبقاء السراج من وجهة النظر الأمريكية أو بالأحرى دعم بقائه من عدمه مرتبط بالسياق الإقليمي وعاملي التأثير والتأثر بين كل من ليبيا وتونس من جهة  وليبيا ومصر من جهة ثانية ووارد ذهابه أو بقائه بناء على وضعية تأرجح الوضع الليبي بين الخيارين التونسي والمصري…

* طبيعة العلاقة مع الفرنسيين

ما يقود الفرنسيين هو المحافظة على وجودهم القوي في أكثر من حوالي عشر دول افريقية والمحافظة على المساحات الإستراتيجية اقتصاديا وسياسيا وطبعا يلعب الجنوب الليبي موقعا رئيسيا في تلك الإستراتيجية وبغض النظر عن اختلاف الرؤى في الإدارة الفرنسية الحالية تجاه الملف الليبي خاصة والعالم العربي عموما،  قامت السياسية الفرنسية منذ سنتين على ثنائيتين:

** معالجة ترتبات الأزمة ليبيا وانعكساتها على المصالح الفرنسية عبر التماهي مع الإماراتيين والمصريين على الأرض في فرض حاكم أقرب للعسكرية خاصة بعد احتواء الكرامة في الشرق الليبي…

** الصراع مع الايطاليين في استقطاب الفاعلين السياسيين والاجتماعيين في ليبيا الجديدة وحول ملفي النفط والغاز، مع أن الفرنسيين استغلوا في نهاية 2017 وبداية 2018 ضعف الحكومة الايطالية والتجاذب السياسي الداخلي بين مكوناتها فامتلكوا الملف إلا أنهم خسروه نتاج ترنح قرارات اتفاق باريس وربح الايطاليون في الأخير معركة إدارته…

والخلاصة أن الفرنسيين ليسوا حلفاء للسراج وأعينهم على خلفاء محتملين له رغم تغيير السفيرة ونية إعادة السفارة في أفريل المقبل وهم سيشتغلون خلال الأشهر القادمة على سيناريوهات بديلة تمكنهم من نفوذ خارج مربعات الجنوب الليبي بمعناه التاريخي…

* السراج والعلاقة مع الايطاليين

يحرص السراج على دعم علاقاته مع الايطاليين باعتبارهم المعبر عن السياسات الأمريكية ومنفذين حرفيين لمتطلبات دورهم الوظيفي، وهم يعتبرون السراج خيارا حتى إيجاد البديل الأفضل وهو اختيار مرحلي معمول به منذ جوان الماضي ومعروف أنهم لخصوا موقفهم من الأزمة الليبية بعد باليرمو بالقول أنهم “ابتلعوا السراج وتقيئوا حفتر” مع التأكيد أنهم لا يزالون يشتغلون على حل يحتوي حفتر ولا يستبعده ولكنه لا يعطيه أكثر من حجم فاعل يضبط المنطقة الشرقية ضمن حل وفاقي يضمن مصالح الايطاليين، وهو ما يفسر تعدد سفرات حفتر والسراج إلى روما خلال الأسابيع الماضية بدلا من اللقاءات التي برمجت للالتئام في الأردن وبروكسال …

والخلاصة أن السراج سيبقى ورقة ايطالية حتى توضح خيار بديل ولكنه خيار مرتبط مرحليا بحل سياسي يضمن للجميع موقعا مريحا والايطاليين يؤطرون التغير في مواقفهم بناء على التماهي مع معطيات السياسات الأمريكية ووفقا لورقتي النفط والغاز والعلاقة المتغيرة في كل الاتجاهات مع المصريين…

* العلاقة مع الالمان

لعب الألمان دورا محوريا في مراقبة المتغيرات سنتي 2011 و2012 في كل المنطقة المغاربية، وهم بدوا هادئين في قراءة بل والتفاعل مع التطورات المتسارعة منذ 2014 في ليبيا وبدوا مراقبين وليسوا بفاعلين، ولكن من المنتظر حضورهم المتنامي خلال الأسابيع والأشهر القادمة وتحولهم إلى قوة اقتراح وفعل، أما رسميا فيمكن التأكيد أن الألمان يسندون السراج وحكومة الوفاق ويفضلون انتصار خيار فبراير مع مصالحة وتوافق بين جميع الأطراف مع أنهم متماهين أيضا مع بعض السياسات الأمريكية في المنطقة ….

* العلاقة مع بقية دول الاتحاد الأوروبي 

تسند بقية الدول الأوروبية حكومة الوفاق باعتبارها معترف بها دوليا وأمميا وذلك لا يُغيب أدوار قوية صامتة للسويسريين والهولنديين (مفاوضات النزل الغابي في أوت الماضي مثالا) والبلجيكيين خاصة في ترتيب لقاءات وحوارات وبعض أجندات وأدوار وساطة في عدد من الملفات، وهو ما يعني أن بقاء السراج من عدمه ستؤثر فيه هذه الدول بأنساق معينة بناء على الأدوار والأجندات التي اشرنا إليها، أما مواقفها المعلنة رسميا فسترتبط بفعل ومواقف البعثة الأممية …

  • الروس والسراج دعم لا يتجاوز الرسمي والدبلوماسي

رغم أن سياسات الروس تتسم بالغموض ورغم أنهم يعلنون رسميا أنهم يقفون على نفس المسافة مع جميع الأطراف والفرقاء فإنهم واقعيا وعمليا لا يبدون مرتاحين للسراج والفريق المقرب منه، فالروس مفتوحين في خياراتهم الغير الرسمية على حفتر وبعض رجال النظام السابق وسيف الإسلام القذافي خاصة بل وبذلوا مجهودات في العمل على إعادته للساحة خلال سنتي 2016 و2017 وتواصلوا معه مجددا منذ شهرين أو بالأحرى تفاعلوا مع محاولات مقربين منه…

وقد استقبلت روسيا كل الأطراف على غرار عضو الرئاسي احمد معيتيق كما امتدت علاقاتهم مع حفتر في أكثر من مناسبة على وكانت آخرها زيارته لموسكو يومي 07 و 08 نوفمبر الماضي (قبل مؤتمر باليرمو بخمس أيام فقط) مع الإشارة إلى أن بوتين لم يستقبله يومها واقتصر الأمر على لقاء له مع وزير الدفاع وشخصيات أخرى ثانوية…

أما آخر تطورات الموقف الروسي فهي تصريحات السفير الروسي الأسبوع الماضي المؤكدة على دعم حكومة الوفاق و ضرورة المضي في الحل السياسي…

والخلاصة أن الروس حذرين وعلاقتهم دبلوماسية مع الرئاسي الحالي والسراج ولكنهم لا يميلون إلى الأطراف الظاهرة حاليا في الساحة السياسية كما أنهم بالتأكيد حريصين على عدم الاشتباك المعلن والصريح مع الأوروبيين في الملف الليبي…

     * العلاقة مع المملكة البريطانية

يغلب على الأنقليز المضي في تكريس الخيارات بعيدا عن الأضواء وإن كانوا متماهين مع الأمريكيين بالأساس، فانه يمكن الجزم انهم داعمين حاليا للسراج رغم اشتغالهم على الأرض على السيناريوهات الأخرى وخاصة البديلة منها وهم حذرين أمنيا (قاموا بعملية بيضاء لترحيل دبلوماسيين في سبتمبر الماضي بدت يومها مفاجئة للمتابعين)، وهم يشتغلون على حلول  بعيدة المدى ويرتبون سياساتهم على سنوات وعقود وليس وفقا لمتغيرات يرونها تكتيكية…

* الصينيون والملف الليبي

الحضور في افريقيا وخاصة استثماريا تغلب على العقلية الصينية وبالتالي فمواقفهم المعلنة تتجنب الاصطفاف المباشر أو الاستفزاز أو الركون والاصطفاف لطرف ما في الصراعات داخل البلدان، معلوم أن للسراج علاقات مع الصينيين وشركاتهم أثناء عمله كمهندس وهو يحضى اليوم كسياسي برضا الصينيين من حيث المواقف الرسمية المعلنة…

* أي دور للقوى الدولية في المستقبل السياسي للسراج

لا يختلف اثنان أن مستقبل الأنظمة السياسية العربية منذ السبعينات يُدار بمنطق القابلية للاصطفاف لأحد المحاور الإقليمية رغم إعادة التشكل المستمر لتلك المحاور، إلا أنه أيضا مرتبط بمصالح الأوروبيين والأمريكيين باعتبارهم فاعلين رئيسيين في تركيبة المحاور الإقليمية وخيارات ثقافية وسياسية واقتصادية تؤثر فيها بأنساب معينة محافل ولوبيات عالمية وشركات عابرة للبلدان والقارات، وبالتالي يمكن الـتأكيد أن مستقبل ليبيا كبلد ومستقبل حكومة الوفاق ورئيسها فائز السراج مُرتبط بقدرتهم على التماهي مع التطورات البينية داخل المحورين الاقليميين وعدم السقوط في الاصطفاف لأحدهما بسبب ظروف ليبيا الذاتية والموضوعية اضافة للتطورات المنتظرة والسريعة الممكنة والمتوقعة داخل المحورين الإقليميين الحاليين وفي العلاقة بينهما (المحور “القطري – التركي” – المحور “المصري – الإماراتي – السعودي”)، وفي التفاعل المباشر مع تطورات السياسات الأوروبية والغربية وفي التماهي أولا وأخيرا مع آمال وطموحات الشعب الليبي  ذلك أن الأمريكيين وحلفائهم الدوليين لا يتعاملون ولا يسندون إلا من كان قويا على الأرض ويكتسب ثقة الفاعلين الاجتماعيين وخاصة في بلد تغلب على الشخصية المحلية فيه عوامل “القبيلة” و”الغلبة” و”الغنيمة”…

وفي الأخير فإن السراج وفي انتظار متغيرات جديدة ووفقا للرأي السائد حاليا لدى الفاعلين الدوليين سيبقى في واجهة الأحداث ولكن مرحليا فقط ومعلوم أن هناك اليوم في ليبيا وفي انتظار ترتبات الملتقى الوطني الجامع، أربع سيناريوهات ممكنة وهي تراتبيا:

+++ السيناريو الأول: إطالة المرحلة الانتقالية لمدة سنة ونصف أو سنتين مما يمكن غلق الملفات الحارقة وانجاز المصالحة ثم ختاما انجاز الاستحقاقات الانتخابية ضمن اطر صحيحة وضمن رؤية سياسية هادئة …

+++ السيناريو الثاني: انجاز الاستحقاقات الانتخابية بنسختيها الرئاسية والتشريعية خلال السنة الحالية (ماي أو سبتمبر)…

+++ السيناريو الثالث: مزيد من التجاذبات والصراعات مما يعني السقوط في خيار تكريس النموذج العراقي عبر حماية شركات أمنية أجنبية لحقول النفط وإنشاء منطقة خضراء في العاصمة طرابلس والمدن القريبة منها وعندها سيتقاتل الليبيون إلى ما لا نهاية لا قدر الله…

+++ السيناريو الرابع: دفع قوى إقليمية لسيناريو العسكرة وإعادة محاولة الدفع نحو خيار “سيسي ليبيا” أو إعادة البحث عن انتاج “قذافي 2 “، وهو سيناريو شبه مستحيل ومما يعني تحققه الدخول في أتون حرب أهلية مدمرة لا قدر الله …

ومرحليا يبدو وجود السراج واردا في كل السيناريوهات رغم أن وجوده في بعضها سيكون بروتوكوليا بينما سيكون وجوده في السيناريوهين الأول والثاني رئيسيا ولكنه مرحلي، أما وجوده ما بعد الاستحقاقات الانتخابية فذلك أمر ثان مرتبط بعوامل سياسية محلية وإقليمية….

المصدر: الأعداد 87 و 88 و 90 من اسبوعية الرأي العام التونسية ديسمبر 2018 – جانفي 2019

وجهات نظر 0 comments on هل فشل انصهار نداء تونس والاتحاد الوطني الحر؟

هل فشل انصهار نداء تونس والاتحاد الوطني الحر؟

نشرت مصالح الوزير لدى رئيس الحكومة، المكلّف بالعلاقة مع الهيئات الدّستوريّة والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، وثيقةُ تنفي أيّ صفةٍ رسميّة عن قرار انصهار حزب “نداء تونس” بالحزب “الوطنيّ الحرّ”، ما يُفيد بأنّ عمليّة الانصهار لا تحمل أيّ صفةٍ قانونيّة إلى حدود اليوم، وفق خبراء.

يذكر أنّ نشر الوثيقة جاء عقب طلبٍ تمّ توجيهه إلى رئيس الحكومة يوسف الشّاهد في إطار حقّ النّفاذ إلى المعلومة.

وفي هذا السّياق، قال منذر بيرم، القياديّ بحزب “نداء تونس”، إنّ “عمليّة الانصهار بين ما تبقّى من حزب نداء حافظ السّبسي والحزب “الوطنيّ الحرّ”، بقيادة أمينه العامّ الهارب، سليم الرّياحي، باطلة قانونًا”.

وأوضح :”الوثيقة الّتي نشرتها مصالح الوزير المكلّف بالعلاقة مع الهيئات الدّستوريّة والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، هي دليلٌ قاطعٌ على عدم احترام الحزبيْن المذكوريْن للقانون”، معتبرًا أنّ ما قام به حافظ قائد السّبسي وسليم الرّياحي “تحيّل على الرّأي العامّ السّياسيّ وعلى ما تبقّى من هياكل الحزبيْن”.

يذكر أنّ سليم الرّياحي، الأمين العامّ لحزب “نداء تونس” لم يعد منذ أسابيع إلى أرض الوطن، بعد سفره باتّجاه فرنسا، رغم نفيه مرارًا على صفحته الرّسميّة بوسائل التّواصل الاجتماعيّ “فايسبوك” لما تمّ تداوله بخصوص هروبه.

وكان المحامي والنّاشط السّياسي لزهر العكرمي قال إنّ سليم الرّياحي غادر أرض الوطن خوفًا من أن يُسجن بسبب قضيّة تقدّمت بها هيئة النّادي الإفريقي ضدّه بتهمة اختلاس أموالٍ النّادي لحسابه الخاصّ.

وفي وقتٍ سابقٍ تقدّم سليم الرّياحي بصفته الأمين العامّ لحزبِ “نداء تونس”، بشكايةٍ لدى المحكمة الابتدائيّة العسكريّة بتونس ضدّ رئيس الحكومة يوسف الشّاهد وعددٍ من معاونيه ومجموعةٍ من السّياسيّين، بالإضافة إلى طرفٍ أمنيّ، على غرار المدير السّابق للدّيوان الرّئاسي سليم العزّابي ومدير عامّ الأمن الرّئاسي، العميد رؤوف مرادع، بتهمة “التّخطيط والشّروع في انقلابٍ على رئيس الجمهوريّة الباجي قائد السّبسي، عبر عزله وتنظيم انتخاباتٍ سابقةٍ لأوانها.

شكايةٌ تبنّاها حزب “نداء تونس” وفق ما صرّحت به أنس الحطّاب، قبل أن يتراجع سريعًا ويعلن على لسان رضا بلحاج أنّ سليم الرّياحي تقدّم بقضيّة الانقلاب “بصفته الشّخصيّة.. ونحن لم نتبنّاها”، نافيًا أن يكون لرئيس الجمهوريّة الباجي قائد السّبسي أيّ دورٍ أو علمٍ بخطوة الأمين العامّ لحزب نداء تونس ضدّ يوسف الشّاهد.

تجدر الإشارة إلى أنّ خمسةً من نوّاب نداء تونس، وهم نوّابٌ سابقون بالحزب “الوطنيّ الحرّ” قبل عمليّة الانصهار بين الحزبيْن، قدّموا يوم الثّلاثاء الماضي استقالتهم من كتلة “النّداء” بمجلس نوّاب الشّعب، على غرار طارق الفتيتي، في خطوة فسّرها محلّلون بدليلٍ واضحٍ على تعثّر عمليّة الانصهار.

وصرّح سفيان طوبال، رئيس كتلة “نداء تونس” البرلمانيّة، في هذا الإطار، بأنّه تعذّر الاتّصال بالأمين العامّ للحزب، سليم الرّياحي، لاستفساره بخصوص الاستقالات الأخيرة.

من جانبه، كشف النّائب طارق الفتيتي، القياديّ بالحزب “الوطنيّ الحرّ” سابقًا، بأنّ قراره بالاستقالة رفقة أربعة نوّابٍ آخرين، سببه “رفضهم المبدئي لاندماج حزبيْ “نداء تونس” و”الوطنيّ الحرّ”.

وكانت تنسيقيّاتٌ جهويّة من الحزبيْن أعلنت في مناسباتٍ عديدة رفضها لقرار الانصهار.

وقبل أسابيع، أكّد المحامي والنّاشط السّياسي لزهر العكرمي أنّ “مهمّة سليم الرّياحي داخل نداء تونس انتهت.. وأنّ انتدابه كان بهدف إسقاط رئيس الحكومة يوسف الشّاهد”، مضيفًا أنّ حافظ قائد السّبسي سينقلب عليه قريبًا.

وفي السّياق ذاته، قالت المحامية سنية الدّهماني “إنّه لا يمكن ألّا يكون رئيس الجمهوريّة على علمٍ بالشّكاية الّتي قدّمها سليم الرّياحي ضدّ يوسف الشّاهد بتهمة الانقلاب”، مضيفة :”إذا ما شهدت هذه الشّكاية تقدّمًا فسيكون الباجي قائد السّبسي أوّل المنتفعين بها في خصومته مع رئيس الحكومة.. لكن، في حال حدث العكس، وانقلبت القضيّة ضدّ الشّاكي سليم الرّياحي، فسيكون هذا الأخير في فرنسا، ولا نعرف إن كان سيعود أم لا.. ويكون حزب نداء تونس قد تحصّل على 12 نائبا جديدا بطريقة مجّانيّة.. من عند سليم الرّياحي”.

وجهات نظر 0 comments on تصفية أم اشتباك؟ حقيقة ما يجري في شمال سيناء بمصر

تصفية أم اشتباك؟ حقيقة ما يجري في شمال سيناء بمصر

كشف مصدر إعلامي  أن جثث قتلى العمليات الأمنية في شمال سيناء، التي تصل لمشرحة مستشفى الإسماعيلية، قتلت بإطلاق الرصاص عليها من مسافة قريبة في الرأس والصدر، وأنها في العديد من الحالات تكون نافذة وخارقة.

وكشف أن “العديد من الجثث التي تم تشريحها ظهرت عليها آثار تعذيب في أماكن متفرقة، وأخرى ظهرت عليها آثار قيود، خلافا لما قيل إنهم قتلوا في اشتباكات مباشرة مع قوات الأمن أو الجيش”، مشيرا إلى أن آخرها كانت جثث سبعة قتلى في أبريل الماضي”.

وشدد المصدر أن “هناك تعليمات أمنية بعدم صدور أي تقرير طبي من المشرحة فيه ذكر مثل تلك الأدلة التشريحية، التي تثبت قطعا أن قتلهم كان مقصودا ودون مقاومة تذكر، كما أن العديد من الجثث لم تكن بها أي تشنجات نتيجة حمل السلاح”.

وأكد المصدر أن “بعض الجثث التي يتم تسلميها إلى ذويهم يحظر عليهم إقامة أي جنازات، أو طلب أي تقرير جديد لتشريح الجثة، ويفرض عليهم إجراءات أمنية مشددة، وغاليا ما يتم تسليمها فجرا أو قبل ذلك بقليل؛ لضمان سرية الاستلام”، واصفا أجواء تسليم الجثث “بالمرعبة”.

ضحايا الاختفاء

وعلق مدير مركز إنسانية العالمي في إسطنبول، أشرف عبد الغفار، بالقول: “للأسف الشديد هذه هي الحقيقة المُرة، حتى الآن نعرف 2300 شخص مختف قسريا، لا يعرف أحد مكانهم إلا عند حدوث طارئ أمني، فيظهرون كقتلى؛ للتغطية على موقف أو اصطناع موقف، ثم يصدر بيان أمني عن مواجهات وهمية تمت وسقط فيها عدد تلو الآخر”.

وأضاف  أن “العجب الآن أن السلطات باتت تمتنع عن ذكر أسماء من تمت تصفيتهم خلال المواجهات الوهمية، ويضطر أهالي أغلب المختطفين أن يذهبوا إلى المشارح في كل مرة للتعرف على الجثث، حتى أن المشرحة تدعي أنها لا تعرف الأسماء”.

ولم يستبعد أن تكون “أغلب الجثث في مستشفى الإسماعيلية أو مستشفيات القاهرة هي لهؤلاء المختطفين، تحت زعم سقوطهم في اشتباكات مع الأمن أو الجيش، وقد تأكد لنا أن قتلى هذه العمليات من المختطفين قسريا، أي أنهم كانوا في حوزة داخلية الانقلاب”.

أدلة تدين النظام

من جهتها، قالت الصحفية المهتمة بالشأن الحقوقي، مي الورداني، لـ”عربي21″، إنها “ليست الواقعة الأولى التي تقوم الداخلية بفبركتها؛ فقد اعتاد الأمن المصري خلال السنوات الخمس الماضية إصدار بيانات صحفية تكاد تكون متطابقة، تؤكد أن قتل المطلوبين تم بعد اشتباكات معهم، ما اضطرها إلى قتلهم جميعا”.

وكشفت أن “الصور التي تتداولها وزارة الداخلية خير دليل على أن الضحايا قتلوا بعيدا عن موقع التصوير، وتم إحضار الجثث إلى هذا المكان؛ للإيحاء بوقوع اشتباك مسلح، ولا ننسى أيضا الفيديو الذي أذاعته قناة “مكملين” عام 2017، الذي يظهر جنودا في الجيش المصري يقتلون معتقلين معصوبي الأعين في سيناء، ثم يضعون بجوار جثامينهم أسلحة آلية، وتم نشر صورهم لاحقا في بيان رسمي للمتحدث العسكري، باعتبارهم مسلحين تم قتلهم في اشتباك، وقد أكدت منظمة العفو الدولية صحة هذا الفيديو”.

وأردفت: “وهنا لا بد أن أستشهد ببيان لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، الذي أكدت فيه أن العديد من حوادث التصفية الجسدية في مصر بدا أنها عمليات قتل خلال إطلاق نار مُدبر خارج إطار القانون، شملت أشخاصا كانوا قد احتجزوا سابقا على أيدي قوات الأمن”.

وحذرت الورداني من أن “مصر أصبحت أمام واقع مرير؛ فأهالي المعتقلين باتوا يخافون الآن من مصير ذويهم إذا ما تم الإعلان عن الإفراج عنهم، فيختفون قسريا، ثم يظهرون “جثث” عليهم الاستدلال عليها، مثل ما حدث مؤخرا في مصير الـ40 الذين تم تصفيتهم بدعوى تورطهم في تفجير المريوطية، وقبلهم في تفجير المنيا”.

وتابعت: “ما أراه أن الأجهزة الأمنية ترتكب جرائم التصفية الجسدية للتغطية على فشلها من ناحية، ولتقديمهم كبش فداء لبعض العمليات المسلحة من ناحية أخرى، محاولة انتزاع دور البطولة في القضاء على ما يسمى “الإرهاب”، الذي يصنعونه يوما بعد يوم بأفعالهم وبشلال الدم، الذي لم يتوقف منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013.

عربي 21

البارزة, وجهات نظر 0 comments on طريق حكومة عادل عبد المهدي و ألغام الدولة العميقة .. بقلم عبد الحسين شعبان

طريق حكومة عادل عبد المهدي و ألغام الدولة العميقة .. بقلم عبد الحسين شعبان

استأنف البرلمان العراقي جلساته الاعتيادية بهدف التوصل إلى تسمية  الوزراء المتبقين من التشكيلة الحكومية التي باشر بها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، حيث وافق البرلمان على 14 وزيراً وظلّت العقدة قائمة بشأن وزارتين سياديتين هما وزارة الداخلية التي كانت كتلة الفتح برئاسة هادي العامري تصرّ على تسمية فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي وزيراً للدفاع، في حين ترفض كتلة سائرون بقيادة السيد مقتدى الصدر تسميته.

أما الوزارة الثانية فهي وزارة الدفاع التي تقع ضمن حصة السنّية السياسية وفقاً لنظام المحاصصة الطائفية – الإثنية السائد منذ احتلال العراق العام 2003. وكان  رئيس كتلة  الوطنية إياد علاوي قد رشح فيصل الفنر الجربا وزيراً للدفاع وهو طيار مشمول بإجراءات هيئة المساءلة والعدالة الوريث لهيئة ” اجتثاث البعث التي تأسست في عهد الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر (13 مايو /أيار/2003- 28 يونيو/حزيران/2004) وكان قد اتهم بمشاركته بقمع الحركة الاحتجاجية المعروفة بالانتفاضة الشعبانية في المحافظات الجنوبية بعد حرب الخليج الثانية (مارس/آذار/1991) وعقب تحرير الكويت، لكن محكمة التمييز برّأته من تلك التهمة، ومع ذلك قرر البرلمان للمرّة الثانية تأجيل البت بالأمر وعُلّق اختيار وزيري الدفاع ووزارات  أخرى وإن تم لاحقا تسمية بعضهم بالأقساط

وحتى كتابة هذه المقالة ما تزال التجاذبات بشأن وزارتي الداخلية والدفاع مستمرة، على الرغم من تدهور الأوضاع الأمنية وارتفاع حوادث العنف السياسي كوسيلة لتصفية الخصوم، سواء عبر القتل أم التهديد أم محاولة الاغتيال السياسي والطعن بسير الوزراء الذين تم اختيارهم بأساليب شتى، وهو ما دعا ممثل السيد علي السيستاني الشخصية الدينية المتنفذة في النجف للتحذير من عواقب هذه الظواهر المجتمعية المذمومة على حد تعبير عبد المهدي الكربائي ممثله، لأنها أخذت تهدد المجتمع وتشكل خطراً على المنظومة الاجتماعية.

ويلاحظ أن ظاهرة العنف العشائري والاعتداء على الآخرين والاستقواء على بعض الضعفاء أصبح سائداً وهو ما أثار ردود فعل مختلفة في ظل أزمة سياسية حادة وضعف الدولة وتآكل هيبتها، علماً بأن خطورتها قد تنتقل من البرلمان والفاعلين السياسيين إلى الشارع، خصوصاً على مستوى التظاهرات وأعمال الاحتجاجات، تلك التي ما تزال مستمرة منذ أسابيع في  محافظة البصرة التي تعاني من شح المياه ومن تدهور الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية والبيئية على نحو مريع مع احتمال انتقالها إلى محافظات أخرى، أو حتى اللجوء إلى لغة السلاح، لاسيّما بين جماعات مسلحة وفصائل شبه عسكرية بعضها يرتبط بالحشد الشعبي وله صلات وثيقة بإيران، وبعضها منفلت من عقاله في إطار ردود الأفعال وحالات الغضب الشعبي.

وكانت قد وصلت تهديدات إلى عدد من الناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي الأمر الذي قد ينذر بخروج الأمور عن السيطرة واندلاع العنف والفوضى.وكان مجهولون قد اغتالوا مؤخراً عضواً قيادياً بارزاً في ” سرايا السلام” التابعة للسيد الصدر وهو حسين الحجامي الذي قتل بهجوم مسلح في منطقة الشعلة ببغداد ذات النفوذ الصدري، بواسطة أسلحة كاتمة للصوت.

وعلى الرغم من البرنامج الحكومي لوزارة عادل عبد المهدي الذي أكد على محاربة الدولة العميقة ، إلا أن اختياره لم يكن بعيداً عن توافقات حصلت في داخلها وفي جوارها وحولها، ومع ذلك كان هناك استبشار أولي في تكليفه لشخصيته المتوازنة ، لكن مثل هذا الارتياح تبدد سريعاً  وخيّم على المشهد السياسي منطق الدولة العميقة مجدداً ، لاسيّما حين تشبثت القوى السياسية والكتل البرلمانية بمواقفها واستحقاقاتها كما تقول، وهكذا ظلّت مشكلة رئيس الوزراء بالدرجة الأساسية ورئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان قائمة منذ الانتخابات التي جرت في 12 مايو/أيار الماضي.

وحتى الآن فإن نحو نصف الوزارة ما يزال شاغراً وبعض الوزارات معلقة وتحتاج إلى توافقات جديدة، يقدّم فيها كل طرف تنازلات للطرف الآخر.

والحديث عن الدولة العميقة يشمل بالدرجة الأساسية اليوم حزب الدعوة الذي حكم بالتحديد منذ العام 2005 ولغاية العام 2018، وتتهم بعض الأطراف السياسية نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق لدورتين  بمحاولة عرقلة جهود عادل عبد المهدي من خلال زرعه عناصر خفيّة في أحشاء الدولة بحيث تمثل مراكز قوى، ولاسيّما داخل أجهزة الأمن والمخابرات والجيش وغيرها.

فالدولة خلال السنوات المنصرمة تعاني من فساد مالي وإداري وسياسي لدرجة أصبح العراق في أسفل السلم الكوني بسبب استشراء الفساد وهو ما ظلّت تؤكده سنوياً منظمة الشفافية الدولية، ففي ظلّ حكومة المالكي وحسب تقرير برلماني تبدد نحو 360 مليار دولار وضاع الكثير من الأموال على مشاريع وهمية، ناهيك عن التلاعب بالمال العام ونهب الثروة أو هدرها بطريقة لا مسؤولة ودون مساءلة تُذكر، وتعكس عملية احتلال الموصل في 10 يونيو/حزيران/2014 مدى تغلغل الفساد حتى داخل القوات المسلّحة التي ينبغي  أن يكون لها عقيدة عسكرية وانضباط كبير، ناهيك عمّا صُرف عليها من مبالغ طائلة لإعادة التأهيل، ولم تكن عملية تحرير الموصل ونحو ثلث الأراضي العراقية، لاسيّما محافظات صلاح الدين والأنبار أو أجزاء من محافظتي كركوك وديالى ومشارف بغداد (جرف الصخر)، بمعزل عن استنفار شعبي ودعم دولي عبر تحالف واسع.

إن وجود مراكز قوى وغياب وحدانية اتخاذ القرار والألغام الكثيرة التي احتواها الدستور العراقي والتعارض بين صلاحيات الدولة الاتحادية وصلاحيات إقليم كردستان فيما يتعلق بالبيشمركة والنفط وبعض التداخلات الخارجية ، جعل العراق دولة فاشلة بفعل نظام الزبائنية الذي يقوم على تقسيم الغنائم وفقاً لمصالح طائفية أو إثنية أو حتى امتدادات دولية وإقليمية والدولة الفاشلة ليس بإمكانها تلبية طموحات النخب الفكرية والثقافية ومطالب الناس الحيوية، لاسيّما الخدمات الصحية والتعليمية والتصدي للبطالة فضلاً عن استعادة هيبة الدولة وبسط سلطانها على جميع أراضيها وحماية سيادتها واستقلالها .

والنخب ذاتها في مثل هذه الأوضاع تصاب بالتصدّع في ظل حالة الخوف والاحتقان السياسي، لاسيّما إذا كان هناك سلطات سرّية وقوى نافذة وغير خاضعة للقانون، ولعلّ استمرار معاناة النازحين، سواء عدم عودة الكثير منهم أم الاختفاء القسري لأعداد من الشباب بحجة كونهم تعاونوا مع داعش خلال احتلاله للموصل وما بعدها.

ومقابل تراجع دور النخب الفكرية والثقافية، خصوصاً المستقلة ، نلاحظ تضخّم دور البيروقراطية الطفيلية الحزبية السياسية والدينية والإثنية وتغلغلها في جميع مفاصل الدولة لدرجة إن رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي كان قد صرّح بوجود عسكريين فضائيين زاد عددهم عن 50 ألف  يتقاضون رواتب تصل إلى 500-600 مليون دولار من خزينة الدولة، والأمر يشمل أعداداً كبيرة من المدنيين، فضلاً عن وسائل صرف عديدة في غير أوجه الصرف، تلك التي كلفت الميزانية مليارات الدولارات خلال السنوات الماضية والمثال الصارخ على ذلك استمرار أزمة الكهرباء منذ ما يزيد عن 15 عاماً، وهؤلاء إذا انضموا إلى القطط السمان المدعومة من مراكز القوى والاستقطابات الطائفية  والمذهبية والإثنية، فسيكون لهم القدرة على تعطيل سير عمل الدولة والعبث بأمنها الوطني ونهب الأموال والثروات، بما فيها تهريب النفط، سواء من جنوب العراق (البصرة) التي تعاني من شظف العيش أو كردستان التي تعرضت إلى هزّة كبيرة إثر ردود الفعل إزاء الاستفتاء الذي دعت إليه حكومة الإقليم في 25 سبتمبر/أيلول/2017.

وهكذا تبقى الدولة داخل الدولة والمقصود بذلك المنظمات السرّية ذات السطوة داخل الدولة أو المؤثرة في عملها، سواء أكانت دينية أم عشائرية أم حزبية، بعيدة عن الأنظار وخارج دائرة المساءلة لأن سلطتها سرّية وأذرعها طويلة، ومثل هذا الأمر ساهم في خلق طبقة سياسية جديدة تعتاش على الانقسام الطائفي – الإثني وتستغل غياب وحدانية القرار السياسي وهشاشة الوحدة الوطنية وضعف الهويّة الجامعة، وهكذا تكون الحكومة غير المرئية التي تدار بواسطة الأبناء والأصهار والأقارب والنافذين الحزبيين خفية وتمارس سياسة عميقة ولها ميزانيتها غير الخاضعة للمراقبة.

وإذا كانت الدول الشمولية تمارس دوراً سرياً بواسطة تنظيمات غير منظورة وبزعم حماية الأمن الوطني، فإن انهيار الدولة وحل بعض مؤسساتها العسكرية والأمنية واستشراء الفوضى، في ظل الانقسامات السياسية والمذهبية والإثنية، سيكون أكثر خطورة، وهذا ما فعله بول بريمر الذي قاد إلى تعويم الدولة وحتى الآن فإن محاولات إعادة البناء قد تستغرق زمناً طويلاً، لاسيّما في ظلّ تعدد المرجعيات التي تعلو على الدولة ذاتها أحياناً، وغياب الحد الأدنى من الوحدة الوطنية وحكم القانون واستقلال القضاء.

ويبدو إن سوء الحظ صادف عبد المهدي، فقد واجهت حكومته أزمة حادة إثر ارتفاع ملوحة مياه الشرب في البصرة والمحافظات الجنوبية، ورافقها أزمة بيئية وصحية خطيرة بسبب نفوق كميات ضخمة من أسماك الأنهار والبحيرات في محافظات بابل وواسط والديوانية، لأسباب مجهولة ، ناهيك عن التحديات التي ورثتها من الحكومات السابقة وما تزال العقد الرئيسية قائمة وأولها نظام المحاصصة والألغام التي احتواها الدستور ووجود جماعات مسلحة خارج القانون حتى وإن أُدمجت بالقوات المسلحة، لكن هناك استياء من أوساط واسعة من السكان من سلوكها وخشيتهم من بطشها، على الرغم من أن الجميع يقرّ بالدور المهم الذي لعبه الحشد الشعبي في تحرير الموصل والمناطق التي احتلها داعش.

ولعلّ هذا أول اختبار يواجهه عادل عبد المهدي، فإن استطاع تجاوزه وتوصل إلى توافقات ترضيه في اختيار بقية المرشحين، فالأمر سيكون خطوة مهمة أولى لتجاوز تدرجي وإن كان بطيئاً لما سارت عليه الحكومات السابقة، وإلّا  فإن رضوخه للقوى المتنفذة سيجعل منه أضعف من رئيسي الوزراء اللذين سبقاه، فالمالكي والعبادي كانا مدعومين من كتلة سياسية كبيرة ومهيمنة، أما عبد المهدي، فإنه لا يمثّل إلّا نفسه حتى وإن كانت كفاءته ومقدرته السياسية أوسع وأعمق وأكبر من غرمائه السابقين، لكن توازن القوى داخل البرلمان سيكون مؤثراً على توجه حكومته، ولعلّ التجاذبات حول وزارتي الداخلية والدفاع خير دليل على ذلك.

والدولة العميقة التي تحدّث عنها ستكون له بالمرصاد لتعطيل أو تسويف أي قرار يتخذه إذا ما تعارض مع مصالحها، ناهيك عن أي اختلال في المعادلة الإيرانية- الأمريكية للنفوذ سيؤدي إلى خلخلة مواقعه، ولاشكّ فإنه والحالة هذه سيبقى محكوماً بمثل هذا التوازن وغير قادر على تجاوزه. وكان عليه أن يتعامل منذ البداية كرئيس لوزارة قوية ومؤثرة وهو ما يريده الشارع، وإلّا فالأفضل له تقديم استقالته ليحتفظ بهامش طالما ظلّ يبحث عنه في السنوات الماضية.

إن استشراف صورة الوضع العراقي مستقبلياً تكاد تكون ضبابية حتى الآن، فمنذ الاحتلال والعراق يعاني من خمسة تحديات أساسية:

أولها- الطائفية السياسية ونظام المحاصصة وليدها ، وقد قام على الزبائنية والغنائم، المر الذي أضعف الدولة وقوّض من عملية إعادة البناء بسبب التجاذبات المذهبية – الإثنية.

وثانيها- الميليشيات التي أخذت طابعاً ” شرعياً أو شبه ” شرعي” بعد إلحاق قوات الحشد الشعبي بالقوات المسلحة العراقية، واعتبارها جزءًا منه، والميليشيات بشكل عام تنتمي إلى القوى السياسية الشيعية التي شكّلت المشهد الأبرز في الوضع السياسي العراقي بعد الاحتلال.

وثالثها- العنف والإرهاب ، فقد استفحل في العراق على نحو لا مثيل له ، لاسيّما بعد تمكّن داعش من احتلال محافظة الموصل ومحافظتي صلاح الدين والأنبار وسيطرته على أجزاء من محافظتي كركوك وديالى، ووصوله إلى مشارف العاصمة بغداد. وعلى الرغم من هزيمته واندحاره إلّا أن بيئته ما تزال صالحة وبيضه يمكن أن يفقّس ، باستمرار سوء أوضاع النازحين وعدم عودتهم إلى بيوتهم، ناهيك عن تردي الخدمات الصحية والتعليمية والبيئية ، والأكثر من ذلك هو عدم استعادة الوحدة الوطنية في إطار مصالحة وطنية حقيقية.

ورابعها- الفساد المالي والإداري الضارب الأطناب في كيان الدولة العراقية والذي ينخر بجسدها وهو الوجه الثاني للإرهاب، فما زال أمام هيئة النزاهة أكثر من 13 حالة فساد كبرى، بينها أكثر من ألف حالة لوزراء ونوابهم وأصحاب الدرجات الخاصة وأعضاء في البرلمان وبعضهم من المتنفذين في الأحزاب القائمة، وغالباً ما يفلتون من العقاب، لأسباب تتعلق بدور القضاء ومحاولات التأثير عليه وبتواطؤ مع بعض المتسيّدين في الدولة ومفاصلها.

خامسها – هشاشة السيادة الوطنية، فالنفوذ الإيراني لا يزال قوياً ومؤثراً في العراق، سواء أكان بشكل مباشر أم غير مباشر، غبر القوى السياسية الحليفة لإيران أو عبر علاقات خاصة طائفية أم مصلحية أم أمنية، وكذلك فإن الولايات المتحدة لها نفوذ قوي سياسي واقتصادي وعسكري وأمني، وهو مكفول في إطار معاهدة الإطار الإستراتيجي بين بغداد – واشنطن، الأمر الذي يجعل السيادة العراقية معوّمة، وهو ما يعطّل إمكانية الخروج من المأزق الراهن، لذلك فالاعتقاد السائد إن العراق سيستمر يدور في أزمته ما لم تتوفر إرادة سياسية موحدّة، تستطيع أن تنهض به لتتجاوز نقاط ضعفه الحالية وتضعفه في إطار محيطه العربي، علماً بأنه يملك طاقات وكفاءات كبيرة ولديه موارد هائلة، ولكن ما يحتاجه هو اختيار الطريق السليم وبتعاون شامل عابر للطائفية والمحاصصة وإطار حكم القانون.

 

وجهات نظر 0 comments on روسيا تدعم “السراج” وحكومته..هل تغازل الغرب الليبي؟

روسيا تدعم “السراج” وحكومته..هل تغازل الغرب الليبي؟

طرح تأكيد روسيا على دعمها لحكومة الوفاق الليبية ودعوة رئيسها لزيارة موسكو قريبا، تكهنات حول تقارب روسي مع الغرب الليبي على حساب علاقتها باللواء الليبي، خليفة حفتر، وما إذا كانت موسكو تدعم السراج شخصيا في مواجهة مناوئيه.

وأكد السفير الروسي لدى ليبيا، إيفان مولوتكوف، دعم بلاده حكومة الوفاق الوطني، ورئيسها فائز السراج، مقدما دعوة رسمية للأخير بزيارة موسكو في أقرب وقت، وذلك خلال لقاء جمع الطرفين في العاصمة الليبية، طرابلس، الأحد.

عودة “روسية”
من جهته، أكد السراج ضرورة تفعيل برامج التعاون المشترك، وتحديث الاتفاقات الموقعة بين البلدين، وتطلعه كذلك لعودة الشركات والاستثمارات الروسية للعمل مجددا في ليبيا، وفق المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي الليبي.

وتساءل مراقبون حول دلالة هذا التقارب الروسي مع السراج وحكومته الآن، وما إذا كان للأمر علاقة بما أثير مؤخرا عن محاولات في المجلس الرئاسي خاصة من العضو أحمد معيتيق بمحاولة “تهميش” وعزل السراج من أداء مهامه، وماذا ستقدم موسكو لرئيس الوفاق الليبية؟

حليف روسي جديد
قال الكاتب الصحفي الليبي، عبدالله الكبير، إن “السراج لا يرحب بعودة النائبين المقاطعين للمجلس الرئاسي، علي القطراني وفتحي المجبري، فبعد الحديث عن التئام قريب للمجلس بكامل أعضائه في تونس، لم يحدث هذا اللقاء رغم تأكيد عدد من نواب البرلمان عن هذا التوجه”.

وأشار في تصريحات صحفية إلى أنه “من المحتمل أن تلعب موسكو دور الوسيط بين العضوين المقاطعين والسراج، وأيضا الشروع في إعداد موسكو لمؤتمر دولي حول ليبيا ربما تستغله للإعلان عن حليفها الجديد الذي ستدعمه في ليبيا”.

البعد عن حفتر
ورأى المحلل السياسي الليبي، أسامة كعبار، أن “هذه الخطوة والدعوة للسراج تؤكد أن المسار السياسي هو ما ترغب فيه المنظومة الدولية، وأن محاولات روسيا للتعاون مع حفتر أو البرلمان الليبي هي محض عبث، لذا تأتي هذه الخطوة الروسية لتؤكد التزامها بهذا المسار”.

وأضاف في تصريحات لـ”عربي21” أن “موسكو تبحث الآن عن مصالحها دون الخروج عن المنظومة الغربية ودون العبث بترتيبات ما بعد الحرب العالمية الثانية، أما ما يخص السراج فهو دائما تحت محاولات تغييره لكنها لم تفلح يوما”.

قوة السراج
وقال الإعلامي الليبي، عاطف الأطرش، إن “روسيا ربما أدركت أخيرا أنها راهنت على الحصان الخاسر في ليبيا، وبالتالي ستبحث عمن يضمن لها مصالحها هناك، وهو من سيكون التواصل والتقارب معه في هذا التوقيت ومستقبلا، دون ذكر أحد بعينه”.

وتابع: “أما ما يحدث داخل أروقة الرئاسي الليبي فهي لا تعدو أكثر من “زوبعة” في فنجان، ومجرد مناورات للحصول على كعكة الميزانية للعام الجديد والتي تقدر بـ70 مليار دولار”، حسب تصريحه لـ”عربي21“.

في حين رأى الناشط الليبي، نبيل السوكني، أن “دعوة روسيا للسراج ودعمها لحكومته دليل على أن موسكو ستقف مع الحل السلمي في ليبيا”، مضيفا : “أن عزل السراج أو تحجيمه أمر صعب، كونه يمسك بزمام الأمور الآن، وإن حدث أي تغيير في السلطة سيكون فقط باستخدام القوة”.

“استغلال فرصة”
وأشار رئيس مؤسسة “مبادر” المجتمعية الليبية، طاهر النغنوغي، إلى أن “التقارب الروسي مع السراج ودعوته للزيارة هو بداية فتح خط دبلوماسي جديد مع حكومة الوفاق ورئيسها الذي يمر بأزمة مع بعض الأعضاء المنشقين عن مجلسه، فلربما تستغل موسكو هذه الفرصة للتقارب مع السراج وحمايته”.

وأضاف : “هذا التقارب هدفه أن يمرر الروس مصالحهم بطريقة سلسة كون السراج في حاجة ماسة لدعمهم في ظل ظروفه الحالية، ومقابل تعاونه معهم ستقدم موسكو ضمانات بإقناع حليفهم حفتر بتخفيف الضغط على الوفاق ورئيسها”.

 

وجهات نظر 0 comments on العجمي الوريمي يكتب: في الذكرى الثامنة لثورة الحرية والكرامة: مسيرة النهضة أو المنتدب الديمقراطي

العجمي الوريمي يكتب: في الذكرى الثامنة لثورة الحرية والكرامة: مسيرة النهضة أو المنتدب الديمقراطي

في الذكرى الثامنة لثورة الحرية والكرامة: مسيرة النهضة أو المنتدب الديمقراطي

العجمي الوريمي

ونحن في منتصف الأيام الحاسمة (17_12/14_1) لثورة الكرامة والحرية باكورة ثورات الربيع العربي أو ما أسماه الباحث البرتغالي (ألفارو دي فاسكنشليوس) الموجة الديمقراطية الثالثة ذات الصلة الوثيقة بمنعطف أوباما يطرح السؤال من جديد: هل كانت الثورة التونسية مؤامرة مدبرة من قوى خارجية قامت بتحضيرها في مختبرات مخابراتها وطبختها وفق وصفة دقيقة في مطابخ الغرب الإمبريالي؟ أم هي انجاز شعبي تونسي خالص وليد بيئته؟

وماهو دور الإسلاميين في أحداث الثورة؟ هل كان دورا ثانويا في حراك شعبي وشبابي بدون قيادة حزبية؟ هل كانوا أصحاب الدور الحاسم في إنضاج الانتفاضة والدفع بها إلى منتهاها؟ هل كانوا هم العنصر الأهم من وراء قرار بن علي والدائرة المقربة منه في القرار الذي اتخذ بترك الأزمة وراءهم والبحث عن مأمن وقتي في انتظار استعادة المبادرة ومسك السلطة بعد احتواء موجة الغضب والثورة المندلعة في مختلف جهات البلاد والتي انضمت إليها كل القطاعات؟

عدد أيام الثورة بعدد أعوام حكم بن علي …كان النظام يخسر كل يوم أكثر مما كسبه كل عام. تسارع التاريخ وبدت الأحداث مسرحية ملحمية تجري على ركح كبير في مسرح يتسع لجغرافية الوطن وكان الشعب بطل المسرحية الأوحد يتقدم نحو التتويج بمقدار ما كان ينزف ويحقق بمقدار ما كان جسد البوعزيزي يحترق.

في لحظة ما لم يعد ممكنا العودة للوراء لأن انكسار موجة الاحتجاج وانحسارها له نتيجة واحدة وحتمية هي انتقام النظام عبر التنكيل والمحاكمات أي أن البلاد ستدخل نفقا مظلما لا ضوء في نهايته إن كانت له نهاية.

هزيمة النشطاء والجماهير معناها أن النظام سيحكم قبضته على السلطة ويكتم الأنفاس.

كانت الشعارات تحث على المضي والمواصلة والتصعيد لأن كلفة التراجع والهزيمة ستكون كارثية ( لا خوف لا رعب السلطة ملك الشعب)…(يسقط جلاد الشعب يسقط حزب الدستور)

كانت الجماهير تراكم المكتسبات والسلطة تراكم الأخطاء. أخطاء اتصالية وأخطاء في إدارة الأزمة وأخطاء في تقديم الحلول وأخطاء في رص الجبهة الداخلية.

كل ما أراد النظام تفاديه وقع فيه: اتساع رقعة التحركات، إيقاف الدروس في التعليم الثانوي والابتدائي، انخراط قطاعات جديدة لإسناد القطاعات التي سبقت والتخفيف عنها، إطلاق الرصاص على المحتجين، سقوط شهداء وارتفاع عدد الجرحى..

أصبح النظام في ورطة حقيقية بين مواصلة القمع وتقديم تنازلات جوهرية.

اتسم أداء النظام بالارتباك وفشل في الإقناع داخليا وخارجيا وبدأ يخسر حلفائه وداعميه كما عجزت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل عن كبح جماح هياكلها عن الالتحام بالشعب وتأطير التحركات لا بإتجاه الضبط والاحتواء إنما باتجاه التجذر والاتساع.

بدأ التغيير المنشود في شكل براكين باطنية التحمت فيها الطبقات الجيولوجية (تلامذة وطلبة وعمال صف واحد في النضال)..( التشغيل استحقاق يا عصابة السراق)

لم يعد هناك من هو مستعد للدفاع عن المنظومة الفاسدة ومنظومة الاستبداد وتقلصت القاعدة الاجتماعية للسلطة بعد أن تعمقت الفجوة بين الشعب وبين الحكم وبعد أن أفلست اللغة الخشبية وعمت النقمة حتى تبرأت الأجهزة من رأس النظام وعائلته وأصهاره، وأصبح النظام في عزلة لا مخرج منها.

أين الإسلاميين؟وأي دور منجز أو منتظر؟

في اجتماع مع إطارات وزارته سنة 2010 قال أحد الوزراء لقد وقع في البلاد حدثان كان الرئيس (بن علي) يحرص على عدم حصولهما:

الأول عملية سليمان التي اسقطت أسطورة البلد الٱمن وادعاء القضاء على الإرهاب إذ كان يقول إن مشكلة الإرهاب هي مشكلة العواصم الغربية باريس ولندن وواشنطن.

الحادثة الثانية هي انتفاضة الحوض المنجمي التي استدامت وفشلت معها كل الحلول وأسقطت مقولة “التشغيل أولويتي” التي صدر بها بن علي لائحة نقاط برنامجه الانتخابي في محطتين انتخابيتين رئاسيتين.

فشل الحلّ الأمني، وفشل المنوال التنموي، وتبادل الناس بغالبية ساحقة النسخة الاكترونية لكتاب (حاكمة قرطاج) فرفع الستار عن مسرح قرطاج وبدت العائلة الحاكمة مكشوفة كما لم يحصل من قبل.

وفي مصر بدأت حركة (كفاية) تتجذر وأصوات الرفض للتوريث تتعالى في جرأة غير مسبوقة

“فاش نستناو؟” ماذا ننتظر؟ هكذا كان حال لسان جمهور واسع من التونسيين المتعلمين ومن الشباب وهم يكتشفون حقيقة العائلة الحاكمة

كان أقوى الأصوات رفضا ومعارضة للنظام هو صوت النهضة المحظورة وصوت زعيمها راشد الغنوشي، وظهر ذلك خاصة في تصريحات ومداخلات قياداتها في وسائل الإعلام العربية والدولية، وأيضا في مشاركة ميدانية واسعة لمناضليها وأنصارها في أكثر من جهة حتى وقع إيقاف عدد منهم، ولكن لم يكن هناك إمكانية لتبين حجم شعبية الحركة وحجم تعاطف التونسيين مع مشروعها وخطابها.

هناك استحالة لسبر أعماق التونسيين في ظل القمع الممنهج وشيطنة تيارات الإسلام السياسي وأبرزها حركة النهضة؟

كانت إستراتيجية النظام بعد أن أنجز خطة تجفيف الينابيع التي غطت سنوات التسعينات وثلثي العشرية الأولى من الألفية الثالثة هي رفض التمييز بين معتدلين ومتشددين في الحركة الإسلامية، ورفض فتح أي ثغرة في جدار رفض القبول بحركة النهضة أو تخفيف ملاحقة مناضليها وفرض الحصار عليهم.

كما عمد إلى تفريق قوى المعارضة بالترغيب والترهيب ومنع أي تقارب بين الإسلاميين والعلمانيين لإحكام عزل النهضة، ولكنه فشل في ذلك أيضا (تجربة 18 أكتوبر مثالا – وعدد من الأنشطة والبيانات في الخارج…)

حاول النظام إرساء شرعيته على التصدي للخطر الإسلامي، وتقديم الطرف الإسلامي على أنه يدعو للعنف ويمارسه ولا يعترف بحقوق المرأة ويعاديها، ويستغل الدين لأغراض سياسية ويريد إقامة دولة تيوقراطية.

18 وأكتوبر اكتشاف أهمية الاختلاف وتأسيس الحق في النقاش

لقد كانت حركة 18 أكتوبر التي حققت فرزا بين المعارضة الحقيقية للاستبداد والمعارضة الصورية الخادمة للسيستام.

بدأت المنظومة الحاكمة منذ عقود تشهد ذروة تأزمها وقد جرت في تلابيب ظلها شريحة من النخبة الثقافة والسياسية التي يغدق عليها النظام فوائد دينه تجاه الشعب الذي اغتصبت حريته وحقوقه وصودرت أحلامه فكان يجازي من فتات فوائد الحقوق المنهوبة رموزا اختارت الانتهازية على النضال ورتق ثوب الحكم البالي عوض فضح عوراته فزادت في كشف عيوبه وعاهاته وربطت مصيرها بمصيره اعتقادا منها أنه يحظى بالغطاء الدولي وأنه يحكم قبضته على قصبة تنفس الشعب وعلى قوت المستضعفين واعتقادا منها أن الطبقة الوسطى لم يعد لها هامش للمبادرة إذ فقدت إمكانية الوقوف في صفّ المعارضة أو ممارستها إذ أنها تدريجيا أصبحت في حالة ارتهان للبنوك لحاجتها الحياتية للاقتراض أمام الناس التدريجي لمقدرتها الشرائية حتى باتت عاجزة عن الادخار أو الاستثمار أو الاستقلال بتمويل حاجياتها الأساسية.

حركة 18 أكتوبر كانت تعبيرا عن الحاجة إلى تقديم بديل ديمقراطي، بديلا يكون وسطا بين مشروعين ظلا إلى حد تلك اللحظة مشروعين متناقضين، شرط إمكان تبلور أحدهما هو تعارضه مع محتوى المشروع الٱخر وشرط إمكان تحقق أحدهما هو انتفاء وجود الٱخر.

هكذا كان حال مشروع الأسلمة في مواجهة مشروع العلمنة، وكلاهما يفتقر إلى الوضوح وإلى الإجماع والإقناع إذ تحتوي كل أطروحة منهما مناطق رمادية نتيجة الغموض وعدم النضج المفاهيمي، بل كانت توفر فرصة للنظام لاتهام معارضيه بغياب البرنامج والافتقار إلى الحلول في حين تقدم المعارضة المستأنسة والمدجنة نفسها على أنها قوة اقتراح.

كانت حركة 18 أكتوبر فرصة للأطراف المكونة لها من إسلاميين وعلمانيين ومستقلين لا فقط للتقارب وإيجاد أرضية سياسية مشتركة، وإنما لقيام كل طرف بمراجعات فكرية وسياسية إذ أن ذلك من مقتضيات الديناميكية الجديدة التي أنتجها إطلاق المبادرة السياسية غير المسبوقة في مضمونها ومداها، والتي كان يتوقع منها أن تحمل النظام على تقديم تنازلات تجاه معارضيه وتجاه المجتمع المدني. وقد كتب الباحث صلاح الدين الجورشي في إحدى مقالاته قبل الثورة بقليل أن بإمكان السلطة القيام ببعض الخطوات للتخفيف من وطأة التضييقات وإعطاء إشارات إيجابية على الإرادة السياسية في الانفتاح واحترام الحريات دون أن يكلفها ذلك شيئا أي دون أن تخشى انقلاب الموازين أو انفلات الأوضاع.

ورغم ما كانت تفتحه نضالات المعارضة من ٱمال في كسر الطوق المضروب على الحريات وما كانت تصنعه من أفق انتظار عند الشباب والقوى الحية وعموم المواطنين فإن نظام بن علي ظلّ متشبثا بنهج التضييق لا يراوح مكانه نحو التبشير بمناخات جديدة تضمن فيها وتحترم أبسط الحقوق والحريات مثل الحق في التظاهر والتنظم وحرية التعبير.

مع تباشير الخلاص وبداية بزوغ ثمار الزخم الثوري الجماهيري برز العنوان الإسلامي قوة تغيير وتجديد منتدبة لإنجاز الخيار الديمقراطي:

“عرض إسلامي لدولة زمنية” دولة مدنية ديمقراطية

دولة مابعد العلمنة وما بعد الأسلمة

العلمنة المحتضرة والاسلمة المنقرضة

الواقع بأوحاله وإخفاقاته السياسية والتنموية والايطوبيا بسرابها واستحالة إسقاطها على الاوضاع الجديدة

التقطت النهضة اللحظة التاريخية وكانت الأقدر على فك شفرتها وسط ذهول العالم وحيرة النخبة الوطنية التي لم تعد تمتلك لغة المرحلة.

لم تعد مفردات الحداثة المنحولة تسعفها إذ صارت قوالب جوفاء لأنها إلى حدّ تلك اللحظة كانت إيديولوجية إقصائية ولم يعد بإمكانها مواصلة تبرير زمن الأخطاء بالأخطار القادمة من التاريخ السحيق لأن أكبر خطر على النظام جاء من سياساته الفاشلة وأكبر فشل للنخبة جاء من مسلماتها المستوردة والمستهلكة .

للوضع الجديد لابد من خطاب جديد وفكر جديد وحامل جديد للأمل والحلم والفكرة.

كانت النهضة المتحررة للتو من مخاوفها وقيودها والواثقة بلاحدود أنها الأكثر شرعية وتجذرا واستعدادا للتجاوز حاملة لوعود تتجاوز زمنيا وتاريخيا ونفسيا وأخلاقيا طاقة كيانها التنظيمي، ولكنها بما هي انفتاح كلي على المستقبل رغم طابعها المحافظ عرضيا لا جوهريا أمكنها أن تمثل قوة الدفع الأساسية التي شلت حركة قوى الردة ومنعتها من سرقة الثورة ممن أنجزوها ودفعوا فيها أرواحهم ودماءهم.

وبقدر ما كانت إرادة الإسلاميين النهضويين صادقة في القطع من منظومة الاستبداد كانت مقتنعة وواعية بالضرورة التاريخية لمأسسة الحرية وإقامة البناء الديمقراطي على قواعد فكرية ودستورية ضامنة لتحويل الحرية إلى واقع ملموس معيش.

كانت حركة النهضة الأكثر استعدادا لحمل مشروع تأصيل الديمقراطية في البنية الفكرية الإسلامية وفي السياق التاريخي والمجتمعي التونسي بدرجة من الوضوح والحسم لم تبلغها من قبل إذ وجدت في بيئة التنزيل والتفعيل خير مصداق للتنظير الذي كرس له مرشدها وقادتها عقودا من التفكير والتبشير.

كانت النهضة في حاجة إلى إنهاء محنة الفصام بين الفكر والواقع. وكانت الدولة في حاجة إلى إنهاء حالة الجفوة والفجوة بين قاعدتها القانونية ومضمونها الديمقراطي والاجتماعي الذي وضعت في غربة عنه بفعل سياسات النظام التابع والمنبت ووضع في رفّ التاريخ الساكن ودفات الكتب ومقررات كليات الحقوق وكليات العلوم الإجتماعية والإنسانية في انتظار انتفاضة الجماهير المتعطشة للحرية والعدالة والكرامة.

ومابين فصام فكر عن واقعه واغتراب دولة عن مضمون تحديثها ودمقرطتها رشح التاريخ حركة النهضة لتحقيق مصالحة الدولة مع المجتمع، أو بالأحرى القيام مقام محرك تلك المصالحة في هيئة المنتدب الديمقراطي الذي نزع عن نفسه قشرة الإسلام السياسي دون أن يستحيل إلى حركة علمانية أو أن يتحول إلى مشروع علمنة ثانية، فما كانت الديمقراطية الحق علمنة بأي حال من الأحوال، ولا كانت تمهيدا لأسلمة وهمية جعلت ذريعة من خصومها لإقصائها والتنكيل بها وعزلها. كل ما يمكن أن تتيحه الأوضاع الجديدة هو الأسلمة السياقية لا التشريعية والعلمنة التاريخية لا الإيديولوجية والسياق المجتمعي والتاريخي في هذه الحالة سياق موحّد يتخلى عن الشعار والقشور ويبقي على اللبّ والمضمون.

البارزة, وجهات نظر 0 comments on ليبيا.. التكوينات السياسية الجديدة.. ما المطلوب ؟ بقلم السنوسي بسيكري

ليبيا.. التكوينات السياسية الجديدة.. ما المطلوب ؟ بقلم السنوسي بسيكري

سماها البعض الجيل الثاني من الحراك السياسي الحزبي في ليبيا بعد ثورة فبراير، وبغض النظر عما تشتمل عليه التكتلات السياسية الوليدة فإنها تمثل تطورا ولو خجولا في المسار السياسي التنظيمي، ذلك أن الواجهات السياسية الجديدة تخففت من التشكل على أساس أيديولوجي واتجهت خطوة صوب المشاريع والبرامج الجامعة.

زخم ومحددات

تخففت التكوينات السياسية الوليدة من الجرعة الأيديولوجية لكن قد لا تكون متحررة من التأطير التكويني الخاص، إذ أن التكتلات الجديدة ضمت من يتقاربون في التوجه الفكري العام والخط السياسي الرئيسي، فليس من المتصور أن يجتمع المختلفون فكريا وسياسيا ـ وفق الاستقطاب الحالي في البلاد ـ ضمن إطار تنظيمي واحد.

رصدنا 7 تكوينات سياسية تأسست خلال العام 2018م إحداها في الشرق وأخرى في الجنوب وأربعة في الغرب وواحدة في الخارج، واقترن زخم تشكيل التكتلات السياسية الجديدة بثلاثة محددات أساسية هي:

1 ـ إخفاق تجربة الأحزاب التي تأسست العام 2012م فقد حملها الرأي العام وزر مرحلة التعثر ثم الانقسام.

2 ـ النتائج الخطيرة التي اقترنت ببروز القبلية والجهوية والمناطقية سياسيا وأمنيا واجتماعيا، حيث ساهمت الظاهرة في تقطيع أوصال المجتمع وصارت وقودا لحرب ضروس.

3 ـ الجمود السياسي واستمرار الانقسام والخوف من التقسيم وتفتيت الدولة بسبب فشل السلطات النافذة التشريعية والتنفيذية في مجابهة التحديات الراهنة.

معظم أو ربما كل التكوينات السياسية الجديدة يجمعها مشترك هو الرغبة في استمرار مسيرة الديمقراطية والتعددية السياسية، وتطالب بنظام مدني يتنافس تحت مظلته الجميع بلا استثناء، ومن الطبيعي أن تتلبس هذه التكوينات الجديدة ببعض ما تلبست به سابقاتها، فالملاحظ أنها تجنح إلى الاصطفاف التقليدي من تيار محسوب على الليبرالية وآخر يتحفظ عليها وينادي بالتدين الوسطي.

أيضا يجمع ويفرق التكوينات السياسية الجديدة الموقف من المؤسسة العسكرية خاصة موقع قائد الجيش التابع للبرلمان خليفة حفتر، فمن تكتل يدعمه ليكون رأس هرم القوات المسلحة، وأخرى يعتبروه مؤسسيها مسؤولا مسؤولية مباشرة على أزمة البلاد ما بعد 2014م ويرفضون أن يكون فاعلا سياسيا أو حتى عسكريا.

قصور واستدراك مطلوب

بمراجعة البيانات التأسيسية لتلك التكوينات تجد أن هناك خطابا متكررا فيما يتعلق برؤية المستقبل وكيفية معالجة تحديات الحاضر، ويغلب الطرح التقليدي على الأفكار التي تضمنها “مانفستو” تلك التشكيلات السياسية، وقد تجد لها العذر في بعض ما تبنته باعتبار أن طبيعة الأزمة الليبية تتطلب في جوانب عدة منها رؤى لا يختلف عليها اثنين.

ما اعتبره مسألة حيوية هي أن تتجرد تلك التشكيلات السياسية الجديدة وهو تقارب خطة الخروج من الوضع المأزوم، وأن ترتفع عن الخلافات وأن تركز على:

أ ـ توفير ضمانات النجاح النسبي للجيل الثاني من الممارسة الحزبية إذ أن إخفاقها سيكون مقوضا للتجربة الديمقراطية المتعثرة في ليبيا.

ب ـ تشكيل قوة ضاغطة لكسر الجمود السياسي وإنهاء الانقسام والخطو بثبات باتجاه الاستقرار السياسي.

التكوينات السياسية و الكتلة الحرجة

كم أتمنى أن تبادر التشكيلات السياسية الجديدة إلى الالتئام في شكل تنسيقية واسعة لتكون أبرز وسائل الدفع الحثيث باتجاه تخطي المرحلة الراهنة والانتقال إلى ما بعد التحول المؤقت وصوب النموذج الديمقراطي التعددي المؤسساتي المستقر.

من غير المقبول أن يغيب عن تلك التشكيلات حجم المخاطر التي تحيق بالبلاد، وتقدير تلك المخاطر كفيل بأن يدفع باتجاه التقارب والتنسيق فيما بينها طلبا للاستقرار وسعيا لتخطي أزمة اليوم.

أنا أؤمن بأن من أهم سبل معالجة الوضع الليبي المأزوم والدفع بعربة السياسة المعطلة إلى الامام هو تشكل كتلة “حرجة” تضم مكونات واسعة ومتنوعة تعمل على فرض ما تستنكف الأطراف السياسية المتنازعة عن الرضوخ له ويتعامل معها المجتمع الدولي على أنها وسيلة التحريك وضمانة الوصول للتسوية، ويمكن أن تكون التشكيلات السياسية الجديدة هي نواة ونقطة ارتكاز الكتلة الحرجة إذا نجت في خطوة التقارب والتنسيق فيما بينها.

البارزة, وجهات نظر 0 comments on التعريب واجب حضاري قدَّمت تونس لأجله الشهداء.. بقلم خالد شوكات

التعريب واجب حضاري قدَّمت تونس لأجله الشهداء.. بقلم خالد شوكات

استمعت الى شيخة مدينة تونس هذا الصباح في حوار حول تعريب اللافتات التجارية، القرار الذي اتخذه المجلس البلدي للعاصمة التونسية مؤخرا، بناء على مقترحتقدم به المستشار البلدي عن التيار الديمقراطي الدكتور احمد بوعزي مشكورا، وقد استفزني الحوار وأحيى في داخلي رغبة سابقة في الإدلاء ببعض الملاحظاتحول هذا الموضوع الهام:

  • اولا: بدا لي ان شيخة المدينة واقعة تحت تأثير سلبي  للحملة الاتصالية التي شنّها اللوبي “الفرنكوفيلي” على القرار طيلة الأيام الماضية، خائفة ومترددةومستعدة للتراجع ومبررة. هذا القرار سيدتي، قرار مشرّف، ان لم يقل انه اشرف قرار اتخذه المجلس البلدي منذ تشكله السنة الفائتة، ليس لانه مرتبط فقطبدستور البلاد الذي أقر اللغة العربية كلغة وطنية وألزم الدولة بالتمكين لها، بل لانه التزام وطني اصلاحي يجب ان يعمم على جميع المدن والقرى وعلى جميعالمرافق والأصعدة، التزام قدم لاجله التونسيون على مر ثوراتهم منذ الكفاح ضد المستعمر الذي دام 75 عاما الى ثورة الحرية والكرامة، ثورة 17 ديسمبرالمجيدة، اجيالا من الشهداء، حتى نتكلم في بلادنا بلغتنا الام ولا نحيى فيها غرباء، وكان مطلب التعريب لدى الوطنيين والمصلحين متقدما على جميع المطالبالاخرى.
  • ثانيا: لقد بينت الحملة على تعريب اللافتات مدى تغلغل “لوبي الهزيمة الحضارية في المجتمع والدولة”، مثبتا ان مع عجزت عن القيام به الادارة الاستعماريةالفرنسية طيلة ثلاثة ارباع القرن من الادارة المباشرة للبلاد بقي فيها شعبنا صامدا معتزا بهويته العربية الاسلامية، تمكنت من القيام به حفنة الطابور الخامسالذي أبقاه المستعمر وراءه في تونس بعد رحيله، حفنة تحتقر ذاتها الحضارية ولغتها الوطنية وترى في كل ما له صلة بالجذور سلبيا وكل ما له صلة بالغربإيجابيا، وهذه الحفنة المتمكنة عجزت – لا في تونس فحسب- بل في كل المستعمرات السابقة عن صناعة اي نموذج مشرف يحتذى ويقنع، وكل منجزها إيقافعجلة استكمال الاستقلال التي علينا اعادة ادارتها بكل قوة في ظل الديمقراطية الناشئة. 
  • ثالثا: تعترف شيخة المدينة بوجود قرار سابق في موضوع اللافتات يعود الى سنة 1996، اي الى زمن الرئيس بن علي، كما تعترف ايضا بتميزه على القرارالحالي من جهتين على الأقل، جهة الشمول فهو يخص عموم البلاد لا العاصمة فقط، وجهة التنصيص على علوية اللغة العربية على سواها من حيث مكانهاالاسمى في اللافتة وكذا البنط الأكبر الذي يجب ان تكتب به قياسا بغيرها، فيّا لخيبة المسعى لو قامت اللجنة الفنية التي ستتولى تفصيل القرار البلدي الاخيربإفراغه من محتواه لتعلات تقنية  لا معنى لها. ان المواطن الفخور بهويته الوطنية يجب ان يرى لغته الوطنية مهيمنة على الجدران والساحات وفي المرافقالعمومية والخاصة، تماما كما يرى راية بلاده متفردة بميادين بلاده خفّاقة لا تنافسها على أرضنا راية اخرى، وهكذا نصنع مواطنا واثقا من ذاته قادرًا علىصناعة التقدم، لا ذليلا تريد نخبة منبتة إقناعه كل ساعة وحين بانه سليل ثقافة وتاريخ وحضارة لا يشرفه الانتماء اليها. 
  • رابعا: لقد حاولت الشيخة في موقف دفاعي لا مبرر له بيان ان القرار لا يهاجم اللغات الأجنبية، وهل ان إيلاء اللغة الوطنية الدستورية مكانتها التي تستحق كانيوما بالضرورة توجها ضد اللغات الأجنبية، ولماذا يود البعض ربط اللغات الأجنبية باللغة الفرنسية حصرا، فاللغة الصينية او الانجليزية او الايطالية قد تكوناكثر أهمية لنا من حيث المصلحة الاقتصادية، وحتى بالمنطق السياحي تظل اللغة العربية اكثر أهمية، فالإحصائيات ما تزال تثبت ان اشقاءنا الليبيينوالجزائريين العرب يشكلون عبر العقود اكثر من نصف عدد الوافدين الى بلادنا، نصف ثابت لا يتأثر كما هو حال الفرنسيين مثلا بأوضاع بلادنا الأمنية اوالسياسية، ولهذا كفى رعبا من هؤلاء الذين لم نحاسبهم على 75 عاما من نهب ثرواتنا ولم نطالبهم بالاعتذار عن جرائم الاستعمار التي اقترفوها ضد شعبناوأمتنا وما يزالون.
  • خامسا: اجبار الماركات العالمية على تعريب لافتاتها الإشهارية ليس بدعة، فهذه الماركات وممثلياتها لا يتصدقون علينا بحضورهم في بلادنا ولا يمكنهم انيمنوا علينا بهذا، فهم يربحون منا ولو توقف ربحهم لغادرونا في اليوم التالي، وهم يقومون بكتابة لافتاتهم بجميع لغات العالم حيث يتواجدون.. يفعلون ذلك فيالصين والهند وإيران وتركيا وروسيا، وحتى في فنلدا والنرويج وأيسلندا التي لا يتجاوز عدد مواطنيها ثلاثماية الف، ومن يريد الاستفادة من دولة او بلدية عليهالالتزام بقوانينها وقراراتها، وهذا حق يقره لنا القانون الدولي، وهو مجلبة للاحترام لا العكس، فمن يحترم
وجهات نظر 0 comments on مؤتمر نداء تونس : لماذا ؟

مؤتمر نداء تونس : لماذا ؟

تبدو الإجابة على هذا السؤال بديهية لو تناولناها من الجانب القانوني للمسألة، فحسب قانون الأحزاب و الجمعيات، كان على نداء تونس تنظيم مؤتمره منذ سنوات. لكن الحس الإبتكاري التونسي، خاصة في المجال السياسي، جعلنا أمام حزب حاكم خارج عن القانون.

 

على الصعيد السياسي، دقت الطبول و حان وقت تنظيم الصفوف للدخول في انتخابات 2019. فشل نداء تونس في التنظيم، في التغلغل في مفاصل الدولة، في الوصول الى المعتمديات و الجهات، كما فشل ايضا في الحكم رغم انه تحصل على الرئاسات الثلاث، فنجاحه الوحيد كان في انتخابات 2014 و لهذا السبب يعلق المؤتمرون آمالا عريضة على انتخابات 2019 بعيدا عن الموضوعية و الواقعية.

 

لم يكن نداء تونس في يوم من الأيام حاملا لفكر سياسي واضح أو لبرنامج عمل قابل للتطبيق. منذ تأسيسه، قُدِّر لنداء تونس الإقتصار على صنع ماكينة انتخابية إتسمت بالإنتهازية اعتمدت على الإطارات التجمعية القديمة، و قد كانت كل روافده مجندة لإنجاح الباجي قائد السبسي في الإنتخابات و لهزم النهضة. عندما تحقق هذا الهدف، انقسم نداء تونس و كشر قادته عن أنيابهم المتعطشة للحكم و لا شيء غير الحكم.

 

في هذه السنة الإنتخابية، تحاول القيادات الندائية الجديدة إعادة بعث هذه الديناميكية بالإعتماد على مهاجمة نفس ذلك المنافس الإسلامي، مدعما اليوم بيوسف الشاهد. لكن المقارنة مع 2014 لا تصح اذ لا يوجد ذلك القائد المؤسس الفذ العزيز جدا على قلوب الندائيين و الحائمين حولهم. بدون وجود وجه من ذلك القبيل ستتفنن قيادات النداء في الإطاحة ببعضها البعض.

 

من هنا أتى هذا المؤتمر المراد له الإنعقاد المراد له الإنعقاد في 02 و 03 مارس 2019. يتصور بعض الندائيين أن هذا المؤتمر سيعطي شرعية إنتخابية لقيادة جديدة تذهب بالحزب لإنتخابات 2019 بغية الإنتصار فيها. لكن الكل يعلم أن خيوط اللعبة بين أيدي الباجي قائد السبسي و أن التعليمات تصدر من قصر قرطاج لا غير. ليس نداء تونس بالحزب الديمقراطي المؤمن بالتداول على السلطة فمهما تكون نتائج المؤتمر فالباجي قائد السبسي سيبقى الرئيس الفعلي لنداء تونس لأنه يتمتع بالشرعية الوحيدة التي يعترف بها اللاديمقراطيون و هي شرعية التأسيس.

 

كل قيادات نداء تونس تسترق النظر لقصر قرطاج منتظرين إشارة “مبعوث العناية الإلاهية” التي سيخوض بفعلها الباجي قائد السبسي غمار السباق الإنتخابي، و ينتظرون بفارغ الصبر إعلان رئيس الجمهورية عن نواياه حتى يتسنى لهم الإصطفاف وراءه للمحافظة على ما يتمتعون به من مصالح. من ناحية قرطاج، كل المؤشرات تشير أن الباجي قائد السبسي متجه نحو الدخول في الإنتخابات لخلافة نفسه على رأس الدولة التونسية لحماية نفسه و ذويه من مغبة الخروج من الحكم.

البارزة, وجهات نظر 0 comments on خلافات سياسية بالجملة : من يحكم تونس ؟ .. بقلم كمال بن يونس

خلافات سياسية بالجملة : من يحكم تونس ؟ .. بقلم كمال بن يونس

حكومة تكنوقراط في الأفق لتعديل المشهد السياسي قبل الانتخابات ..

 

 

في الوقت الذي أدلى فيه رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد بتصريحات تضمنت تطمينات للمستثمرين والسياسيين والمواطنين حول المؤشرات الاقتصادية والأمنية ، تتعقد مؤشرات التوتر الاجتماعي والسياسي بعد انفجار حرب إعلامية بين رئاسة الجمهورية والحكومة من جهة وبين قيادة اكبر حزبين حاكمين منذ انتخابات موفى 2014: نداء تونس والنهضة من جهة ثانية والنقابات والائتلاف الحكومي من جهة ثالثة.

وقد فاجأ رئيس الجمهورية ،عشية الاحتفال برأس السنة، رئاسة الحكومة وزعماء الأحزاب والنقابات بمبادرة سياسية جديدة تعيد إلى مؤسسة الرئاسة فرصة التحكم مجددا في مستقبل البلاد السياسي والأمني والاقتصادي ، فأصبح السؤال الكبير في أوساط صنع القرار الوطني والاقليمي : من يحكم تونس بعد 8 أعوام من حالة عدم الاستقرار السياسي  ؟

وهل تؤدي حوارات قصر قرطاج الجديدة ، بحضور رئيسي الحكومة والبرلمان وزعماء الأحزاب الحاكمة والنقابات في  رأب التصدع بين رأسي السلطة التنفيذية وقيادات الحزبين الكبيرين أم ينهار” الاستثناء التونسي” و” النموذج الديمقراطي التوافقي العربي الوحيد” بسبب الخلافات بين السياسيين وتصعيد الاضطرابات الاجتماعية ؟

 

 رئيسا الجمهورية الباجي قائد السبسي زعيم حزب النداء و”ابنه الروحي” رئيس الحكومة يوسف االشاهد وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي وأبرز أعضاده أجروا مؤخرا مقابلات ماراطونية داخل تونس وخارجها مع مسؤولين سياسيين كبار وبرلمانيين من الدول العربية والغربية بهدف احتواء الازمة السياسية الأخطر في تاريخ البلاد والتوصل الى توافق جديد يؤدي إلى انجاز الانتخابات الرئاسية والبرلمانية موفى العام الجاري في ظروف عادية .

 

ملف التمديد لرئيس الحكومة

لكن تصريحات المنسق العام لحزب النداء الوزير السابق رضا بالحاج ، الموالي لنجل الرئيس التونسي حافظ قائد السبسي رئيس الهيئة السياسية لحزب النداء، تؤكد أن الخلاف خطير جدا في الكواليس بين رئيس الجمهورية وحلفائه وقيادة حركة النهضة وشركائها في الحكومة الحالية حول ملف التمديد لرئيس الحكومة يوسف الشاهد أو سحب الثقة منه في البرلمان ، رغم نجاحه في امتحاني كسب الثقة لحكومته والمصادقة على قانون المالية الجديد.

وأكد المستشار في رئاسة الجمهورية الوزير ناجي جلول أن عددا من المقربين للرئيس قائد السبسي وحزب النداء يرفضون اعادة فتح قنوات حوار مع قيادة حركة النهضة وشركائها في الحكومة قبل أن تفك ارتباطها بيوسف الشاهد  …

ويتزعم التيار المعارض بقوة ليوسف الشاهد رئيس الهيئة السياسية لحزب النداء حافظ قائد السبسي ورجل الاعمال سليم الرياحي الامين العام للحزب والوزير السابق رضا بالحاج المنسق العام للحزب ورئيس الكتلة البرلمانية سفيان طوبال والناطقة الرسمية أنس الحطاب وفريق مستشاري الرئيس في قرطاج  .

فرصة الاستقرار

في المقابل برزت مواقف بالجملة تدعم يوسف الشاهد وحكومة الائتلاف الجديدة التي شكلها قبل شهرين ، بما في ذلك من داخل اليسار الاشتراكي والاحزاب العلمانية الليبيرالية مثل الوزير كمال مرجان .

وصدرت مثل هذه التصريحات عن بعض أبرز خصوم يوسف الشاهد السابقين مثل الوزير المستشار للرئيس سابقا وزعيم حزب مشروع تونس اليساري محسن مرزوق ، الذي فاز بثلاث حقائب في الحكومة الائتلافية الجديدة.

 وقد طالب مرزوق بأن تعطى هذه الحكومة فرصة الاستقرار عوض التهديد بإقالتها.

وحذر زعيم حزب المسار اليساري الوزير سمير الطيب  من مخاطر دفع بالبلاد مجددا نحو عدم الاستقرار الحكومي الذي برز منذ ثورة يناير2011  .

كما أعلن عبد الكريم الهاروني الوزير السابق ورئيس مجلس شورى حركة النهضة أن مؤسسات حزبه تساند يوسف الشاهد دعما للاستقرار السياسي في البلاد ، وهي تراهن على انجاز الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة لخريف 2019 في ظروف عادية .

وجدد وزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام مساندة حكومة الشاهد التوافقية الحالية ، ودعا الى دعم للاستقرار السياسي الذي تحتاجه البلاد ويطالب به رجال الأعمال والمواطنون بهدف تحسين مناخ العمل وظروف العيش.

المساندة اللامشروطة ؟

لكن الضغوطات التي يمارسها المقربون من رئيس الجمهورية قائد السبسي من أجل إبعاد الشاهد أو إضعاف حظوظه في انتخابات الخريف القادم  تسببت في تعديل مواقف السياسيين ووسائل الإعلام المساندة لمشروعه السياسي والحزبي.

وكانت من بين مفاجآت الأسبوع الأخير من عام 2018 تنظيم الرئيس التونسي اجتماعا سياسيا  حمل فيه علنا رئيس الحكومة وشركاءه في الاتئلاف الحاكم بحضورهم مسؤولية الاضرابات والاخفاقات الاجتماعية والاقتصادية  التي تمر بها البلاد .

وتزامن الاجتماع مع حرب اعلامية استهدفت الشاهد  ردا على تصريحاته في حوار تلفزي مطول توجه به إلى الشعب حمل فيه نجل الرئيس ومن وصفهم برموز الفساد مسؤولية الازمة السياسية التي يمر بها الحزب الحاكم والبلاد .

واستهدفت الحرب الاعلامية الوزراء السابقين والبرلمانيين المنشقين عن حزب نداء تونس الذين يستعدون لتأسيس حزب موال للشاهد ومشروعه السياسي والانتخابي.

 كما شملت الحرب الاعلامية مجددا حركة النهضة وكتلتها البرلمانية بزعامة وزير العدل السابق نور الدين البحيري ورئيس الحكومة السابق علي العريض، لأنها أجهضت كل محاولات قصر قرطاج سحب الثقة من الشاهد في البرلمان .

وسبق لقائد السبسي أن اتهم يوسف الشاهد والمقربين منه بالتبعية لحركة النهضة ووصفه ب” النهضاوي” ، والحكومة الحالية ب ” حكومة النهضة” بحجة أن كتلتها أصبحت الأولى في البرلمان وعارضت تغييره.

شعرة معاوية

لكن أطرافا عديدة في مؤسستي رئاسة الجمهورية والحكومة وفي قيادة النهضة والنداء لا تزال تتمسك بشعرة معاوية وتسعى إلى استبعاد خيار القطيعة والصدام .

وفي هذا السياق فهم البعض اجتماع الرئيس مجددا في قرطاج برئيسي الحكومة والبرلمان بحضور رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وزعيمي نقابات العمال ورجال الاعمال نور الدين الطبوبي وسمير ماجول .

لكن ردود فعل المنسق العام باسم حزب النداء رضا بالحاج على هذا الاجتماع  تؤكد على تمسك عدد من صناع القرار في قصر قرطاج بخيار ابعاد يوسف الشاهد وفك الارتباط بين رئاسة الجمهورية وحركة النهضة .

في المقابل كشف الشاهد خلال حواره التلفزي الجديد عن إرادة سياسية للعب دور أكبر عام 2019 بما في ذلك في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية .

 وبالرغم من استئناف الشاهد انتقاداته اللاذعة لنجل الرئيس حافظ  فإنه لم يقطع “شعرة معاوية” مع والده رئيس الجمهورية وأعلن أن العلاقة بينهما تغيرت ” ولكنها ” لم تنقطع ” ، وأنه يحترم الدستور، الذي يحدد صلاحيات رأسي السلطة التنفيذية.

لكن المستشار السياسي لرئاسة الجمهورية نور الدين بن نتيشة والناطقة الرسمية باسمها سعيدة قراش ومسؤول الاعلام فراس قفراش اعترضوا في تصريحات وتدوينات متعاقبة على  هذا تصريحات الشاهد وتحالفاته واعتبروا أن الدستور يلزمه بالانصياع لقيادة حزب النداء التي رشحته لمنصبه ، باعتباره الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في انتخابات 2014.

براغماتية

  في الاثناء تتراوح مواقف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بين الحسم سياسيا في الشاهد والمنشقين عن حزب النداء وحلفائهم في حركة النهضة وبين قبول مبدأ الحوار والوساطات الداخلية والخارجية استعدادا لتنظيم المؤتمر الانتخابي للحزب في غضون 3 أشهر.

في هذا السياق أكدت مصادر عديدة أن وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي يقوم في صمت بجهود للتوفيق بين مختلف الفرقاء ، مستفيدا من علاقاته المتطورة برئيسي السلطة التنفيذية وأغلب القيادات الحزبية والسياسية والنقابية.

كما استقبل قائد السبسي موفدين عن رئيس الحكومة وعن المنشقين الذين يعتزمون تشكيل حزب سياسي بزعامة يوسف الشاهد سياسيا وتسند رئاسته الى كبير مستشاري قصر قرطاج سابقا الوزير الشاب سليم العزابي. 

ومن المقرر أن يكون في قيادة هذا الحزب مجموعة من الوزراء وكوادر الدولة الشباب الذين انحازوا للشاهد مراهنين على صغر سنه وانفتاح الآفاق أمامه : 42 عاما مقابل 92 بالنسبة لرئيس الجمهورية .

وعند حديثه عن التطور السلبي في علاقته بقيادة حركة النهضة تركت بعض تصريحات الرئيس قائد السبسي الباب مفتوحا أمام خط الرجعة مع رئيسها حركة الذي وصفه بالصديق  ، وأعلن أنه سيحافظ على ” شعرة معاوية ” التي تربطهما رغم خلافهما السياسي بسبب انحياز الغنوشي للشاهد .

كما استبعد السبسي كل فرضيات توظيف صلاحياته الدستورية لشل عمل الحكومة والبرلمان أو تعطيل العمل بالدستور ، مبررا موقفه بتشبعه بقيم الجمهورية والولاء للدولة وجعل مصالحها فوق الاعتبارات الشخصية والسياسية الظرفية .

المطبخ السياسي في قرطاج

لكن بصرف النظر عن فحوى النصوص الدستورية يؤكد واقع تونس أن المطبخ السياسي الأهم لا يزال في قصر الرئاسة بقرطاج الذي يتحكم في علاقات تونس الخارجية وفي توجهات المؤسستين العسكرية والأمنية ورئاسة البرلمان وقيادة الحزب الحاكم .  

ورغم انضمام كبير مستشاري الرئيس ومدير مكتبه سليم العزابي إلى فريق يوسف الشاهد والمنشقين عن حزب النداء ، يعتقد مستشار الدراسات الاستراتيجية في رئاسة الجمهورية الوزير ناجي جلول أن العودة إلى التوافق بين القيادات السياسية والنقابية التونسية ممكنة إذا دعمها رئيس الجمهورية واحترمت البرنامج السياسي الاجتماعي الوسطي لحزب النداء وليس السياسات الليبرالية ” المتوحشة  للحكومة الحالية “التي تسببت في اندلاع مزيد من الاضرابات والازمات مع الاتحاد العام لنقابات العمال.

في هذا السياق ترشح بعض الشخصيات السياسية في قصر قرطاج للعب دور سياسي وطني أكبر بينها الوزيرة وسيدة الأعمال سلمى اللومي التي عينها قائد السبسي مديرة جديدة لمكتبه منذ مطلع شهر نوفمبر الماضي .

وتتميز سلمى اللومي بعلاقاتها الطيبة مع قيادات حزبي النداء والنهضة وبكوادر الدولة ورجال الأعمال وبزعماء أغلب الأحزاب العلمانية .

ولا تستبعد بعض الأوساط القيادية في حزب النداء أن تكون اللومي من بين المرشحين لتزعم الحزب وخوض الانتخابات الرئاسية القادمة باسمه، فضلا عن استعدادها لفتح صفحة جديدة مع الشاهد باعتبارها من بين القياديين الذين عارضوا قرار تجميد عضويته .

جسور جديدة

 

لكن كيف الخروج من المأزق السياسي الحالي ومن التجاذبات بين صناع القرار في قصري الرئاسة في قرطاج والقصبة و في قيادتي النداء والنهضة ؟

أم ستظل تونس بدون سلطة مركزية قوية وموحدة إلى ما بعد تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية موفى 2019 ؟

رغم تبادل الاتهامات في وسائل الإعلام بين مسؤولي الائتلاف الحاكم والمعارضة والنقابات تكشف تصريحات كثير منهم حرصا على بناء جسور جديدة للتوافق بين رفاق الأمس في الحزب الحاكمين : النداء والنهضة  .

وبالرغم من تأكيد البيانات الجديدة الصادرة عن قيادة النهضة على دعم استقرار حكومة الشاهد فقد وجه عدد من قادتها بينهم وزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام رسائل سياسية جديدة لقصر قرطاج تفتح الباب أمام اعادة ترتيب الأوراق .

عبد السلام أورد أن حركته ترحب بتأسيس الشاهد وأنصاره حزبا جديدا دعما للاستقرار السياسي ، لكن هذا التعاون لا يعني شراكة استرايتجية معهم على حساب بقية الاطراف السياسية، والحوار مع رئاسة الجمهورية .

وفهم المراقبون من هذا التصريح اعلان استعداد لاعادة التفاوض حول كل الملفات بما في ذلك مستقبل الحكومة الحالية ورئيسها .

في الاثناء أورد الوزير السابق ورئيس مجلس شورى النهضة عبد الكريم الهاروني ، أن الاجتماع الموسع للمجلس قرر دعم الاستقرار الحكومي لكنه طالب يوسف الشاهد بعدم توظيف مؤسسات الحكم في السباق الانتخابي القادم .

واعتبر هذا الموقف عودة الى المربع الاول في علاقة النهضة بالشاهد ، أي مطالبته بالانسحاب من رئاسة الحكومة إذا قرر أن يترشح في الانتخابات الرئاسية  أو أن يتزعم حزبا وقائمات في الانتخابات البرلمانية.

ويعد موقفا رفيق عبد السلام وعبد الكريم الهاروني تطورا عن مواقف سابقة صدرت عن مسؤولين في الحركة انحازت بشكل غير مشروط للشاهد ، ردا على اعلان الرئيس قائد السبسي ونجله حافظ القطيعة السياسية مع زعيم النهضة راشد الغنوشي والمقربين منه .

يذكر أن الوزير السابق لطفي زيتون المستشار السياسي للغنوشي وقياديين آخرين في النهضة ، مثل رئيس المكتب السياسي نور الدين العرباوي وعضو المكتب السياسي سيد الفرجاني  ونائب رئيس الحركة والبرلمان عبد الفتاح مورو ، عارضوا علنا منذ مطلع الصائفة الماضية القطيعة مع رئاسة الجمهورية وقيادية حزب النداء وقللوا من أهمية الرهان على ما وصف بالشراكة الإستراتيجية مع الشاهد المرشح ليكون حاكم تونس القادم من قبل قوى مؤثرة داخل تونس وخارجها .

  حكومة تكنوقراط مستقلين

في الانتظار كيف يمكن أن تحكم البلاد ؟

الوزير المستشار لقائد السبسي والقيادي في حزب النداء ناجي جلول يعتبر أن الحل يبدأ بتشكيل حكومة تكنوقراط تتشكل من مستقلين عن كل الأحزاب السياسية تكلف بحكم البلاد حتى تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية واستكمال اجراءات نقل السلطات موفى 2019 أو مطلع 2020 .

جلول وعدد من الزعماء النقابيين وقادة حزب النداء و زعماء الأحزاب المعارضة يعودون إلى المطالبة باقالة رئيس الحكومة الحالية والوزراء السياسيين ودعوتهم إلى التفرغ إلى مشاريعهم السياسية والانتخابية ، على غرار ما حصل في 2014 مع حكومة المهدي جمعة بعد توافق سياسي رعته قيادة نقابات العمال ورجال الأعمال ومنظمة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان .

لكن زعيم حزب مشروع تونس اليساري الوسطي محسن مرزوق وعددا من المنشقين عن حزب النداء وحلفاءهم الإسلاميين يعترضون على هذا المطلب ويحتجون بكون الدستور لا يلزم رئيس الحكومة وبقية الوزراء بالاستقالة من مناصبهم إذا قرروا المشاركة في الانتخابات .

مؤتمر و جبهة ضد النهضة ؟

في الكواليس تروج  سيناريوهات إضافية حول حكم البلاد في المرحلة القادمة إحداها تشكيل تحالف مفتوح ضد حركة النهضة بين أبرز الفرقاء السياسيين يوحد أنصار قائد السبسي والشاهد وحلفاءهما بهدف إضعاف حظوظ الاسلاميين في الانتخابات القادمة .

اصحاب هذا السيناريو يحاولون احياء جبهة “الحداثيين والعلمانيين” الذين يلعبون في مشروعهم الانتخابي ضد النهضة ورقة الاختلاف مع ما يسمى بحركات الإسلام السياسي والتيارات المحافظة ذات المرجعيات الدينية ، أي نفس الورقات التي لعبها حزب النداء ومجموعات أقصى اليسار في انتخابات 2014.

ويراهن هؤلاء على عقد مؤتمر توحيدي بين كوادر حزب النداء وانتخاب قيادة جديدة .

وفي صورة فشل هذا الخيار يقع اللجوء الى السيناريو الثاني أي تشكيل أنصار الشاهد لحزب يرث غالبية كوادر حزب قائد السبسي ، تسند رئاسته الى سليم العزابي الوزير مدير الديوان الرئاسي السابق، مع ضمان انفتاح هذا الحزب انتخابيا على المستقلين وعلى كفاءات منشقة عن أحزاب اخرى من بينها حركة آفاق الليبيرالية و الحزب الجمهوري السابق بزعامة أحمد نجيب الشابي والمهدي بن غربية وعصام الشابي واياد الدهماني . …

لكن حسابات كل السياسيين قد تنهار في صورة تدخل عناصر جديدة أكثر خطورة من بينها الانفجارات الاجتماعية والاضطرابات الامنية المرتبطة بتطورات الأوضاع في ليبيا والجزائر وفي المنطقة عموما ..