أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on ضوء أخضر ألماني لتسليم «ليوبارد» لأوكرانيا… وموسكو تندد بـ«قرار خطير»

ضوء أخضر ألماني لتسليم «ليوبارد» لأوكرانيا… وموسكو تندد بـ«قرار خطير»

كييف رحبت بـ«الخطوة الأولى» ودعت إلى «تحالف» دولي لتزويدها بالدبابات

أعلنت الحكومة الألمانية اليوم الأربعاء، أنها سترسل دبابات «ليوبارد 2» إلى أوكرانيا، كما ستوافق على إعادة تصدير الدبابات نفسها من الشركاء.

وأضافت الحكومة الألمانية في بيان نقلته وكالة «رويترز»: «سيجري قريبا تدريب قوات أوكرانية في ألمانيا وستقدم برلين أيضا مواد لوجستية وذخيرة».

وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن هيبشترايت إن ألمانيا تعتزم تسليم أوكرانيا 14 دبابة «ليوبارد 2 إيه 6» من المخزون لدى الجيش الألماني.

ورحّبت الرئاسة الأوكرانية الأربعاء بموافقة برلين على تسليمها 14 دبابة ليوبارد ما اعتبرته «خطوة أولى»، ودعت الدول الغربية إلى تزويدها بمزيد من الاسلحة لصدّ الجيش الروسي.

وقال رئيس الإدارة الرئاسية أندري يرماك على تلغرام، «تم اتخاذ خطوة أولى»، مطالبًا بأن يقوم «تحالف» دولي بتزويد كييف بدبابات ثقيلة. وأضاف «نحن بحاجة لعدد كبير من دبابات ليوبارد».

ورحب الأمين العام لحلف شمال الاطلسي ينس ستولتنبرغ الأربعاء بقرار ألمانيا تزويد أوكرانيا بدبابات «ليوبارد 2»، قائلاً إنها ستساعد كييف على هزم الغزاة الروس. وأضاف على تويتر «في لحظة حرجة من الحرب التي تشنها روسيا، يمكن للدبابات مساعدة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها والانتصار كدولة مستقلة».

كما رحبت الرئاسة الفرنسية بقرار برلين إرسال دبابات القنال الرئيسية «ليوبارد 2» إلى أوكرانيا، والسماح للدول الأخرى بفعل الشيء نفسه دعماً لكييف في مواجهة موسكو.

إلى ذلك،  أكد وزير الدفاع الألماني أن الدبابات لن تكون قابلة للتشغيل في أوكرانيا «قبل ثلاثة أو أربعة أشهر على الأرجح»، مؤكدا أن بلاده «لن تصبح طرفا» في الحرب و«ستحرص على ذلك».

وفي أول رد فعل روسي على قرار برلين، أكد السفارة الروسية في برلين أن موافقة ألمانيا على إرسال دبابات ليوبارد لأوكرانيا «قرار خطير للغاية ويدفع بالصراع إلى مستوى آخر».

وأعلن الكرملين في وقت سابق اليوم، أنه في حال قامت الدول الغربية بتزويد أوكرانيا بدبابات ثقيلة فإن تلك الآليات ستُدمَّر في ساحة المعركة. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحافيين «من الناحية التكنولوجية، الخطة فاشلة. إن ذلك مبالغة في تقدير الإمكانات التي ستُضاف للجيش الأوكراني».

وأضاف «هذه الدبابات ستحترق مثل سواها. إنها باهظة الثمن فحسب».

عرض الكرملين مجموعة من الردود على خطط حلفاء كييف دعم القوات الأوكرانية بدبابات ليوبارد. فقد أعلن بيسكوف في وقت سابق هذا الأسبوع أن أي إمدادات من الدبابات الألمانية إلى أوكرانيا ستترك «أثرا لا يُمحى» على العلاقات الثنائية بين موسكو وبرلين.

وقبل ذلك قال إن الأسلحة الغربية المرسلة لأوكرانيا من شأنها فقط إطالة أمد النزاع، ومفاقمة معاناة المدنيين الأوكرانيين في نهاية المطاف.

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on مثقفون وسياسيون: تدخلات خارجية ومافيات محلية أفشلت الثورات العربية .. بقلم كمال بن يونس

مثقفون وسياسيون: تدخلات خارجية ومافيات محلية أفشلت الثورات العربية .. بقلم كمال بن يونس

 

دعا عشرات الديبلوماسيين والمثقفين والسياسيين العرب السلطات التونسية والحكومات العربية والأفريقية، في الذكرى الـ 12 لانفجار ثورات الربيع العربي، إلى اعتماد “سياسات اقتصادية اجتماعية جديدة تحترم المعايير الدولية للشفافية والديمقراطية ولاحترام استقلالية القضاء والإعلام والفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية حتى تنجح في استقطاب المستثمرين والممولين من العالم أجمع”.

واعتبر الخبراء والحقوقيون والسياسيون المشاركون في ندوة “المتغيرات الاقتصادية والجيو استراتيجية عام 2023 في تونس والمنطقة المغاربية الأوروبية” أن “احترام السلطات في تونس وفي كامل المنطقة العربية للديمقراطية وحقوق الإنسان سيؤدي إلى تحسين مناخ الأعمال والشفافية واحترام الشروط التي تقدمها الصناديق المالية والاستثمارية الدولية قبل إعلان موافقتها على تقديم قروض وعلى الاستثمار في دول جنوب البحر الأبيض المتوسط “.

وفسر هؤلاء الخبراء تعثر مسار الانتقال الديمقراطي والثورات العربية بـ “التدخلات الخارجية وأجندات مافيات محلية ليس من مصلحتها إنجاز الإصلاح الاقتصادي والسياسي والثقافي “.

منذ برشلونة وثورات 2011

واستدل البيان الختامي للندوة حول علاقة التمويل الدولي بالديمقراطية بعشرات المليارات من الدولارات التي حصلت عليها تونس والدول المغاربية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان منذ اتفاقات برشلونة الأورو متوسطية في 1995 و2005 و2009  ثم بعد إعلان انخراطها في المسار الديمقراطي بعد ثورات 2011.

وحذر المشاركون في هذه الندوة التي نظمتها جمعيات “الديمقراطيين في العالم العربي” و”كفاءات تونسية” والمؤسسة العربية والأفريقية للدراسات ابن رشد، من انفجار الأوضاع الأمنية والاجتماعية وانهيار مزيد من مؤسسات الدولة والمجتمع في أغلب الدول العربية في صورة عدم تعديل السياسات الخارجية والداخلية للحكومات.

واعتبر المؤتمر أن عودة مناخ الثقة بين كل صناع القرار الاقتصادي والسياسي المحلي والإقليمي والدولي شرط ضروي لتحقيق “الأمن الشامل” وامتصاص غضب عشرات ملايين المواطنين الذين تضرروا من ارتفاع الأسعار ونسب الفقر والبطالة وتدهور قيمة العملات المحلية مقابل الدولار الأمريكي واليورو..

ليبيا.. وخلافات الجزائر والمغرب

في هذا السياق أوصى ممثلو منظمات مستقلة ومراكز دراسات مغربية وجزائرية وليبية وتونسية وموريتانية وأوروبية في تصريحات لـ “عربي21” على هامش الندوة باحتواء سريع للخلافات بين الجزائر والمغرب من جهة وللأزمة والحرب داخل ليبيا. وطالبوا “القوات الأجنبية” بالانسحاب بوضع حد للتدخلات الأجنبية السياسية والعسكرية التي تعرقل فرص التسوية السياسية للحرب في ليبيا وجهود إعادة تطبيع العلاقات بين الجزائر والرباط وفتح الحدود الجزائرية المغربية.


                                  سعيد بحيرة.. الكاتب العام السابق لوزارة الخارجية التونسية

ودعا المحاضرون العواصم العربية والدولية المؤثرة في المتغيرات السياسية والأمنية والاقتصادية في ليبيا وتونس وكامل المنطقة إلى “إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ودعم فرص التسوية السياسية على حساب كل السيناريوهات العسكرية والأمنية في كامل المنطقة من اليمن إلى سوريا ومن الخليج إلى بلدان الاتحاد المغاربي”، كما ورد على لسان مدير عام مؤسسة بناء الليبية مصطفى الساقزلي والناشط أحمد الطلحي ممثل التكتل الجمعياتي في منطقة طنجة المغربية وشكري الحيدري رئيس منظمة “كفاءات تونسية”.

الصراع بين الحلف الأطلسي وروسيا

في سياق متصل اعتبر الإعلامي ورئيس المنتدى الألماني المغاربي للحوار المنصف السليمي في تصريح لـ “عربي21” على هامش مشاركته في الندوة أن المنطقة المغاربية والأورو متوسطية في حاجة إلى إصلاحات سياسية اقتصادية داخلية وإقليمية سريعة لاحتواء أزمات قد تصبح أكثر خطورة في 2023.

واعتبر السليمي أن هذه الأزمات تستوجب تحركا مشتركا يشمل 3 مجالات: المجال الأوروبي الذي سيزداد تعقيدا بسبب حرب أوكرانيا، والمجال المغاربي الذي ازداد هشاشة بسبب تصعيد الخلافات بين الجزائر والرباط، والمجال الدولي الذي استفحلت فيه مخاطر المواجهة بين الحلف الأطلسي وحلفائه وروسيا والصين وحلفائهما اقتصاديا وتكنولوجيا وعسكريا.

واعتبر السليمي أن المرحلة “تفترض استشرافا دقيقا للمتغيرات الجيو استراتيجية الإقليمية والدولية وتشجيع سيناريوهات الحوار والتفاوض والتكامل الاقتصادي على سيناريوهات الحرب والقطيعة والصدام”.. كما طالب الدول المغاربية والعربية بعقلنة السياسات الخارجية لدول المنطقة مع استشراف دقيق لسيناريوهات المتغيرات المرتقبة في “الشراكات الاستراتيجية إقليميا ودوليا”.

35 ألف مهاجر غير قانوني

وحظي ملف الهجرة القانونية وغير القانونية وبقية ملفات الشراكة الأوروبية العربية باهتمام الملتقى.

في هذا السياق كشفت دراسة قدمها البرلماني التونسي في إيطاليا والقيادي السابق في حزب التيار الديمقراطي مجدي الكرباعي أن 18 ألف تونسي وصلوا إيطاليا عام 2022 بطريقة غير قانونية وأن 15 ألفا آخرين ينتظرون في صربيا وتركيا بعد أن تقدموا بمطالب للسلطات الأوروبية.

وقدر البرلماني مجدي الكرباعي عدد التونسيين الذين ماتوا غرقا أو في مراكز الاحتجاز الإيطالية والأوروبية “القاسية جدا” بحوالي ألف شخص. وسجل أن السلطات الإيطالية والأوروبية أصبحت تتعمد سوء معاملة المرشحين للهجرة غير القانونية وإيوائهم في ظروف وصفها بـ “البشعة والمخزية” مقارنة بمراكز الإيقاف المؤقت السابقة.


                                    وزير الدولة للخارجية التونسي السابق محمد علي النفطي

في سياق متصل أوصى عدد من خبراء السياسة الدولية والديبلوماسيين المشاركين في الندوة، بينهم وزير الدولة السابق للخارجية السفير محمد علي النفطي، بتفعيل اتفاقيات سابقة توصلت إليها السلطات التونسية والمغاربية مع بروكسيل والعواصم الأوربية حول التعاون الثنائي والإقليمي وتقاطع المصالح وحركة تنقل المسافرين ورؤوس الأموال والسلع في الاتجاهين تكريسا لقاعدة “تقاسم الأرباح”. وكشف النفطي ومتدخلون من البلدان المغاربية الخمسة، بينهم الإعلامي الجزائري عثمان اللحياني والكاتب العام السابق لوزارة الخارجية التونسية سعيد بحيرة والإعلامية الليبية سلمى المنفي، أن “تحويلات المهاجرين العرب إلى بلدانهم ما تزال تتصدر موارد دولهم وعائلاتهم من العملات الدولية” ودعوا إلى “عدم الخلط بين الحق في انتقاد الإرث الاستعماري وواجب حماية مصالح الشعوب والدول العربية اليوم في أوروبا. وقدرت بعض الورقات عدد المهاجرين العرب في أوروبا التي تؤوي بحوالي 20 مليون مهاجر، بينهم أكثر من 10 ملايين من بلدان شمال أفريقيا وحدها”.

تحرير العقول

من جهة أخرى دعا عدد من رجال الأعمال والخبراء الاقتصاديين العرب، بينهم التونسي المقيم في الدوحة سامي القابسي والمستثمر الجزائري أحمد بن جلون والرئيس الشرفي للخبراء المحاسبين التونسيين شكري الحيدري والإعلامية الليبية سلمة المنفي، إلى “تحرير العقليات وتفعيل دور المجتمع المدني والشباب والمؤسسات الديمقراطية” حتى تنجح سيناريوهات التنمية في بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط.

كما دعوا إلى تحرير تنقل رؤوس الأموال والسلع والمسافرين وأصحاب الشركات الصغرى والمتوسطة بين بلدان الجنوب عموما والبلدان شمال أفريقيا خاصة”.


                                        مشاركون من الأردن والدول المغاربية وأوروبا

وذكر ممثل الائتلاف الجمعياتي بطنجة أحمد الطلحي بالمناسبة بكون المنطقة تستعد لإحياء الذكرى 65 لمؤتمر قمة طنجة التي نظمت في نيسان (أبريل) 1958 بمشاركة زعماء الحركة الوطنية في البلاد المغاربية وأوصت ببناء “الاتحاد المغاربي”، الذي تعثر مجددا بسبب “الخلافات الجديدة” بين الجزائر والرباط التي استفحلت العام الماضي بما تسبب في خسائر كبيرة للبلدين والشعبين”.

وناشد الملتقى صناع القرار في العواصم المغاربية التحرك بمناسبة هذه الذكرى الرمزية لإعادة الروح لمؤسسات الاتحاد المغاربي المجمدة وللشراكة جنوب ـ جنوب.

واعتبر البيان الختامي للملتقى أن تكريس “المصالحة وتقاطع المصالح بين بلدان الجنوب سوف يجذب أكبر رؤوس الأموال والمؤسسات المالية والاستثمارية العمومية التابعة للبلدان الصناعية الدولية وبينها دول الاتحاد الأوروبي وتركيا والولايات المتحدة واليابان والصين وروسيا وكل القوى المهتمة بالاستثمار في أفريقيا والعالم العربي..

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on القومية عند الإسلاميين والأممية عند القوميين! .. بقلم ربيع الحافظ

القومية عند الإسلاميين والأممية عند القوميين! .. بقلم ربيع الحافظ

الإسلاميون أمميون لا فرق بين حادثة وقعت على أرض الأندلس وأخرى عند أسوار الصين أو بين هارون الرشيد وسليمان القانوني أو بين الدولة الأموية والعثمانية. حدود مفتوحة من دون نقاط تفتيش. لكن الأمر لا يبقى بهذه السهولة حين يتعلق بمعالجات الحاضر كالحاجة (مثلا) إلى دور إقليمي تركي على الأرض العربية لإنقاذ المجتمعات من الطائفية والشعوبية حينها لا تخلو صفوف بعض الإسلاميين من نزعة قومية لا تختار لزمنها الحاضر ما تمجده أدبياتها في الماضي، أو نزعة أكثر ضيقاً (سايكوسبيكية) لا تندفع (عملاً وليس قولاً) لرتق مجتمعات دول أنشأتها سايكس بيكو لكي تتصرف هذه المجتمعات (أمام الخطر الطائفي الشعوبي) لا كعراقيين أو سوريين او لبنانيين وإنما كعرب.

القومية، في المقابل، نقيض الأممية وقد أفقدت الرقعة العربية عمقها الأممي الإسلامي وأصابت التاريخ الإسلامي بالعرج فالعرب يحجبون (من منظور قومي) جوانب من التاريخ الإسلامي لأنها حدثت في حقبة سياسية إسلامية غير عربية (سلجوقية أو عثمانية أو أتابكية) والأتراك فعلوا الشيء مثله في الحقبة الأتاتوركية. كان الفكر القومي مدخلاً غير صائب للقرن العشرين في وقت كانت الأمم تتجه فيه إلى التكتلات ولو على أسس زائفة. بدأ القرن العشرين بلونين: أسود وأبيض؛ استعادة الخلافة الإسلامية أو محاصرة الإسلام داخل المساجد، ويبدأ القرن الواحد والعشرين بظهور طيف جديد هو بوادر تفاعل الوسط الثقافي القومي (ولو على مستوى الأفراد والأقلام وليس الرؤوس) مع الدور الإقليمي التركي بهدف تصحيح الكفة الاقليمية لمواجهة التهديد الطائفي الشعوبي، هذا التفاعل يمثل مخاض مساحة ثالثة يقف عليها الطيف الأوسع للمجتمع من دون تصنيف فكري لأنها مساحة إنقاذ مجتمع وليست انتصاراً لمدرسة فكرية.

شكل البحث عن المساحة الثالثة في المجتمع العربي قضية القضايا بعد الانقلاب في اسطنبول عام 1909 بقيادة الاتحاد والترقي وخلع السلطان عبد الحميد والذي كان تدشيناً لحقبة (قومية) جديدة هددت علاقة العرب والأتراك. بخلاف الرواية الرسمية العربية للتاريخ (والمناهج المدرسية) فإن المجتمع العربي كان في عملية بحث مضنٍ عن أرضية (فكرية) مشتركة جديدة مع الأتراك قادرة على حفظ النظام الأمني الإقليمي (العثماني) وتمنع انهيار المجتمع أمام الأوروبيين. قاد حملة “المساحة الثالثة” علماء ووجهاء المجتمع العربي وفي طليعتهم أمير البيان والمفكر شكيب أرسلان (لبنان) والشيخ محمود شكري الآلوسي (العراق) والشيخ محمد رشيد رضا صاحب نفسير المنار ومجلة المنار (مصر)، والأديب والعالم الديني والسياسي عبد العزيز الثعالبي (تونس) والشيخ محمد عبده (مصر).

على الرغم من أن انقلاب 1909 مثل نهاية للخلافة من الناحية العملية إلا أن رغبة العرب في البقاء في تحالف إقليمي مع الأتراك لم تتبدل، واعتقد “حكماء العرب” أن مقومات التحالف مع الأتراك لا تكمن في الخلافة فقط وانما خارجها كذلك وفي البناء الاجتماعي المشترك، وأدركوا أن المجتمع لا يمكن أن ينجو من دون دولة تحميه لذا كانت الحفاظ على النظام الإقليمي العثماني (بصيغ جديدة تراعي خصوصيات المنطقة) والبقاء تحت خيمته هو الأولية التي لا تتقدم عليها قضية أخرى ولم يمنع (لكي تحقق) أن يكون الشريك هو الاتحاد والترقي القومي والعلماني الذي أنهى الخلافة.

لم يكن عند مفترق القرن العشرين إسلاميين وقوميين وإنما كان هناك حرص على الإسلام وحب للعروبة والقيم الاجتماعية المنبثقة منهما، وقد بذل حكماء المجتمع جهوداً فكرية كبيرة لارتسام مسار جديد مشتق من هذين المكونين يكون قادراً على الفوز بثقة الناس ونجحوا في ذلك في زمان ازدحم بالمدارس الفكرية وصارت أفكارهم ولا تزال مادة للبحث في الاجتماع السياسي في الجامعات الغربية. لم تنتهِ مهمة “الحكماء العرب” إلى نجاح وانهارت الدولة العثمانية وذلك لسببين: كانت الهندسة الإقليمية بأيدي الأوروبيين من جهة، ومن جهة ثانية كان الفتق القومي بين العرب والأتراك أكبر من أن تعالجه فكرة لم تنضج بالقدر الكافي.

القوميون اهتموا بالعناوين الوطنية ولم يهتموا بالعقيدة الإسلامية فأتى الشعوبيين من صوبهم واخترقوا الصفوف وهدموا الدولة والمجتمع. استرداد الدولة والمجتمع من الطائفية الشعوبية هي الأرضية المشتركة التي يقف عليها المجتمع ولابد لهذه الأرضية من فكر جديد يتخطى الخطوط الحمراء للإسلاميين والقوميين معاً. فرصة إيجاد المساحة الثالثة تعود بعد قرن بحظوظ أوفر يدعمها عاملان أساسيان: نضوج المجتمعين العربي والتركي وخروجهما (فكرياً واجتماعيا) من والصراع القومي، والموقع المهم لتركيا على المسرحين الاقليمي والدولي.

البارزة, وجهات نظر 0 comments on الرجل الذي يحسد رونالدو .. بقلم غسان شربل

الرجل الذي يحسد رونالدو .. بقلم غسان شربل

 

لا مبررَ لاستدعاء طبيب. جروحُ الروح ليست من اختصاصِه. لكن ما يجري غريب. تلفحُه الكآبةُ وتنتشرُ في عروقِه كشعب من النمل. بوادر تعب عميق. ورائحة يأسٍ غيرِ مسبوق. دهمته في المكتب هذا النهار مشاعرُ غيرُ صحية. راودته فكرة أن يجمعَ أوراقَه ويغلق البابَ إلى غير رجعة. أن يفرَّ من المقر كمن يفرُّ من قاربٍ مفخخ. وأن يعيدَ اللقبَ إلى مانحيه. والمكتبَ إلى أصحابه. والمهمةَ إلى من يتوهَّمون أنَّهم أقدر.
أيامٌ لا تشبه الأيام. كلَّما فتح الباب يشمّ رائحةَ الفشل. أزهارُ المكتبِ تحرجه فيسمع أجراسَ الخيبة. ما أصعبَ أن تذهبَ إلى مكتبك كما يعود السجين إلى زنزانته! شعور الأسير. وأوجاع الرهينة. لم أخن واجبي لكنَّ العالم خان. لن يدبج كتاب استقالته. سيقولون إنَّه أنقذ صورتَه وتجاهل عالماً يغرق.
«مهنتي مؤلمة»، قال، وأطلق نصفَ ابتسامة. لا يعرف حساده حجم الإحباط الذي يلتهمه منذ شهور. هذا الشعور الرهيب بالعجز الكامل. العجز عن وقف الاندحار المروع لعالم مجنون. العجز عن استصدار قرار. والعجز عن المجاهرة بموقف واضح. والعجز عن وضع النقاط على الحروف. أحياناً يصبح دورُك إجراءَ جراحاتٍ تجميلية للجثث. وأن ترشَّ السكر على الموت. وأن تبقي شعلة الأمل الكاذب حيَّة.
ما أصعبَ أن تخيّبَ مشاعرَ من يراهنون عليك. من يتوهَّمون أنَّك قادر. وأن مؤسستَك هي الملجأ الأخير. وأنَّك حارس مرمى القانون الدولي. أعجبته صورة حارس المرمى. لا يزال يعيش تحت وطأة المونديال. لكنَّه يعرف أن دورَ الحارس خداع. هزَّت أميركا شباكَ القانون الدولي حين غزت العراق. مزّق بوتين شباكَ القانون الدولي حين أوقدَ نيرانَ الحربِ واجتاحت قواتُه أوكرانيا. دموع الحارس لا تحرس المرمى. تسديدة بوتين كانت أقوى من تسديدات رونالدو وميسي ومبابي. هزَّ رأسَه وأطلقَ بصوت خافت عبارة حقيقية: الدول الكبرى ميليشياتٌ هائلة. سيفُ «الفيتو» يقطعُ عنقَ القانونِ الدولي.
قرَّر أن يغسلَ أحزانَه. سكبَ كأساً للتحايل على مزاجه. كانت المدينةُ في عهدةِ الليل والصقيع. هاجمته خيامُ المطرودين من أوطانِهم أو داخلها. هاجمه أنينُ اللاجئين. تخيَّل الثلجَ يتراكم فوق أوجاع الخيام. وارتجاف الأطفال بعدما تحالف الطقس مع الجوع لمضاعفة أوجاعهم. تخيَّل كروم الحسرة في عيون الأمهات وقد تعبنَ من انتظار الإعاشات. تكسّر المشاهد الأوكرانية قلبَه وتثير ذعره. ملايين الهاربين والهائمين. وملايين المقيمين في قبضة الصقيع والعتمة والخوف. الجنرال سوروفيكين لا يحب البنيةَ التحتية للآخرين، ولا يطيق الكهرباءَ والبيوتَ المضاءة. سوروفيكين هداف الدورةِ الحالية على كأس أوكرانيا أو ما يتبقَّى منها.
حين هبَّ إعصار «كورونا» اعتبره أمَّ المصائب. رفع الصوتَ عالياً لضمان عدالة توزيع اللقاحات. مهمته الوقوف إلى جانب الضعفاء أو التذكير بوجودهم. وحين انحسرت غمامةُ الوباءِ انطلق يذكر العالمَ بأوجاع ما قبلها وكارثة الاحترار المناخي المقتربة. لم يكن يتوقَّع أن يفجعَ بـ«أم المعارك» التي أعادت مواسمَ القتل إلى القارة الأوروبية وفي صورة أخطر نزاع منذ الحرب العالمية الثانية.
سكبَ كأساً ثانية. شعر بالخوف حين أعلنت أميركا عن إرسالِ بطاريات «باتريوت» إلى أوكرانيا. وأحسَّ بالذعر حين أطلَّ بوتين يؤكد أنَّ ترسانته تملك دواءً لمعالجة براعة السلاح الأميركي الوافد. الدول الكبرى ميليشيات كبرى، قال في سرّه. تذكر أنَّ سيدةً روسيةً لن تحتفل بالأعياد، لأنَّ ابنَها ذهبَ إلى الحرب ولم يعد. وأنَّ سيدةً أوكرانيةً لن تحتفلَ بالأعياد لأنَّها دفنت فلذةَ كبدِها في حديقةِ المنزل.
«مهنتي مؤلمة»، قال. نظر إلى السائلِ الأحمر في الكأس فهاجمته صورٌ جارحة. لونُه يشبه دمَ الأوكرانيين والفلسطينيين والأكراد واليمنيين والليبيين والسوريين والصوماليين. من يقنع أبناءَ الخرائطِ الممزقة بالكفّ عن بيعِ دمِهم على موائدِ الميليشيات وحروب الآخرين؟ من يقنعُهم بعدمِ انتظار القانون الدولي وضماداته؟ تغيَّر العالم. الجدار الأوكراني أخطرُ من جدار برلين. والعالم غابة بلا شرطي.
أوجعته السنة التي تلفظ أنفاسَها. كان يحصي سراً عددَ الجنازات. وقوافل اللاجئين. وانقلاب «قوارب الموت» باليائسين الفارين.
لكنَّه يشعر بخوفٍ فظيع من السنة المقتربة. ماذا لو استنتج بوتين أنَّ السبيلَ الوحيد لإنهاء الحرب توسيعها والتحرش بدولة أطلسية؟ وماذا لو استنتج شي جينبينغ أنَّ وليمةَ الشهيات الدولية مفتوحة، وأنَّ الوقتَ مناسبٌ لإعادة تايوان إلى بيت الطاعة؟ وماذا لو توسَّعت الحربُ الأوكرانية وتوقفت رحلاتُ الحبوبِ التي شارك في استجدائها من القيصر؟
هاجمته الذكريات. أيام التفوق في الدراسة. الانخراط في الحياة الحزبية. إقامته في مكتب رئيس الوزراء. لكنَّه ليس رجل بلاده. تعشق شخصاً آخر. رجل لا يجمع دموع اللاجئين ولا يكابد لترتيب وقفٍ للنار ولا يفاوض قساةَ العالم. يلاعب المستديرة الساحرة ويسبح في الأضواء ويحصد الجوائز والعقود الخيالية. أطلَّ الحسدُ برأسِه. غداً يكتب صحافي أنَّ الأمين العام لـ«الغابة الدولية» رجلٌ مهذَّبٌ عاجز جاء من بلاد كريستيانو رونالدو.
عالمٌ مخيف. تابع العالم فتوحاتِه العلميةَ والتكنولوجية وتطويعَ الكواكب لكنَّه احتفظ بخناجره وشراهتِه ووحشيتِه. الخرائطُ مذعورةٌ خائفةٌ من الداخل والخارج. والزمنُ ميليشيات ومسيّرات. كم كانَ بودّه أن يدبّجَ رسالةَ أمل. لن يفعل. سيسخرون من سذاجتِه. سيكتفي برسالة صوتية مقتضبة يوجّهها إلى العالم: «أنا أنطونيو غوتيريش. أعتذرُ عن السنة المحتضرة، وأعتذرُ أيضاً عن السنة المقتربة». كرَّر عبارة «مهنتي مؤلمة»، واستسلم لنومٍ عميق.

غسان شربل

رئيس تحرير «الشرق الأوسط»

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on عبد السلام التركي : هدفنا تأسيس شركات تونسية-ليبية ناشئة

عبد السلام التركي : هدفنا تأسيس شركات تونسية-ليبية ناشئة


يرعى السيد عبد السلام التركي الرئيس الفخري لبرنامج الشركات الناشئة “Start-up” بالمجلس الأعلى لرجال الأعمال التونسيين و الليبيين ليعلن قبول الترشحات إنطلاقا من يوم الاثنين 12 ديسمبر 2022.
ويهدف البرنامج إلى نشر ثقافة الشركات الناشئة القائمة على الابتكار والتقنيات المتقدمة والاستفادة من التجارب الدولية المختلفة ، وفتح آفاق واسعة للتسويق للشركات الناشئة إقليميًّا وعالميًّا، وتوفير الدعم للشباب التونسي و الليبي في المراحل الأولية للأفكار، وإيجاد حلول تمويليّة مبتكرة لهذه الفئات، حيث يعدّ البرنامج فرصة لرفع فرص الشركات الناشئة التونسية-الليبية فرصة للحصول على التمويل والاستثمار وتطوير منظومتها مع تحديد أهم التوجهات والمبادرات الداعمة لها.
وسيركز البرنامج على ثلاثة محاور رئيسة وهي بناء القدرات للشركات الناشئة، والتمويل والاستثمار في الشركات الناشئة القائمة على الابتكار والتقنيات المتقدمة، إضافة إلى البيئة التشريعية التي تضم كل التشريعات التي تتطلبها الشركات الناشئة.
كما يأتي البرنامج في إطار الخطوات المبذولة لتعزيز منظومة الشركات الناشئة القائمة على الابتكار والتقنية في تونس و ليبيا عبر تمكين أصحاب الأفكار المبتكرة ودعم تأسيس شركات ناشئة في هذا المجال وربطها بفرص الأعمال والاستثمار والتمويل بما يحقق لها التوسع في الأسواق المحلية والعالمية.

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on حوار بين اكاديميين علمانيين واسلاميين ومستقلين في كلية الاداب والعلوم الإنسانية حول الخطاب الديني المعاصر في العالم العربي والإسلامي واوربا وفي العالم… بقلم كمال بن يونس

حوار بين اكاديميين علمانيين واسلاميين ومستقلين في كلية الاداب والعلوم الإنسانية حول الخطاب الديني المعاصر في العالم العربي والإسلامي واوربا وفي العالم… بقلم كمال بن يونس

في سابقة علمية وسياسية في الجامعة التونسية انطلق عشرات الأكاديميين والمثقفين التونسيين العلمانيين والإسلاميين من اختصاصات مختلفة في إعداد بحوث بمنهجية “موسوعية” وتنظيم حوارات علمية مفتوحة عن الخطاب الديني السياسي المعاصر و”الظاهرة الدينية” التي تزايد تأثيرها المجتمعي والسياسي والثقافي في العالم الإسلامي وأروبا وفي أغلب المجتمعات..

الحوارات انطلقت في ندوة كبرى افتتحها الأستاذ المنصف التائب عميد كلية الآداب والفنون والإنسانيات بجامعة منوبة غربي العاصمة تونس تحت عنوان: “الخطاب الديني أشكاله ووظائفه” وشارك فيها باحثون وخبراء من كل جامعات البلاد ومراكز الدراسات الاجتماعية والسياسية من اختصاصات مختلفة، بينهم المفكر احميدة النيفر رئيس قسم الدراسات الإسلامية في المجمع التونسي للعلوم والآدب والفنون بقرطاج “بيت الحكمة”، والأكاديمي محمد بن الطيب رئيس هذا “المخبر العلمي الجامعي” والذي يشرف منذ سنوات على ندوات وأبحاث وطنية كبرى حول “الظاهرة الدينية” في تونس وفي المنطقة بأبعادها الفكرية والسياسية والاجتماعية..

وقد أوضح الأستاذ محمد بن الطيب رئيس هذا المخبر العلمي لـ “عربي21” أن وثيقة هذا المشروع العملاق نصت بوضوح أن كل الأبحاث المقدمة تشترط تقديم “دراسات علمية بعيدا عن النزعات الإيمانية والخلفيات الاعتقادية والتوجهات الإيديولوجية” للباحثين، بغاية فهم الظاهرة الدينية المعاصرة وفسيفساء خطابها الثقافي والسياسي الاجتماعي الجديد “واستجلاء خصائصها ومقوماتها واستكشاف أبعادها وغاياتها وتحديد أشكالها ووظائفها والوقوف على مرجعياتها وعلاقاتها وآليات اشتغالها “.

4 محاور

لذلك وقع تقسيم أشغال الندوة التي استمرت يومين كاملين إلى أربعة جلسات علمية تناولت أربعة محاور:

أولها ـ في مفهوم الخطاب الديني ومناهجه وعلاقته بالخطابات الأخرى
وثانيها ـ في الخطاب الديني والسياسة والمجتمع
وثالثها ـ في أشكال الخطاب الديني المعاصر وقضاياه
ورابعها ـ قراءات في الخطاب الديني

وقد نوه رئيس قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة “بيت الحكمة” بقرطاج احميدة النيفر بالمستوى العلمي وضوح المنهجية في أغلب الورقات المقدمة من قبل عشرات المشاركين والمشاركات في هذا “المحفل العلمي”، بمن فيهم نخبة من كبار الباحثين في جامعة الزيتونة وكليات الآداب والعلوم الإنسانية والحقوق والاقتصاد مراكز البحث الجامعي المستقلة مثل محمد الحاج سالم والحبيب النهدي والحسني الغابري و بثينة الجلاصي وصادق السلامي ورفيعة عطية..

وتوقع الأستاذ كمال الساكري مؤلف دراسة “الظاهرة السلفية في الوطن العربي” في تصريح لـ “عربي21” أن تمهد هذه الندوة الكبرى في تحقيق الأهداف الطموحة التي رسمها المشرفون عليها وعلى المشوار البحثي لـ “مخبر الظاهرة الدينية” ومن بينها نشر كتب معمقة تتضمن دراسات محكمة (بضم الميم وفتح الكاف) تساعد المعنيين بها من جامعيين ومثقفين وسياسيين وصناع رأي عام .

العيش المشترك.. وعقلنة الوعي الجمعي

في نفس السياق أورد رئيس هذه السلسلة من الورشات العلمية محمد بن الطيب في تصريح لـ “عربي21” أنه وفريق الباحثين يهدفون إلى التوصل إلى تحقيق نتائج عديدة من بينها “الدراسة العميقة للجماعات الدينية باعتبارها ظواهر اجتماعية حية ومزيد فهمها فهما علميا واستجلاء العلاقات بين الإسلام والأديان الأخرى.”

ومن بين الأهداف الأخرى لهذا المشروع العلمي الثقافي السياسي الطموح حسب وثيقته التأسيسية التي صاغها فريق لجانه العلمية والتنظيمية: “عقلنة الوعي الجمعي وتكريس مبدأ العيش المشترك وتفكيك ثقافة التنافي وتجاوزها و نشر روح النقد الذاتي.”

محمد بن الطيب.. جامعي تونسي

كما أكدت كلمات المشاركين فتحي القاسمي ومحمد الحاج سالم وبثينة الجلاصي وناجي الحجلاوي وسامي ابراهم على أن من بين أهداف مشروعهم “تجنب الأحكام المسبقة في تقويم الظاهرة الدينية والاحتكام في فهمها إلى البرهنة العلمية بعيدا عن كل تأويل مذهبي أو إيديولوجي.”

أديان العالم.. والإسلام

ولعل أحد أبرز نقاط القوة في هذه الندوة وفي المشروع البحثي الكبير إعدادها دراسات مقارنة بين الفكر الإسلامي المعاصر وأديان العالم الحديث من جهة وبين الظواهر الدينية المعاصرة في المجتمعات الإسلامية ونظيرتها دوليا .

في هذا السياق قدمت الأستاذة نجا قرفال الباحثة في جامعة قابس جنوبي تونس ورقة علمية مهمة عن “الخطاب الديني عند الفيلسوف الأمريكي هوستن سميث” صاحب كتاب “أديان العالم”، الذي وقع بيع أكثر من 3 ملايين نسخة منه .

وخصص الباحث في علم الاجتماع في مركز البحوث الاقتصادية والاجتماعية سامي ابراهم مداخلته لـ “بيان المجمع الفاتيكاني الثاني حول الأديان عموما والإسلام خاصة” وانعكاساته على تشجيع الحوار بين الأديان والثقافات والشعوب التي لديها عقائد مختلفة .

وعني الأكاديمي في جامعة الآداب والفنون والعلوم الإنسانية سمير الزغبي بـ “فكر المقاومة في الخطاب الديني لدى المطران جورج كابوتشي”.

ونفذت بعض المداخلات إلى إشكاليات السياسة والدين ومسارات الإصلاح الفكري في علاقة بالمرجعيات الثقافية والدينية .

في هذا السياق أيضا جاءت مداخلة الباحث في مركز البحوث الاقتصادية والاجتماعية ـ سيريس ـ كمال الصيد عن ” المسألة الاجتماعية في الخطاب الديني بين البابا ليون الثالث عشر والشيخ الطاهر بن عاشور”.

واعتبر كمال الصيد في تصريح لـ “عربي21” أنه اهتم بمسيرة هذا البابا لأن من بين نقاط قوته أنه قدم منذ القرن الـ 19 مراجعات فكرية مهدت لتأسيس “أحزاب ديمقراطية مسيحية” ولتوظيف المرجعيات الدينية في الدفاع عن المطالب الاجتماعية للشعوب .

واعتبر كمال الصيد في ورقته العلمية في الندوة أن مؤلفات الشيخ الطاهر بن عاشور وعدد من معاصريه في جامعة الزيتونة والحركة الوطنية الثقافية والسياسية مثل الشيخ الطاهر الحداد أنها عنيت كذلك بالأبعاد الاجتماعية والسياسية للفكر الديني ومقاصد التشريع الإسلامي. لكن الصيد استطرد واستنتج خلال مداخلته أن “تأسيس أحزاب إسلامية ديمقراطية على غرار الأحزاب المسيحية الديمقراطية تأخر في العالم الإسلامي إلى مرحلة ما بعد الاستقلال وبناء” الدولة الحديثة”، على غرار ما حصل في تونس عام 1981 عند تأسيس “حزب حركة الاتجاه الإسلامي”، الذي تطور لاحقا إلى حزب النهضة .

عياض بن عاشور والشيرازي

ومن بين إضافات هذا المشروع البحثي العلمي الطموح تقديم بعض المحاضرين ورقات تميزت بجرأتها مثل تلك التي قدمها الباحث غفران الحسايني عن “نقد الخطاب الديني” للفيلسوف والمفكر الإيراني في القرن الـ 16 نصر الدين الشيرازي، ومؤلفه “رؤوس الشيطان في علاقة الفقيه بالسلطان”.

وبرز الجرأة أيضا في ورقة الأكاديمي أبوبكر المباركي عن مؤلفات العلامة عياض بن عاشور نجل الشيخ والمصلح الوطني الفاضل بن عاشور وحفيد العلامة الطاهر بن عاشور .

ولئن وجه كثير من النشطاء السياسيين والجامعيين التقليديين عياض بن عاشور “علمانيا” و”حداثيا فرنكفونيا قطع مع الفكر الإسلامي”، فإن المباركي حاول أن يبرهن عن العكس، من خلال قراءة مقارنة لأدبياته و مقارنتها بمرجعيات جده المصلح الطاهر بن عاشور وآخرين .

واعتبر أبو بكر المباركي في تصريح لـ “عربي21″ أن الكتب الفكرية لعياض بن عاشور تميزت بجرأة كبيرة في تناول المواضيع الفكرية”.

واعتبر المباركي أن من بين إضافات بن عاشور الجمع بين اختصاصات القانون والتشريع والعمق الفلسفي والدراية بفلسفة الاخلاق ونظريات القيم وفسلفة الدين، بين فسلفة كانط والمرجعيات الفقهية والتشريع الإسلامي، فتجح حيث فشل غيره في تفكيك بين اللغز بين الذنب دينيا والجريمة قانونيا. كما فشلت منظومة الفقه التقليدية في صنع فكر حديث وفلسفة جديدة للفقه. فبقي يالفقه تقليدا مهشما وممارسة فيها اجترار .

في المقابل نجح عياض بن عاشور في أن يستوعب التراث برؤية جديدة، لكن عديد مؤلفاته لم تدرس، وآراؤه على جدتها تمر دون ان تجد من يناقشها بعمق من قبل علماء العلوم الإسلامية وفقهاء القانون والقانون الدستور، بالرغم من كونه طرح “ثورة فكرية سياسية” عند إشرافه عام 2011 على الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة .

الظاهرة الدينية عربيا وعالميا

ونوه عدد من المشاركين في هذه الندوة وفي كامل المشروع البحثي الذي دشنته بمثل هذه الإضافات وبتخصيص اليوم الأخير من الملتقى لتقديم قراءات في الخطاب الديني المعاصر في تونس وعربيا وإسلاميا وعالميا .

وقدمت بالمناسبة مداخلتان طريفتان عن “خصائص الخطاب الديني عند احميدة النيفر” في مرحلة 1978 ـ 1990، من خلال شهادة قدمها النيفر وورقة علمية أعدها الاكاديمي ناجي الحجلاوي بعد قراءة لمجموعة من أشرطة صوتية تضمنت تسجيلات لخطب النيفر في جامع أي محمد بجهة باب سويقة في العاصمة التونسية .

احميدة النيفر ومحمد الطاهر ماجول وإقبال العبيدي في ندوة الخطاب الديني

واعتبر النيفر في تصريح لـ “عربي21” أن من بين “عناصر التجديد” في ذلك الخطاب الديني الذي انتشر بين شباب الظاهرة الدينية في السبعينات والثماتينات مع خطباء بارزين كان من بينهم مع عبد الفتاح مورو وراشد الغنوشي وحسن الغضبان وصلاح الدين الجورشي، استبدال خطب “التخويف باسم الدين” و”الوعد والوعيد” بخطاب سعى إلى تقديم الإسلام في صورة دين جاءت مقاصد تشريعه لخدمة مصالح الناس وتحسين ظروف حياتهم وأحوالهم .

ملف استراتيجي له أبعاد دولية

إجمالا أكدت هذه الندوة العلمية وورقات المشاركين في هذا المخبر الجامعي عن الظاهرة الدينية كـ “ملف استراتيجي له أبعاد دولية” ما ورد في مداخلة رئيس فريقه الأكاديمي محمد بن الطيب الذي أورد أن “للخطاب الديني سلطة مضاعفة يستمدّها من سلطة المقدّس ومرجعيّة الدين، ولذلك كان محلّ تجاذب، لأنه مانح سلطة، وواهب مشروعية، تتنازعهما الفواعل الاجتماعية، على اختلاف مشاربهم وخلفيّاتهم، ومواقعهم وغاياتهم. ولذلك اتّخذ الخطاب الدّينيّ أشكالا متنوّعة وتعبيرات مختلفة.”

وأكد محمد بن الطيب أن السّنوات الماضية أكدت “تصدّر المسألة الدّينيّة مواضيع الجدل الفكريّ وقضايا الصّراع السّياسيّ.” وفي خضمّ هذا الصّراع وذاك الجدل، لا يستأثر الخطاب الديني بالاهتمام من المشتغلين بالشأن الديني والمعنيين به من التيارات ذات المرجعية الدينية فحسب، بل من سائر التيارات الفكرية والسياسية التي تسعى إلى الحدّ من المجالات التي يختص بها ومن السلطات التي يحاول احتكارها.”

إذن فإن الخطاب على وجه العموم والخطاب الديني بأبعاده الثقافية السياسية الاجتماعية على وجه الخصوص “مصدر من مصادر السلطة”. لذلك فإن كل سلطة سياسية أو ثقافية أو مجتمعية أو دينية تسعى إلى فرض رؤاها وتصوّراتها على المجتمع من خلال إنتاج خطاب يستجمع لها شروط السيادة عليه مع توظيف مرجعيات عديدة بعضها فلسفي وبعضها الاخر ثقافي مجتمعي سياسي أو ديني .

ولعل من أبرز رسائل ندوة “الخطاب الديني” الكشف عن تعدد مرجعيات صناع القرار السياسي والاجتماعي داخل مؤسسات الحكم والمعارضة والمجتمع المدني والمؤسسات العلمية والتعليمي: كل طرف يريد تأسيس مشروعية، ونيل سيادة. فتتعدّد الخطابات، وتتنوّع وظائفها، وتتلوّن طرائق تشكّلها، وتتباين خططها واستراتيجياتها لتحقيق أهدافها، فتوظّف ما في الخطاب من إمكانات الإقناع بيانا وبرهانا وحجاجا، أو تمويها وتلبيسا ومغالطة ومخاتلة (…) من أجل تشكيل الوعي الجمعي وكسب المشروعية والتحكم في قوانين اللعبة مؤسسات صنع القرار.

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on «غالبية» دول قمة العشرين «تُدين الحرب في أوكرانيا»… والصين ترفض إدانة موسكو

«غالبية» دول قمة العشرين «تُدين الحرب في أوكرانيا»… والصين ترفض إدانة موسكو

 

أعلنت مجموعة العشرين في البيان الختامي لقمّتها في جزيرة بالي الإندونيسية، اليوم (الأربعاء)، أن «غالبية» الدول الأعضاء فيها «تُدين بحزمٍ الحرب في أوكرانيا»، معتبرةً أن هذا النزاع «يقوّض الاقتصاد العالمي».

وأكد أكبر عشرين اقتصاداً في العالم في البيان المشترك أن «استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها غير مسموح به».

وقبل ساعات من اختتام أعمال اليوم الأول من قمة العشرين، انقسمت الوفود حول الفقرة المتعلقة بإدانة الحرب الروسية في أوكرانيا، خلال مباحثات الوفود المشاركة المحادثات لاعتماد صيغة موحّدة للبيان الختامي.

وشملت مسوّدة تناقلتها وكالات الأنباء تنديداً واضحاً بالتداعيات السلبية لـ«الحرب في أوكرانيا»، والتلويح باستخدام السلاح النووي، إلى جانب دعوة لتجديد اتفاق البحر الأسود للحبوب الذي ينتهي السبت 19 نوفمبر (تشرين الثاني).

لم يَرِد الغزو الروسي لأوكرانيا على جدول الأعمال الرسمي للقمة، إلّا أنه هيمن على الاجتماع، وكشف الانقسامات بين الدول الغربية الداعمة لكييف ودول أخرى ترفض إدانة موسكو، وعلى رأسها الصين. ومع ذلك، اتفق أعضاء مجموعة العشرين، التي تم إنشاؤها بالأساس لإدارة القضايا الاقتصادية، على مسودة البيان.

وتتحدث الوثيقة عن التداعيات السلبية لـ«الحرب في أوكرانيا»، متناولةً مصطلح «الحرب» الذي لا تزال ترفضه موسكو التي تتحدث عن «عملية عسكرية خاصة». وتشير الوثيقة إلى أن «معظم الأعضاء… يُدينون بشدّة» النزاع، معتبرين استخدام السلاح النووي أو التهديد به «غير مقبول»، مع الدعوة إلى تمديد اتفاقية تصدير الحبوب، علماً بأن هذه الاتفاقية ستنتهي السبت المقبل.

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on ماذا يسري تحت جسور العلاقات الألمانية الفرنسية؟ .. بقلم منصف السليمي

ماذا يسري تحت جسور العلاقات الألمانية الفرنسية؟ .. بقلم منصف السليمي

ماذا يحدث بين ألمانيا وفرنسا؟ سؤال تتداوله دوائر سياسية وإعلامية في برلين وباريس. هل أصيب “المحرك” الأوروبي بخلل؟ وماهي البدائل المطروحة لدى الجانبين للتعامل مع تطورات مرحلة تعتبر من أشد الحقب حساسية في تاريخ أوروبا؟

قبل أيام قليلة كتب السياسي الألماني المحافظ نوربرت لامارت الرئيس السابق للبرلمان الألماني/ بوندستاغ والرئيس الحالي لمؤسسة كونراد أديناور القريبة من الحزب المسيحي الديمقراطي المعارض، مقال رأي في صحيفة “دي فيلت” البرلينية (عدد السادس من نوفمبر تشرين الثاني 2022) دعا فيه المستشار أولاف شولتس إلى إيلاء العلاقات مع فرنسا وتسديدها أولوية ملحة في سياسته، معتبرا أنه السبيل الذي يتعين نهجه من أجل “أوروبا قوية”.

لامارت وبحنكة السياسي المخضرم استند إلى خطاب تحذيري من “حقبة عصيبة مقبلة” تحدث عنها مؤخرا الرئيس فرانك فالتشر شتاينماير، ليدعو المستشار شولتس إلى أن تكون مواجهة ألمانيا لتحديات “التحول التاريخي” الذي تشهده أوروبا، بالاعتماد على الشراكة الألمانية الفرنسية. في إشارة إلى نقطة التحول التاريخية في سياسة ألمانيا الدفاعية والخارجية التي أعلن عنها المستشار شولتس ردا على الغزو الروسي لأوكرانيا نهاية فبراير/ شباط الماضي.

رسالة لامارت لم تكن مجرد صيحة في واد، فقد تلتها إشارات سياسية وجهتها رئيستا البوندستاغ والجمعية الوطنية الفرنسية إلى المستشارية في برلين وقصر الإليزيه، وذلك خلال الجلسة الثامنة للجنة البرلمانية الألمانية الفرنسية التي عقدت بداية الأسبوع الحالي في برلين. وقد جاءت هذه الرسائل أياما قليلة بعد قمة بين الرئيس ماكرون والمستشار شولتس في باريس كان منتظرا أن تبدد الخلافات بين الزعيمين الأوروبيين.

ويبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من التفاعلات في العلاقات الألمانية الفرنسية ثنائيا وأوروبيا، خصوصا في ضوء التطورات المتوقع أن تحدث من جهة في ملف حرب أوكرانيا، ومن جهة ثانية على خلفية توجهات إدارة الرئيس جو بايدن في ضوء نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس.

“ألمانيا أولا” ؟

يرصد مراقبون في برلين وباريس علامات غضب فرنسي ظهرت خلال الأشهر القليلة الماضية إزاء بعض الملفات الإقتصادية والعسكرية التي أعلنت عنها برلين. غضب عبر عنه في بعض الحالات الرئيس إيمانويل ماكرون صراحة، ويظل بعضه الآخر في الكواليس وقنوات ثنائية ومتعددة الأطراف. وتشمل الخلافات بالخصوص ملفات الطاقة والسياسة الدفاعية والتسلح والعلاقات مع القوى الكبرى ولاسيما الصين.

ويستخدم ساسة وإعلاميون فرنسيون عبارة “ألمانيا أولا” المستوحاة من شعار “أمريكا أولا” الذي طبع سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب، كتوصيف نقدي لسياسة المستشار شولتس على أنها سياسة وطنية لا تأخذ بعين الاعتبار البعد الأوروبي.

الجلسة الثامنة للجنة البرلمانية الألمانية الفرنسية التي عقدت في برلين (سابع نوفمبر تشرين الثاني 2022)
الجلسة الثامنة للجنة البرلمانية الألمانية الفرنسية التي عقدت في برلين

وكانت القمة الأوروبية الأخيرة في بروكسيل قد أظهرت خلافات فرنسية ألمانية في ملف الطاقة، إزاء مسألة وضع سقف لأسعار الغاز وعلى خلفية برنامج أطلقته الحكومة الألمانية بقيمة مائتي مليار يورو لدعم الأشخاص والشركات في مواجهة الأعباء الناجمة عن ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء، وفي المقابل أعلن ماكرون عن برنامج لتحمل ديون أوروبية بشكل مشترك، بيد أن شولتس رفض الخطوة مشيرا إلى توافر أموال كثيرة من برنامج الدعم الأوروبي إبان جائحة كورونا.

وثمة ملف آخر يثير قلق الفرنسيين منذ بضعة أشهر، عندما أعلنت برلين اعتمادها على الصناعات العسكرية الأمريكية، مثل المقاتلة “إف 35″ المتطورة، لتحديث قواتها الجوية ضمن خطتها التي رصدت لها 100 مليار يورو.

وزاد عليها إعلان ألمانيا مبادرة لإقامة درع جوي بمشاركة 14 دولة في الإتحاد الأوروبي أعضاء بحلف النانو، بالاعتماد على تجهيزات أمريكية وإسرائيلية، بدون فرنسا التي رأت في المبادرة تجاوزا لفكرة السيادة والإستقلال التي تنادي بها كأساس للرؤية الدفاعية الأوروبية.

وتكرس هذه الوقائع في المنظور الفرنسي مؤشرات عملية على تراجع خطط ومبادرات مشتركة ألمانية فرنسية، ضمنها مشروع طائرة يوروفايتر التي ستستبدل ابتداء من سنة 2040 بطائرات مقاتلة متصلة رقميا بالكامل وتعمل بتطابق مع أنظمة طائرات مقاتلة بدون طيار، ضمن نظام Future Combat Air System (FCAS)”اف سي اي اس” الذي يحمل اسم هذا المشروع. ويعني ذلك التخلي عن مشاريع كان مخططا لها مع الفرنسيين منذ عهد المستشارة ميركل، وفق ما تظهره مثلا مؤشرات عن الاعتمادات المخصصة لتمويل مشروعات التسلح في ميزانية 2023.

وفيما يبدو تأكيدا فرنسيا على ضرورة تنسيق السياسة الدفاعية للبلدين، قال الرئيس ماكرون قبل يومين خلال عرضه الاستراتيجية الفرنسية الدفاعية الجديدة من حاملة المروحيات البرمائية ديكسمود، وهي من أكبر السفن الحربية الفرنسية، في ميناء طولون (جنوب)، حيث شدد على أن القوات المسلحة لدى البلدين تكملان بعضهما البعض من خلال مشاركة الخبرة الصناعية والمعرفة التشغيلية والطموحات الاستراتيجية.

وفيما يبدو اعترافا بوجود فجوة في المنظور الاستراتيجي الدفاعي لدى البلدين، في ظل غياب “رؤية دفاعية أوروبية مستقلة” لطالما نادى بها الفرنسيون، اعتبر ماكرون أن الشراكة مع ألمانيا “لا غنى عنها”، لكنه أشار بأن “توازن شراكتنا يعتمد، جزئيا، على نجاح المشروع الأوروبي.. آمل أن نتمكن من تحقيق تقدم حاسم في هذا الصدد خلال الأسابيع المقبلة”.

مؤشرات على تراجع خطط ومبادرات مشتركة ألمانية فرنسية، ضمنها مشروع طائرة يوروفايتر
مؤشرات على تراجع خطط ومبادرات مشتركة ألمانية فرنسية، ضمنها مشروع طائرة يوروفايتر

قرارات “انفرادية”

مؤشرات تراجع درجة التنسيق والتفاهم بين برلين وباريس، حول عدد من القضايا الاستراتيجية تكثفت منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، بموازاة تنامي اعتماد ألمانيا على الطاقة والصناعات العسكرية الأمريكية، في ظل تزايد حاجيات ألمانيا لتعويض واردات الغاز الروسي الذي كانت تعتمد عليه بنسبة 50 في المائة، وكذلك في ضوء التغيير الاستراتيجي الذي أحدثته ألمانيا في سياستها الدفاعية، وتخصيص استثمارات ضخمة لتحديث تجهيزات القوات المسلحة.

ورغم بعض الخطوات “التضامنية” على المستوى الأوروبي في تبادل الغاز ومساهمة فرنسا في توفير إمدادات لألمانيا، إلا أن خلافات صامتة ظلت قائمة إزاء ملف الطاقة، ومن ضمنها الخلافات حول مشروع خط أنابيب “ميدكات” لنقل الغاز من إسبانيا عبر فرنسا إلى ألمانيا ودول شمال أوروبا. لكن المشروع القديم الجديد تعثر بسبب عدم تعاون فرنسا التي تريد تكريس دورها في تزويد ألمانيا بالكهرباء المستخرجة من الطاقة النووية.

بيد أن مظاهر التباين بين برلين وباريس إزاء عدد من القضايا الإقليمية، بدأت تظهر منذ بضع سنوات، ومن أبرزها مشروع “ميدكات” الذي بدأ التخطيط له منذ سنة 2013 ونوقش سنة 2019 وتعثر تنفيذه مجددا في صائفة هذا العام.

وثمة إشكاليات أخرى ظهرت في ملفات أمنية واستراتيجية في منطقة الساحل وجنوب الصحراء وشمال أفريقيا وخصوصا في ليبيا، انتهجت إزاءها فرنسا على إمتداد سنوات ماضية سياسة قائمة على أسلوب “انفرادي” وكان الجانب الألماني يرى فيها تداعيات سلبية على أمن أوروبا ودورها.

أرشيف: الرئيس ماكرون والمستشار شولتس في محادثة بالمستشارية في برلين (9 مايو أيار 2022)
أرشيف: الرئيس ماكرون والمستشار شولتس في محادثة بالمستشارية في برلين

شخصية شولتس وأسلوبه

موضوع العلاقات مع فرنسا ليس وحده ما يثير انتقادات لشولتس من ساسة ألمان في المعارضة وحتى من داخل الإئتلاف الحاكم، فقد شملت ملفات أخرى لا تقل أهمية مثل ملف العلاقة مع الصين وسياسة الطاقة. وهذا الأمر يبدو غير مألوف كثيرا عندما يتعلق الأمر بقضايا السياسة الخارجية والدفاعية في ألمانيا، حيث يتم اعتمادها تقليديا بالتوافق داخل البرلمان/ بوندستاغ بين القوى السياسية الرئيسية الحاكمة والمعارضة.

ويعزو بعض المحللين هذه المسألة إلى طابع خاص تضفيه شخصية المستشار شولتس، على عدد من القرارات ذات الأهمية الاستراتيجية، إذ يتسم أسلوبه بالجرأة والتصميم مهما كانت أصوات المعارضين مرتفعة. فيما يبدو مختلفا عمّا ألفه سواء الساسة والإعلام في ألمانيا أو شركائها الأوروبيين، على إمتداد العقدين الماضيين من حكم المستشارة السابقة أنغيلا ميركل التي كانت تعتمد كثيرا على أسلوب التوافقات حتى مع أشد الخصوم.

بينما يرى بعض مؤيدي المستشار شولتس بأن الرجل، ورغم ما يتسم به من هدوء ورصانة في أسلوبه، فهو يتعرض لضغوط من أطراف عديدة في الداخل والخارج لأسباب تتجاوز الطابع الشخصي، بل أساسا بسبب تصميمه على بعض المبادرات والقرارات التاريخية سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية، التي من شأنها أن تُخرج ألمانيا من وضعها، كقوة ناعمة ومتحفظة، وهذا ما اعتاد عليه الشركاء الأوروبيون بالخصوص، باتجاه دور قيادي أوروبيا ودوليا.

محرك ألماني فرنسي لأوروبا أم “زوجين هرمين يتشاجران”؟

منصف السليمي صحفي خبير بالشؤون المغاربية والأوروبية في مؤسسة DW الألمانية
منصف السليمي صحفي خبير بالشؤون المغاربية والأوروبية في مؤسسة DW الألمانية

الساسة الألمان من الإئتلاف الحاكم كما في المعارضة، يتفقون على ضرورة إعادة اللحمة إلى العلاقات الفرنسية الألمانية. لكن القلق قائم لدى بعضهم، مثل فريدريش ميرتس رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي (معارضة) “من أنه لم يعد هناك خط مسنق بين ألمانيا وفرنسا بشأن القضايا الدولية الرئيسية مثل التعاطي المستقبلي مع الصين أو عواقب حرب أوكرانيا”. وهو يرى أن الحل يكمن في الوقت الحالي، في وقووف ألمانيا وفرنسا معًا لتأمين اتباع نهج أوروبي منسق. وهذا موقف عبرت عنه أيضا رئيسة البونسدتاغ باربل باس خلال اجتماع الجمعية البرلمانية الفرنسية الألمانية. ومن جهتها اعترفت يائيل براون بيفيه رئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة الأولى بالبرلمان الفرنسي) بأن ألمانيا وفرنسا لديهما أساليب مختلفة في التعامل مع بعض القضايا، لكنها ترى أنه مهما كانت الصعوبات القائمة في بعض الملفات، فإن لدى باريس وبرلين” الخبرة التي تمكننا من مناقشتها والتغلب عليها”.

ورغم حجم الوقائع السلبية المتعاقبة خلال الآونة الأخيرة في وجه “المحرك الألماني الفرنسي” لأوربا، تبدو الصياغات الديبلوماسية التي يعبر من خلالها الساسة الألمان والفرنسيون، عن طبيعة المشاكل القائمة في العلاقات وسبل تجاوزها، وكأنها تخفيف من حدة وعمق تلك المشكلات وبأن تداعياتها ليست دراماتيكية على مستقبل العلاقات وعلى الإتحاد الأوروبي، في توقيت يتفق معظم المحللين والخبراء على حساسيته بالنسبة لمستقبل أوروبا ووحدتها.

ومن هنا يقرأ محللون ماذا تخفيه حدة الصياغات التي توخاها بعض المخضرمين من صناع القرار السابقين، مثل وزير الخارجية الأسبق يوشكا فيشر (من حزب الخضر، حزب وزيرة الخارجية آنالينا بيربوك)، عندما تساءل في مقال له بموقع “ذي بيونييه” عما يحدث بين فرنسا وألمانيا، “هل هما محرك الاتحاد الأوروبي أم زوجان هرمان يتشاجران؟”.

وفي نفس السياق تساءلت الكاتبة الفرنسية كريستين كلارك في مقالها بصحيفة “لوبوان” عما إذا كانت العلاقات الفرنسية الألمانية التي يحلو للفرنسيين وصفها بعلاقة “الزوجين” أو الشريكين couple franco-allemand، تعيش حقبة “طلاق”.

بالنسبة إلى يوشكا فيشر، الذي قاد ديبلوماسية بلاده في فترة الغزو الأمريكي للعراق، وكان “المحور الفرنسي الألماني” في أزهى مراحل الانسجام بين الرئيس الراحل جاك شيراك والمستشار غيرهارد شروودر. بالنسبة له فإنه في أوقات الحرب على وجه الخصوص، يصبح وجود اتحاد أوروبي موحد وقوي أكثر أهمية من أي وقت مضى، محذرا من خطورة وجود علاقة ألمانيا وفرنسا “ركيزة الإتحاد الأوروبي” في أزمة.

وبعبارات أخرى تبدو أكثر دراماتيكية ولاذعة تساءل المفكر الاقتصادي الفرنسي جاك أتالي المستشار الأسبق للرئيس الراحل فرانسوا ميتران، في مقال له نشر على صفحته في الانترنت، عما إذا كان زعماء فرنسا وألمانيا الحاليون، بحكم كونهم من الجيل الذي ولد بعد الحرب العالمية الثانية ومآسيها، يدركون بأن سياستهم يمكن أن تضع سيناريو حرب بين ألمانيا وفرنسا لا ينبغي استبعاده قبل نهاية القرن الحالي.

ورأى أتالي أن الاعتقاد بأن السلام القائم بشكل مسلم به بين البلدين للقرون المقبلة، يمنحهم إمكانية اعتماد سياسات متباينة دون التفكير في عواقب ذلك. محذرا بأن هذا المسار سيكون “خطأ فادحا”، ويتعين التدارك فورا والتوجه نحو تقوية بناء الوحدة الأوروبية، وهو أمر لن يتم برأيه إلا بتقديم تنازلات متبادلة من أجل الحفاظ على ما تحقق في الاندماج الأوروبي طيلة ستين عاما، محذرا من مخاطر تفكك المؤسسات الأوروبية نتيجة الحسابات الخاطئة والاعتماد على “خصومنا أو منافسينا، في واشنطن ولندن وموسكو وبكين ..لأن ذلك لن يؤدي سوى إلى النفخ في إشعال جمر” الخلافات.

معاهدة الصداقة الفرنسية الألمانية وقعها الرئيس الفرنسي الراحل شارل دوغول والمستشار الألماني الراحل موتراد أديناور بتاريخ 1963.1.22
معاهدة الصداقة الفرنسية الألمانية وقعها الرئيس الفرنسي الراحل شارل دوغول والمستشار الألماني الراحل موتراد أديناور بتاريخ 1963.1.22

وتتجه الأنظار في العاصمتين برلين وباريس، إلى بداية السنة المقبلة حيث يستعد البلدان لإحياء الذكرى الستين لتوقيع اتفاقية الشانزليزيه (باريس) التي وضعت فيها أسس الصداقة الفرنسية الألمانية لما بعد الحرب العالمية الثانية، وشكلت حجر أساس للوحدة الأوروبية، حيث يشكل الثنائي الفرنسي الألماني محورها الأساسي. فهل سينجح الألمان والفرنسيون في بلورة إجابات استراتيجية في مستوى التحديات التي تواجه الإتحاد الأوروبي؟

في الوقت الحالي لا يُتصور في عواصم أوروبا أنه في حقبة ما بعد حرب أوكرانيا، سيكون بدون توافق ألماني فرنسي دور مؤثر للاتحاد الأوروبي في نظام دولي تتفق معظم التوقعات والسيناريوهات، بأنه سيكون قائما على التعددية القطبية، وبأن قوى صاعدة منافسة للغرب مثل الصين والهند وروسيا سيكون لها مكانة أساسية فيه. وحتى وثيقة الأمن القومي الأمريكي التي قدمتها مؤخرا إدارة الرئيس بايدن، تعترف بملامح مستقبلية لنظام دولي قائم على التعددية القطبية، لكنها تشدد على الحفاظ على الدور القيادي لأمريكا فيه، فيما تزداد الأسئلة حدة حول مستقبل التكتل الأوروبي، وهل سيكون قوة مستقلة أم سيظل تابعا للولايات المتحدة عسكريا واقتصاديا وتكنولوجيا.

وحتى بالإنطلاق من المؤشرات الأولية لنتائج الإنتخابات النصفية للكونغرس، فإن الأسئلة بدأت تطرح في برلين، عما إذا كانت الفترة الثانية من ولاية الرئيس بايدن ستتسم بما يعرف في السياسة الأمريكية بـ”سياسة البطة العرجاء” نتيجة نفوذ الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب، وإذا كانت ستحمل تراجعا في الدعم الأمريكي لأوكرانيا وتراجعات في سياسة المناخ، فسيعني ذلك مزيدا من الأعباء على ألمانيا، كما يحذر من ذلك النائب الألماني عن حزب الخضر، أنطون هوفرايتر، مسؤول لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأوروبي.

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on استدارة أوروبية كبرى نحو القارة السمراء بسبب الغاز والأمن الطاقي .. بقلم علي عبداللطيف اللافي

استدارة أوروبية كبرى نحو القارة السمراء بسبب الغاز والأمن الطاقي .. بقلم علي عبداللطيف اللافي

بقلم:علي عبداللطيف اللافي(*)

*باتت الدول الأفريقية قبلة للمسؤولين الأوروبيين للظفر بكعكة الطاقة

نهاية السنة الفارطة قام الأوروبيون باستدارة أولية نحو افريقيا بعد أن اكتشفوا حجم التغلغل الصيني في مناطقها وبلدانها بل وتَيقنُوا يومها أن المقاربة الأمنية لوحدها مع الدول والشعوب الافريقية هي مقاربة قاصرة وستكون تباعاتها وتداعياتها كارثية عليهم أولا وعلى السلم العالمي ثانيا، وها هي الحرب الروسية – الأوكرانية تجعلهم في أمسّ الحاجة إلى إيجاد بديل عن الروسوبما يُلبي احتياجاتهم من الغاز والطاقة اللذين باتت دول أوروبا مهددة في توفيرها لمواطنيهاولذلك ستتجه أوروبا مستقبلا وعبر استدارة كبرى هذه المرة نحو القارة الأفريقية حيث طفت دبلوماسية الطاقة على السطح، وباتت الدول الأفريقية وخصوصا شمال القارة قبلة للمسؤولين الأوروبيين للظفر بكعكة الطاقة في القارة السمراء، فما هي الخطوات الأوروبية الجارية والأخرى المرتقبة تجاه القارة السمراء، وهل ستتم الخطوات بناء على تقييم ومراجعة شاملة للعلاقة مع شعوب القارة أم وفقا للوقائع المتسارعة والحاجة للطاقة والغاز أساسا؟

  • أولا، الثابت اليوم أن دول أوروبا تتخوف من التهديد الذي يَطال أمن الطاقة بسبب تقلص وتضرر إمداداتها من روسيا خاصة وأن هذه الأخيرة تُعتبر أحد أبرز مزودي الدول الأوروبيةولذلك اعتمدت إجراءات استباقية منها تقليص استعمال الطاقة على أبواب شتاء بارد، وفي حين توجهت فرنسا إلى الجزائر، وضعت بريطانيا أعينها على الطاقة المتجددة في المغرب، فيما تبحث إسبانيا عن تأمين مستقبلها في مجال الطاقة، أما إيطاليا فقد توجهت إلى الجزائر وأنغولا ومصر والكونغو ونيجيريا، بينما وجدت دول غرب أوروبا والمملكة المتحدة من الغاز الطبيعي القادم من الولايات المتحدة بديلا لتعويض الغاز الروسي، والمؤكد من خلال التحركات الدبلوماسية والاتفاقات والمشاورات أن دول الاتحاد برمتها تفعيل دبلوماسية الطاقة لعلها تظفر بعقود طويلة الأمد، وأمام تلك الجهود الفردية أو الجماعية قد تجد غالبية دول التكتل نفسها عاجزة عن توفير حاجتها من الطاقة لعدم وجود علاقات قوية أو شراكات بينها وبين دول منتجة.
  • ثانيا، بلغة الأرقام والمعطياتتَعتمد ألمانيا على روسيا للحصول على 50 في المئة من حاجتها من الغاز الطبيعي، بينما تعتمد إيطاليا على الغاز الروسي بنسبة 40 في المئة، كما تستورد فرنسا 25 في المئة من حاجتها من الغاز من روسيا بل وأعلنت عن خطوات لتوسيع محطات لتسييل الغاز وبناء مخازن أكبر لتخزين مصدر الطاقة الأبرز بالنسبة إليها والبحث عن مصدّرين جدد من آسيا وأفريقيا، ولكن الدول الأوروبية تتجاهل أن الحرب الروسية – الأوكرانية تسببت في ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء والأسمدة وهو أمر فاقم طبعا معاناة الدول الأفريقية ذات الاقتصاديات الهشةوخاصة تلك المستوردة منها للغذاء من روسيا وأوكرانيا، وكلما طال أمد الحرب وتداعياتها الاقتصادية كلما تضررت الدول الأفريقية ودخلت في اضطرابات اجتماعية قد تعرقلها عن تلبية احتياجات أوروبا من الطاقة، ومن حيث الاستقراء والتحليل فيمكن الجزم أن الدول الأوروبية تعرف مصالحها وتدافع عنهاوذلك يفسر طبعا ذلك التوجه إلى أفريقيا من أجل البحث عن بدائل للطاقة وتنبني تلك القراءة على حقيقة أن مسعى الدول الأوروبية مستقبلا (أي على المدى المتوسط تحديدا) هي أنها تضع في الاعتبار ان الحرب الروسية الأوكرانية قد تمتد زمنيا وقد تتواصل لأشهر أو حتى ربما لسنوات قادمة أو ربما يتوسع مجالها جغرافيا، ولا يُمكن هنا تغييب أن الأوربيين قد استداروا للقارة السمراء دون ان يبادروا الى التنسيق معدول الشمال فيها تحديديا وللتفاوض معها ككتلة واحدة مع الدول الأوروبية ولا يختلف اثنان في أن ذلك الأمر يجعل الدول السبع في شمال افريقيا تستغل ذلك من أجل الاستفادة أكثر من اتفاقيات الشراكة في مجال الطاقة وباعتبار انها فعليا هي مستقبل الطاقة على المستوى الدولي والغريب في الامر ان الدول الافريقية نفسها (“غرب” و”وسط” و”شمال” القارة) لم يَنتبه سَاستُها ولا نخبها ولا اقتصاديوها – وبالأحرى لم يبادروا- إلى التفاوض بشكل جماعي بدل الفردي خاصة وان تلك الآلية تضمن فعليا هامش ربح لصالحها….
  • ثالثا، كثر في المدة الماضية الحديث عن مشاريع أنابيب الغاز في مربعات ساسة ليبيا والجزائر والمغرب وحدث التشاور مع أطراف أوروبية وشمل ذلك النيجر ونيجيريا ومالي أيضا، وقد وصل مشروع خط أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا إلى مرحلة الدراسات التقنية والهندسية التفصيلية، في حين أن الأطراف تبحث عن تمويل يقدر بـ25 إلى 30 مليار دولار ومعلوم أن ذلك الأنبوب يعبر 13 دولة في غرب أفريقيا قبل أن يصل إلى أوروبا، وتم الاتفاق عليه مع المغرب في 2016كما تجدد الاهتمام الجزائري – النيجيري بمشروع قديم لنقل الغاز إلى أوروبا في إطار ما يعرف بـالأنبوب العابر للصحراء(خلال شهر سبتمبر الماضي تحديدا كشف وزير الطاقة النيجيري “تيميبري سيلفا” أن حكومة بلاده شرعت بتنفيذ بناء خط أنابيب لنقل الغاز إلى الجزائر والتي ستقوم بدورها في مرحلة لاحقة بنقله إلى دول أوروبية) ومعلوم أن مشروع أنبوب الغاز “نيجيريا – الجزائر”يعود الى حوالي العقدين من الزمن، وإضافة الى ذلك أبدت ليبيا أيضا استعدادها لإنجاز أنبوب غاز ليبي – نيجري يتجه إلى أوروبا وهو مشروع بدأ الحديث عنه في منتصف شهر جوان/يونيو الماضي حيث منحت الحكومة الليبية الإذن لوزارة النفط والغاز لإجراء الدراسات الفنية والاقتصادية لجدوى إنشاء مشروع أنبوب غاز من نيجيريا عبر النيجر أو تشاد إلى أوروبا عبر ليبيا…
  • رابعا، فعليا استثمرت بعض الدول الأفريقية في الطاقة المتجددة بالنظر إلى الحاجة إلى توفير الكهرباء لدول القارة وإمكانية تصديرها إلى الدول الأوروبية، وعلى الرغم من الإمكانات الطبيعية التي تملكها أفريقيا، فإن التمويل والإمكانات اللوجستية يقفان حاجزا أمام الكثير من الدول في القارة السمراء وخاصة في ظل استراتيجيات نهب وتوظيف واحتواء من طف قوى إقليمية ودولية ومحافل وشركات عابرة للقارات وهي في أغلبها لا ترى في افريقيا سوى ثرواتها ولا تعنيها لا استثمارات تفيد تلك الشعوب ولا مردودية تنموية على بلدان القارة، ومعلوم أن دول مثل كينيا وزامبيا موزمبيق وإثيوبيا والمغرب وغانا ونيجيريا قد قطعت أشواطا في مجال الطاقة المتجددة حيث وقع المغرب والاتحاد الأوروبي مثلا اتفاقية الشراكة الخضراء في مجال الطاقة والبيئة ومكافحة تغير المناخ لتوفير الأمن في مجال الطاقة والاستثمار في الهيدروجين الأخضر، وقد عدت تلك الاتفاقية الأولى من نوعها للاتحاد الأوروبي مع بلد من الجوار الجنوبي، وسيتم على ضوئها تعزيز التعاون في مجال مكافحة تغير المناخ، وتدعم الجهود المشتركة المبذولة لتحقيق الانتقال الأخضر، وقالت وسائل اعلام مغربية أن المملكة وبريطانيا تعتزمان التوقيع على اتفاقية مشروع الطاقة الكهربائية بين البلدين، ومن المتوقع أن يتم ربط أطول خط كهرباء في العالم بطول 3800 كيلومتر انطلاقا من السواحل الجنوبية للمغرب باتجاه بريطانيا، ومن المتوقع حسب الخبراء والمختصين أن يوفر ذلك المشروع الكهرباء لحوالي 8 ملايين منزل في بريطانيا، ويؤمن حوالي 8 في المئة من الحاجيات من الكهرباء، وان يكون لبنة أولى في تعاون أوسع بين البلدين في غرب ووسط افريقيا…

5-   خامسا، الخلاصة أن أزمة الطاقة قد أجبرت الأوروبيين على التوجه نحو القارة الأفريقية ومن ثم كانت الاستدارة هذه المرة نحو بلدانها كبيرة وتم ذلك بناء على معطى قائم وهو تخوف كل دول أوروبا من التهديد الذي يطال أمن الطاقة بسبب تقلص وتضرر إمداداتها من روسيا وهو ما كانت نتيجته الطبيعية خلال الأشهر والأسابيع الماضية وتحديدا منذ بداية 2022 حيث باتت الدول الأفريقية وخصوصا شمال القارة قبلة للمسؤولين الأوروبيين للظفر بكعكة الطاقة في القارة السمراء ومن ثم أصبحت دول الاتحاد الأوروبي برمتها تبحث وتحاول تفعيل دبلوماسية الطاقة لعلها تظفر بعقود طويلة الأمد، وأمام تلك الجهود قد تجد غالبية دول الاتحاد نفسها فعليا عاجزة عن توفير حاجتها من الطاقة وخاصة اذا لم تراع واقع بلدان القارة السمراء واحتياجاتها ومساعدتها على الاستقرار  وقبل ذلك تقييم سياساتها السابقة تجاهها والابتعاد عن تعامل يقتصر على الأمني والاقتصادي فقط دون غيرهما من المجالات والملفات…

*كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on هل تحقق قمة الجزائر أهدافها ؟ .. الخلافات حول الصحراء وليبيا وفلسطين تضغط بقوة..بقلم كمال بن يونس

هل تحقق قمة الجزائر أهدافها ؟ .. الخلافات حول الصحراء وليبيا وفلسطين تضغط بقوة..بقلم كمال بن يونس

من المقرر أن تختتم اليوم الخميس في العاصمة الجزائرية الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية الـ31 ، في مستوى المندوبين .

وينتظر أن يعقد اليوم اجتماع كبار المسؤولين للمجلس الاقتصادي والاجتماعي التحضيري ، على أن يعقد غدا الجمعة بمشاركة وزراء الشؤون الاقتصادية العرب .

وتكتمل التحضيرات للقمة باجتماع وزراء الخارجية العرب يومي السبت والأحد 29 و30 أكتوبر على أن تعقد اجتماعات ” مجلس جامعة الدول العربية “على مستوى الرؤساء والملوك والأمراء الثلاثاء والأربعاء القادمين ، بالتزامن مع احتفالات وتظاهرات إقليمية ودولية قررت الجزائر تنظيمها بمناسبة الذكرى ال68 لاندلاع الثورة المسلحة ضد سلطات الاحتلال الفرنسي .

وقد استلمت الجزائر رسميا رئاسة القمة من تونس خلال اجتماع المندوبين ، استعدادا للجلسة الافتتاحية ل” لمجلس الرئاسة ” الذي سيسلم فيه الرئيس قيس سعيد الرئاسة رسميا لنظيره الجزائري عبد المجيد تبون .

لكن ماذا عن جدول أعمال الجلسات الرسمية وغير الرسمية لهذه القمة العربية ال31 ؟

هل سوف تحقق هذه القمة أهدافها أو قدرا منها أم يحصل العكس؟

وهل ستفتح آفاقا جديدا للعمل العربي المشترك الذي يمر بأزمة خانقة لأسباب عديدة من بينها “الخلافات بين العواصم العربية” التي تحركها ” لوبيات”و و” مافيات ” محلية ودولية مما تسبب في تأجيل موعد قمة الجزائر مرارا وسبق له أن أدى إلى ” اعتذار” بعض العواصم العربية عن استضافتها ؟

صحيح أن المحافظة على ” الشقف” ، أي على مؤسسات جامعة الدول العربية التي تأسست منذ 1946 ، قد يكون مفيدا ..

وصحيح أن تنظيم مؤتمرات يشارك فيها مئات الخبراء والمسؤولين الاقتصاديين والديبلوماسيين والسياسيين مهم جدا ..

وصحيح أن اجتماعات وزراء الاقتصاد العرب قبل القمة قد يساهم في ” تحريك” بعض ملفات الشراكة الاقتصادية الثنائية والثلاثية والجماعية ..إلى جانب مساهمتها في ” تحيين ” بعض القرارات والاتفاقيات والمعاهدات حول الغاء الحواجز الديوانية ( القمرقية) والجبائية وتطوير فرص المبادلات وحرية تنقل المسافرين والسلع ورؤوس الأموال ..

لكن هل سوف يكون مسموحا لكل القادة العرب الحضور في أعلى مستوى في جلسات القمة ، رغم الانتقادات التي سبق أن وجهها مسؤولون غربيون واسرائيليون كبار الى القيادة الجزائرية، بعد أن تهموها ب” التعاون أكثر من اللازم ” مع موسكو وبيكين وطهران وأنقرة ومع قيادات حركات التحرر الوطني الفلسطينية ، التي صنفتها تل أبيب وحلفائها ” إرهابية “؟

ورغم تراجع الجزائر عن دعوة القيادة السورية للمشاركة في القمة ال31 هل سوف يسمح لها بعرض ” مشروع مصالحة عربية مع دمشق ” و إلغاء قرار طرد سوريا من جامعة الدول العربية الذي صدر في نوفمبر 2011 عن مجلس وزراء الخارجية العرب المنعقد في القاهرة .

ولئن رحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش باتفاق المصالحة المبرم مؤخرا في الجزائر بين السلطة الفلسطينية وقيادات فتح والجهاد وحماس فهل سوف يسمح للقيادات العربية التي سوف تشارك في القمة بأن يدعموه قولا وفعلا ؟

أم يكون مصيره مثلما كان مصير وساطات سابقة كثيرة بين قيادات فتح وحماس والجهاد رعتها منذ 2006 عدة دول بينها المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا وايران ومصر ..؟

وهل سيوافق ممثلو القاهرة والرباط على أن يصبح للجزائر “دور استراتيجي في الملف الفلسطيني” الذي تعتبره السلطات المصرية ضمن ” مجالها الحيوي ” بينما تعبر الرباط نفسها ” الدولة العربية الأكثر تأثيرا فيه “، لأنها ترأس ” لجنة القدس ” ولأن حوالي مليون مواطن يهودي مغربي هاجروا خلال السبعين عاما الماضية وأصيح أغلبهم يحمل في نفس الوقت ” جوازا إسرائيليا ” ، أي أنهم ” أقوى لوبي يهودي داخل إسرائيل وعالميا ” ؟

وإذا صدقت الانباء عن تغيب العاهل المغربي وولي العهد السعودي وعدد من قادة المنطقة عن القمة فهل سيحضرها الرئيس المصري شخصيا رغم انتقادات القاهرة ل” تزايد الدور الجزائري في ليبيا ” وفي النزاع بين مصر واثيوبيا حول المياه وفي ” الملف الفلسطيني “؟

واذا كان من أبرز الأهداف التي رفعتها القمة ” تحقيق المصالحة العربية ” فكيف تتأثر أجواء القمة ب” التصعيد الجديد ” بين الرباط والجزائر بسبب “الملف الصحراوي”. وقد ساهم هذا التصعيد في اجهاض قمة اليابان افريقيا ( تيكاد 8 ) التي عقدت بتونس يومي 27 و 28 أوت الماضي بحضور زعيم جبهة البوليزاريو الذي تعتبره المغرب ” انفصاليا وزعيم تنظيم إرهابي يقيم في الجزائر..) بينما تابعت الجزائر دعمها له عبر تسهيل زياراته إلى عدد من الدول الإفريقية ،بينها جمهورية جنوب افريقيا ، بصفته ” رئيس الجمهورية العربية الصحراوية “..

مرة أخرى قد يتسبب ” الملف الصحراوي” في تأجيل مشروع المصالحة بين البلدان المغاربية والعربية ..

وخلافا على ماجرت عليه العادة فلن تعقد ” قمة مغاربية مصغرة ” ، على هامش قمة الجزائر ، رغم كل ما قيل عن الوساطات التي قامت بها الرياض وأبو ظبي بين قيادات المغرب والجزائر وتونس .

إذن سيزداد شلل هياكل ” الاتحاد المغاربي ” ..خاصة أن استقالة الأمين العام المنتهية ولايته منذ مدة ، الوزير السابق للخارجية الطيب البكوش ، تصبح رسمية بدءا من يوم 1 نوفمبر .