أخبار, البارزة, حوارات, وجهات نظر 0 comments on العجمي الوريمي : مراجعات المثقفين اليساريين والاسلاميين في تونس تطور تاريخي أجهضه ” الاستئصاليون “

العجمي الوريمي : مراجعات المثقفين اليساريين والاسلاميين في تونس تطور تاريخي أجهضه ” الاستئصاليون “

العجمي الوريمي في حوار فكري سياسي شامل عن بورقيبة والعروبة واليسار والإسلاميين وشكري بلعيد:

بورقيبة تطور من حليف للاصلاحيين العروبيين والاسلاميين إلى ” مدرسة اوغست كونت “

* الثورة الايرانية والسادات أحدثا منعرجا في تاريخ الحركات القومية والاسلامية .

* مراجعات المثقفين اليساريين والاسلاميين في تونس تطور تاريخي أجهضه ” الاستئصاليون “

* شكري بلعيد تطور ..وكان مع حوار متكافئ بين حزب يساري كبير مع النهضة

تونس. كمال بن يونس

يعتبر المفكر والبرلماني العجمي الوريمي نائب رئيس حركة النهضة المكلف ب”الفضاء الاستراتيجي” ، من أبرز الرموز الفكرية والسياسية والنقابية الإسلامية منذ دخوله للجامعة طالبا في الفلسفة عام 1981، قبل أن يصبح ضمن قيادات “الجيل الثاني” لحركة الاتجاه الإسلامي في الحركة الطلابية ” ثم من مؤسسي نقابة “الاتحاد العام التونسي للطلبة”.

اشتهر الوريمي بإسم ” هيثم” ، وعرف بمشاغله الفكرية والثقافية وبانفتاحه وتواصله مع خصومه فكريا وسياسيا وطنيا وداخل حركته ، فيما يعيب عليه بعض معارضيه داخل “النهضة” دفاعه المستميت عن زعمائها التاريخيين بقيادة راشد الغنوشي وعن دعواتهم ” للتوافق والشراكة بين الإسلاميين الديمقراطيين والعلمانيين المعتدلين” .

درس الوريمي الفلسفة في جامعات تونس والمغرب وخاض تجارب ثقافية و إعلامية وحوكم مع قيادة النهضة أمام المحكمة العسكرية مطلع التسعينات وتعرض لأبشع أنواع التعذيب . لكنه اختار بعد ثورة 2011 أن لا يتحمل أي مسؤولية حكومية واكتفى بعضوية البرلمان مؤقتا والعودة إلى البحث العلمي والفلسفي والمشاركة في الحياة الثقافية ومحاولة دعم اهتمام النخب التونسية والعربية بالحوار الفكري وترشيد الفكر السياسي والخطاب الإعلامي.

الاكاديمي والإعلامي كمال بن يونس التقى العجمي الوريمي وأجرى معه حديثا حصريا ل” عربي 21″ حول قراءته للحراك الفكري في الدول العربية وتونس في علاقة بالمراجعات داخل التيارات الإصلاحية والراديكالية الحداثية واليسارية والإسلامية والعروبية ، في سياق ” التداخل ” بين الفكري والسياسي لدى رواد حركات التحرر وبناة الدولة الوطنية .

وفيما يلي نص الحوار:

* كيف تفسر فكريا توتر علاقات الرموز الفكرية للأطراف السياسية العربية بعد 11 عاما عن ” الثورات العربية “؟

لماذا عاد الاصطفاف السياسي – الايديلوجي والصراع العنيف بين رفاق الأمس ، تحت يافطات فكرية وإيديولوجية بما في ذلك داخل التيارات والأطراف التي نشأت موحدة وتحالفت طوال عقود سياسيا حول شعارات التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية والحريات و ” النهضة الفكرية الثقافية الشاملة”؟

و كيف نفسر التنافر والصراعات التي استفحلت منذ أعوام داخل”تيار الهوية الوطنية” بمكوناته الإصلاحية الليبرالية و العروبية الإسلامية واليسارية” وهو الذي نشأ موحدا ونجح في قيادة الكفاح ضد الاحتلال الاجنبي وبدء مشوار بناء الدولة الوطنية الحديثة؟

+ بالفعل نشأ تيار الهوية موحدا في مراحل الحركة الإصلاحية والكفاح ضد المستعمر : عدم الفصل بين العروبة والإسلام وتقديم قراءة تقدمية للإسلام ، واعتبار الإسلام دينا وحضارة ركيزة للهوية ، والتنويه بأمجاد الحضارة العربية الإسلامية العريقة ورموزها واعتبارها بعدا مهما في محاورة ثقافة الغرب والرد على أدبيات المستعمر ومرجعياته الفكرية ..

ف ينفس الوقت كان هناك وعي بالفجوة التاريخية بين واقع المسلمين وواقع المجتمعات والدول الأوربية . وكان الأمل كبيرا في ردم هذه الفجوة عبر تعميم التعليم وتطويره وتحديث المجتمع والمؤسسات السياسية للدولة الوطنية المستقلة في البلدان العربية الإسلامية ..

ردة فعل النخب الإصلاحية العربية على الفجوة بين واقع العرب والغرب الاستعماري كانت واعية ومنفتحة ، ولم يحكمها منطق رفض الآخر والانطواء ..

بل حصل العكس فبرزت مدارس فكرية منفتحة عليه مع دعوات للإصلاح الفكري والثقافي والتربوي والمجتمعي والاقتصادي ..

لكن الواقع الاستعماري كشف للنخب ، أو لبعضها ، أن واقع التخلف في البلاد العربية يستوجب عقودا من الإصلاح والجهود وربما ” دورة حضارية كاملة ” أي عقودا متعاقبة من النضال والمثابرة ، ومراجعات نقدية عميقة ..

العوامل الذاتية..و” التراث” ؟

* في هذا السياق أدركت النخب العربية أو تيار منها أن أسباب التخلف والتبعية ليست خارجية فقط وأن العوامل الذاتية مهمة جدا ، ومن بينها الهوة مع واقع التعليم والبحث العلمي وبين مستوى جامعات أوربا والعالم العربي الاسلامي ونخبها معرفيا وفلسفية وثقافيا ؟

+ فعلا ..

فقد أدركت النخبة التحديثية العربية التي احتكت بالغرب فكريا وثقافيا وسياسيا ومجتمعيا أن من بين أسباب تخلف مجتمعاتنا وشعوبنا عوامل ذاتية ، بما فيها الهوة بين الثقافات والبون الكبير في التقدم العلمي والفكري وفي استيعاب المستجدات والتناقضات الجديدة ..

فهم تيار من هذه النخب أن ” الموروث الثقافي ” يفسر جانبا من التخلف .. واقتنع أن المصلحة قد تقتضي ” ربح الوقت واختصار المسافات” عبر تبني علوم الآخر وثقافته وفكره ومرجعياته الفلسفية ..وطرح تساؤلات أكثر جرأة وعمقا ..

لذلك فإن مقاربة النخب التحديثية أو “التغريبية” كانت تقوم على استيعاب ثقافة الغرب المتقدم وفكره ومنهجه رغم دعوات قطاع عريض إلى التمسك بالهوية والخصوصيات الثقافية بهدف التعبئة الوطنية والسياسية والحزبية والانتخابية ..

آمن تيار كبير من الوطنيين العرب مبكرا بضرورة الدعوة إلى فهم العقل الغربي من الداخل واستخدام منهجه والتحاور معه بآلياته بما يضمن ” الندية ” و” الشراكة ” دون التورط في ” معارك غير متكافئة “..

سيطرت البراغماتية على منطق النخب التحديثية ، مثلما لمسناه في أدبيات حركات الشباب والتجديد في تونس منذ موفى القرن 19 ومطلع القرن 20 ، على غرار محمد وعلي باش حانبة والبشير صفر وعبد العزيز الثعالبي ورفاقهم ثم الحبيب بورقية ومحمود الماطري ورفاقهما..

وبرزت نفس الظاهرة بين زعماء تيار الإصلاح والحركات الوطنية في المشرق العربي وخاصة في مصر وسوريا والعراق ولبنان وفلسطين …

امنوا جميعا بهذا المنهج رغم إعلانهم نوعا من التميز عن ثقافة الغرب ..وكانوا بذلك يرشحون أنفسهم ليتصدروا المشهد ويقودوا مجتمعاتهم بصفتهم تحديثيين متمسكين بالهوية الوطنية لشعوبهم..

تقاطع ..ثم تناقضات

* لكن سرعان ما برزت تناقضات داخل هذه النخب والزعامات ؟

+ صحيح برز مبكرا التمايز عربيا وفي البلدان المغاربية وبينها تونس بين ” الاصلاحيين ” المتمسكين بورقة الهوية الثقافية و” البراغماتيين ” الذين رفعوا نفس الورقة لكنهم رجحوا منهج الانفتاح والبراغماتية ..

في هذا السياق يمكن أن نفسر بعض الخلافات التي برزت قبل الاستقلال بين منهج الشيخ عبد العزيز الثعالبي ورفاقه الذين كانوا وطنيين واصلاحيين يسعون الى المصالحة مع فرنسا وثقافتها وفكرها ، وخصومهم بزعامة الحبيب بورقيبة ورفاقه الذين كانوا أكثر ” راديكالية ” سياسيا لكنهم كانوا أكثر براغماتية وجرأة في فتح ملفات ” الموروث” الثقافي والفكري والمجتمعي العربي الاسلامي ..

وتطور التمايز والخلاف إلى حد الاستعداد في الدخول في صراع مع المنافس داخل التيار الوطني ومواجهة الخصم الفكري والسياسي بالعنف ..مثلما تكشفه بعض المواجهات التي وقعت بين زعامات ” زيتونية ” (من خريجي جامعة الزيتونة “) وأخرى ” مدرسية ” ( من خريجي “المدارس العصرية ” الفرنسية أو التونسية الفرنسية ) .

وانتصر في بعض البلدان مثل تونس مشروع قريب من مشروع ” الجمهورية الفرنسية ” في فرض أولية تعميم التعليم و الترويج لثقافة حداثية غربية .. مع العمل على تزعم مشروع ” ثورة اجتماعية ” من بين أولوياتها تحرير مضمون برامج التعليم وتحرير المرأة والأسرة وتعميق التمايز وتجذير الخلاف مع النخبة الوطنية الإصلاحية التجديدية من الداخل ..

كان التياران ينشدان الإصلاح الثقافي والتربوي وترضية الطرف الآخر ( الفرنسي البريطاني الغربي ..)

لكن الاختلاف برز في التفاصيل ، وفي درجة إعلان الولاء للهوية العربية الإسلامية ثم درجة القبول ببعض المناهج الفلسلفية الأوربية الحديثة ..

الثعالبي نفسه كان يريد أن يبرز منفتحا وأن يسترضي فرنسا وان يكون رمزا لحاملي التجديد والتحرر …فزايد عليه الطرف المنافس له بزعامة بورقيبة – الماطري – صالح بن يوسف وتقدم خطوات فكرية وسياسية نحو ” الآخر” ( الغرب وفرنسا ..) لم يكن واردا أن تغامر بتبنيها الرموز الاصلاحية الزيتونية مثل الثعالبي ومحمد الطاهر محمد الفاضل بن عاشور والمختار بن محمود وتلامذتهم رغم دورهم في الحركة الوطنية السياسية والثقافية وفي الحركة النقابية الاجتماعية ..

برز خلاف عند مخاطبة المستعمر بين من يخاطبه بلغته ومن يخاطبه بمرجعيات ثقافية وفكرية مغايرة .

زعماء التيار التحديثي أو ” التغريبي ” خاطبوا سلطات الحماية ببنود الاتفاقية ، ثم رفعوا سقف المطالب السياسية والدعوة الى وضع سياسي جديد فيه تغيير راديكالي وطني ودولي مع الدعوة الى طي صفحة الماضي والاستعداد لشراكة مع المستعمر السابق في صورة اعلان الاستقلال..

في هذا السياق نجح بورقيبة وفريقه في تجنب الوقوع في فخ الاحتواء من قبل الآخر الاستعماري ورفعوا مطالب وطنية أكثر وضوحا من تلك التي رفعها التيار الإصلاحي الزيتوني والليبيرالي .,

وفي مرحلة بناء الدولة الوطنية لعب قادة هذا الجناح من النخبة ورقة التحديث واتهموا منافسيهم و خصومهم بالعجز عن التحرر من الموروث الفكري الديني المحافظ الذي اتهموه بالرجعية والتخلف بما في ذلك فيما يهم الموقف من حرية المرأة وحقوقها ..

ونجع بورقيبة بسرعة في الانتصار على المشروع ” المحافظ ” الذي يرمز له ” الزيتونيون ” مثل الطاهر والفاضل بن عاشور وعبد العزيز الثعالبي والنيفر وجعيط وتلامذتهما والتيار الديني ، ودعوا الى التحرر من النصوص الدينية والفهم السائد القديم لها .

في المقابل دعا خطاب بورقيبة ورفاقه إلى فهم مقاصد الإسلام والتشريع الإسلامي التي اعتبر أنها تؤدي إلى تبني نظم ومفاهيم ومؤسسات سياسية تحديثية غربية ..

بورقيبة ورفاقه درسوا القانون الغربي و النظم السياسية في الجامعات الفرنسية والغربية ، ولم يكتفوا بدراسة القوانين والدساتير بل استوعبوا خلفيتها الثقافية والفكرية والمنهجية التي حكمت واضعيها .. ونجحوا عبر سياساتهم التربوية والثقافية في ابراز نخبة جديدة تحديثية أعلن تيار منها ” القطيعة ” مع التراث العربي الاسلامي أو دخل في صدام معها بحجة مكافحة التخلف والرهان على تحقيق التقدم والنمو ..

بورقيبة ..ومرحلة ما بعد الأديان

* هناك من يعتبر أن نقطة قوة فريق الحبيب بورقيبة ونقطة ضعفها في نفس الوقت أن قيادة الدولة الوطنية أعلنت القطيعة مع الفكر العربي الاسلامي السائد و” التراث المشرقي” بما في ذلك فيما يتعلق بالموقف من الهوية الدينية والاديان والمقدسات ..رغم اعلان بورقيبة مرارا عن اختلافه مع منهج مصطفى كمال أتاتورك وأنصاره..

+أستاذنا المفكر والباحث الكبير عبد الوهاب بوحديبة يعتبر في كتاباته وفي دروسه الجامعية أن بورقية تبنى أفكار الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي ” أوغست كونت ” ومدرسته الوضعية الاجتماعية والواقعية ..

بورقيبة تأثر بنظرية المراحل الثلاثة التي بلورها اوغست كونت ..التي تؤمن بتعاقب المراحل و أن البشرية مرت من “المرحلة اللاهوتية” إلى “المرحلة الميتافيزيقية” ثم إلى ” المرحلة العلمية” …

والأهم أن كونت يعتبر أن كل مرحلة تقطع مع المرحلة السابقة وتتجاوزها ..

وبحكم معرفة بورقيبة للنخبة تجنب مواجهة الشعب التونسي ومعتقداته لكنه فتح مواجهة مع النخب الإصلاحية العربية والإسلامية التي كان يعتبرها محافظة وتقليدية ورجعية ..دون مس من عقيدة الشعب ..

وبعد الاستقلال ووصوله إلى الحكم تبني استراتيجية تعتمد على تغيير المجتمع وأفكاره وتوجهات نخبه عبر مؤسسات الدولة والحزب الحاكم في اتجاه التحديث ..

اليسار التونسي والعربي

* في عدد من الدول العربية ، بينها تونس ، لعب مثقفون وسياسيون من مدارس يسارية ماركسية شيوعية واشتراكية أو قومية عربية دورا كبيرا في توجيه سياسات الحكومات والأحزاب الحاكمة ومنظمات المجتمع المدني رغم الصراعات التي خاضتها مجموعات يسارية في الجامعات والنقابات ضد السلطات .

كيف تقيمون تطور النخب اليسارية بالنخب الحاكمة عربيا وفي تونس ؟ وما صحة ما روجه البعض عن ” دور وظيفي” قامت به نخب يسارية أو إسلامية أو عروبية لصالح الانظمة القمعية وأجهزتها الدعائية أو الأمنية بسبب التقائها في مسار اقصاء خصمها الايديولوجي ؟

** النخب اليسارية الماركسية والقومية التونسية لم تفرز مفكرين ورموزا فكرية في الستينات والسبعينات ..وأغلب كتب المفكرين الماركسيين والقوميين وقع تأليفها غالبا بعد خروج كتابها من حركاتهم السياسية ومن السجون وتفرغهم للبحث العلمي والجامعي ..

لم تفرز التيارات الماركسية والشيوعية والقومية التونسية مفكرين كبارا وكانت محدودة العدد إذا ما استثنينا مجموعة ” العامل التونسي ” الماوية ، المتأثرة بمواقف ماو تسي تونغ ..والتي حوكم مئات من نشطائها السبعينات ..بعد سلسلة محاكمات مجموعات ” آفاق” ..

كانت نشأة هذه المجموعات ردا فعل يساري على سياسات بورقيبة و حكومات الدولة الوطنية .. لكنها كانت في نفس الوقت رد فعل “مأزومة ” في علاقتها بالهوية وعجزت عن الجمع بين برنامجها الاجتماعي وهوية المجتمع وظلت أسيرة تقلبات مواقف كبار المسؤولين والرموز في الحركة الشيوعية العالمية ..

ساهم القمع البوليسي للحركة الطلابية والنقابية وللمعارضة بأالوانها في أن كانت النخب السياسية اليسارية الماركسية والبعثية ” تابعة ” للكتاب والسياسيين اليساريين في العالم وفي المشرق العربي مثل مصر وسوريا والعراق وليبيا..

بل إن أكثر الذين كتبوا من اليساريين الماركسيين كانوا أساسا جامعيين وليسوا مفكرين أو مثقفين…

بعض أساتذة الجامعة واغلبهم من بين المؤرخين ، مثل الهادي التيمومي ، حاولوا أن يقدموا مرجعيات فكرية لأقصى اليسار التونسي عبر كتابات غلبت عليها الايديلوجيا واعادة الشعارات الايديولوجية ” التقليدية ” التي روجها ماركسيون قدامي في العالم قبل مراجعات ما بين الحربين العالميتين وبعدها ..بما في ذلك الدعوة إلى إقصاء التراث والمقدسات والاديان نهائيا …

في المقابل أفرز اليسار التونسي مفكرين ومثقفين جامعيين معتدلين وأكاديميين، مثل المؤرخين علي المحجوبي ومصطفى كريم ، ممن التزموا بالمنهجية العلمية وأنصفوا كل التيارات الوطنية بما في ذلك التيار الإصلاحي الوطني العربي الاسلامي بزعامة رواد جامعة الزيتونية والمدرسة الصادقية مثلا ..

الأممية الاشتراكية ؟

* لكن بعض رموز اليسار التونسي والمغاربي والعربي طور مواقفه وأفكاره في علاقة بالجدل أو الحوارات التي عرفتها مؤتمرات الحركات الاشتراكية والشيوعية العالمية ؟

+ فعلا .. التطور الفكري لليسار التونسي والعربي كان أساسا تابعا للصراعات بين الاممميات الشيوعية والخلافات بين موسكو وبيكين ..

وهنا برز تناقض بين تيار سياسي تختزل ثقافته في كتاب “التناقض” للزعيم الصيني ماو تسوتونغ .. وهو عبارة عن خطاب من 50 صفحة ألقاه الزعيم الصيني قدم فيه رؤية جديدة للاشتراكية والشيوعية تختلف عن الماركسية الليبنية السوفياتية …

كما لاحظنا أن أدبيات بعض اليساريين العرب والتونسيين ظلت أسيرة مقولات وردت في ” البيان الشيوعي” الشهير وبعض كتابات لينين عن خلافات الحركة الشيوعية العالمية …

وعموما لم يسفر انخراط المثقفين والمناضلين اليساريين التونسيين والعرب في تلك الخلافات السياسية بين موسكو وبيكين والأحزاب الشيوعية العالمية إبداعا فكريا وطنيا بل عمق تمزق التجارب الحزبية اليسارية والتنظيمات التي عانت من قمع السلطات خاصة في الستينات والسبعينات ..

في المقابل برزت في بلدان عربية أخرى مثل المغرب والجزائر ومصر وفلسطين ولبنان وسوريا والسودان قامات فكرية من حجم عبد الله العروي وسمير أمين والطيب التيزيني وياسين الحافظ ..

إجمالا يمكن أن نسجل أن الفكر السياسي نفسه داخل الحركة اليسارية التونسية كان غالبا يتاثر بمتغيرات الحركة الشيوعية العالمية وما تنتجه شخصيات وأطراف سياسية فلسطينية وعربية او أحزاب يسارية فرنسية أو أوربية . ..

لذلك كانت اغلب صراعات القوى اليسارية التونسية والعربية حول قضايا مستوردة لا تشغل الرأي العام الوطني ..ولم تطور قراءاتها للنظام السياسي والمجتمع ..و”طبيعة المجتمع “..

كانت أدبياتها منذ موفى الستينات الى نهاية القرن حول خلافات التروتسكيين والماويين و..حول ” الأممية الرابعة “..وقضايا هامشية أخرى مستوردة ..

* بالنسبة لليسار القومي؟

* وماذا عن تيارات اليسار القومي العروبي البعثية والناصرية ؟

+ اليسار القومي العربي في تونس بمكوناته البعثية والناصرية والعصمتية كان بدوره انعكاسات لصراعات العواصم القومية في المشرق العربي وصراعات أجنحة حزب البعث من جهة والناصريين والبعثيين من جهة ثانية ..

الكاتب والاديب التونسي البعثي الكبير ابو القاسم كرو مثلا ألف عددا كبيرا من الكتب ولكنه كان اساسا اديبا وهو من اول البعثيين الذين حالوا التأقلم مع الواقع التونسي رغم الطور الأول من تجربته ومؤلفاته التي كانت مرتبطة بمسار الأحزاب القومية في العراق وسوريا ومصر ..

في نفس الوقت برزت رموز سياسية فكرية قومية عربية مثل مسعود الشابي ومحمد الصالح الهرماسي لكن تأثيرهما ظل لمدة طويلة أساسا خارج تونس : الشابي في العراق والهرماسي في سوريا..

في نفس الوقت برزت النزعة القومية لدى كتاب عروبيين من اليسار الذي أثر في الأحزاب التونسية مثل الاستاذ عبد اللطيف الهرماسي عالم الاجتماع خريج ” مدرسة حزب العامل التونسي ” ثم كان من بين مؤسسي حزب التجمع الاشتراكي والحزب الديمقراطي التقدمي ..

عبد الطيف الهرماسي لديه اهتمام فكري وقدم محاولات ..وقد يكون من بين أبرز الأكاديميين القوميين واليساريين الذين درسوا سوسيولوجيا وأكاديميا صعود الاسلاميين فكريا وسياسيا ودعاهم الى تطوير انفسهم فكريا والتحالف مع اليسار العروبي ..

لكنه قدم اسئلة اكثر مما قدم اجابات ..

وكان الهرماسي من “الأقلية المعتدلة” فلم يستطع أن يؤثر كثيرا لأنه كان عقلانيا وحاول أن يكون مفكرا مستقلا ..

توظيف السلطات لمعارضيها وخصومها

* وماهو رأيك في وجهة النظر التي تعتبر أن بعض رموز اليسار التونسي والعربي خلطوا بين وظيفة “اليسار الاجتماعي الديمقراطي” و”اليسار الوظيفي الايديولوجي” الذي وظفته لوبيات مالية وسياسية وأمنية لضرب بقية معارضيها وخاصة من يسمون ب” الاسلاميين الراديكاليين “:..؟ ..في هذا السياق يتهم البعض بعض الفصائل الفلسطينية بأنها تلعب ” دورا وظيفيا ” لصالح سلطات الاحتلال الاسرائيلية عبر تفعيل معارك ايديلوجية معها لاضعاف جبهات النضال المشترك لحركات التحرر الوطني ؟

* ليس لدي اثباتات تاريخية حول الخيانات والتوظيف..

الديبلوماسي السابق والقيادي في الحزب الحاكم سابقا الحبيب الشغال أورد في كتبه أن “فصائل من اليسار التونسي انشاتها المخابرات الفرنسية في 1959 ..ردا فعل على سياسة الحبيب بورقيبة وبعض مواقفه الوطنية “..

وهو يعتبر ان بعض قيادات حركة “افاق” ( برسبكتيف) وفصائل من اليسار الجديد صنيعة أوربية وفرنسية ..

لكن هل تثبت مثل هذا “الشهادة” أن كل مناضلي اليسار التونسي والعربي لم يكونوا فعلا معارضين وكانوا مجرد ” بيادق” بأيدي المخابرات الأجنبية ؟

الاستنتاج خطير وقد يفتح باب تبادل الإتهامات دون حجج ..

أرجح أن عددا من اليساريين والقوميين كانوا معارضين فعلا على الاقل بالنسبة لحركة العامل التونسي..

قد تكون خضعت لضغوطات وتوظيف اقليمي ودولي فقط ..

في المقابل يرجح الأكاديمي التونسي الفرنسي مايكل العياري في اطروحة الدكتوراه أن أغلب قيادات ” الوطد” ( حركة الوطنيين الديمقراطيين ) كانوا صنيعة أجهزة الأمن التونسية في السبعينات والثمانينات لضرب بقية فصائل اليسار التونسي ثم بقية المعارضين ، وبينهم نشطاء حزب النهضة ، بشعارات “” ثورجية “.

ويذكر العياري من خلال الوثائق التي بحوزته اسماء بالاحرف الأولى ويذكر مهماتهم في أجهزة الاستخبارات ..

النقابيون الراديكاليون واصلوا نفس الدور ..

ويورد مايكل العياري في كتاباته أنه حصل اتفاق في عهد بنن علي مع قيادات” الوطد” وتكليف شخصيات قيادية في مهمات عليا في دواوين والوزراء ومؤسسات الدولة ..مقابل ضرب الاسلاميين وبقية السياسيين الذين يعارضون قمعهم ..وان كانوا ليبيراليين أو يساريين ..

توظيف الاسلاميين ؟

* لكن في المقابل هناك من يعتبر أن بعض الأطراف وظفت الخلافات الإيديولوجية لتفجر خلافات سياسية بين اليسار والإسلاميين عوض الصراع مع السلطات والنظام وأن بعض الاسلاميين قبلوا لعب هذه الورقة اوائل السبعينات ؟؟ ..

++ هذه الرواية تحتاج أيضا اثباتات ..

صحيح أن النظام المصري في عهد أنور السادات أفرج عن المساجين الاسلاميين وانفتح عليهم بما ساهم في اضعاف اليسار الاشتراكي والقومي المصري والعربي ..

وفي تونس قد تكون السلطات غضت الطرف مطلع السبعينات عن التحركات الدينية والثقافية والاجتماعية ل” الجماعة الإسلامية ” وبعض الجمعيات الخيرية والثقافية .

وعندما كلف محمد مزالي بحقيبة التربية شجع التعريب و كلف بعض متفقدي مادة الفلسفة في وزارة التربية ، بينهم محي الدين عزوز وعبد الكريم البراق ، بالتنقل بين المعاهد الثانوية وملاقاة تلاميذ الباكالوريا لنقد بعض الفلاسفة الغربيين وتفسير فلسفة ابي حامد الغزالي وكتاباته عن رحلته الايمانية “بين الشك واليقين” ..

في نفس الوقت كان الخطاب الرسمي للدولة ووسائل الاعلام الرسمية للدولة يحارب الشيوعية من منظور ” الهوية الوطنية “..مثلما وظف بورقيبة محاكمة سيد قطب ثم اعدامه في الستينات ليشن حملة كبيرة على جمال عبد الناصر وعلى القومية والناصرية واليسار..

في نفس الوقت سجلت استقالة علي المحظي ، وهو استاذ فلسفة مشهور في مدينة سوسة ( 150 كلم جنوبي شرقي العاصمة تونس ) من وظيفته احتجاجا على قرار تعريب الفلسفة …وقد لاحظنا ان علي المحظي انتمى بعد 2012 إلى حزب نداء تونس تعبيرا عن معاداته لحزب النهضة و”للاسلام السياسي “.. بما يؤكد أن قضية الخلاف حول تعريب الفلسفة والعلوم لم يكون موقفا بيداغوجيا بل موقفا ثقافيا سياسيا ..

الاسلاميون ” جواد خاسر”؟

+ الاسلاميون كانوا في قيادة حركات الاصلاح والحركات الوطنية في العالم منذ القرن 19 من تلامذة سالم بوحاجب الى الثعالبي والطاهر والفاضل بن عاشور وقيادات صوت الطالب الزيتوني واحزاب الوفد والدستور وجماعة الاخوان المسلمين في عهد حسن البنا التي استضافت الحبيب بورقيبة وقيادات حركات التحررالجزائرية والمغربية والفلسطينية الخ .. لكن صراعهم مع ” العلمانيين ” و” الحداثيين ” لاحقا يجعلها ” جوادا خاسرا “..

في البداية كانت ثورة 23 يوليو المصرية تحالفا بين التيارين القومي العربي والاسلامي ثم دفعتها مافيات نحو القطيعة والصدام ..

حصل في تونس نفس المسار في 1956 ثم في 1981 في عهد محمد مزالي مؤسس مجلة الفكر وكذلك في 1987 عندما اختار بن علي أول الأمر خيار المصالحة مع الهوية العروبة والاسلام وسمى نفسه رجل المصالحة مع العروبة والاسلام ..لكن بعض المافيات فجرت صراعا بين الاسلاميين وقيادة ” العهد الجديد “؟

بعد ثورات 2011 وقف الاسلاميون ضد القوميين واليساريين وتحالفوا مع ” القديم” المحافظ وعربيا مع السعودية وقطر وتركيا ضد ” دول الممانعة ” و”المحور الثوري” السوري الايراني الليبي..

هل هو مجدر سوء تقدير سياسي؟ او موقف مبدئ من اليسار الاجتماعي فتورطوا في لعب “دور وظيفي” ضد الاخر ؟

+ تطورت مواقف الحركات الإسلامية قبل الثورة الايرانية وبعدها في علاقة ببروز مشاريع الثورة الإسلامية الكبرى ومشاريع تصدير الثورة..

الحركات الشبابية العربية استعادت بعد ثورة 1979 في ايران الثقة في المرجعيات الفكرية الإسلامية التقدمية والمقاصدية ..

في مصر والعالم العربي اقترنت مرحلة عبد الناصر وبعض الانظمة البعثية بقمع الاسلاميين ..

وبعد مرحلة ” محنة الاخوان” في الخمسينات والستينات كانت المصالحة مع نظام انور السادات والمصالحة مع عدة انظمة عربية بينها انظمة الخليج ..وقد طور الاسلاميون وقتها ادبيات نقدية لسياسات القمع التي قادتها أحزاب وانظمة ” قومية ويسارية ” عربية وكان ضحيتها الشباب الإسلامي والحركات الإسلامية ..

الثورة الإيرانية دفعت الإسلاميين في كل مكان بما في ذك في مصر نحو ” الراديكالية السياسية ” ..

ثم جاءت زيارة السادات إلى القدس المحتلة ومسار التطبيع بين العواصم العربية وإسرائيل …فبرز منطق الصدام وخطاب التصعيد ضد نظام السادات والأنظمة العربية التي قطعت خطوات في اتجاه مزيد تطبيع علاقاتها مع سلطات الاحتلال الإسرائيلية ..

بالنسبة للحوارات والمواجهات بين الإسلاميين والقوميين واليساريين في عهد مبارك في مصر وبن علي في تونس مثلا لا بد من قراءة عميقة و نقد ذاتي رصين ..مع اخذ عدة عوامل بعين الاعتبار من بينها شراسة قمع الأنظمة ..

صراع “رفاق الأمس” بعد الثورة ؟

* لكن يبدو أن المراجعات الفكرية والسياسية بعد تشكيل جبهة 18 أكتوبر 2005 لم تدم طويلا رغم مشاركة رموز يسارية وعروبية واسلامية من الحجم الكبير فيها بينها احمد نجيب الشابي و خميس الشماري و سمير ديلو وعبد الرؤوف العيادي ومحمد النوري والعياشي الهمامي ..

هل نجحت ” المفافيات ” بسرعة في تكريس سياسة ” فرق تسد “؟ أم أن الخلافات الفكرية والعقائدية كاتت أقوى من الوثائق النظرية التي وقع التوافق عليها ما بين 2005 و2010؟

* البعض يعتقد بوجود توظيف سياسي للخلافات بين النخب في تونس وكامل الوطن العربي قبل ثورة 2011 وبعدها ..

والبعض استغرب مثلا ما وصف ب”افتعال تناقض بين حركة النهضة مع قيادات في الحزب الديمقراطي التقدمي أحمد نجيب الشابي ثم مع حزب التيار وبين قيس سعيد والنهضة ..

لكني أعتقد أن المراجعات الفكرية ومؤشرات التقارب بين الاسلاميين والقوميين أو بين احمد نجيب الشبابي ورفاقه والنهضة كانت حقيقية ..والشابي عرف بتصريحاته ومواقفه التي انتقدت ” التوجه الفكري والسياسي الفرنكفوني لمحمد الشرفي ” منذ مطلع التسعينات ..واعتقد أن معركة الشابي مع الشرفي لم تكن مفتعلة ولكنها في علاقة بالتطورات داخل اجنحة من قدماء حركات افاق والعامل التونسي واليسار المستقل .. بما في ذلك فيما يتعلق بالرؤية للهوية الوطنية وتعديل برامج التربية والتعليم والتربية الدينية واصلاح جامعة الزيتونة لتلعب دورا جديدا..

وكذلك بالنسبة لمعارك قيس سعيد الفكرية والسياسية قبل الانتخابات وبعدها ..أعتقد أنها كانت مبدئية ..

وأريد أن أسجل أن الاستاذ الصادق بلعيد ، الذي كان من بين مستشاري الوزير محمد الشرفي، أعلن أمام منتدى التميمي أن الشرفي أعلم المقربين منه أنه قابل زين العابدين بن علي بعد انتخابات 1989 وقدم له تقريرا لبن علي عن خطاب النهضة في الحملات الانتخابية واقنعه بانها “خطر عليه وعلى النظام” ، وان الحل يكون في مواجهتهم ثقافيا وتربويا بدءا من تغيير برامج التدريس داخل مؤسسات التربية والتعليم العمومية ..

صحيح ان العامل الفكري قرب الأطراف السياسية في جبهة 18 أكتوبر وشملت خميس الشماري ونجيب الشابي وحمة الهمامي ..ومهد لبروز مشروع ثقافي فكري سياسي وطني ديمقراطي ..لكن بعض المتطرفين داخل ما يسمى باليسار الراديكالي والعلمانيين المتشددين عرقلوا هذا التطور..

شكري بلعيد بدأ الحوار مع الاسلاميين

واريد أن أسجل أن النكسة الكبيرة التي اصيب بها الديمقراطيون والحداثيون والاسلاميون المعتدلون كانت مباشرة بعد سقوط حكم بن علي عندما تشكلت ” جبهة ايديولوجية ” متطرفة اسئصالية سميت ” جبهة 14 جانفي للقوى الوطنية والتقدمية والديمقراطية ” وتزعمها يساريون وقتها محسوبون على ” الوطد” بمختلف أجنحته وبعثيون ..ثم دفع حزب العمال الشيوعي الذي يتزعمه حمة الهمامي الى الاتحاق بها ..

كانت تلك ” الجبهة ” أكبر ضربة لمسار 18 أكتوبر وأعادت ” الغلاة ” من هنا وهناك إلى ” الحصون الايديولوجية” ..فشهدنا موجات اعلامية وتحركات هدفها احياء الصراع الاديولوجي وتعميق الاستقطاب وصنع واقع استقطاب ..لان بعض ” الزعامات اليسارية المتشددة ” اكتشفت أن مسار الثورة التونسية والثورات العربية لن يؤدي إلى تعزيز مواقعهم بل سوف يؤدي إلى إضعافهم ..وأن المستفيد من الثورة هو الطرف الاسلامي الاكثر انتشارا وشعبية والاكثر تنظما ..

وقد كنت شخصيا أتحاور مع المرحوم شكري بلعيد ومتواصلا معه إلى أن وقعت جريمة اغتياله البشعة ..

وأشهد أن شكري تتطور من يساري ” فوضوي” لا يؤمن بالتنظم والعمل المشترك متازم في علاقته بالهوية ..الى زعيم لتيار يسير نحو الاعتدال ويؤمن بالتنظم ..وقطع خطوات في اتجاه الحوار السياسي مع كل الاطراف بما في ذلك مع النهضة ..لكنه كان يمهد لذلك بتأسيس ” الحزب السياسي الكبير والموحد لليسار ” حتى يتفاوض اليساريون مع الاسلاميين وبقية العائلات الفكرية والسياسية من موقع القوة ..

أعتقد أن المرحوم شكري بلعيد طرح مشروع فكرة “اليسار الكبير” تمهيدا للحوار والشراكة والعمل المشترك ..فوقع اجهاض هذا المسار ..بما في ذلك عبر اغتياله ..

قتل شكري ومشروعه لانه بعض الاطراف ترفض التوافق بين الاسلاميين والعلمانيين وعمقت الانقسامات بين الحداثيين وتيار الهوية ولم تستسغ توجه شكري وتيار من الوطنيين الديمقراطيين وقيادات حزب العمال وغيره نحو المصالحة مع الهوية التونسية العربية الإسلامية ونحو الواقعية والاعتدال ..

وقد يكون مفيدا إعادة الإعتبار إلى المسار الذي بدأه شكري بلعيد ومقربون منه وتأسيس حزب ” اليسار الكبير والموحد” بما يساهم في توفير مناخ جديد من الحوار الفكري والسياسي والشراكة بين كل العائلات الفكرية على غرار ما وقع مرارا في مراحل الحركة الوطنية والنضال من اجل الحريات قبل تجربة جبهة 18 أكتوبر 2005 وبعدها ..

أخبار, البارزة, حوارات, وجهات نظر 0 comments on السفير الأمريكي: تونس شريك ديمقراطي مهم للولايات المتحدة وسنقدم لها دعمًا أكبر وطويل الأمد

السفير الأمريكي: تونس شريك ديمقراطي مهم للولايات المتحدة وسنقدم لها دعمًا أكبر وطويل الأمد

قال السفير الأمريكي بالجمهورية التونسية دونالد بلوم ان تونس شريك ديمقراطي مهم للولايات المتحدة و سنقدم لها دعمًا أكبر و طويل الأمد.

واشار السفير الامريكي في حوار له مع “مجلة ليدرز” الى ان العديد من أعضاء إدارة بايدن يعرفون تونس جيدًا و سيكون دعمنا أكبر وأقوى في المستقبل.

واضاف دونالد بلوم بالقول؛ لدينا بالفعل عدد كبير من اتفاقيات التعاون ونعمل على مشاريع جديدة في مختلف المجالات وتم تقديم منحة قدرها 400 مليون دولار لتونس في إطار برنامج تحدي الألفية الذي تديره مؤسسة “تحدي الألفية” بهدف زيادة النمو الاقتصادي والحد من الفقر وتعزيز البنية التحتية. تم توفير تمويل آخر لتونس.

وشدد سفير امريكا على ان دعم تونس مستمر ومتزايد ، على الرغم من تراجع المساعدة الأمريكية لبعض البلدان الأخرى.

وفي حديثه عن النقاشات بين تونس وصندوق النقد الدولي قال انه أمر بالغ الأهمية، مشيرا الى ان الولايات المتحدة ستمنح تونس دعمها الكامل، لكن الأمر متروك لتونس لمواجهة تحدياتها الاقتصادية وتغيير منوالها التنموي. كتلة الأجور في القطاع العام مرتفعة للغاية، فالإصلاحات ضرورية للمؤسسات العمومية ولابد من توجيه الدعم الى مستحقيه ومزيد من العدالة الضريبية والوقت يمر بسرعة كبيرة.

واشار الى ان الحكومات المتعاقبة فشلت في القيام بالاصلاحات الضرورية، لكن الوقت الآن أضيق، بل إنه أكثر إلحاحًا لتلتزم تونس بحزم به.
واوضح السفير ان من بين النقاط الإيجابية، الحوار الذي أقيم بين الحكومة واتحاد الشغل و منظمة الأعراف، حوار ينبغي إشراك المجتمع المدني فيه فتونس بحاجة إلى استقرار و تفاهم بين الفاعلين السياسيين و سيعطي هذا التوافق إشارة قوية على مصداقيته للولايات المتحدة وللمانحين.

واكد ان الولايات المتحدة تعمل على زيادة حجم التجارة وكذلك على تشجيع الاستثمار الأمريكي المباشر في تونس، مضيفا بالقول؛ هناك رافعة أخرى مفيدة ، وهي نظام التفضيلات المعمم (GSP) الذي يسمح للمنتجات التونسية بالوصول إلى السوق الأمريكية بدون رسوم جمركية وضرائب وبفضل هذا النظام، تكتسب منتجات مثل زيت الزيتون والتمور والصناعات التقليدية مكانًا جيدًا في السوق الأمريكية على طول هذا المسار نفسه وسنستكشف فرصًا جديدة.

واشار دونالد بلوم الى انه لم يتم تحديد موعد حتى الآن لاستئناف الحوار الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين لكننا ما زلنا نتشاور لتحديد تاريخه و مكانه.

واكد السفير الامريكي الى ان مبادرة الرئيس بايدن لعقد قمة الديمقراطية تهدف إلى جمع الديمقراطيات معًا لمناقشة مصالحها المشتركة والتحديات العالميةومن بين هذه التحديات التي تهدد الديمقراطيات انتشار الأخبار الكاذبة والفساد والاختلاس والهدف هو مواجهتها ومواجهة كل التحديات التي تهدد الأنظمة الديمقراطية.

كما اكد ان التهديدات الإرهابية لازالت قائمة ويمكن أن تأتي من مجموعة متنوعة من المصادر ومع ذلك فإن قدرة تونس على تطوير إمكاناتها في مكافحة الإرهاب وحماية حدودها يجب أن تُدرج كقصة نجاح، لقد أحرز تقدمًا كبيرًا منذ عام 2015 وتم تركيب نظام مراقبة الحدود مع ليبيا وقمت بزيارتها بنفسي وأدركت أهميتها ولقد انتهينا من أول خطوتين له وندخل الآن الخطوة الثالثة وهي عبارة عن نظام مراقبة إلكتروني بتقنية متطورة وحواجز مختلفة، بالإضافة إلى تدريب حرس الحدود على الاستجابة الفورية والفعالة لأي تهديد.

واضاف قائلا؛ لا بد لي من التأكيد على أن التعاون الأمني ​​بين تونس والولايات المتحدة يشمل جوانب مختلفة مثل التدريب وتبادل المعلومات الاستخبارية وغيرها ونحن فخورون بالنتائج المسجلة وقد حققت تونس أهدافا رئيسية في هذا المجال.
كما شدد على ان تونس تاريخيًا لعبت دائمًا دورًا دبلوماسيًا يفوق بشكل واضح حجمها يسعدنا أن يكون لدينا مثل هذا الشريك المتميز.
وقال ايضا: نحن نعيش الآن في عالم يتغير بوتيرة متسارعة والمجتمعات التي لا تستطيع التكيف مع هذه التغييرات العميقة لن تستفيد كثيرًا والدول الديمقراطية هي التي ستزدهر في المستقبل والسبب واضح: لأنها تفتح آفاقًا واسعة أمام شعوبها ويتطلع الشباب التونسي لأن يكون جزءًا من هذه المجتمعات هذا ما يجعلني متفائلاً بهذا النجاح.

حوارات 0 comments on الخبير الدولي في النزاعات والأزمات هيكل بن محفوظ : الدول العربية في حاجة إلى”تسويات سياسية ” لازماتها

الخبير الدولي في النزاعات والأزمات هيكل بن محفوظ : الدول العربية في حاجة إلى”تسويات سياسية ” لازماتها

هكذا أقيم أزمات العراق واليمن والسودان وليبيا

* تونس مهددة ب”حرب أهلية “وانهيار تجربتها الديمقراطية

* في 2011 انهار” النظام القديم” ..ثم تعثر مسار إعادة البناء

حاوره . كمال بن يونس

الخبير الدولي في القانون والنزاعات المسلحة والتسوية السياسية للأزمات هيكل بن محفوظ خاض تجارب ميدانية مع مؤسسات دولية وأممية في مهماتها القانونية والحقوقية والسياسية في عدد من بؤر التوتر من بينها العراق واليمن وليييا ..وهو من بين أبرز أساتذة القانون الدستوري والقانون الدولي في الجامعة التونسية وفي مؤسسات علمية وقضائية عالمية .

الإعلامي والأكاديمي كمال بن يونس التقى هيكل بن محفوظ وأجرى معه هذا الحوار الحصري ب “عربي 21 “حول وضع المنطقة بعد 10 أعوام عن اندلاع الثورات العربية و انهيار عدد من الأنظمة واندلاع حروب بالوكالة في أغلبها ، وشمل الحوار مقترحات وتوصيات للتسوية السياسية بهدف إنقاذ مسارات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي و” الانتقال الديمقراطي” .

* أستاذ هيكل بن محفوظ ..من خلال تجربتك الميدانية في متابعة النزاعات المسلحة والصراعات السياسية في عدد من الدول العربية ، من بينها العراق واليمن ، وفي بلدان أخرى تشهد صراعات سياسية عنيفة مثل تونس ، كيف تفسر متغيرات الخارطة السياسية والجيو استراتيجية للوطن العربي؟

++ الصراعات في المنطقة العربية أصبحت تقليدية ، بعضها لديه بعد إقليمي ودولي مثل اليمن وليبيا ، تغذيها ” لعبة المحاور”.

والبعض من تلك الصراعات ناجمة عن تفكك الأنظمة السياسية القديمة ، مثل النظامين السوري والعراقي ، وهي تقاوم من أجل البقاء ..وتعقد أوضاعها بعد أن أصبحت ميدانا لصراعات مسلحة مع قوى “التطرف العنيف”.

وقد كان العراق أول الأمر ساحة صراعات إقليمية ودولية وأصبحت أزماته اليوم مرتبطة أساسا بمسار إعادة البناء .

في المقابل فإن أزمة بعض البلدان العربية ناجمة أساسا عن فشل نظامها السياسي القديم وعجز مؤسساته ومنظومته عن الصمود في وجه المتغيرات الداخلية والإقليمية. ولم تنجح في انجاز الاصلاحات الاقتصادية والسياسية المطلوبة فانهارت على غرار ما حصل في السودان ..وتونس تعاني بدورها أزمات حادثة منذ انهيار نظامها السياسي في 2011 وتبدو اليوم مهددة بمخاطر كثيرة وحرب أهلية باردة ، رغم النجاحات في تجنب “الأسوأ” أي النزاع المسلح والعنف الشامل.

وعموما تكشف الخارطة الجيوسياسية الاقليمة أن ما يجمع بين تونس ” الهادئة ” وبلدان ” النزاعات المسلحة ” الصراع حول السلطة والثورة وعجز القيادات عن تسويته سياسيا..

منذ 2011 تشهد أغلب الدول العربية ، بما فيها تونس المسالمة ، صراعات حول منظومة الحكم والثروة ..

الآن استفحلت الصراعات حول الإيرادات النفطية والفوسفات والوظائف والتعويضات ..

وتعفن الوضع بسبب تجزئة السلطة ومنظومة الحكم وبسبب المحاصة الحزبية في مستوى الحكومة والإدارة المركزية والجهورية ..

وبات واضحا أن السياسيين عجزوا عن تحقيق إجماع وطني حول المشترك السياسي والاقتصادي والاجتماعي ..وجاء وباء “الكوفيد” فتعمقت الأزمة.. وأصبحت الدولة مهددة في وحدتها ووجودها ..

المعالجة محلية أم دولية ؟

* من خلال مشاركتك في برامج دولية عديدة لتسوية النزاعات هل تعتقد أن التسوية الأنجع تكون داخلية أم خارجية ؟

+ في كل الحالات الحل لا يكون إلا داخليا ..

لكن عند تفكك الدولة وتهديد الأمن الإقليمي والدولي يفرض خيار التدخل لأسباب إنسانية .. والبعض قد يستغل الوضع خدمة لأجندات أجنبية ..ومن الناحية القانونية والأخلاقية لا يكون التدخل الأجنبي شرعيا ينبغي إلا إذا جاء لضمان تسوية سياسية ..

في الخليج مثلا تبنت “قمة العلا” المصالحة ، والمؤمل أن تكون تمهيدا لتسوية سياسية داخلية لحرب اليمن ولتسوية سياسية يمنية ـ يمنية.

وفي ليبيا طالت الأزمة بسبب تعدد مصادر ضخ السلاح الأجنبي إلى الأطراف الليبية المتصارعة .. والاهم اليوم أن يؤدي التدخل السياسي الدولي اليوم إلى تسوية النزاعات المسلحة وإلى إعادة البناء ..

* وماذا عن أزمة تونس بعد 10 أعوام عن ثورتها؟

++ في تونس الوضع مختلف ..اندلعت ثورة رفعت أساسا مطالب اجتماعية لكن النخب الحاكمة المتعاقبة فشلت في مهماتها .

تونس اليوم ليست في مرحلة صراع مسلح..ولكنها تعاني من صراعات علنية نسبيا بين المؤسسات..ويجب تجنب سيناريو تطورها إلى عنف خطير ومواجهات …لذلك لا بد من إيجاد آليات سياسية للتسوية عبر مسارات متكاملة ومتزامنة ، بما يجنب البلاد أزمات أعمق .

تقاسم الثروة والسلطة ؟

* من خلال تجربتك الميدانية في اقليم كردستان العراق هل تعتبر أن خيار تقسيم الدول إلى ” أقاليم ” ضمن ” اتحاد فيديرالي” مخرج لأزمات بعض الدول مثل ليبيا واليمن والسودان وسوريا؟

++ لا أعتقد أن تعامل بعض العواصم مع ” المطالب الكردية” كان ناجحا ..والدليل ان “اقليم كردستان” لم يندمج في محيطه الوطني االعراق الموحد ..لم يحق الاندماج في اطار نظام اتحادي كان مقررا أن يضمن وحدة دولة العراق.
صحيح أن دستور 2005 في العراق اعتمد النظام الاتحادي ..لكنه نص على وجود “مكون إقليمي” واحد داخله هو كردستان وليس حول مجموعة من الأقاليم..والصراع لا يزال قائما مثلما بدأ ، ليس حول قضايا الهوية وحقوق الأقليات وحقوق الإنسان بل حول إيرادات النفط .

ومن بين أسباب الخلاقات السياسية والصراعات والأزمة الاقتصادية الخانقة في اقليم كردستان ان ثروته النفطية التي تشرف عليها السلطة المركزية وتصدرها لا يعاد استثمارها في الاقليم .

في نفس الوقت عندما يبيع الاقليم جانبا من الثروة النفطية لا يعطي حصة النظام الاتحادي اي الى السلطة المركزية في بغداد ..وهو ما عمق تفكك الدولة ..بما لا يخدم الاندماج والانسجام ..

لذلك فان الحل يبدأ ب”تسوية سياسية” تعتمد توزيعا عادلة للسلطة والثروة ..والاشكالية في هذين العنصرين ..

في ليبيا أيضا طالب البعض باعتماد “النظام الاتحادي (الفيدرالي)” ..وفي اليمن دعوات الى نظام اتحادي بعد تقسيم االبلاد الى 5 او 6 اقاليم..بما يعني إعادة توزيع الثورات بين القوى السياسية ومجموعات المصالح ..

وهذه المقاربة غير ناجعة وخطيرة .. ومن الخطير أن يطالب البعض في تونس بتجزئة البلد واحتكار بعض الجهات للثورات الوطنية المشتركة مثل الفوسفات والنفط والغاز ..

بلدان نجحت ..

هل هناك تجارب ناجعة للتوفيق بين شرعية المطالب ” الجهوية ” وط الاقليمية ” والوحدة الوطنية ؟

+ في بعض البلدان مثل جنوب إفريقيا وكينيا والسودان وقع إحداث ” صندوق إيرادات “..أي تجميع كل مداخيل النفط وبقية الثروات في صندوق مركزي وطني ثم توزع حصصا على الولايات والجهات أوالاقاليم..مع محاولة ضمان قدر من الإنصاف والعدالة بينها حسب مساهمتها وحسب حاجياتها ..وتخصيص نسبة من الموارد للدولة الوطنية ..

وفي كل الحالات يجب تجنب سيناريوهات تفكك الدولة ، مثلا عبر إحداث ” صناديق للاستثمار” للجهات تشرف عليها السلطة المركزية ..

تهديد للأمن القومي؟

الخلل بين الجهات والمحافظات هل يمكن أن يتطور الى تهديد الى الامن القومي ؟

معضلة الخلل بين الجهات مهمة جدا ..ويجب أن تعالج ضمن تصور وطني بعيدا عن تشجيع النعرات الانفصالية والجهوية والقبلية..

وهنا يفترض أن يتحقق اجماع حول الامن الوطني وقضايا التنمية ..خاصة عندما تكون الدولة صغيرة وثرواتها محدودة مثل تونس ..

حاليا ليس هناك ارادة واضحة ويسجل تغييب الوعي بالقضايا الرئيسية ..

لكن المخاطر حقيقية .. فقد برزت مرارا في بعض المحافظات الحدودية دعوات الى الانفصال مع التهديد ب”الهجرة الجماعية” ..

وقد كشفت احداث العنف في الملاعب وخارجها وجود مطالب سياسية اجتماعية وتوظيفا للنعرات القبلية والجهوية والايديولوجية..وهي تهديدات ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار في مرحلة استفحال عجز الدولة عن تحقيق الخدمات الصحية والاجتماعية مثل التعليم والنقل ..

مؤشرات العنف السياسي تتضاعف ، بما في ذلك في بلدان مثل تونس ، والحل يبدأ بضمان الحوار والتواصل بين السلطات ومكونات منظومة الحكم .كما يجب ضمان الاستقرار السياسي عبر تأكيد الثقة في الدولة ومؤسساتها في جميع المستويات ..وتوقف كل الأطراف عن تغذية الصراعات ..

من خلال تجاربك في عدة بلدان ومناطق ومواكبتك لنماذج معالجة عديدة ؟ ما هي التجارب الانجع ؟

+كل تجربة لها سياقها وتمر بمتغيرات..

في بعض البلدان مثل العراق كان الاعتماد على الإنتاج ألفلاحي والصناعات الغذائية كبيرا ..حاليا تعتمد الدولة أكثر على التوريد لأن الحروب والنزاعات ضربت منظومة الانتاج الزراعي ..

كما أصبح البحث عن مصالح جهوية وحزبية وسياسية ضيقة يعطى الاولوية على اعادة البناء .

في المقابل فإن تونس نجحت في تجنب النزاعات والصراعات المسلحة لكن ساستها يحتاجون وقفة تأمل حقيقية ..

التوافق السياسي أولوية

هناك من يعتبر أن الأولوية اليوم وفي دول الثورات العربية “العودة للتوافق السياسي” ؟

+ نعم التوافق مطلوب..لكنه لا يعني الاتفاقات الهشة..التي تنال من الوحدة الوطنية .

والتوافق يجب أن يؤدي إلى اعادة بناء منوال تنموي جديد ..لتجنب الاسباب العميقة التي تسببت في الاضطرابات والأزمات السابقة ..

وعدم معالجة مثل هذه الاسباب دفع البعض الى الحديث عن “الحاجة الى إعادة بناء والى برامج إعمار”..

وميزة بعض البلدان ، مثل تونس ، أنها يمكن أن تنجز الإصلاح و إعادة البناء بطريقة سلسلة لانها لم نمر بنزاع مسلح مماثل لما جرى في العراق واليمن وليبيا وسوريا..

ميزانيات الدفاع والداخلية

لكن الإحصائيات تكشف في تونس نفسها أن موازنات الدفاع والداخلية تضاعفت حوالي 3 مرات

بعد 2015 ارتفعت موازنتا الدفاع والداخلية ..لكن من حسن حظ تونس أن أعطيت الأولوية مجددا إلى قطاعات التربية والتعليم والصحة والشؤون الاجتماعية الصحة ..

انتخابات سابقة لأوانها؟

بعد 10 أعوام عن الثورة التونسية ، تتنوع أزمات البلاد وهناك من يطالب بتنظيم انتخابات رئاسية أو تشريعية جديدة فيما يطالب آخرون بالتمسك بشرعية الانتخابات ؟

+ في 2013 طالب البعض بإسقاط المجلس الوطني التأسيسي والحكومة ..وتمسك البعض الآخر بدعم المؤسسات المنتخبة مع تعزيزها بالية “الحوار الوطني” ..

في اليمن أيضا تشهد البلاد خلافا بين من يطالب باحترام ” المرجعيات ” بينما يدعو آخرون إلى حل كل المؤسسات بما فيها البرلمان .وحجة هؤلاء أن آخر انتخابات شهدها اليمن كانت في 2003، وحوالي ثلث البرلمان القديم ماتوا..

شخصيا أنا مع الانطلاق من المؤسسات الشرعية على نقائصها ..

وفي تونس بالذات ينبغي احترام المؤسسات الشرعية وعدم دفع البلاد نحو المجهول ، بسبب سيناريو حل البرلمان والدعوة الى انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة ..

لكني مع التوافق على مرحلة انتقالية تعالج منظومة الحكم بحلول بديلة حسب مراحل محددة ومتفق عليها..وفي افق سنتين يمكن حل البرلمان وتنظيم انتخابات سابقة لاوانها ..

في الأثناء يمكن الاتفاق على حكومة وحدة وطنية تنجز الإصلاحات المتفق عليها و التي تضمن الاستمرارية والاستقرار وديمومة الدولة وإرجاع الثقة في الأطراف والفاعلين الرئيسيين ..

أخبار, البارزة, حوارات 0 comments on العميد هشام المؤدب: فرنسا مورطة في الاغتيالات في تونس والإمارات تروج لدعاوى الفوضى والانقلابات..

العميد هشام المؤدب: فرنسا مورطة في الاغتيالات في تونس والإمارات تروج لدعاوى الفوضى والانقلابات..

صرح العميد هشام المدب لجريدة السفير في حوار مصور ومباشر، يوم 26 ديسمبر 2020 بجملة من المعلومات الهامة حول دعاوى الفوضى و الانقلابات و الاغتيالات السياسية و دور أجهزة المخابرات في تونس و العالم كما تضمن حواره تحليلا مفصلا للأحداث السياسية المحلية و العالمية .

 

الإمارات من تروج لدعاوى الانقلابات في تونس لأنها تخاف من التجارب الديمقراطية العربية

أولا أنا شخص مستقل ولكن لدي تعاطف مع بعض الجهات التي تحاول النهوض بالبلاد. ثانيا هناك انتخابات أمريكية على الأبواب و توجه الديمقراطيين بالأساس هو إرساء ديمقراطية عالمية و خاصة في دول العالم الثالث و التي تكون محكومة من قبل أمراء و ملوك متشددين و هذا ما يقلقهم لان الديمقراطية تعني المحاسبة وبما ان الرئيس الأمريكي يتبع خططا و استراتجيات في الحكم تعدها له منظمات تفكير مختصة لأنه من المتوقع بعد عقدين أو أكثر ان تتفوق الصين على أمريكا اقتصاديا و لتجنب ذلك من الأفضل ان تكون هناك ديمقراطية سائدة في الدول التي يتعاملون معها. و هذا ما دفع الإمارات إلى الخوف المبالغ فيه وجعلها تدعم و تمول جهة سياسية من الداخل حتى تفتك مقاليد السلطة بالضغط على منظومة الحكم القائمة على ثلاث أحزاب و إيهامنا بوجود تحركات عسكرية لا وجود لها .

و اؤكد على ان  المؤسسة العسكرية في تونس بعيدة كل البعد عن الانقلابات و أحسن مثال لذلك ما حدث في 2011. من ناحية أخرى يوجد فرنسا التي تعيش صراعا مع الولايات المتحدة الامركية حول دول إفريقيا . هذا بالإضافة إلى وسائل الإعلام و منها حتى الأجنبية و خاصة المصرية و الإماراتية  تنقل مغالطات حول الوضع في تونس وتحاول  ترسيخ فكرة ان البلاد تعيش حالة من الفوضى و لكن هذا خاطئ لان البلاد التونسية تعاني فقط من أمور اقتصادية صعبة ولكن ليست كارثية و إمكانية انقلاب الجيش أمر مستحيل .

ماهو موقفك من قضية نبيل القروي

يروقني حقيقة تماسك حزب قلب تونس بعد إيقاف نبيل القروي ولكن لابد من عدم استعمال أجهزة الدولة لخدمة المصالح الشخصية وأدين برامج الحزب التي أصبحت تعمل على إسقاط الحكومة الحالية و تغير رئيس مجلس الشعب  و الاتجاه نحو المنظومة الرئاسية التي تعمل على تكميم أفواه التونسيين و هذا يخدم مصلحة الإمارات ومن جهة أخرى أتساءل لماذا تم إيقافه مباشرة المفروض ان يمنع من السفر و يحجر على ممتلكاته إلى حين صدور حكم .

فرنسا متورطة في أكثر من 40 اغتيال سياسي في تونس بينهم بلعيد والبراهمي

الدولة الفرنسية  نفذت تصفية 22 رئيس جمهورية في إفريقيا عن طريق جماعات تدعي أنها من الإسلاميين لتوريط جهات معينة. في تونس الجنرال ديغول أسس خلية اليد الحمراء المتكونة من 40 شخص و قاموا بعدة اغتيالات منها فرحات حشاد الذي لم تساند الدولة أسرته في افتكاك حقوقهم و الهادي شاكر و بن عمار و صالح بن يوسف وغيرهم.  وتتحمل كذلك مسؤولية اغتيال الشهيدين البراهمي و شكري بالعيد . هذه الأجهزة تملك عقيدة أساسية و هي ان فرنسا لا تملك أصدقاء بل تملك مصالح ورغم ذلك رفض بعض نواب المجلس اعتذار فرنسا لتونس حول مقتل نحو 30 ألف شهيد تونسي .

هذا و تملك أجهزة الاستخبارات الفرنسية ميزانية كبيرة كما تنقسم إلى صنفين الأول ينفذ الاغتيالات داخل حدودها و الثاني خارج حدودها و كلهما يتبع المؤسسة العسكرية الفرنسية ولكن أغلب عناصره مدنيين ومنهم حتى الغير فرنسيين. تمارس هذه الأجهزة نشاطها عبر التجسس على المكالمات الامركية و الصينية و الجزائرية و التونسية .. وعبر التجسس عن طريق القمر الصناعي اليوس وعبر شبكات التواصل الاجتماعي .

ورغم ذلك فرنسا دولة ليست بالحجم الذي نتوقعه لأنها تتغذى من الدول الإفريقية فالحياة السياسية في فرنسا ممولة من الدول الإفريقية. و رغم ذلك تتحكم أيضا في تقرير مصير تلك الدول سياسيا فمثلا في تونس كل من تولوا مناصب رئاسة الحكومة تقريبا يحملون الجنسية الفرنسية مع العلم حتى الفخفاخ الذي عينه رئيس الجمهورية قيس سعيد يحمل الجنسية الفرنسية و متورط في قضية عشرات المليارات التابعة لشركة خاصة وحتى وزير البيئة المورط في عديد القضايا الآن له قرابة بالفخفاخ إذن فرنسا تحمل دائما نية السوء ولا تريد ان تعطي حق البلدان التي مزالت تعتقد أنها من مستعمراتها في اتخاذ القرارات المتعلقة بسياساتها. وقد أذنت في الماضي  بدخول اخطر إرهابي فرنسي أبو بكر الحكيم إلى تونس دون إعلام السلط الأمنية  . ولذلك أدعو أن تميل البلاد التونسية إلى دعم الولايات المتحدة الامركية و التحالف معها فهي تنتهج سياسة جيدة بإمكانها ان تفيدنا لأنها تدعم كل من يدعمها و قد سلمت سابقا وزارة الداخلية التونسية معلومات حول اغتيالات ستحدث في تونس و تزامن ذلك مع الفترة التي اخترقت فيها أجهزة الاستخبارات الامركية حساب البريد الخاص بالرئيس الألماني و الرئيس الفرنسي  .

من جهة أخرى نفذ كذلك جهاز الموساد الإسرائيلي بعض الاغتيالات في تونس و التي لها علاقة بالقضية الفلسطينية مثل اغتيال محمد ألزواري ونشير إلى ان الدستور الإسرائيلي يعفي عناصر الموساد من التتبعات العدلية و رئيس الحكومة هو من يأذن بالاغتيال وهو بدوره يورط معه رئيس الحزب الأول و الحزب الثاني وقبل تنفيذ العملية يتم جمع معلومات تفصيلية و دقيقة عن طريق منظمات و جواسيس فقد اغتال  العالم الإيراني مؤخرا رغم انه كان تحت حماية مشددة من الدولة الإيرانية.

تونس لن تطبع مع إسرائيل

ملف التطبيع مستبعد جدا فنحن نملك ثلاث قضايا هامة أولها القضية الفلسطينية و ثانيها الاعتداءات و الاغتيالات التي نفذها الكيان الصهيوني في تونس و ثالثها اعتداءاته على بعض الدول العربية و طالما لم تحل هذه القضايا فلا وجود للتطبيع وأي سياسي تونسي سيدعم التطبيع سينتهي في الداخل و يحاسب و إي سياسي سيتكلم و يرفض التطبيع سيعرض نفس للرفض و الإقصاء من الجهات الأجنبية و المنظمات الكبرى .و الأهم من ذلك هو ان  إسرائيل تبحث عن التطبيع مع المواطنين ولا تنتظر اعتراف الدول أي أنها تريد من المواطنين استهلاك بضائعها و ثقافتها و لكنها فشلت في ذلك فحتى لو هناك تطبيع مع الأنظمة لن تنجح في إرساء تطبيع مع المواطنين.

من يدعمون عبير موسي سوف يتخلصون منها سريعا

أهم الدول الحاكمة في العالم تتنافس حول الدولار الذي يرتبط سعره بالبترول و لكن اليوم ضعفت قيمة البترول ففي أغلب الإعلانات الغربية هناك تشجيع وتوجيه للمشاهد حتى يستهلك الأجهزة الالكترونية التي تستهلك الطاقة البديلة ولذلك اتجهوا إلى ربط قوة الدولار بالدواء و ربما هذا ما يحيلنا إلى التفكير في اسباب جائحة كورونا . كما أدعو رئيس معهد بستور و المسئولين إلى تجريب أي لقاح يستوردونه على أنفسهم أولا وعلنا حتى نتأكد من جودته .

هناك أمراض عديدة دخلت إلى تونس و خاصة بعد الثورة مثل الكوليرا وهي مفتعلة و تعود إلى مصانع عالمية ولكن هذه المرة ارتكبوا خطا فادحة و ضربوا الغرب و العائلات الحاكمة بفيروس كورونا، و هذا ما سيسرع في إيجاد حل له.

أدعو التونسيين إلى الانتباه و التريث وعدم المساهمة في خدمة جهات أجنبية تريد بث الشوشرة كما أؤكد لعبير موسي ‘ الجهات التي تدعمها لن  تضعها في الحكم ولا تثق في الكفاءات النسائية . ومن يخطئ عليه أن يستقيل حتى وان كان رئيس الجمهورية . ومادامت تونس خالية من الصراعات المسلحة فهي بخير كما أدعو القضاة إلى عدم ترك المجال للجهات السياسة في التحكم بمسار العدالة خاصة في قضية نبيل القروي

دور اتحاد الشغل سيء جدا

اعتقد أن دور اتحاد الشغل و النقابات عامة سيئ جدا و لهم عديد التجاوزات و أتوقع أن النشاط النقابي في طريقه إلى الاندثار.

أخبار, البارزة, حوارات 0 comments on علي عبداللطيف اللافي يؤكد: “حفتر” سيُغادر الساحة ولكن بمرحلية وآليات ناعمة

علي عبداللطيف اللافي يؤكد: “حفتر” سيُغادر الساحة ولكن بمرحلية وآليات ناعمة

الكاتب والمحلل السياسي المختص في الشؤون الافريقية “علي عبداللطيف اللافي” يؤكد:

“ستيفاني” ستنجح في استكمال كل خطوات الحوار السياسي في نهاية مارس المقبل

“حفتر” سيُغادر الساحة ولكن بمرحلية وآليات ناعمة

الاستحقاقات الانتخابية ستنجز ولكنها قد تؤجل لجوان/يونيو 2022

نص الحوار

بداية، كيف قرأت زيارة عباس كامل لحفتر وعقيلة الاسبوع الماضي؟

لابد أولا من التأكيد ان زيارة مدير المخابرات المصرية قد جاءت في ظل تسابق تنزيل سيناريوهات الحلول، ويومها كان هناك حل الوساطة الإيطالية أي أن يسمي حفتر رئيس حكومة ويبقى السراج في الرئاسي، و”حفتر” ناور يومها ان يختار “العبار” (وهو عضو لجنة الحوار ) في ما يرى المصريون غير ذلك، ولكن الأمريكيين و”وليامز” فشل الحوار السياسي وانهاء جولاته لم يكن ممكنا وتم اعلام “السراج” باستحالة ذلك وسقط الخيار/السيناريو ولكن الزيارة كان لها أبعاد أخرى على غرار فرملة خطوات حليفي القاهرة أي “عقيلة” و”حفتر” وتقريب وجهات النظر بينهما ووضع كل منهما في حجمه وتقليم أظافره السياسية وفي تلك الزيارة تم اعلام “حفتر “بان ابنه “صدام” قد تجاوز حدوده ومربعاته (قتل “حنان البرعصي”) ، وقد يسال أي كان: لماذا لم يقع استدعاؤهما للقاهرة والجواب: أن الوقت كان ضيقا وكان يجب وضع النقاط الحروف وبسرعة عاجلة في عدد من النقاط المهمة وهو ما يدل أيضا ان المصريين قد انتقلوا لمرحلة جديدة في الملف الليبي وهو ما مثلته زيارة وفدهم رفيع المستوى لطرابلس…

هل للزيارة علاقات بتصعيد حفتر واعلانه الحرب على القوات التركية؟

بادئ ذي بدء انه منذ اوت/أغسطس/آب كان هناك تباين واضح بين المصريين والإماراتيين بخصوص مستقبل “حفتر” وهل هو عسكري فقط أو سياسي وعسكري؟، وطبعا المصريين تبنوا الراي الأول والزيارة كانت لإعلام “حفتر” مباشرة بانه لم ولن يكون رقم1 لا في ليبيا بل أيضا في الشرق بما يعني إخراجه بمرحلية وآليات ناعمة من المشهد، وضع سطرا تحت “بمرحلية” وهذا مهم جدا وهي أيضا ليست سياسة مصرية بل هو تنزيل مصري لشراكة مع الأمريكيين في ذلك والثابت عندي ان نظام “السيسي” لا يتردد ولا يلعب ولا يتوانى في إضاعة الوقت في التعاطي مع الملفات الخارجية وفي بعضها تحديدا والحقيقة أن التباينات المصرية مع “السعوديين” و”الاماراتيين” ليست جديدة، وأنا كتبت عن ذلك منذ الصائفة الماضية في مقال تحت عنوان “هل سيتخلى المصريون عن حفتر بمحلية وآليات ناعمة” وفي مقال ثان ف تحت عنوان “هل ستكون القارة الافريقية موضع التجاذب القادم بين الأطراف المتداخلة في الملف الليبي”، وأظن أنني قلت لك في حوار سابق منذ اكثير من سنة أن موقع “حفتر” مُهتز وليس ثابتا في الترتيبات المستقبلية …

في اي سياق تضع زيارة الوفد التركي العسكري الرفيع لليبيا؟

الأتراك طرف مستوعب للتحركات والمناورات المستمرة في الملف الليبي وهم محينون عسكريا وهم قوة ضاربة استخباراتيا، أما سياسيا فهم يتحركون في مربعي العلاقة مع تطورات الساحة السياسية الليبية وأيضا وفقا لعلاقتهم مع الروس وأظن ان تحركهم الأخير بناء على إلمامهم بالتطورات وبناء على وعيهم أن التسوية في محطاتها الأخيرة وان عملية “الطبخ” قاربت على الانتهاء، وبالتالي جاءت الزيارة لغلق المنافذ أمام كل ارتداد ووعيا منهم أن هناك التقاء مستقبلي مع المصريين حتى لو بطريقة غير مباشرة وخاصة وانهم كانوا موافقين على الصفقة الأخيرة والتي سقطت في لحظاتها الأخيرة واضطر السراج لتكذيبها إعلاميا بعد انتهاء أمرها بناء على رفض أمريكي واضح لها وعدم قبول “ستيفاني” بشل ملتقى الحوار السياسي…

4 -كيف ترى نتائج الزيارة وما اسفرت عنها؟

الأتراك أصبحوا رقما صعبا في معادلات الملف الليبي منذ بداية نوفمبر 2019، وهذا يعيه الروس والامريكان وحتى الطرف المصري خاصة وانهم – أي الاتراك- يتحركون بحرية وتواجدهم سياسي واقتصادي الابعاد وليس همهم البقاء في ليبيا عسكريا إلا بمعنى تحقيق هدفي “دعم الوفاق وتحقيق لتيار فبراير لأهداف الليبيين في التحرر وبناء دولة مدينة” وهو أمر يخدم الاستراتيجية التركية إقليميا والثاني اقتصادي بحت أي “تفعيل المعاهدات السابقة بما فيها تلك التي امضيت مع القذافي واقتناص فرص عقود إعادة الاعمار وبعض ملفات التعويض لشركات المقاولات التركية التي تعطلت مشاريعها بسبب تطورات العشر سنوات الماضية”…

ما تفسيرك لزيارة الوفد المصري الرفيع لطرابلس؟ – ولماذا تحديدا في هذا التوقيت ؟

يُمكن التأكيد أن زيارة الوفد المصري هي تتويج لمسار وليست خطوة مفاجأة كما يعتقد البعض، بل هي استكمال لزيارة “السراج” للقاهرة سرا في أكتوبر الماضي وحتى وان انقطعت الزيارات والتعاملات المباشرة منذ 6 سنوات الا ان الرسائل بين الطرفين لم تنقطع الا بعد 04-04-2019 تاريخ هجوم “حفتر” على العاصمة والذي تم بناء على ضوء أصفر رفراف من طرف المصريين وإدارة “ترامب” ولكن الثابت ان المصريين لم يكونوا موافقين تماما على خطوة حفتر يومها، ودليلي على ذلك أمرين الأول انه اثر اجتماع 15 أفريل بين “حفتر” و”السيسي” خرج “حفتر” يومها مُكفهر الوجه وهو ما أثبتته ملامحه يومها والصور والفيديوهات موجودة والثاني وهذا مهم جدا: “لماذا لم يبلو المصريون وحتى الاماراتيون لحفتر مشروعا سياسيا قبل هجومه على العاصمة؟”، والاجابة البديهية أن حفتر منذ البداية هو طرف وظيفي ومرحلي عند كُل حلفائه وقلت لك سابقا في شكل تساءل ما الفرق بين “حفتر” وكل من فرح عيديد” الصومالي و”قرنق” السوداني و”عبدالرشيد دستم” الأفغاني؟

أما بخصوص التوقيت فطبيعي ذلك أن الملف الليبي يسير الان نحو ترتيب نهائي للمرحلة الانتقالية الأخيرة و”وليامز” ستقوم مستقبلا بمهام ثلاث، الأول هو “إعادة هيكلة السلطة التنفيذية مع دفع للمسارات الثلاث الأخرى ( دستوري- اقتصادي- عسكري)” وثانيا “انهاء تسمية شاغلي المناصب السيادية العشر ( والبعض يقول سبع فقط)”، والثالث والأخير هو “تحديد وتحقيق توافق ليبي حول أسس دستورية تنجز على ضوئها الاستحقاقات الانتخابية في ديسمبر 2021” ومعلوم ان السقف الزمني الباقي أمامها هو نهاية مارس 2021 ، وهنا يطرح السؤال ماذا تنتظر من المصريين ان يبقوا متفرجين بعد سقوط رهاناتهم المرحلية على “حفتر” و”عقيلة” بدرجة أقل، بل أن الثابت أنه ومنذ أكتوبر خارطة طريقهم هي العمل على التواجد في كل الاحتمالات ومن الطبيعي ان تأتي هذه الخطوة والان تحديدا …

-6 بشكل عام، هل “حفتر” في وضع جيد الان في ظل انباء عن تخلي حلفاؤه عنه كالإمارات وفرنسا؟

* أولا التخلي عن “حفتر” حاليا هو مرحلي من طرف المصريين وليس خطوة واحدة كما أكدت أعلاه، وثانيا هو لم يكن في وضع جيد منذ سقوط قاعدة “الوطية” وما لم يفهمه حفتر ولا المقربين منه من مستشارين – ان بقي له مستشارين (وخاصة بعد التخلي عن البصير وآخرين منذ سنتين )- أنه خيار مرحلي وليس استراتيجي في الأجندات الإقليمية والدولية والدليل هو في قول منتشر في الكواليس لمسؤول روسي يوما لأحد أصدقائه “نحن نُلاعب حفتر ولكنه ليس لاعبنا، ولن يكون لاعبنا”، ومشكلة “حفتر” أنه لم يستوعب كما لم يستوعب الكثيرين أن الأمريكيين يهمهم ثلاث نقاط دونا غيرها وخاصة في مرحلة لم يتحول الملف الليبي لرداراتهم واهتماماتهم الكبرى والاولوية، أي “النفط” /”الإرهاب”/”التواجد الروسي” وحفتر بالذات استوعب النقطيتين الأوليتين وطالما وظفهما ولكنه غيب الثالثة وسقط في امتحانها عند الامريكيين …

ومشكلة “حفتر” مثل بعض حكام عرب ان يبقوا مُمسكين بتلابيب السلطة وتلابيب خياراتهم الفاشلة حتى يتم دحرهم أو الثورة عليهم، والآن أمامه خيارين، الأول هو مسايرة المصريين في إخراجه بمرحلية وطريقة ناعمة والثاني البقاء المرحلي واختيار و دفع اختيار شخصية عسكرية تبقي عليه بروتوكوليا وتضمن مربعات لأبنائه أو على الأقل الدخول والخروج لافراد العائلة والمقربين منه الى ليبيا في المستقبل” اما الخيار الذي قد يرغم عليه فهو المغادرة لمنفى اختياري له ولأبنائه وخاصة نجليه “خالد” و”صدام”، وضعية “حفتر” أنه مثل “بشار” -وان كانت المقارنة قاسية على بشار وليس على حفتر- يعني يقال له “ستبقى ولكنك في الأخير راحل لا محالة” …

– 7ترددت انباء عن محاولة وزير الداخلية باشاغا اسقاط حكومة الوفاق خاصة بعد زيارته لفرنسا.. ما صحة هذه الانباء؟

أعتقد أن الأمر ليس جدي على الأقل في مربعات تفكير “باشاغا” الشخصي حتى لو لمح بالموافقة باي شكل من الاشكال، وواقعيا لم يكن ذلك ممكنا باعتبار ان الزيارة تمت في مرحلة ملتقى الحوار السياسي بما يعني الحرج للأمم المتحدة والامريكيين وفي مرحلة انتقالية أمريكيا وليبيا، وعمليا “باشاغا” ذهب لفرنسا لأهداف ثلاث، أولها ترتيبي لملف بعض شركات فرنسية عاملة في ليبيا ولها إشكالات لوجستية وأمنية والثاني التعاون الأمني بين البلدين والثالث الترويج لنفسه كمرشح لرئاسة الحكومة القادمة واعتقد شخصيا ان “بشاغا” اهتماماته الرئيسية هي ان يكون رجل المرحلة الدائمة وليس رجل المرحلة الانتقالية وترشحه لرئاسة الحكومة مناورة في رأيي لترشيح الغير…

والسؤال المطروح بخصوص “بشاغا” هل: هل يطمح شخص مثله وبكل علاقاته الممتدة في كل الاتجاهات ان يحكم لمدة سنة ثم يغادر؟ لا اعتقد أنه سيكون “مهدي جمعة” الليبي وان كان ذلك يبقى واردا ففي ليبيا من المستحسن ان لا تحسم، وعلى كل هناك اليوم حلين “أ” و “ب” الأول موجود في جيب “وليامز” الذي على اليمين والثاني في جيبها الشمالي….

8- ما تقييمك لملتقى الحوار الوطني وهل نتائجه مرضية لكافة الاطراف؟ – ما سر غياب السراج عن المشهد

أولا السراج خيار قائم ولكنه ضعيف وسيبقى لمارس القادم أو لفترة ترتيب نقل السلطة للحكومة الانتقالية الأخيرة والانتخابات قد لا تُجرى الا في جوان 2022 (يعني التمديد لمدة 06 أشهر)، وبقاء السراج وارد بأربع صيغ وكلها ضعيفة الورود ولكنها ليست مستحيلة أي رئيسا للرئاسي او عضوا فيه أو رئيسا للحكومة أو عضوا فيها (وزيرا للإسكان أو سفيرا في لندن)

بخصوص الحوار سينجح في الأخير، ولكن سياستي “التمطيط” و”الارجاء” ستتواصلان الى نهاية مارس القادم على أن بعض خطوات من المنتظر ان تتخذ امس الثلاثاء 30 ديسمبر الجاري ثم الخطوة الرئيسية قد تُتخذ يوم 08 ينيار/اجنفي القادم لتتوالى الخطوات الأخرى كما أسفت الذكر سابقا وستتم وفقا لخطوات “ستيفاني” والتي ستكتمل جميعها في نهاية مارس/آذار المقبل ، والخلاصة ان نتائج ملتقى الحوار ستختصر في تسوية سياسية طُبخت وتطبخ حاليا على نار هادئة وقد كتبت في بورتريه مطول حول “ستيفاني” في أكتوبر الماضي (نشرته في صحيفة تونسية) أن السيدة خططت وخاطت وخطت تفاصيل حل في تفاعل مع ساحة ليبية عرفت تفاصيلها ومفرداتها منذ قدومها الى ليبيا في جانفي/ينيار 2018 عندما كُلفت بمهمة قائمة بالأعمال بالنيابة في سفارة بلادها في ليبيا…

9 أخيرا، الى اين تسير الاوضاع في ليبيا بعد مرور ١٠ سنوات على ثورتها؟

ليبيا لم لن يكون بلدا عاديا ذلك أنه “قارة مترامية الأطراف” وله ثروات هائلة ونادرة وهي بلد يعتبر دوليا ممر استراتيجي ويسير نحو المتوسط ونحو العمق الافريقي والليبيون تخلصوا من الاستبداد ولكنهم لم يتخلصوا من منطق أن تكون ثرواتهم لعنة عليهم وعلينا ان نستقرأ التاريخ، رفض الملك “ادريس السنوسي” في ان تكون جزء من عائدات النفط لغير الليبيي،ن ونحن الآن في نفس المربع وبواقع سياسي واقليمي ودولي مغاير ، والثابت أن الليبيين ورغم الاثمان الباهضة حققوا الكثير واجبروا العالم على تغيير استراتيجيات ويكفي القول ان الليبيين افشلوا خطتين ليس بمقدر أي شعب اسقاطهما، الأولى هي خطة “بسط أنظمة عسكرية في كل المنطقة شمال افريقية” والثانية هي خطة إماراتية ووراءها بعض اطراف ومحافل خفية تحت عنوان “لا يحتفل التونسيون والليبيون بالذكرى العاشرة للثورتين التونسية والليبية”، والثابت انه في الذكرى العشرة لثورة فبراير ستبدأ عمليات إعادة اعمار ليبيا وبناء دولة مدنية ديمقراطية موحدة ومستقلة وذلك ليس يسيرا بل مهمة رئيسية واستراتيجية…

أخبار, البارزة, حوارات 0 comments on الكاتب والمحلل السياسي الليبي عز الدين عقيل : « كل محاولة لبناء سلطة سياسية في ليبيا قبل حسم شرعية السلاح ستفشل»

الكاتب والمحلل السياسي الليبي عز الدين عقيل : « كل محاولة لبناء سلطة سياسية في ليبيا قبل حسم شرعية السلاح ستفشل»

قال الكاتب والمحلل السياسي الليبي عز الدين عقيل لـ«المغرب» ان جهود دول جوار ليبيا لحل الازمة لن تخرج عن مسار اتفاق الصخيرات نفسه. واعتبر عقيل انّ حسم مسألة شرعية السلاح في ليبيا يستوجب ارادة جدية من الغرب لإصلاح ما أفسد في ليبيا وهو مايعدّ بعيد المنال في الوقت الراهن نتيجة غياب هذه الارادة لدى الغرب وفق تعبيره.

• لو تقدمون لنا آخر تطورات المشهد الليبي ؟

آخر تطورات المشهد الليبي هي جهود ترويكا دول الجوار لدفع العملية السياسية قدما وخاصة الترتيب للقاء بين خليفة حفتر – فايز السراج – عقيله صالح .

• ماهي رؤيتكم لمبادرات الحل الاخيرة؟

ليس هناك مبادرة، بل هناك محاولة من ترويكا الجوار (الجزائر مصر وتونس) لتجميع الجهود وضمن مسار اتفاق الصخيرات نفسه .

• هل سنشهد تسوية قريبة في الملف الليبي في ظل ما نشهده من مناخ للتسويات في المنطقة على غرار الملف السوري؟

ما أفاد الحالة السورية .. بقاء وصمود الدولة بكامل مؤسساتها وعدم تفككها ، بل واكتسابها لخبرات اضافية بالغة الاهمية نتيجة المحنة ، الى جانب وجود حلفاء استراتيجيين للنظام ، قاموا بخدمته بكل اخلاص بسبب مصيرية العلاقة الاستراتيجية لكافة أطرافها. كما ان صمود النظام السوري حتى تبينت دول الإقليم وأوربا بنفسيهما فداحة ما فعلوه من وراء دعمهم للإرهاب، وكذلك صمود النظام لحين حلول ترامب بالبيت الابيض ، ساعد كثيرا على انعكاس اتجاه الريح .

اما ليبيا فقد انجز فيها حلف «الناتو « اسقاط الدولة وإشعال حرب اهلية بين سكانها ، وتنصيب المليشيات والعصابات على رقاب العباد ومقدرات البلاد وبذلك فالوضع مختلف .

كما انه ما لم يبدأ الغرب بحسم شرعية السلاح بليبيا اولا ، وقبل الخوض بالمسألة السياسية وضمن التزامات محددة تجاه المسلحين تعتمد على مهاجمة كل من يرفض الحل منهم ، كما فعل مع الجيش الليبي في 2011. فان كل محاولة لبناء سلطة سياسية قبل حسم شرعية السلاح لن تكون إلا هراء في هراء . وتوريطا لليبيين بمزيد الانقسام والتشرذم . وهو ما يبغيه الغرب تحديدا بحسب تصوري .

ولأن حسم مسألة شرعية السلاح يتطلب وجود نية حسنة لدى الغرب بإصلاح ما أفسد بليبيا اولا فان الحل ما يزال بعيدا ، لان نوايا الغرب تجاه ليبيا بالغة السواد والتعفن . ان محاولة صياغة حل سياسي دون حسم مسألة شرعية السلاح اولا .. هو كمحاولة .. انجاب مخلوق بدون تلقيح !!!

• الدور الروسي الصاعد في ليبيا هل سيؤثر على التسويات؟

الدور الروسي بليبيا سيكون ابتزازيا وليس محوريا،ويمكن للروس أن يبيعوا ليبيا للغرب كما سبق وباعوها عام 2011 ،اذا اثمر لهم بيعها صفقة جيدة بسوريا و القرم.

• ما تعليقكم على اعلان ترامب منع دول بينها ليبيا من دخول اراضيه؟

الليبيون والسوريون واليمنيون والصوماليون .. ليسوا بوارد التفكير بالسفر لأمريكا .. وأما عملاء امريكا منهم الذين فتحت لهم أبوابها منذ عقود فلا اظن ترامب بقادر على منعهم من دخولها . هذه محاولة رعناء من ترامب لاختبار مدى قدرته على مخالفة القيم الغربية .. وأظن ان الرد جاءه مزلزلا .

وبتصوري الأهمية ليست بقرار ترامب السخيف الذى استهدف دولا تعجز شعوبها عن الوصول حتى لجاراتها من الدول ، وإنما من الرد الامريكي الاوروبي الذي شكل له صفعة مبكرة. وهو ما سيجعله اكثر تعقلا بالمرات القادمة .. وان لم يفعل فأظنه سيلحق بنيكسون !!؟

روعة قاسم

أخبار, البارزة, حوارات, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on الموفد الأميركي لإيران : نظام طهران خطر على شعبه والمنطقة

الموفد الأميركي لإيران : نظام طهران خطر على شعبه والمنطقة

تونس: كمال بن يونس

اعتبر برايان هوك الموفد الأميركي لإيران وكبير مستشاري وزير الخارجية الأميركية، أن سلطات طهران تمثل خطراً ليس على دول المنطقة فحسب، بل على شعبها أيضاً. وقال في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن طهران تدعم الإرهابيين والمتمردين في اليمن والخليج ولبنان وإسرائيل، موضحاً أنه أجرى محادثات في تونس – العضو غير الدائم في مجلس الأمن منذ مطلع العام – وذلك ضمن جولة ستشمل دولاً خليجية وأوروبية في شأن تمديد مجلس الأمن حظر الأسلحة المفروض على إيران منذ 13 عاماً والذي ينتهي في 18 أكتوبر المقبل (تشرين الأول).

وكشف هوك تفاصيل عن فحوى محادثاته الهادفة إلى تصعيد العقوبات الأميركية ضد طهران ومبرراته «في ظل تمادي النظام الإيراني في تصدير الأسلحة الثقيلة لدول الجوار، فضلاً عم دعمه الإرهاب والميليشيات المسلحة في اليمن والخليج وعدد من دول المنطقة والعالم».

وفي ما يلي نص الحوار:

> السيد برايان هوك، ما هي الخطوة المقررة في مستوى مجلس الأمن الدولي بالنسبة لحظر الأسلحة على إيران؟

– عملياً، لدينا مشروع نسعى لأن تصادق عليه كل الدول الأعضاء في مجلس الأمن، سواء كانت دائمة العضوية أم لا. ومن المهم تمديد تلك العقوبات التي بدأت قبل 13 عاماً لأن القرار الحالي ينتهي مفعوله في 18 أكتوبر (تشرين الأول) القادم. وعدم تمديد هذا القرار سيعني مزيداً من الأخطار على كل شعوب المنطقة ودولها وعلى أصدقائنا في الخليج وفي العالم. إن عدم تمديد هذا القرار سيعني مزيداً من تصدير الأسلحة من إيران إلى اليمن وسوريا والعراق ولبنان، ومزيداً من الأسلحة الإيرانية لحزب الله اللبناني وحركة حماس وغيرها. نحن نرفض ذلك جملة وتفصيلاً، ونعتبر أن من مصلحة شعوب المنطقة ودولها دعم جهود التنمية وتحسين أوضاع الشعوب والقضاء على الأسباب العميقة للتطرف والإرهاب، ومن بينها الفقر والاستبداد وغياب الحكومة الرشيدة.

> وما هي الخطوات القادمة في تحرك الإدارة الأميركية دعماً لهذا التوجه السياسي؟

– سوف أقوم بزيارات إلى عدد من الدول الأوروبية والدول العربية، خاصة في الخليج العربي، لتفسير مستجدات التهديدات الإيرانية لدول المنطقة وضرورة تمديد حظر الأسلحة عليها. لن أقدم مزيدا من التفاصيل لأسباب أمنية وسياسية، ولكن أتابع مع سفراء الولايات المتحدة في العالم تحركاتهم لتفسير المساعي الأميركية حتى يمدد مجلس الأمن الدولي قرار حظر الأسلحة على إيران، إلى جانب عقوبات أخرى ستبقى مفروضة على عليها، من بينها العقوبات الاقتصادية.

> ما هو رأيكم في وجهة النظر التي قد تنتقد بعض السياسات الأميركية خاصة في عهد إدارة ترمب، ومن بينها اتهامها بفرض عقوبات على الشعوب وليس على الأنظمة، لأن الشعوب هي التي تتضرر من العقوبات وليس السلطات؟

– هذا ما تروجه السلطات الإيرانية، ولكن الواقع مغاير بذلك فقد لاحظنا منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مظاهرات ضد السلطات الإيرانية بسبب سياساتها الداخلية وإهدارها مئات المليارات منذ 41 عاما في التسلح والحروب عوض إنفاقها في برامج التنمية والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والتربوي وتحسين الظروف المعيشية للشعب. لقد كشفت التقارير المصورة من داخل المدن الإيرانية والعاصمة طهران أن آلاف المتظاهرين كانوا يتجنبون المشي فوق صورة علم الولايات المتحدة الأميركية الذي رسمته السلطات وكانوا يسيرون بجانبه ثم يعلنون أنهم سئموا افتعال الحروب والمعارك مع الولايات المتحدة ومع العالم وإنفاق أموال الشعب في الحروب والتسلح بدلاً عن تحسين الخدمات الطبية والاجتماعية وظروف ملايين الفقراء والشباب العاطل عن العمل. نحن لا نطلب التدخل في شؤون إيران الداخلية ولكننا نرفض السماح بتصدير مزيد من الأسلحة إليها لأنها سوف تنشرها في المنطقة لمزيد نشر الحروب والتوتر في العراق وسوريا واليمن ولبنان وفي بقية البلدان المجاورة لها.

> تزور تونس لأول مرة، ما هو سياق هذه الزيارة وماهي نتائجها؟

– فعلا هذه هي الزيارة الأولى التي أقوم بها إلى تونس ودول شمال أفريقيا منذ تكليفي بمسؤولية ملف إيران. وقد سعدت خلال هذه الزيارة بمقابلة مسؤولين كبار من رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية وتحادثنا حول التعاون بين الولايات المتحدة وتونس العضو حالياً في مجلس الأمن الدولي، وهو تعاون برز منذ مدة معها ومع الدول العربية والأفريقية بما في ذلك ما يتعلق بمشروع تونس حول تفعيل دور الأمم المتحدة في مكافحة كورونا. كما دعمت تونس المشروع الأميركي الدولي لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا.

لقد تعلمت منذ كنت طالباً الكثير عن إمبراطورية قرطاج وعن ترجمة الإنجيل في كنائس عاصمة شمال أفريقيا في العهدين البونيقي والروماني ودورها الثقافي والاقتصادي والسياسي وقتها، وسعدت بزيارة قرطاج وتونس تستعد لتشكيل حكومة جديدة، سندعم التعاون معها اقتصاديا وعسكريا وأمنياً بما في ذلك في مجالات مكافحة التطرف والإرهاب ودعم الحلول السياسية والسلمية للحرب في ليبيا ولأزمات الشرق الأوسط، بما فيها النزاع العربي الإسرائيلي والتهديدات الإيرانية لدول المنطقة وتصديرها للأسلحة ودعمها للميليشيات المورطة في العنف والإرهاب…

> زيارتكم إلى تونس وهي تحيي عيد الجمهورية وتستعد لتشكيل حكومة جديدة، هل كان الهدف منها مجرد إقناع سلطاتها بتمديد الحظر العسكري الأممي ضد إيران باعتبار أن تونس عضو في مجلس الأمن الدولي؟

– طبعا نحن نقدر دور تونس في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، والسياسة الخارجية التونسية كانت دوما معتدلة ومعارضة للإرهاب والعنف ولسياسات التدخل العسكري الأجنبي في الدول. نحن قمنا منذ 13 عاما مع مجلس الأمن الدولي بأعضائه الدائمين الخمسة وبقية الأعضاء غير الدائمين بحظر الأسلحة على إيران لكي لا تزيد من تصدير الأسلحة لدول الجوار وللميليشيات المسلحة التي تدعمها في كثير من المناطق من اليمن إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا. صحيح أن تونس ليست مستهدفة حاليا بخطر الأسلحة الإيرانية والميليشيات المسلحة لكنها دولة تساند مثل الولايات المتحدة وبقية الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن سياسات منع العدوان الخارجي والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومن بينها الدول الصديقة في الخليج والمشرق العربي ولبنان وسوريا.

تونس شريك قوي للولايات المتحدة الأميركية، وقد أصبحت منذ أعوام دولة تتمتع بوضعية «عضو مميز» في الحلف الأطلسي يستفيد من حقوق كل الأعضاء في الحلف دون أن يكون عضوا فيه. هذه الوضعية منحتها حقوقا جديدة من بينها ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية، وقد تجاوز الدعم العسكري والأمني لتونس بعد تغيير الحكم في عام 2011 المليار دولار وناهز الدعم الاقتصادي ضعف هذا المبلغ وهو مرشح لأن يتضاعف بفضل مجموعة من الآليات والتحركات المشتركة التي تجري منذ مدة في واشنطن وتونس من بينها زيارات وفود من وزارات التجارة والمؤسسات الحكومية والشركات الأميركية العملاقة. ونحن لدينا برامج شراكة وتنسيق مع تونس لمكافحة الإرهاب في ليبيا ودول شمال أفريقيا ودول الساحل والصحراء، ونلتقي مع تونس في دعم خيار التسوية السياسية السلمية في ليبيا واستبعاد خيار العودة إلى التصعيد العسكري والنزاع المسلح فيها.

> وهل بحثتم في تونس ملفات التدخل العسكري والأجنبي في ليبيا بعد المواقف التي صدرت في مؤخراً في واشنطن عن الحرب الليبية؟

– واشنطن تدعم التسوية السياسية والسلمية للحرب الليبية، ونحن نعارض بوضوح تدخل بعض الدول بأسلحة وقوات أجنبية في ليبيا تابعة لها سواء كانت جيوشاً نظامية أو ميليشيات من المرتزقة أو العصابات المسلحة التي تجلب من مناطق النزاعات الأخرى. ونحن نعتقد أن تونس ودول جوار ليبيا سوف تكون أول مستفيد من نجاح جهود التسوية السياسية للأزمة الليبية ولوقف الحرب وخروج القوات الأجنبية ومنع تركيز قواعد وأنظمة صواريخ تابعة لها على الأراضي الليبية. من حق الدول أن تكون لديها مصالح اقتصادية في ليبيا وخارجها لكن لا بد من منع التدخل الأجنبي فيها.

> هل لن تتغير أولويات السياسة الخارجية الأميركية في العالم العربي الإسلامي وفي الخليج، خاصة بعد الانتخابات الرئاسية القادمة التي قد تؤدي إلى انتخاب رئيس ديمقراطي خلفاً للرئيس ترمب؟

– نحن نثق في أننا أنصار دونالد ترمب والجمهوريين، سنكسب الانتخابات وأننا نستعد لعهدة ثانية بعدها. وأعتقد أن ثوابت السياسة الخارجية هي نفسها ومن بينها رفض التدخل الإيراني في دول الجوار وتمديد فرض حظر الأسلحة عليه.

البارزة, حوارات, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on نور الدين البحيري في حديث شامل : الدستور يحسم الخلافات بين قرطاج والبرلمان حول ليبيا والنظام السياسي

نور الدين البحيري في حديث شامل : الدستور يحسم الخلافات بين قرطاج والبرلمان حول ليبيا والنظام السياسي

يعتبر وزير العدل التونسي السابق ونائب رئيس حركة “النهضة” ورئيس كتلتها البرلمانية نور الدين البحيري واحدا من أكثر الشخصيات السياسية المثيرة للجدل في تونس وداخل حزبه.

برز أواسط الثمانينات من القرن الماضي مشرفا على “الاتجاه الإسلامي في الحركة الطلابية” وكاتبا في صحيفة الرأي الليبيرالية، ثم محاميا تزعم مع زوجته المحامية والحقوقية سعيدة العكرمي ورفاقهما طوال مرحلة حكم بن علي جانبا من التحركات الحقوقية المناصرة للمساجين السياسيين وعائلاتهم. ترأس بعد الثورة المكتب السياسية لحزبه ثم عين وزيرا للعدل في حكومة حمادي الجبالي (2012 ـ مطلع 2013) فوزيرا مستشارا سياسيا لدى رئيس الحكومة علي العريض حتى موفى 2014. عين في الدورة البرلمانية السابقة والحالية رئيسا لكتلة نواب حركة “النهضة” برتبة نائب رئيس حركة.

يعتبره بعض أنصاره وخصومه العلمانيين والإسلاميين الأقدر على فهم تعقيدات المجتمع المدني التونسي والأكثر انفتاحا على النخب، فيما يتهمه آخرون بـ “التعصب المبالغ فيه لحركته” وبعض مواقفها “الاستفزازية”.

الإعلامي كمال بن يونس التقى نور الدين البحيري وأجرى معه حوارا شاملا خاصا بـ “عربي21″، استشرف فيه مستقبل حركة “النهضة” وتونس بعد وباء كورونا و”شبهات تضارب المصالح والفساد” الموجهة إلى رئيس الحكومة وعن مواقفه من المتغيرات الإقليمية في ليبيا والجزائر وفرنسا..

 

س ـ كيف تستشرف مستقبل تونس بعد حوالي 10 أشهر عن الانتخابات البرلمانية والرئاسية.. في وقت يعتبر فيه كثير من المراقبين أن “الاستثناء الديمقراطي التونسي” في خطر بسبب تعقد التحديات الإقليمية وتراكم الصعوبات الاقتصادية والسياسية وبصفة أخص بعد الخسائر التي لحقت بالبلاد بسبب كورونا والأزمة السياسية والخلافات العلنية بين رئاسة الجمهورية والبرلمان؟

ـ أنجزت الثورة التونسية مهمات سياسية واجتماعية تاريخية بينها بناء مؤسسات ديمقراطية والتوافق على دستور وتكريس التعددية السياسية والإعلامية، لكنها تواجه تحديات بالجملة لأسباب داخلية وخارجية، من بينها مضاعفات وباء كورونا وطنيا وعالميا والمتغيرات الإقليمية..

تمر البلاد فعلا بصعوبات كثيرة وبتجاذبات بين إرادتين: الأولى تسعى إلى دعم المسار الديمقراطي وأهداف الثورة والثانية تسعى إلى العودة بالبلاد إلى نظام فردي سلطوي تنفرد فيه أقلية بالثروة والسلطة.

بعد 9 سنوات عن الثورة من الطبيعي أن يتطلع الشعب بإلحاح إلى تحقيق مطالبه الاجتماعية والاقتصادية وإلى حياة كريمة.. بلادنا تزخر بالثروات البشرية والطبيعية وقطاع فلاحي وحده يمكن أن يحدث نهضة نوعية إذا توفرت الإرادة السياسية وقمنا بخطوة مهمة لوضع حد لهيمنة الفاسدين على مؤسسات الدولة والاقتصاد والإعلام..

لوبيات العودة إلى الوراء؟

س ـ هل يمكن أن تقع انتكاسة؟ هل تخشون من انتصار “معسكر العودة إلى الوراء”؟

ـ البعض يسعى إلى العودة بالبلاد إلى مربع الاستبداد والفساد، مثل النائبة عبير موسى القيادية في الحزب الدستوري التي تعاقبت غلطاتها السياسية والقانونية من بينها إنكار الدستور التونسي علنا..

وعبير ليست وحدها في تحدي الدستور والقانون وتضحيات الشعب وثورته.. آخرون لهم نفس الموقف سرا.. وآخرون يريدون تغيير النظام السياسي في اتجاه إعادة اعتماد الحكم الفردي وإلغاء مكاسب المسار التعددي الديمقراطي..

هذه المحاولات سوف تفشل في نظرنا لأن تعديل الدستور يتطلب إجراءات معقدة جدا وأغلبية كبيرة في البرلمان.. ولأن الدستور محصن من التلاعب.. والتغير الارتجالي للنظام السياسي غير ممكن.. لأنه محصن كذلك بإرادة شعبية شبابية رغم حالة القلق التي يعبر عنها الشباب والعاطلون عن العمل بسبب تعثر مسار الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية..

في النظام السياسي والانتخابي التونسي عدة مكاسب من بينها انتخاب مباشر للبرلمان ولرئيس الدولة وللمجالس البلدية.. التي تمثل محطة مهمة في تكريس الحكم المحلي..

وأعتقد أن البلد الذي بنى مؤسسات الحكم المحلي ودفع نحو اقتسام السلطات بين المحليات والجهات وبين المركز في العاصمة لا يمكن أن تسير إلى الخلف.

كما لا يمكن أن يقبل العودة إلى الوراء الشعب الذي قسم السلطات مركزيا بين 3 أقطاب لكل منها صلاحيات واضحة: رئاسة الدولة في قرطاج ورئاسة الحكومة في القصبة والبرلمان في باردو..

لرئيس الدولة صلاحيات دستورية واضحة.. والدستور أسند إلى البرلمان صلاحيات كبيرة لأنه منتخب مباشرة من الشعب، من بينها المصادقة على الحكومة أو سحب الثقة منها ومراقبة السلطة التنفيذية ورسم سياسات الدولة..

الرجوع إلى الوراء نحو “النظام الرئاسي الاستبدادي” يعني قلب كل المعطيات وإحداث انقلاب على كل المنظومة السياسية الدستورية.. وهو مستحيل على المدى القريب والمتوسط..

الخلافات بين رئيسي الدولة والبرلمان ؟

س ـ هناك تصريحات علنية من قبل رئيس الدولة والناطقين باسمه عن وجود رئيس واحد في البلاد.. بما اعتبر تحذيرا لرئيسي البرلمان راشد الغنوشي والحكومة إلياس الفخفاخ؟

ـ فعلا لدينا رئيس جمهورية واحد انتخبناه مباشرة.. ولدينا رئيس حكومة واحد زكاه البرلمان بعد مفاوضات مع الكتل البرلمانية والأحزاب الفائزة.. ولدينا رئيس برلمان واحد انتخبه البرلمان الذي زكاه الشعب في انتخابات تعددية مباشرة..

الخلاف ليس حول وجود رئيس واحد للدولة أو للحكومة أو للبرلمان، ولكن قد يبرز خلاف بسبب بعض الذين يحاولون عبثا انتهاك الدستور الذي قسم السلطات بوضوح بين البرلمان والسلطة التنفيذية المركزية والحكم المحلي بما يحمي البلاد من كل أشكال الاستبداد..

من الطبيعي في بلد عانى من الاستبداد والحكم الفردي أكثر من 60 عاما، بل قرونا، أن يبرز شبه إجماع عند صياغة الدستور على تقاسم السلطات واعتماد نظام ديمقراطي يقطع مع سيناريوهات العودة إلى كل أشكال التسلط والنظام الفردي ومساوئه أو “النظام الرئاسوي”….

ولا أفهم كيف يدعو البعض إلى العودة إلى الحكم الفردي في وقت تستعد فيه البلاد لدعم الحكم المحلي في مستوى المجالس البلدية بحكم محلي جهوي في مستوى بمجالس جهوية ثم مجلس وطني مركزي للحكم المحلي.

وكل هذا لا يقلل من صلاحيات رؤساء الدولة والحكومة والبرلمان..

الخلافات بين البرلمان والحكومة

س ـ لكن أطرافا عديدة تؤكد أن المؤسسات السياسية في أزمة بسبب التضارب بين “الأغلبية البرلمانية” و”الأغلبية الحكومية”، وتتهم حركة “النهضة” بالازدواجية وتعمد إلى إضعاف الحكومة التي تشارك فيها عبر البرلمان..

ـ هناك تنوع وتعدد، ويمكن أن توجد أزمة ثقة عابرة لأن التجربة الديمقراطية والتعددية جديدة في البلاد ولأن المدة التي تفصلنا عن الانتخابات قصيرة.. ولا تزال بعض الأطراف متأثرة بالمشاحنات والتجاذبات التي برزت خلال الحملات الانتخابية..

تحرير الإعلام

س ـ قيادات نقابية وحقوقية اتهمت حركة “النهضة” بالازدواجية.. وتقول إن وزراءها صادقوا على مشروع القانون المنظم للإعلام السمعي البصري بينما صوت نوابها على مشروع مناقض في لجنة الحقوق والحريات في البرلمان قدمته كتلة ائتلاف الكرامة..

ـ ليس هناك تناقضات ولا ازدواجية.. وزراؤنا لم يصوتوا لصالح المشروع الحكومي عند عرضه في مجلس الوزراء بل دعوا إلى تأجيل البت فيه.. وبالنسبة للمشروع المعروض على البرلمان صادقت عليه الغالبية الساحقة من أعضاء اللجنة، لأنه دعا إلى إلغاء “الترخيص” واستبداله بـ “إعلام” عند تأسيس مؤسسة إعلامية.. مثلما هو معمول به بالنسبة لتأسيس الأحزاب والجمعيات في القانون المعتمد بعد الثورة..

وأقول للمعترضين على المشروع الجديد: أيهما أخطر تأسيس حزب سياسي وجمعية كبيرة بدون رخصة أم مؤسسة إعلامية؟

المشكل مفتعل إذن.. والكلمة الأخيرة سوف تكون للجلسة العامة في البرلمان..

الجدل حول المرسوم 116 المنظم للهيئة العليا المشرفة على قطاع الإعلام (الهايكا) طال أكثر من اللازم، لأنه بدأ منذ عهد حكومة حمادي الجبالي في 2012..

نحن مع حرية الإعلام وحماية التنوع وأخلاقيات المهنة الصحفية دون أي تحفظ.. مع دعم الدور التعديلي لـ “الهايكا” دون أن نتورط في إحداث مؤسسة يتجاوز دورها دور وزارات الإعلام قبل الثورة وفي الديكتاتوريات..

المشروع الذي صادقت عليه اللجنة البرلمانية يدعم تحرير الإعلام.. لأن دور الهيئات التعديلية ليس إسناد التراخيص بل ضمان احترام أخلاقيات المهنة والتوازن في المضامين المقدمة..

أزمة ثقة

س ـ وكيف ترون الخروج من أزمة الثقة التي توشك أن تعصف بالبرلمان والحكومة واستقرار البلاد؟  

ـ المطلوب جملة من القناعات والإجراءات بدءا من الاعتراف الجماعي بأن البلاد للجميع وأن الإقصاء مرفوض وأنه لا يمكن بناء بلد ديمقراطي ومتقدم عبر إنكار حق الطرف الآخر في الوجود..

نحتاج إلى تعزيز الثقة بين مكونات الحكومة والبرلمان والحياة السياسية والاعتراف بنتائج الانتخابات.. ثم التفرغ للبناء في انتظار الانتخابات القادمة..

ومطلوب من رئيسي الجمهورية والحكومة ومن البرلمان وكل القيادات السياسية تقديم رسائل طمأنة للمجتمع.. لتشريكها في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والكف عن كل الدعوات للتقسيم والتجزئة والإقصاء..

تضارب المصالح

س ـ وكيف سيقع الخروج من الأزمة السياسية العامة التي استفحلت بإثارة ملف “شبهة تضارب المصالح والفساد” الموجهة إلى رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ بعد 4 أشهر فقط من تزكيته؟

ـ هذه الحكومة شاركنا فيها ودعمناها رغم حرماننا من حقنا في تشكيلها ورئاستها طبق أحكام الدستور باعتبارنا الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية ..قبلنا المشاركة فيها رغم تحفظاتنا على تركيبتها وعلى إقصاء بعض الأطراف السياسية والحزبية التي انتخبها الشعب..

قبلنا لكننا بقينا نطالب بجملة من الإصلاحات والإجراءات العاجلة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وطالبنا بصياغة استراتيجية اقتصادية واضحة.. لذلك طالبنا بتوسيع الحزام السياسي حتى نضمن أغلبية الثلثين حول الحكومة وننجح في بناء المؤسسات الدستورية مثل المحكمة الدستورية ونواجه التعقيدات الاجتماعية والاقتصادية..

وزاد الأمر تعقيدا بعد ما أثير من شبهات تضارب مصالح حول السيد رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، وتعقد الوضع أكثر عند حديث البعض عن شبهات فساد تستهدفه..

أصبح وضع الحكومة ورئيسها صعبا جدا خاصة أن وثيقة التعاقد الحكومية نصت بوضوح على جملة من المهام والأولويات من بينها محاربة الفساد (البند الثاني)..

س ـ كيف ستتصرف كتلة حركة “النهضة” البرلمانية وحلفاؤها مع هذه الأزمة؟

ـ مجلس شورى حركة “النهضة” قرر في اجتماعه الماضي أن ندعم حكومة الفخفاخ وأن ننتظر نتيجة التحقيق.. لكن الملفات تتعاقب وتزداد خطورة، بما يوحي بأن هذه الحكومة قد تكون جزءا من الماضي..
نخشى أن تصبح عاجزة عن القيام بمهامها بدءا من كسب ثقة الشعب والمستثمرين في الداخل والخارج ولا في التفاوض باسم الدولة مع شركائها الإقليميين والدوليين.. لذلك فإننا ندعو الشركاء السياسيين والاجتماعيين إلى حوار عميق ودقيق حول هذا الموضوع..

مستقبل “النهضة”

س ـ وكيف تستشرفون مستقبل حركة “النهضة” في ظل هذه الأزمة السياسية العامة في البلاد وفي المنطقة؟ متى سوف يعقد المؤتمر الوطني 11؟

ـ مؤتمر الحركة الـ 11 سوف يعقد حسب قرار مجلس الشورى قبل موفى العام الجاري.. نتطلع إلى أن يعقد المؤتمر إذن عام 2020.. وأن يكون مؤتمرا مضمونيا ينقل الحركة من أولويات حركة معارضة وحركة استملت الحكم في ظروف معينة في موفى 2011 إلى حزب وطني يلعب دوار في بناء الدولة والمجتمع..

سنعمل على أن يكون مؤتمر إحداث نقلة نوعية تصبح بعدها الحركة قولا وفعلا حزبا وطنيا جامعا، يكون في مستوى أمانة الحكم والمشاركة في تسيير البلاد وتقديم الحلول الاقتصادية والاجتماعية..

الوضع الإقليمي

س ـ وهل لستم متخوفين من التطورات الإقليمية في ليبيا ومن تعمق الخلاف بين موقفكم منها وبعض تصريحات رئيس الدولة قيس سعيد والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيرهما الفرنسي ماكرون؟

ـ الموقف الرسمي التونسي ثابت من الحرب والأزمة في ليبيا منذ عهد الرئيس الباجي قائد السبسي رحمه الله: احترام الشرعية الدولية وحق الجوار ورفض التدخل في ليبيا.. نحن كحزب ملتزمون بموقف الدولة التونسية من الملف الليبي.. وقد دعونا دوما في حركة “النهضة” إلى حقن الدماء والتسوية السياسية..

أعتقد أنه لا خلاف جوهري بين مواقف رئيسي الدولة والبرلمان من الملف الليبي بصرف النظر عن بعض التفاصيل وزلات لسان والتصريحات التي يمكن مراجعتها وتعديلها..

 

تونس ـ عربي21 ـ من كمال بن يونسالسبت، 11 يوليو 2020 01:54 م بتوقيت غرينتش

أخبار, البارزة, حوارات, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on مصطفى بن جعفر : مطلوب تنقية المناخ السياسي ومصالحة “غير مغشوشة”

مصطفى بن جعفر : مطلوب تنقية المناخ السياسي ومصالحة “غير مغشوشة”

رئيس الدولة مؤهل لقيادة الحوار.. ومطلوب دعم حكومة الفخفاخ
حاوره كمال بن يونس

دعا مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي والرئيس المؤسس لحزب التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات في تصريح للصباح نيوز السياسيين إلى ” تنقية المناخ السياسي في البلاد عبر مصالحة سياسية شاملة وغير مغشوشة” ينخرط فيها كبار السياسيين وممثلو مختلف التيارات الفكرية والسياسية والحزبية في البلاد ، بما في ذلك قيادات العائلات الدستورية والإسلامية واليسارية والحقوقية الليبرالية “.

وأعتبر بن جعفر أن ” الغالبية متفقة اليوم في تشخيصها للوضع ” وتعتبر أن ” الصراعات والمعارك الكلامية والمزايدات السياسية في البرلمان وفي وسائل الإعلام لا تساعد رئيس الدولة والحكومة والسلطة التشريعية على المضي في انجاز ما تعهدت به من إصلاحات ومعالجة لملفات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي أصبحت أكثر إلحاحا بعد وباء كورونا الذي أربك اقتصاديات أغنى دول العالم..”
لكن بن جعفر أكد على كون ” الخروج من هذا المأزق لن يتحقق دون تحقيق مصالحة فكرية سياسية تؤدي إلى ” توافق سياسي جدي بين الفاعلين السياسيين وخاصة بين العائلات السياسية التي تؤثر في المشهد منذ عشرات السنين أي العائلات التي تنتسب الى الحزب الدستوري بمختلف تفريعاته والعائلات ذات الميولات الديمقراطية الاجتماعية والعائلات السياسية الوطنية العروبية والاسلامية ..”.
هل المقصود العودة إلى “التوافق السياسي السابق بين قيادات نداء تونس والنهضة في مرحلة ما بعد انتخابات 2014 “؟
بن جعفر نفى في تصريحاته للصباح نيوز أن يكون من دعاة ” التوافق المغشوش ” واعتبر أن تونس شهدت خلال الاعوام الماضية ” توافقا تكتيكيا أملته نتائج انتخابات2014 وعمليات حسابية كشفت عجز اي كتلة برلمانية عن الفوز بالاغلبية وتشكيل الحكومة دون التحالف مؤقتا مع الطرف المقابل “..
وقد تحقق “التوافق السياسي مؤقتا ” وأدى دورا ايجابيا مرحليا ، لكنه سرعان ما تصدع لان كثيرا ممن انخرطوا فيه لم يقوموا بمراجعات فكرية وثقافية تؤدي الى ” طي صفحة الماضي” وتكرس الاقتناع باحترام الاخر والعمل المشترك بصفة دائمة بين المنتمين إلى مدارس فكرية وسياسية وطنية مختلفة أي الى العائلات الدستورية والديمقراطية والعروبية الإسلامية ” التي لعبت دورا في مرحلة الكفاح الوطني ضد الاحتلال الأجنبي ثم في مرحلة بناء الدولة الحديثة .
وكيف يمكن إخراج البلاد اليوم من مأزق الصراعات السياسية الهامشية ودفعها نحو خيار المصالحة الوطنية ” غير المغشوشة “؟
بن جعفر أورد أن ” رئيس الجمهورية قيس سعيد المنتخب من قبل غالبية الشعب قبل أشهر مؤهل أكثر من غيره لتجميع القيادات السياسية الوطنية وتنظيم حوار بينها حول الأولويات السياسية الوطنية بما يساهم في انقاذ البلاد من المخاطر الكثيرة التي تهددها وعلى رأسها الصراعات الهامشية والحرب الاهلية الباردة “.
ووصف بن جعفر الوضع السياسي العام في البلاد ب” المشحون ” وطالب رئيس الجمهورية وقيادات الأطراف السياسية الكبرى المؤثرة في البرلمان والحكومة بتدارك الأمر قبل فوات الأوان واعتبر أن ” غالبية السياسيين في البلاد تدرك أن أولوية الشعب اليوم تنموية وخلق الثروة وتوفير الشغل لمئات الالاف من العاطلين وتحسين أوضاع الأجراء والمتقاعدين وليس جر البلاد إلى مزيد من الصراعات المعارك السياسية الهامشية والتي توشك أن تتسبب في ” حرب أهلية باردة وفي تصعيد العنف والفوضى ..”
واعتبر بن جعفر أن الحوار يمكن أن يشمل كل القضايا الخلافية بما في ذلك بعض فصول القانون الانتخابي والدستور والسياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة ، لكن ينبغي أن يجري في سياق الالتزام بأخلاقيات الحوار والاحترام المتبادل والاحتكام الى الدستور والقانون بعيدا عن ” منطق الاقصاء والاقصاء المضاد والعنف اللفظي الذي استفحل في بعض جلسات البرلمان ووسائل الاعلام والفضاءات العامة “.
من جهة أخرى دعا بن جعفر الفرقاء السياسيين إلى عدم توريط البلاد في أزمة سياسية جديدة عبر الدعوات الى اسقاط حكومة عمرها 100 يوما خاضت الى حد الان بنجاح المعركة مع وباء كورونا وضمنت سلامة الغالبية الساحقة من المواطنين صحيا ووفرت للفئات الشعبية حدا أدنى من حاجياتهم .
واعتبر بن جعفر أن ” حكومة الياس الفخفاخ تنتمي إلى التيار الاجتماعي الديمقراطي وتتميز بانفتاحها على كل التيارات والعائلات الفكرية والسياسية الوطنية ومن مصلحة البلاد أن يدعمها الجميع تكريسا للاستقرار السياسي والحكومي في مرحلة اقتصادية اجتماعية حرجة وطنيا ودوليا .

أخبار, البارزة, حوارات, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on النص الكامل لحديث الغنوشي لموقع عربي 21 بلندن

النص الكامل لحديث الغنوشي لموقع عربي 21 بلندن

كمال بن يونس

بعد 6 أشهر عن الانتخابات التونسية وتنصيب قيس سعيد رئيسا للبلاد وراشد الغنوشي رئيسا للبرلمان، وبعد شهرين عن تنصيب إلياس الفخفاخ رئيسا للحكومة، برز مجددا في وسائل الإعلام وكواليس السياسة حديث عن خلافات بين “الرؤساء الثلاثة” وبين الأغلبية البرلمانية والسلطة التنفيذية.. فما هي حقيقة هذه الخلافات؟ وما هي ملامح المشهد السياسي الجديد في بلد يعطي دستوره أغلب الصلاحيات للبرلمان ويمنحه نفوذا كبيرا في مراقبة رئاسة الجمهورية والحكومة؟

وكيف سيتفاعل الغنوشي وأنصاره مع معارضيهم داخل البلاد وخارجها بما في ذلك في واشنطن وأوروبا وليبيا والجزائر؟ وكيف يستشرف رئيس حزب النهضة مرحلة ما بعد كورونا وطنيا وإقليما ودوليا ومستقبل تيار “الإسلام الديمقراطي” والأطراف المحسوبة على “الإسلام السياسي”؟ وماهي رؤيته لتطبيع علاقات حركته مع الدولة ومع العواصم الغربية والإقليمية وعلى رأسها الجزائر؟ وكيف ينظر رئيس البرلمان إلى دور المؤسسة التشريعية مستقبلا وإلى “الديبلوماسية البرلمانية”؟

الإعلامي كمال بن يونس التقى رئيس البرلمان التونسي ورئيس حزب “النهضة” التونسي الشيخ راشد الغنوشي وأجرى معه الحوار التالي حصريا لـ “عربي21”، الذي قدم الغنوشي في جزئه الأول الذي ننشره اليوم رؤية استشرافية لمستقبل تونس والأحزاب السياسية والمنطقة والعالم بعد جائحة كورونا، بينما يقدم في جزئه الثاني والذي ننشره غدا، قراءة استشرافية لعلاقة “الإسلام الديمقراطي” بمكونات النظام العالمي الجديد..

س ـ كيف تقيم علاقتكم بالسلطة التنفيذية في بلد يوصف فيه النظام السياسي بكونه “نظام برلماني معدل”؟ هل وقع تجاوز ما وصف بـ “التجاذبات بين الرؤساء الثلاثة” أي رئيس الجمهورية القائد العام للقوات المسلحة قيس سعيد ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ ورئاسة البرلمان؟

ـ علاقة مجلس النواب بالسلطة التنفيذية محكومة بالدستور الذي حدد مهام كل جهة ووضع طرق التعامل، ولكن ما يظهر هنا أو هناك مما يسمى تجاذبا هو في الحقيقة تدرب على تنزيل الدستور، فتجربتنا الديمقراطية المحكومة بالقانون لا تزال فتية والكل في درس التجربة والممارسة وحسن التنزيل، ومثل هذه الأمور تحتاج إلى وقت وتعود ودربة وثقافة تتحول تباعا إلى مسلمات ووقائع.

الحديث عن تجاذبات أمر مبالغ فيه، ونعتقد أن المقصود هو التدرب على التنزيل وتحويل النصوص الدستورية إلى قواعد حاكمة وضابطة لسلوك الجميع وفي هذه الحالة.. كما يتوجب الأمر الدقة والوضوح يتطلب كذلك اللين والتفاعل الإيجابي.

مجلس نواب الشعب يقوم بدوره وفق الدستور، فإضافة إلى سلطته التشريعية هو سلطة رقابية تراقب الحكومة وتسائلها، وتلك ثقافة الديمقراطية التي سلكناها منذ الثورة، وهذا الأمر واضح في مهامنا وأعمالنا.

وأيا كان الأمر فقد مثلت جائحة كورونا مناسبة لتظهر فيها مؤسسات الحكم موحدة في الحرب.. وهي وحدة لم تظهر في مؤسسات الحكم فقط بل تجلت في وحدة كل القوى الوطنية، حيث ظهر الجميع في وحدة شاملة نحتاجها اليوم في مواجهة هذه الجائحة كما نحتاجها غدا في مواجهة الآثار والمخلفات التي ستتركها جائحة كورونا من أجل الانطلاق والإنعاش الاقتصادي..

مستقبل حكومة الفخفاخ

س ـ كيف تنظرون إلى مستقبل حكومة الفخفاخ التي تشاركون فيها خاصة إثر مستجدات أزمة كورونا؟ 

ـ الحكومة تجتهد وعلى كل الأصعدة في التصدي لهذه الآفة، وهي تواجه هذه الصعوبات على كل  الجبهات، ونحن نتعاطى معها من منطلقات عديدة:

من منطلق إننا نشارك فيها، ولذلك ندفع بها إلى النجاح، خاصة في هذه الظروف الصعبة. وفي نفس الوقت لا نتخلى عن دورنا كمجلس نواب الشعب في الرقابة والتي تتحول في مثل هذه المناسبات إلى نوع من إسداء النصح.

وفي الأنظمة الديمقراطية التي تواجه نفس التحديات، لم تتخل السلطة البرلمانية عن دورها لأن التناصح والتعاون واختلاف الرأي في النظام الديمقراطي أمر ثمين لا بد من استثماره، فضرب الرأي بالرأي والموقف بالموقف هو خير لصالح الوطن بدل الرأي الواحد والموقف الواحد. كورونا لا شك ستكون لها انعكاساتها على كل الأصعدة وفي مقدمتها المجال الصحي والاقتصادي والاجتماعي، والحكومة معنية بأن تتصدى لهذه الجبهات، ونحن نقدرعاليا التحدي ولكن المستحيل ليس تونسيا فشعبنا له من الإرادة والقوة ما يمكنه من تحويل المحن إلى فرص.

القطيعة مع المعارضة

س ـ هل تجاوزتم مرحلة القطيعة والصدام بين نواب حزب “النهضة” وحلفائه في الحكومة مع نواب الحزب الحر الدستوري بزعامة عبير موسي؟

ـ نواب النهضة ليسوا في صدام مع أي من الأحزاب أو الكتل.. نحن نختلف هنا مع البعض ونلتقي هناك مع البعض الآخر.. والمعارضة في البرلمان تشكلها العديد من الكتل، فهناك قلب تونس الكتلة الأولى في المعارضة وائتلاف الكرامة والدستورى الحر.. كل هؤلاء في المعارضة. وثقافة الديمقراطية تقتضي منا وفي أغلب الأوقات أن نستمع لرأي المخالف أكثر من رأي الصديق.

المصالحة الشاملة أولوية وطنية وواجب ديني وقانون الإقصاء كان سيقصي قائد السبسي

ومن المؤسف أن تظهر بعض الأصوات هنا أو هناك تؤسس للإقصاء وتتمسك به وهو ما جاءت الثورة لتجاوزه. فالديمقراطية سفينة تحمل الجميع باختلافهم وتنوعهم وتوفر للجميع الراحة دون تمييز. النظام القديم لما كان يحكم كان المعارض في السجن أو في المهجر.. أما النظام الديمقراطي اليوم فهو يحمي حق الجميع بمن فيهم من لا يزال يمدح القديم أو يحن إليه، وتلك حقيقة الديمقراطية التى اعتبرناها الخيمة التي تتسع للجميع.

نحن نتمثل القول الذي يجعلنا ندافع عن حق المختلف في الوجود وفي التعبير عن رأيه حتى وهو  يختلف معنا في الرؤية والمنهج.. تلك هي قيمنا نستمدها من الإسلام الذي لا يضيق بالاختلاف بل يؤصل له كمبدأ وجودي وممارسة ثقافية. والاختلاف أيضا قيمة من القيم المعاصرة لا تتناقض مع جوهر تراثنا ومقاصده بل تعبر عن الثراء والتنوع.. الربيع لا تصنعه الوردة الواحدة.

المصالحة الوطنية الشاملة

س ـ تقدمتم بمشروع جديد للمصالحة الشاملة يوم انتخابك رئيسا للبرلمان ثم يوم المصادقة على حكومة إلياس الفخفاخ هل من متابعة لهذا المشروع؟ 

ـ المصالحة الوطنية الشاملة ضرورة وقناعة لا بد أن تنجز. إنه موقفنا منذ البداية. وهو موقف يستند إلى استقراء للتاريخ. عندما ننظر إلى الماضي أو نتأمل تجارب الدول حولنا نجد أن ممارسة الإقصاء والاستئصال لا تخلف إلا الخراب والصراعات التي لا تنتهي .

نحن عانينا من الإقصاء لعقود طويلة وذقنا مرارته، ولذلك لا نرضاه لغيرنا ولا يمكنه أن يكون وسيلة بناء. هل يعقل أن يحمل حزب أو جهة ما مشروعا إقصائيا وعندما تسأله ما هو مشروعك يجيبك هو التخلص من هذا الطرف أو إقصاء ذاك؟

أن يوضع التاريخ القديم في سلة واحدة هو حكم غير دقيق وغير موضوعي، ولذلك عارض حزبنا قانون الإقصاء داخل البرلمان، ولو مر يومها لكان من ضمن المقصيين الأستاذ الباجي قائد السبسي رحمه الله .

قلنا ان خيمة الدستور تتسع للجميع. ومن آمن بهذا الدستور فهو قد انخرط في الثورة، فمنطقيا يرفض نظريات العنف الثورى ويشرع للسلم الثوري ومن تبعاته الابتعاد عن الإقصاء ..

نعتقد أن هذه المصالحة لم تنجز إلى حد الآن.. ولذلك دعونا إلى مصالحة شاملة تستوعب العدالة الانتقالية وتنصف المظلومين وهدفها مداواة الجراح وتجاوزها من أجل طَي صفحة الماضي للذهاب بوحدة وطنية إلى بناء المستقبل .

بلادنا تحتاج إلى كل قواها وكفاءاتها، وهذه الكفاءات منها من لا يزال معطلا لغياب المصالحة الشاملة وقد شرعنا في تصور خطة لإنجاز هذا المطلب.

ولكن جائحة كورونا غيرت من الأولويات وسيظل المطلب قائما لأنه من الأولويات الوطنية ومن الواجبات الدينية .ففي ديننا ما يؤكد هذا التوجه ويدعمه، إذ العفو والصفح والتجاوز كلها قيم متأصلة في ديننا وتاريخنا ..

الثورة لم تحقق أهدافها الاجتماعية والاقتصادية

س ـ تواجه تونس صعوبات اقتصادية واجتماعية توشك أن تزداد حدة وخطورة بعد أزمة كورونا، كيف ستتعاملون مع هذه المستجدات؟

ـ حققت تونس نجاحات سياسية كبيرة وهي واضحة في تثبيت قيم الديمقراطية ولكنها لم تنجز نفس المطلوب في الجانب الاقتصادي والاجتماعي وهي مطالب الثورة، فمطلب الشغل ومطلب العدالة الاجتماعية كانا من شعارات الثورة إلى جانب مطلب الحرية، ولذلك اعتبرنا التحدي الأكبر اليوم هو إنجاز القفزة الاقتصادية بإعادة النظر في المنوال التنموي واجتراح مسالك جديدة تستثمر ما لدينا من إمكانيات وتعمل على حسن توظيفها .

الثورة لا تحقق أهدافها مادامت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية لم تتحق داخلها. العالم من حولنا يعيش داخل دولة الرفاه والتي تضمن الضرورات الحياتية وغيرها من الحقوق وأوطاننا لا يزال المواطن داخلها يواجه الفقر والأمية والبطالة، وقد جاءت جائحة كورونا لتكشف عورات في المجالات المختلفة وهي مناسبة لتقييم موضوعي كي نخلص لتجاوز كل النقائص .

منفتحون على المعارضة بكل ألوانها.. في سياق القانون وحكومة الفخفاخ أمام امتحان كبير

هذا الوضع الجديد لا بد أن يواجه بطرق جديدة، فالوسائل القديمة لم تعد كافية ولذلك نحتاج إلى المصارحة والجرأة الاقتصادية والشجاعة . هناك إصلاحات كبرى لا بد من تحقيقها والمنوال التنموي لا بد من مراجعته.. وهناك عدالة بين الجهات والأفراد لا بد أن تنجز.. واقتصاد تضامني لا بد أن يتحقق.

كل هذه الإصلاحات تحتاج إلى موقف وطنى جامع تتوحد حوله كل الأطراف أحزابا ومنظمات. وتونس قادرة على أان تنجز تحولها الاقتصادي العميق بما يحقق تطلعات أبناء شعبنا .

الديبلوماسية البرلمانية

س ـ هل تنوون توظيف الدبلوماسية البرلمانية وشبكة العلاقات العربية والدولية لدعم الحكومة في الحصول على موارد مالية؟ 

ـ نعم، نحن ندعم هذه الحكومة ونوظف كل ما لدينا من إمكانيات وعلاقات من أجل نجاحها، لأن نجاحها هو نجاح لتونس. وقد قمنا بهذا الجهد في أوقات السلم أي في الأوقات العادية فما أدراك وبلادنا تخوض حربا ضد هذا الوباء القاتل .

نجتهد جميعا في دعم الحكومة حتى تواجه المشكلات المستجدة ونتواصل مع كل أصدقائنا وأشقائنا من أجل تحقيق هذا المطلب مع تقديرنا للصعوبات الكبيرة التي تواجه الجميع فكل الدول تعيش تحدي هذا الفيروس وكلها تواجه التحديات الاقتصادية. ولكن حسن علاقاتنا مع الجميع يساعدنا على مواجهة مجمل التحديات ..

بعد 6 أشهر من الانتخابات التونسية وتنصيب قيس سعيد رئيسا للبلاد وراشد الغنوشي رئيسا للبرلمان، وبعد شهرين من تنصيب إلياس الفخفاخ رئيسا للحكومة، برز مجددا في وسائل الإعلام وكواليس السياسة حديث عن خلافات بين “الرؤساء الثلاثة” وبين الأغلبية البرلمانية والسلطة التنفيذية.. فما هي حقيقة هذه الخلافات؟ وما هي ملامح المشهد السياسي الجديد في بلد يعطي دستوره أغلب الصلاحيات للبرلمان ويمنحه نفوذا كبيرا في مراقبة رئاسة الجمهورية والحكومة؟

وكيف سيتفاعل الغنوشي وأنصاره مع معارضيهم داخل البلاد وخارجها بما في ذلك في واشنطن وأوروبا وليبيا والجزائر؟ وكيف يستشرف رئيس حزب النهضة مرحلة ما بعد كورونا وطنيا وإقليميا ودوليا ومستقبل تيار “الإسلام الديمقراطي” والأطراف المحسوبة على “الإسلام السياسي”؟ وماهي رؤيته لتطبيع علاقات حركته مع الدولة ومع العواصم الغربية والإقليمية وعلى رأسها الجزائر؟ وكيف ينظر رئيس البرلمان إلى دور المؤسسة التشريعية مستقبلا وإلى “الديبلوماسية البرلمانية”؟

الإعلامي كمال بن يونس التقى رئيس البرلمان التونسي ورئيس حزب “النهضة” التونسي الشيخ راشد الغنوشي وأجرى معه الحوار الآتي حصريا لـ“عربي21”، الذي قدم الغنوشي في جزئه الأول الذي نشرناه أمس الأثنين رؤية استشرافية لمستقبل تونس والأحزاب السياسية والمنطقة والعالم بعد جائحة كورونا، بينما يقدم في جزئه الثاني والذي ننشره اليوم، قراءة استشرافية لعلاقة “الإسلام الديمقراطي” بمكونات النظام العالمي الجديد..

العلاقات مع أوروبا والدول العربية

س ـ قبل الانتخابات زرتم عددا من البلدان العربية والدولية بينها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا واستقبلتم في البرلمان عددا كبيرا من السفراء بما في ذلك سفراء الجزائر وواشنطن وباريس في تونس.. هل تعتقدون أن تلك البلدان سوف تقدم دعما سياسيا وماديا للتجربة التعددية والديمقراطية التونسية قولا وفعلا؟ 

ـ نعم هذه الدول تقف إلى جانب تونس فبلدنا يتمتع بسمعة طيبة وعلاقاته جيدة مع الأشقاء والأصدقاء.

وقد ازدادت هذه السمعة نصاعة بفضل التجربة الديمقراطية التي تظل الشمعة المضيئة الوحيدة في واقع إقليمي مضطرب تتقاذفه الأمواج وتسيل فيه الدماء في كل الاتجاهات ولذلك نجد الدعم من الجميع. وقد لمسنا هذا الدعم يوم كنّا نخوض الحرب ضد الإرهاب وهي حرب شرسة ومكلفة.

ثقتنا في الجميع كبيرة وقد بدأت الإعلانات عن هذا الدعم تأتي من المنظمات الدولية والإقليمية لنا ولغيرنا كمنظمة الصحة العالمية ومنظمات التعاون الإسلامي وكذلك منظمات الاتحاد الإفريقي. والدعم الثنائي لن يتأخر تجاه تونس، فالاستثمار في الديمقراطية هو أفضل الاستثمارات لأنه يجنبنا الصراعات والحروب ويدفع إلى التنمية العادلة والمتوازنة.

الإسلام الديمقراطي.. والإرهاب

س ـ هل اقتنعت تلك الدول بأن حزبكم حركة “النهضة” يختلف عن الجماعات الإسلامية المتشددة والمليشيات المسلحة مثل القاعدة وتنظيم الدولة وأنها تبنت مدنية الدولة وعلوية الدستور والقانون؟ وهل اقتنعت معارضتكم في الداخل بعمق التحولات داخلكم؟ 

ـ الجميع يعلم أن حزبنا حزب مدني يؤمن بالدولة ويشتغل في إطار القوانين منذ تأسيسه. ومن كان مترددا في القناعة فقد جاءت الممارسة لتثبت له ذلك.

حكومتنا صنفت “أنصار الشريعة” منظمة إرهابية وثقافة التعدد واحترام الاختلاف خيار مبدئي

قولك بأننا نؤمن بالقانون والدستور يجعلني أقف عند هذه النقطة فنحن لا نؤمن بالدستور فقط بل نحن شاركنا في كتابته. وكنا الكتلة الأكبر يوم صياغته وقد تم التنصيص على مدنية الدولة وعلوية القانون. ومثل هذه القناعات والممارسات تجعلنا في اختلاف جوهري وفي قطيعة مع التيارات التي ذكرتها. وأذكر هنا أنه في أيام حكم “النهضة” وقع تصنيف أنصار الشريعة منظمة إرهابية.

“النهضة” تصنف نفسها ضمن ما أطلقنا عليه تسمية “الإسلام الديمقراطي”، وهو تيار يؤمن بأن الديمقراطية في توافق مع الإسلام..

الشورى ليست نقيضا للديمقراطية

س ـ ماذا تقصدون بـ”بالإسلام الديمقراطي”؟

ـ الديمقراطية أُسلوب حكم ونظام تسيير للشأن العام وقد شهدت كمفهوم وكتجربة تحولات كبيرة منذ اليونان إلى اليوم. ونحن إذ نأخذ بها كمجهود راكمته التجارب الإنسانية حتى استقرت في شكلها المعاصر ومن أهم ما يميزها عن غيرها من الأنظمة أنها تضمن مكانة للمختلف وتحفظ له حقوقه وهي أيضا تداول سلمي على الحكم والمحدد، والحكم الإسلامي الديمقراطي يعني أن الشعب هو الذي يختار بإرادة حرة من يريد ويسحب منه الثقة متى شاء.

هذه الديمقراطية التي نأخذ بها لها أيضا أبعادها الاجتماعية، ونحن نؤكد على بعدها الاجتماعي حتى لا تظل مجرد آلية جوفاء. كل ذلك يترسخ عبر ثقافة التعدد والديمقراطية التي تعني ثقافة الاختلاف.

وعندما نظرنا إلى مقاصد الإسلام وقيمه وجدنا أنها تلتقي مع هذه الطريقة في إدارة الشأن العام، فالشورى ليست في خلاف مع الديمقراطية بل هما وجهان لعملة واحدة.

لذلك نختلف جوهريا عن الحركات التي لا تؤمن بالديمقراطية. وبمجرد القول بأنك مسلم ديمقراطي اختلفت عن كل تيارت العنف والإرهاب التي لا تؤمن بقوامة الشعب وبحقه في اختيار من يحكمه.

تيار الإسلام الديمقراطي من الممكن اعتباره تيار “ما بعد الإسلام السياسي”. فقد نشأت التيارات الإسلامية كغيرها من التيارات في فضاء الأنظمة الشمولية. لكن هذا السياق حكم على هذه الأنظمة بالنهاية وساعد في بروز الإسلام الديمقراطي الذي نعتقد أنه الأقرب إلى روح العصر وقيمه.

وما يمكن ملاحظته أن التيار الإسلامي أكثر قدرة على التجدد من التيارت التقليدية في العالم العربي خاصة التيار القومي واليساري والعلماني، فهذه التيارات لم تجدد نفسها وبقيت سجينة التصورات التقليدية. وقد وضعتها الثورة في اختبار خاصة في قيم المعاصرة والديمقراطية.

والسياسي لا يمكنه أن يكون مرة ديمقراطيا وأخرى استبداديا. لكننا رأينا ممثلين عن مثل هذه التيارات تبرر الديكتاتورية على حساب الديمقراطية والحكم العسكري على حساب المدني.

ولذلك نحن نسجل بارتياح التطورات التي حصلت في حزبنا ولا زال جهد التطوير قائما وسوف نواصله فالذي لا يتطور يتراجع والكائنات الحية هي بطبيعتها في تطور دائم.

تنسيق مع الجزائر حول ليبيا

س ـ تطور الأوضاع في ليبيا يؤثر كثيرا في تونس ودول الجوار الليبي وبينها الجزائر ومصر. هل سيعمل البرلمان التونسي على إحياء المبادرة التونسية الجزائرية المصرية وغيرها من المبادرات الإقليمية الخاصة بالملف الليبي؟ 

ـ الأحداث تتسارع وكنا نتمنى أن تواجه ليبيا الشقيقة جائحة كورونا موحدة. الوضع في ليبيا تتقاذفه الأجندات الدولية والإقليمية ولو كانت كل القوى تعمل بجهد حقيقي من أجل فرض الحل السياسي لتحقق ذلك.

تعلم أن علاقة تونس بليبيا علاقة عميقة وأساسية، فثلث الشعب الليبي يقيم تقريبا في تونس بين سائح وزائر ومقيم.. ونحن نرحب بإخوتنا في أرضنا وتونس تعمل من منطلقات عديدة إلى التوصل إلى الحل النهائي والذي لن يكون إلا سياسيا.

نحن لا نريد أن نعمق الخلاف بين الليبيين وإنما نلتقي بهم ونقدّم النصيحة المطلوبة والتي مفادها أن الحل لن يكون إلا ليبيا ولن يكون إلا سياسيا.

أما عن التنسيق مع دول الجوار الليبي فنحن في تواصل مع الأشقاء في الجزائر وهناك تطابق في الرؤية وندفع إلى تبني الحل المقترح من دول الجوار الليبي، والذي لا يتعارض بدوره مع ما انتهت إليه المؤسسات الدولية.

من المقرر أن يستضيف البرلمان التونسي جلسة لمجلس الشورى المغاربي سيحضرها رؤساء البرلمانات ومن بين بنود جدول الأعمال الوضع الليبي. وقد تأجل هذا الاجتماع جراء حالة كورونا.

نحن اليوم نراقب عن كثب تطورات الوضع الليبي ونعتقد أن الشعب الليبي والدولة الليبية في حاجة إلى المساعدة من أجل إنهاء الخلاف. نحن متفائلون بمستقبل ليبيا ومستقبل العلاقات الاستراتيجية التي لنا معها.

البرلمانات الإسلامية والعربية

س ـ شاركتم في مؤتمر اتحاد البرلمانات الإسلامية والعربية ثم استقبلتم رئيس الاتحاد العربي عاطف الطراونه في تونس. كيف تنظرون إلى تفعيل دور هذه المؤسسات الإقليمية؟

ـ ذهبنا إلى بوركينافاسو للمشاركة في اتحاد البرلمانات الإسلامية الذي يضم 54 دولة إيمانا منا بدور البرلمانات في خدمة الشعوب فلا أحد يستطيع أن ينكر ما يضطلع به البرلمان الأوروبي أو الأمريكي اللاتيني وبقية البرلمانات الإقليمية.

ونحن على ثقة بأن تدفع هذه البرلمانات نحو الاستقرار والتنمية. وقد فازت تونس برئاسة الدورة القادمة لاتحاد البرلمانات الإسلامية. كما أنها سوف تترأس اتحاد البرلمان العربي، بما سوف يساعد على إضفاء حراك فعلي على هذه المؤسسات.

نعتقد أن البرلمانات صوت الشعوب وهي أقرب إلى نبض الشارع وقد أثبتت العديد من هذه المؤسسات دورها في معاضدة جهد الحكومات أمام جائحة كورونا. على البرلمانات أن تنجز من المقترحات والتشريعات والاتفاقيات وتبتدع من المبادرات ما يقرب الشعوب العربية والإسلامية على كل الأصعدة.

علينا أن نقترب أكثر من التعاون الاقتصادي والثقافي والتشريعي ونزيد من تبادل الخبرات في كل المجالات وهي كلها مشاريع سنعمل على المضي فيها قدما. شعوبنا تتطلع إلى مزيد من التقارب والتعاون وعلينا أن نمهد لكل ذلك ونعمل على إنجاز المطلوب.

نحن ممتلئون قناعة بأن هذه الأزمة الوبائية ستمر جارفة معها كثيرا من الحطام وعاصفة بكثير من الأنظمة والأفكار والقيم المعطلة لمسيرة البشرية صوب عالم أكثر عدالة وأكثر حرية وأكثر إنسانية، فغالبا ما تتشكل الأهداف النفيسة في خضم الأمواج العاتية المتلاطمة.

بعد نصف عام من الانتخابات

س ـ كيف تقيمون اداء البرلمان التونسي بعد نصف عام من الانتخابات العامة وتنصيب مكتبه الجديد؟

ـ عملنا في البرلمان يتقدم بصورة جيدة ومتزنة وقد حققنا خلال هذه المدة الوجيزة العديد من الإنجازات بالرغم من الصعوبات التي واجهتنا بدءا من تأخر موعد تشكيل الأغلبية الحكومية، وهو ما انعكس على المجال التشريعى. وقد كان لزاما علينا أن ننتظر تشكل هذه الأغلبية حتى يكون التسريع في الإنجاز التشريعي .

ولكن وبمجرد أن تمت المصادقة على الحكومة داهمتنا جائحة كورونا وهو ما جعل كل الجهد يتوجه في هذا الاتجاه. حاولنا أن نتقدم رغم كل الصعوبات في الإنجاز فقد تمكن البرلمان من المصادقة على الحكومة التى نالت الثقة بعد  حوارات كبيرة واختلافات أكبر. لكننا جنبنا البلاد الذهاب إلى المجهول . كما صادق البرلمان على ميزانية 2020 .

ويتزامن الجهد التشريعي مع تحركنا لتحقيق الاستقلالية الإدارية والمالية للمجلس. ونعتقد أن ذلك ضروري جدا ولا بد من تحقيقه. فالبرلمان سلطة أصلية ومهامه كبيرة في نظام برلماني معدل .

وحتى تتحقق تلك المهام لا بد من توفير وسائل نجاحها. إلى جانب ذلك قمنا بنشر مدونة الجلسات العامة التي عقدت أثناء مناقشة الدستور وهي وثيقة هامة لأنها جزء من الذاكرة الوطنية ومرجع من المراجع التى تساعد على التأويل عند قراءة الدستور وباب يفتح أمام الدارسين ورجال القانون.

في نفس الوقت فعلنا الدبلوماسية البرلمانية. ومن المؤكد أن البرلمان ورغم هذه الإنجازات يحتاج إلى المزيد من الجهد والتنظيم والعطاء. وقد لمسنا ذلك أمام جائحة كورونا، فقد تم التفاعل مع المستجدات منذ اللحظات الأولى ونبهنا السلطة التشريعية منذ جلسة 16 آذار (مارس) الماضي إلى ضرورة الذهاب إلى الأقصى من أجل الحماية والتوقي بإغلاق الحدود والحجر الشامل. وكذلك تم تكوين خلية الأزمة. ونحن كما ترون نمارس أعمالنا عن بعد عن طريق العمل الإلكتروني .

وقد نجح البرلمان في ذلك وهو أمر سيسجل في تاريخ تونس المعاصرة. فنحن من البرلمانات النادرة التى تعمل دون انقطاع عن بعد وهو بعد مجازي لأننا في الحقيقة ندير الحوار عن طريق الوسائط الافتراضية .

بلادنا في حالة حرب ونحن جنود من أجل عزة شعبنا ومناعته. وعملنا يجب أن لا ينقطع. ففي حالة الحرب الكل ينجز المهام الموكولة إليه وعلى أحسن وجه وأفضل من الزمن العادي حتى ننتصر.