المصالحة بين طهران والرياض :

خطوة لوقف ” الحروب بالوكالة ” في سوريا والخليج

++ التقارب بين ايران والصين وروسيا والهند مهد للاتفاق

بقلم كمال بن يونس

نجح مسار المصالحة بين الرياض وطهران بعد سنوات من ” الوساطات ” والمساعي التي بذلتها عواصم عديدة كان من بينها بغداد والكويت ومسقط وموسكو وبيكين ..

وجلب الإعلان عن التطبيع الشامل بين السلطات السعودية والإيرانية لأنه صدر من العاصمة الصينية بحضور رئيس الصين ونخبة من كبار المسؤولين الإيرانيين والسعوديين والصينيين..

** تسارعت ردود الفعل على هذا الإعلان .. فيما ذهبت بعض التعليقات ” المتسرعة ” إلى اعتبار ما جرى ” مفاجأة ” و”صفعة” وجهتها القيادة الصينية الى واشنطن وحلفائها الغربيين وإلى الحكومة اليمينية المتطرفة الجديدة في إسرائيل ، التي عادت إلى التلويح بشن حرب أو غارات واسعة ضد عشرات الأهداف الصناعية والعسكرية والنووية الإيرانية ..(؟)

نعم ولكن ..

ولا شك أن اختيار القيادتين الإيرانية والسعودية الإعلان عن المصالحة من بيكين تضمن رسائل سياسية عديدة موجهة إلى الإدارة الامريكية وقيادات الحلف الأطلسي والى تل أبيب وحلفائها ..

ولعل أبرز تلك الرسائل الإعلان عن وجود إرادة سياسية جديدة لدى عدد من دول العالم ، بما فيها السعودية ، التي أصبحت تسعى إلى تنويع علاقاتها الدولية والقطع مع مرحلة ” التبعية إلى شريك واحد “، بما في ذلك واشنطن ..وإلى عدم اهدار ثرواتها في التسلح ، حتى تنجح في توفير الموارد المالية اللازمة لإنجاز ” استراتيجية التنمية 2030″..

يحدث هذا وقد أصبح العملاق الاقتصادي الصيني قوة سياسية عسكرية دولية “عملاقة” لا تخفي تقاربها مع موسكو ونيودلهي ومع خصوم واشنطن .. كما طورت الصين علاقاتها الاقتصادية والديبلوماسية مع روسيا والهند والباكستان وايران ودولا اسيوية أخرى داخل ” منتدى منظمة شانغهاي ” الذي تأسس في 2001 وتطور في الأعوام القليلة الماضية إلى واحد من أكبر التجمعات البشرية والسياسية العالمية ..

بعد حرب أوكرانيا

ومنذ تفجير الحرب الروسية الأطلسية في أوكرانيا في فيفري 2022 ازداد ” انحياز” الصين وايران وبعض حلفائهما الى روسيا ضد واشنطن وكييف وشركائهما الاوربيين والدوليين ..

من جهة أخرى تسببت ” الضغوطات الامريكية والغربية ” على الرياض بعد حادثة الصحفي السعودي جمال خاشقجي في تطوير سريع في علاقات بيكين وموسكو وحلفائهما مع السلطات السعودية ..وساهم هذا المعطى في انجاز مصالحة بين السعودية وحلفائها الخليجيين مع كل من قطر وتركيا ..بهد ف ” اجهاض شعارات احداث تغيير داخل النظام السعودي ثم في كامل الممالك والدكتاتوريات العربية وتركيا “..

في هذا السياق يفسر تعاقب تبادل الزيارات بين كبار المسؤولين الاماراتيين والسعوديين والخليجيين والأتراك والمصريين والإيرانيين والسورييين والعراقيين والصينين والروس ..

وتشكل عمليا ” قطب شرقي ” تتزعمه الصين وروسيا وايران وتركيا بدأ يدفع في اتجاه ” المصالحة الشاملة مع سوريا و” إيقاف ” الحروب بالوكالة ” التي تشهدها عدة دول في المنطقة منذ 2011 ، وبصفة أخص سوريا واليمن والعراق وليبيا ..فضلا عن ” حروب الاستنزاف الباردة ” التي وقع تفجيرها في بقية ” بلدان الثورات العربية ” مثل مصر وتونس ..

صواريخ ايران ضد السعودية والامارات

ولا يخفى أن تعاقب حوادث استهداف مواقع سياسية سيادية وأخرى نفطية سعودية واماراتية ، بعضها تابع للعملاق أرامكو في 2019 ، شجع السلطات الإماراتية والسعودية على التطبيع مع ايران ..

ارادت أبو ظبي والرياض وبقية قادة المنطقة ” سحب البساط ” من الأطراف التي تشجع الازمات الإقليمية لتبرير فرض صفقات عسكرية جديدة ..

وتبين أن الدفع نحو ” تعديل ” مواقف السعودية والامارات كان بتشجيع من الصين وروسيا وتركيا ودول أخرى بعد أن امتنعت واشنطن عن التورط في ” توجيه ضربات عسكرية نوعية ضد ايران ” ورفضت السماح لإسرائيل بالقيام بذلك .

وفسر الامريكان موقفهم بحرصهم على تجنب ” توسيع رقعة الحرب ” والاعتراض على “اندلاع حرب استنزاف شاملة في المنطقة ” ، لأن ايران لديها قوات موالية لها في اليمن والعراق وسوريا وفلسطين ولبنان وفي عدة دول افريقية واسيوية ..فضلا عن نجاحها في ابرام اتفاقات ” استراتيجية ” مع بعض دول أمريكا اللاتنية مثل فينزويلا ..

اتفاق جزئي ؟

لكن هل ينبغي التفاؤل كثيرا بنتائج المصالحة السعودية الإيرانية وخطوة إعادة تبادل السفراء ؟

أم ينبغي تنسيب الأمور وتجنب التهويل ؟

التقديرات متباينة ..

المتفائلون يرجحون أن يساهم هذا التقارب ، الذي ترعاه بيكين ، في تجميد التناقضات القديمة بين طهران والرياض وحلفائهما .

كما يتوقعون ترفيعا جديدا في مستوى الشراكة الاقتصادية وقيمة المبادلات والتعاون بين الدول الخليجية العربية وكل من ايران واليمن والعراق سوريا ..مقابل تخفيض ايران والامارات والسعودية وكل دول المنطقة دعمها للمجموعات المسلحة في اليمن ولبعض الميليشيات المؤثرة ميدانيا في العراق وسوريا ولبنان وفسلطين وليبيا ..

وستستفيد ايران من هذه المصالحة لأن معارضيها داخل البلاد وخارجها لن يجدوا دعما إعلاميا وسياسيا وعسكريا من العواصم العربية الخليجية ..

كما ستستفيد السعودية والبحرين والامارات وبقية دول المنطقة من تخفيض الدعم الإعلامي والسياسي والعسكري الذي تقدمه طهران الى حلفائها خارج حدودها ، والذين اصبحوا ” الرقم الصعب” الذي أزعج عددا من قادة المنطقة والعالم ..وبصفة أخص في البلدان التي تعتبرها الرياض ودول مجلس التعاون الخليجي ” جزءا من أمنها القومي “”..

السفارات ..والاف الرحلات الجوية شهريا

يذكر أن ” غلق السفارات السعودية الخليجية ” في ايران كان صوريا خلال الأعوام السبعة الماضية ..فقد وقع تخفيض التمثيل دون غلق السفارات والقنصليات ..

صحيح أنه وقع تخفيض مستوى رؤساء الوفود ..لكن الديبلوماسيين والموظفين في السفارات الخليجية ظلوا في مواقعهم في طهران وبقية المدن الإيرانية ..

في نفس الوقت كانت المطارات الإيرانية تستقبل شهريا الاف الرحلات الجوية المباشرة من المطارات الخليجية وبصفة اخص من مطارات دولة الامارات العربية المتحدة التي تستضيف لوحدها نحو 150 مستثمر إيراني لديهم مشاريع عملاقة في دول الخليج وفي العالم أجمع ، بما فيها البحرين والكويت والسعودية والعراق واوريا وامريكا والصين ..

اذن فان لغة المصالح تنتصر ..

فعسى أن يكتب لشعوب اليمن والعراق وسوريا ولبنان أن تفرح ب” المصالحة ” بين كبار صناع القرار في المنطقة والعالم ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *