تاريخيا، تأسست منظمة الأمم المتحدة إثر الحرب العالمية الثانية عام 1945 بتوقيع 51 دولة وهي الآن تضم 193 عضوا.
فقامت المنظمة على أساس الأهداف التالية: تأمين العدالة والسلم. – التنمية البشرية والاقتصادية. – المساواة الاجتماعية. – القيمة الإنسانية والحقوق والحريات؟ – الأمن والاستقرار.

أما الوظيفة التي تعهدت منظمة الأمم المتحدة النهوض بها من خلال الهيآت والمواثيق والآليات، فهي إدارتها للكفاح العالمي من أجل: – التنمية الشاملة – مقاومة الأوبئة والآفات – تدهور البيئة – التغيرات المناخية – مكافحة التصحّر – مكافحة الحروب التجارية – مكافحة المنافسة على السلطة بالانقلابات…
وفيما يتعلق بالحوكمة، فهي تتمثل في تلكم الآليات القائمة على حسن إدارة المشكلات متعددة الأبعاد والمستعصية، إذ أن تلكم الأزمات تخدم سياسات هيمنة مجلس الأمن الحارس مبدئيا لأسباب السلم والأمن مجسما بالدرجة الأولى في الأعضاء الخمسة دائمي العضوية وهم من المنتصرين في الحرب العالمية الثانية وبموجب اتفاقية يالطا وأضيفت إليهم قوى وازنة آنذاك، والمهم أنهم في مجموعهم قوى كبرى وازنة اقتصاديا. (الصين – روسيا – انقلترا – فرنسا – أمريكا) وكلّهم أطماع ومصالح، ولا عجب.
بينما نرى كيانات ومكونات دولية أخرى وازنة مثل منظمات إقليمية وغيرها كمنظمة التعاون الإسلامي التي تشكل ثلث سكان العالم وتضم 57 عضوا لا مكانة أو تمثيل لها في هذه الهيئة المحورية. فتلك “الهندسة ” غير المتكافئة ولا المواكبة لتطورات العالم ما بعد 1945، فلم تعد تعكس التعدية الثقافية والتعددية القطبية لأجل ضمان سلام عالمي أكثر ديمومة وتحقيقا لأهداف الأمم المتحدة ذاتها.
وعليه فإن الحوكمة العالمية الفعالة والناجعة تمر بالضرورة عبر “الإصلاح” أي إعادة هيكلة المجلس والرجوع إلى مقاصد مواثيق حقوق الإنسان والشعوب والكيانات حتى لا تفقد المنظمة برمتها سمعتها ومكانتها أكثر مما فقدتها وخاصة في ظل اهتراءات الأزمات الفادحة التالية:
– انتشار العنف والفتن في دوامة الإرهاب الدولي – تفاقم الهجرة اليائسة واللاجئين الفارين من النزاعات والانتهاكات والعوز مثل الحروب البيئية والحروب الأهلية والأزمات الاقتصادية والتدهور البيئي والمناخي والصحي وغير ذلك… وما ينجر عنها من الضغوطات الاجتماعية الحادة كالتهميش والعنصرية والهشاشة والبطالة والفقر والجوع والانحراف والجريمة.
وهل يغض العالم الطرف عن … فلسطين، القضية والحق والمأساة والمظلمة والعار؟
ثم هل نغفل عن رؤية حقيقية صارخة أخرى ألا وهي أن مجلس الأمن الدولي نفسه لا تعود إليه سلطة الموقف والقرار الا بمقدار ما يناسب مصالح القوى المتحكمة فيه ؟ ومثاله الفاضح الحرب على العراق بتهمة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، رغم أنف المنتظم الأممي.
الآفات والبعد المستقبلي
خارطة طريق شاملة، أركانها هي التالية :
• تسوية الصراعات والحروب والمعاداة والهيمنات. ● تصفية الاستعمار والاختراق والاستغلال وترتيب العلاقات الدولية على أساس المشترك ومبدأ الاحترام المتبادل. ● تشبيك اقتصاد عالمي أكثر عدلا. ● بناء التعددية بأكثر فاعلية وديمقراطية وشفافية وخاضعة للمساءلة والمراقبة. ● تعزيز الضمير والتعاون المشترك للمجتمع الدولي من أجل خدمة السلام والعدالة والتضامن والرفاهية للبشرية والاستقرار والأمن العالمي. ● إعادة هيكلة مجلس الأمن يكون متعدد الأطراف. ● إلغاء امتياز حق النقض – الفيتو!
استتباعات
على سبيل الأمثلة التطبيقية لما تم بسطه آنفا لننظر في حال “دول القارة الإفريقية” ومكانتها وثرواتها ونتساءل لماذا لم تتجه بأجمعها إلى حد الآن نحو الحرية والديمقراطية وتحقيق الاكتفاء والمناعة والتقدم والرقي الاجتماعي ثم ننظر بالتحديد في حال بلدنا تونس التي كانت مؤهلة قبل زهاء قرنين للمضي على درب إلغاء الحكم المطلق ومن أجل بناء الحرية والديمقراطية (منذ تجربة دستور عهد الأمان 1861 الذي دام العمل به ثلاث سنوات فقط أي قبل انتصاب الاستعمار بـ20 سنة ثم ما لبث أن تم احباطه بمؤامرة خارجية مفضوحة 1864).
ثم ومن أجل سد الفراغ الذي خلفه الاستعمار بعد 75 عاما من الاحتلال المباشر (1881 – 1956) وإثر الاستقلال المغشوش تجددت المحاولة لخلق أمة وسط وتوفير العدالة للنهوض بالبلاد كحلم منشود وذلك خلال عشرية الستينات (1960 – 1970) ولكن كانت المؤمرة المفتعلة والتراجع الكلي بمؤامرة خارجية اعتباطا من النجاح رهن التحقيق والرجوع إلى المجتمع الرأسمالي الأناني والمجحف.
ويدوم الزمن دورته بعد 150 سنة من مشروع النهوض الوطني القديم فيتم مجددا افتكاك الحرية والكرامة والديمقراطية (ثورة الربيع العربي 2011) بدستور 2014، غير أن تعطيل المسار كان كالعادة في الموعد بأوامر خراجية رأس حربة الثورة المضادة منذ بداية الثورة الى حين المنعرج الخطير بنوايا الانقلاب على الدستور (منظومة 25 جويلية 2021) وما ألحقتها من أضرار فادحة.
هكذا عانت البلاد دون هوادة وعلى العموم في غفلة بل تغييب لِوَعْي أوسع الجماهير من انتهاك السيادة بالغزو الفكري والإعلامي والثقافي واللغوي زيادة على الأمني والاقتصادي بإعلاء راية العلمانية المتكلسة وتغذية النزاعات البائدة أو الخامدة وتصفية الوطنيين الخلّص والعلماء الكمّل وضرب الأخوة المتأصلة بافتعال الإرهاب الوظيفي والشقاق بأصنافه، كما عانت البلاد التبعات الضارة لتهميش التربية الدينية والأخلاقية المستنيرة الأصيلة وخنقها ومحاصرتها وتهميشها وتقزيمها لصالح العلمانية المناهضة للدين والمناولة لاحترام الذاتية الوطنية والمؤدية للانحلال الأخلاقي عبر تفكيك المؤسسات البنيوية للمجتمع كالأسرة وعناصر القدوة والمرجعية الجماعية.
إن علينا أن نفتح بصائرنا ونقر إقرار ذوي الوعي والعزم بأننا كثيرا ما أضعنا الفرص جراء توالي سياقات التبعية وقبضة مخالبها، وهي العامل الأصلي في تفاقم السوء وتدهور الأوضاع وفي تأخرنا وارتجاجنا، ارتجاجا سببه اختراق الاستعمار الفرنسي (عضو دائم بمجلس الأمن) وعمالة الدولة العميقة التابعة له حين اشترط أخيرا وليس آخرا بأن يكون النظام السياسي للبلاد برمته برأس واحد للتحكم فيه واستدامة ضمان نهب ثروات البلاد.
وخلاصة القول
“تلك أمانِيُّهُمْ” … فتونس ذات الحضارات الضاربة جذورها وثمارها في أعماق الزمن والمكان من عشرات آلاف السنين، لن تباد منارتها بإذن مولاها الحيّ القيّوم، نعم، رغم توالي المحن والإحن، تظلّ هذه الأرض معطاءً متجددة ومستوعبة متغذية بكل من رام افتراسها.
فإن ربوع هذه البلاد تحتضن في كل مكان منها أبلغ الشواهد على أصالتها… خذ مثلا موقع “اللاس بالسرس بولاية الكاف” الذي يضم ثلاث قبور جلمودية عظيمة لأجدادنا القدماء وهي سابقة لحضارة قرطاج ذاتها.. أو التف إن شئت إلى موقع “الڨطار بولاية قفصة ” الذي ضم ما هو اليوم محفوظ بالمتحف الوطني العالمي بباردو ألا وهو بإجماع علماء الأنتروبولوجيا: أقدم شاهد محسوس مادي في العالم أجمع وقائم إلى اليوم على إيمان النوع الإنساني بعقيدة الحياة بعد الموت!
فأخيرا ليس آخرا، سوف تمثل المناسبة التالية التي سنحتفي بها قريبا أكبر تأكيد على ان حضارتها متواصلة الحلقات، وأنها باقية رغم الأدواء والأعداد، ونشير بذلك إلى مرور 1400 عام كاملة على تجدد استنارة هذه الربوع انطلاقا من ” المدينة الإسلامية عاصمة القيروان” بمبادئ تطلع الإنسان إلى العدل والحق والكرامة ممثلة بأنوار الإسلام الحنيف.
تلك هي تونس الحضارات، وإن الأمل قائم بإذن الله تعالى في عزم وثبات نحو: * ترسيخ الحرية والحقوق والكرامة والديمقراطية * انهاء وتصفية السياقات التبعية للاستعمار * إحياء مجدنا وحضورنا بين الأمم المتقدمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *