ميرال عابدي

تلقت روسيا منذ إعلانها الحرب على أوكرانيا في ال24 من فيفري الماضي, اتهامات عديدة باستخدام أسلحة محظورة دوليا داخل المدن الأوكرانية.

فقد اتهمت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، الجانب الروسي “باستخدام القنابل الفراغية، وعلقت في كلمة لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة قائلة: “لقد شاهدنا مقاطع فيديو للقوات المسلحة الروسية وهي تجلب أسلحة فتاكة غير معتادة إلى أوكرانيا، ينبغي ألا تكون متواجدة في ساحة المعركة، وتشمل هذه الأسلحة الذخائر العنقودية والقنابل الفراغية، المحظورة بموجب اتفاقية جنيف“.

وهذا النوع من القنابل مثير للجدل لأنه أكثر تدميرا من المتفجرات التقليدية ذات الحجم المماثل، وله تأثير رهيب على أي شخص يقع في دائرة التفجير الذي يحدثه  كما تمت الإشارة إلى استخدام أسلحة الباريوم الحراري، وهي أسلحة مدمرة للغاية وتفتقر للدقة. .
كما اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” روسيا باستخدام النوع نفسه من الذخائر العنقودية المحظورة، التي استخدمتها في محافظة إدلب السورية قبل عامين.
و يستحضر الهجوم الروسي على أوكرانيا لدى البعض صور الحرب السورية  ويثير مخاوف من حرب كاسحة، مع مشاهد القصف المكثف والمدمّر والاتهامات بارتكاب «جرائم حرب» واستخدام أسلحة محظورة.
 الحرب على أوكرانيا تعيد للأذهان ما حدث بسوريا.. 

أعادت الحرب الروسية على أوكرانيا للذاكرة مشاهد وصوراً لما حلّ بالمدن السورية جراء العمليات التي شنتها روسيا هناك دعماً لنظام بشار الأسد منذ العام 2015.

حلب السورية المدينة اللتي حولها القصف الروسي في 2016 إلى رماد، تعود اليوم إلى الذاكرة، رغم اختلاف السياق.

فقد قال تشارلز ليستر، خبير الشؤون السورية في معهد الشرق الأوسط، في تغريدة مرفقة بصور خاركيف التي تعرضت للقصف «كما لو أنها حلب من جديد».

هذه الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا اليوم تتشابه فيها أساليب الهجوم مع الأساليب التي شنها الجيش الروسي ضد فصائل المعارضة السورية لنظام الأسد، ويبرز التشابه بين ما يجري في أوكرانيا وسوريا بشكل رئيسي في 4 جوانب رئيسية.

استخدام الأسلحة الثقيلة بعضها محظور

استخدمت روسيا في أوكرانيا عدداً من الأسلحة الثقيلة في قصفها للمدن، وبعضها استخدمتها موسكو في عملياتها العسكرية بسوريا.

السلاح الأخطر والأبرز الذي تستخدمه روسيا في أوكرانيا، القنابل العنقودية، وهو نفس السلاح الذي ضرب به الجيش الروسي أحياء شرق حلب في العام 2016، بعدما حُوصر المدنيون هناك إلى جانب مقاتلين من فصائل المعارضة، إضافة إلى استخدام هذه القنابل ضد مناطق في حمص وإدلب وحماه.

تأكيد استخدام روسيا للقنابل العنقودية في أوكرانيا، جاء على لسان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج، الجمعة 4 مارس 2022، الذي قال في تصريح للصحفيين: “رصدنا استخدام قنابل عنقودية ونرى تقارير عن استخدام أنواع أخرى من الأسلحة، وهو ما يمثل انتهاكاً للقانون الدولي”.

العديد من مقاطع الفيديو التي تم التأكد من صحتها، أظهرت استخدام روسيا للقنابل العنقودية المُحرمة دولياً في مناطق عدة بأوكرانيا، من بينها مدينة خاركيف.

تُعرف الذخائر العنقودية بالأضرار العشوائية ومعدلات الوفيات المرتفعة التي تسببها في المناطق المدنية، وهذا النوع من القنابل المستخدم في أوكرانيا وسوريا ينفجر في الجو، وينشر عشرات القنابل الصغيرة على مساحة بحجم ملعب كرة قدم، وفقاً لما ذكرته منظمة “هيومن رايتس ووتش“.

إلى جانب القنابل، تستخدم روسيا طائراتها الحديثة من طراز سوخوي في ضرب مواقع أوكرانية، وكان سلاح الجو الروسي أحد أبرز الأسباب التي أدت لتراجع المعارضة السورية لصالح نظام الأسد.

إحدى الطائرات الروسية التي سقطت في مدينة تشيرنهيف بأوكرانيا، ونشرت صورتها وكالة رويترز، من طراز سوخوي 24، ويحمل ذيل الطائرة رقم 24 أيضاً، وهو نفس رقم الطائرة ونوعها، التي ظهرت في أحد التقارير التي أعدتها قناة “روسيا اليوم” من قاعدة حميميم الروسية في سوريا.

الصورة اليمين لطائرة سوخوي تحمل الرقم 24 في قاعدة حميميم بسوريا، والصورة اليسار لطائرة روسية أسقطتها أوكرانيا وتحمل نفس الرقم – روسيا اليوم – ورويترز

تشابه مشاهد الدمار في المدن

أكثر ما يلفت في مشاهد الحرب الروسية على أوكرانيا، شكل الأحياء والمناطق الأوكرانية التي شهدت عمليات قصف ومواجهات، والتي باتت تشبه إلى حد كبير أحياء ومناطق سورية شاركت روسيا بقصفها وفي الهجوم بالقوات عليها.

العديد من مقاطع الفيديو التي نشرتها وسائل إعلام أوكرانية وغربية، كشفت آثار الدمار وأظهرت مبان مدمرة وأحياء تغيَّر شكلها من شدة القصف، ومنازل تحترق، وشوارع امتلأت بآثار سقوط الصواريخ والمدافع عليها.

نار ورماد ... لقطات تنشر لأول مرة تظهر حجم الدمار على إحدى المدن الأوكرانية - كايرو بريس

المحاربون الجرحى في أوكرانيا — IRIN

هروب المدنيين من القصف

الهجوم الروسي على عدد من المدن الأوكرانية إلى جانب المواجهات، تسبب في مغادرة أعداد كبيرة من الأوكرانيين لمنازلهم خوفاً من الموت، وبحسب آخر تقدير للأمم المتحدة، الثلاثاء 8 مارس 2022، فإن ما لا يقل عن مليوني أوكراني أصبحوا لاجئين منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا.

مشاهد المدنيين الأوكرانيين الفارين من مدنهم، تشبه إلى حد كبير مشاهد فرار السوريين من القصف الذي كانت تشنه الطائرات الروسية والأخرى التابعة لنظام الأسد، كما أن الشيء المشترك في مشاهد الحرب على أوكرانيا وفي سوريا، حصار المناطق واستهدافها.

الصورة في الأعلى لهروب مدنيين في مدينة إربين القريبة من كييف – والصورة في الأسفل لهروب مدنيين من حلب عام عام 2016 – Getty Images – رويترز

في الحالة التي كان يخرج فيها المدنيون من المناطق المحاصرة بسوريا ويبقى المقاتلون، كانت روسيا تتبع سياسة “الأرض المحروقة” عبر تكثيف القصف وتوسيع عمليات الهجوم.

أحد المشاهد المتشابهة في عمليات الإجلاء هو “باصات النقل” التي يتم استخدامها لنقل المدنيين، ففي أوكرانيا باتت “الباصات” الصفراء مرتبطة بعملية نقل النازحين واللاجئين، وفي سوريا باتت “الباصات الخضراء” ترمز إلى عمليات تهجير السوريين من مدنهم.

على الرغم من تشابه الأحداث والمشاهد بين أوكرانيا وسوريا، إلا أن المختلف هو وضع اللاجئين، فالبنسبة إلى السوريين كانت خيارات اللجوء أمامهم محدودة، وكان عليهم خوض رحلات الموت في البحار وصولاً إلى أوروبا، أو المشي على الأقدام بين بلدان القارة الأوروبية وصولاً إلى دول اللجوء، في حين أن الدول فتحت أبوابها للاجئين الأوكرانيين.

إنشاء الممرات “الإنسانية” !

عمدت روسيا في سوريا إلى إنشاء ممرات إنسانية للسكان في المناطق التي حاصرتها وقصفتها، وكذلك تفعل الآن في أوكرانيا.

كانت موسكو قد حددت مناطق بعينها سمحت للسوريين المحاصرين بالخروج إليها وخصوصاً مناطق الشمال السوري المحاذية لتركيا.

الأمر نفسه تفعله روسيا في أوكرانيا، حيث حددت للأوكرانيين الراغبين بالخروج من الممرات الإنسانية طرقاً يُجبرون على سلكها، وتفضي بالنهاية إلى الأراضي الروسية أو البيلاروسية.

في الحالة التي كان يخرج فيها المدنيون من المناطق المحاصرة بسوريا ويبقى المقاتلون، كانت روسيا تتبع سياسة “الأرض المحروقة” عبر تكثيف القصف وتوسيع عمليات الهجوم.

أحد المشاهد المتشابهة في عمليات الإجلاء هو “حافلات النقل” التي يتم استخدامها لنقل المدنيين، ففي أوكرانيا باتت “الباصات” الصفراء مرتبطة بعملية نقل النازحين واللاجئين، وفي سوريا باتت “الباصات الخضراء” ترمز إلى عمليات تهجير السوريين من مدنهم.

الصورة في الأعلى حافلات لنقل المدنيين في ماريوبول بأوكرانيا، والصورة في الأسفل حافلات لنقل المدنيين من شرق حلب – Getty Images – رويترز

سوريون يتعاطفون مع أوكرانيا بعد سنوات من “العذاب الروسي”

نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا تحدثت فيه عن “مصير مشترك” جمع بعض السوريين والأوكرانيين، نظرا للعمليات العسكرية المشابهة التي شنتها روسيا في البلدين.

ووفقا للتقرير فإن غالبية السكان في شمال غرب سوريا “متعاطفون مع أوكرانيا بعد سنوات من العذاب الروسي التي تلت تدخل بوتين في سوريا عام 2015 لإنقاذ النظام السوري”. و ما خلفته الهجمات الروسية على المواقع المدنية” في سوريا من دمار شمل المنازل والمدارس والمخابز والمستشفيات، وقوبل بردود متواضعة من قادة العالم”.

وعلى الرغم من تشابه الأحداث والمشاهد بين أوكرانيا وسوريا، إلا أن المختلف هو وضع اللاجئين، فالبنسبة إلى السوريين كانت خيارات اللجوء أمامهم محدودة، وكان عليهم خوض رحلات الموت في البحار وصولاً إلى أوروبا، أو المشي على الأقدام بين بلدان القارة الأوروبية وصولاً إلى دول اللجوء، في حين أن الدول فتحت أبوابها للاجئين الأوكرانيين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *