بعد مبادرة عضو الرئاسي”عبد الله اللافي”، هل تتأجل الانتخابات الليبية فعلا لربيع 2022؟

علي عبد اللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

** تمهيد

1- السؤال المهم في ليبيا خلال الأسابيع والأيام الماضية هو هل ستجرى الانتخابات في 24 ديسمبر الماضي بما يعنيه ذلك من قطع مع منطق الحروب والتجاذبات وفي الخروج من منطق الا شرعية الاجسام التشريعية والتنفيذية؟ والسؤال لا يطرح في ليبيا بل حاضر واقعيا في اهتمامات كل دول الإقليم وهو مطروح باستمرار ويوميا على مكاتب رؤساء دول ومسؤولي المنظمات الأممية…

2- يظهر أن مبادرة عضو الرئاسي عن المنطقة الغربية “عبدالله اللافي” قد حركت السواكن ووجهت الاهتمامات ودفعت كل الأطراف للتحرك سواء معها أو ضدها وسواء كان التحرك والتفاعل بغاية دعمها او للتصدي لها إعلاميا وسياسيا واجتماعيا، وسيكون التجاوب معها كبيرا بغض النظر عن تبينها لان طبيعة نتائج التعاطي معها سيكون حاسما للمضي في أي من المسارات/السيناريوهات الثلاث الممكنة نظريا في التعاطي والتفاعل مستقبلا مع الخارطة الأممية الخاصة بليبيا والموضوعة والمصادق والمتوافق عليها محليا وإقليميا ودوليا منذ 05 فيفيري الماضي…

3- يُجيب تقرير/مقال الحالي على اسئلة ثلاث تتعلق جميعها من بعيد أو قريب مع مبادرة “اللافي” وموضوع اجراء الانتخابات الليبية من عدمه في موعدها الأصلي (أي 24-12-2021)

· السؤال الأول: ما هي تفاصيل وحيثيات مبادرة “اللافي” والتي تقوم فكرتها الرئيسية على وضع خارطة طريق انطلاقا من فكرة تأجيل الانتخابات وفقا لخارطة معدلة للخارطة الأممية؟

· السؤال الثاني: ماهي نظريا السيناريوهات/المسارات الثلاث الممكنة في التعاطي مع نفس الخارطة الأممية المعلن عنها في ختام الحوار الليبي في جنيف؟

· السؤال الثالث: هل ستجرى الانتخابات اما ســتتأجل فعليا وما هي محددات ذلك خلال الأيام القادمة؟

** تفاصيل وحيثيات مبادرة “اللافي” الداعمة لتأجيل الانتخابات

1- كما هو معلوم، أُطلقت في العاصمة طرابلس تسريبات عدة مساء أول أمس السبت 30 أكتوبر بشأن مبادرة يعتزم العضو بالرئاسي “عبد الله اللافي” الإعلان عنها، وتتمثل فكرة تلك المبادرة في مقترح مفصل لخارطة طريق خاصة بالعملية السياسية ولكنه مقترح يعتمد التأجيل للموعد الانتخابي بحيث يرحله الى نهاية ربيع سنة 2022 بدلا من ديسمبر 2021 (أنظر الصورة المصاحبة للمقال والتي توضح تفاصيل مراحل المقترح)

2- لا شك وان المقترح/المبادرة يعني موضوعيا مُضي المجلس الرئاسي تحديدا نحو تثبيت تأجيل الانتخابات العامة بشقيها الرئاسي والبرلماني المُقرر إجراؤها في الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل وفقا لخارطة طريق أممية تم إقرارها يوم 05-02-2021 اثناء اختتام مسار الحوار الليبي والذي دارت جولاته بين مالطا وتونس وسويسرا والمغرب، على أنه من المهم ان الرئاسي هو ثلاثي التركيبة وانه لا يعتمد أي قرار صادر عنه الا بتصويت اثنين في حد أدنى عليه…

3- التسريبات سالفة الذكر تزامنت فعليا مع دعوة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لإزالة ما وصفته بالقيود المتعلقة بالمشاركة في الاستحقاق المذكور لغطا واسعا، حيث كشفت عن ضغوط تُمارس لتمكين وجوه تتصدر المشهد حاليا على غرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبدالحميد الدبيبة من المشاركة في الانتخابات الرئاسية وفقا لبعض متابعين للتطورات في ليبيا، وما ذلك طرح المتابعون سؤالا مُهما ورئيسيا وهو “لماذا تم تقديم المقترح/المشروع من طرف اللافي وليس من طرف المنفي؟، خاصة وأن هذا الأخير هو رئيس المجلس وأنه سبق وان طرح مبادرات عدة وعمل على خطوات توافقية وحل لإشكالات عدة – وخاصة بين البرلمان والحكومة- بل هو أول من اقترح فكرة مؤتمر “استقرار ليبيا” (والذي عقد في الأسبوع الثالث من شهر أكتوبر الماضي وشهد حضورا ومتابعة دولية كبيرة)…

4- لم يُفلح نفي عضو المجلس الرئاسي “موسى الكوني” عزم المجلس تقديم مبادرة بشأن الاستحقاقات المقبلة في تبرئة المجلس من الاتهامات التي وجهت له من صفحات ليبية على الشبكة الاجتماعية وفي قراءات مواقع الكترونية عربية قريبة من دول خليجية مناصرة للجنرال المتقاعد “خليفة حفتر” خاصة وان تلك الاتهامات تتلخص في القول بان المجلس يخطط لتأجيل الانتخابات العامة ومن ثم يُتهم بأنه يُكرس الظروف الحالية ومن ثم تنمية كمية للعقبات التي تحول دون تنظيم تلك الاستحقاقات على غرار سحب المرتزقة وتفكيك الميليشيات، وعمليا سارع “الكوني” أمس الأحد 31 أكتوبر إلى نفي عزم المجلس طرح مبادرة بشأن الانتخابات قائلا إن “أي اجتهاد مغاير حول موعد الانتخابات المحدد وفق الاتفاق السياسي، لا يمثل المجلس الرئاسي ولكن يمثل رأيا شخصيّا”، وأضاف عضو الرئاسي عن المنطقة الجنوبية في تغريدة على” تويتر” أن “المجلس ملتزم بإجراء الانتخابات في موعدها، اجتهاد مغاير (في هذا الصدد) لن يمثل المجلس الرئاسي دون اتفاق الأعضاء الثلاثة، ووفق محضر موقّع…”

5- بعض مراقبين وبغض النظر عن وجاهة قراءاتهم يؤكدون أن هناك تحالفا بين رئيس المجلس “محمد المنفي” مع “عبدالله اللافي” لتمرير المبادرة وهو ما سيصب مباشرة في صالح أطراف بعينها وهي السردية التي يحولها أنصار حفتر وحلفائه الاماراتيين في أن ذلك يخدم حزب العدالة والبناء (الذراع السياسية لانصار الإخوان المسلمين في ليبيا) وحلفائه القريبين من المحور التركي/القطري وفقا لنفس تلك القراءات الداعمة لــــــــــــ”حفتر”، ومعلوم أن قريبين من الحزب الاسلامي وحلفائه تحركوا على أكثر من جبهة لإثارة مسألة الاستفتاء على الدستور قبل إجراء الانتخابات كما رفضوا القوانين المنظمة للانتخابات الصادرة عن البرلمان واتهموه بتغييب شريكه “الأعلى للدولة”…

6- من حيث التفاصيل تنص خارطة الطريق، التي يعتزم “اللافي” إعلانها خلال الساعات القادمة (انظر الصورة المصاحبة والمفصلة للخارطة/المقترح)، على وضع آليات ستمكن من تنظيم الانتخابات في أجل أقصاه مارس 2022 حيث سيتدخل المجلس الرئاسي مباشرة في العملية بطرح مبادرة تتعلق بالقاعدة الدستورية على مجلسي “الأعلى للدولة” و”النواب” في الرابع عشر من نوفمبر التي ستجري على أساسها الانتخابات.

7- حسب نص المبادرة سيُشكل المجلس الرئاسي لجنة، إذا لم ينجح “البرلمان” و”الاعلى للدولة” في التوصل لاتفاق بشأن مبادرة القاعدة الدستورية، لإصدار مشروعي قانون الانتخابات بمرسوم رئاسي مع العمل على تحشيد التأييد الشعبي والدولي لهما، وسيُفتح بذلك الباب للترشح للانتخابات الرئاسية والنيابية في الرابع عشر من ديسمبر على أن يُغلق في الرابع والعشرين من “يناير/جانفي” من العام المقبل لينطلق الاستحقاق الانتخابي في الأول من مارس 2022.

8- رغم نفي “الكوني” تبني المجلس الرئاسي لهذه الخارطة، إلا أنها حملت شعار المجلس في خطوة يرى مراقبون أنها كانت متوقعة حيث لا يحظى “الكوني” موضوعيا بأي تأثير مقارنة بـــــــــ”اللافي” الذي يقود توافقا مع المنفي لتأجيل الاستحقاق، ومن حيث قراءة اختلاف “الكوني” مع “اللافي”، يُمكن التأكيد أن تأثيره داخل المجلس الرئاسي ضعيف جدا وأقصى ما يمكن أن يفعله هو الاستقالة كما فعل عندما كان عضوا في المجلس السابق برئاسة “فايز السراج”، و”المنفي” و”اللافي” وكما اشرنا الى ذلك سابقا هما من فريق وتوجه واحد سياسيا وهما يشكلان أغلبية داخل المجلس وقد يكونان اتفقا على المبادرة وحيثياتها…

9- لا شك أن الكثير من الأوساط السياسية والاجتماعية في ليبيا سترفض مبادرة “اللافي” أو بالأحرى مبادرة “اللافي/المنفي” لتأجيل الاستحقاق الانتخابي، وهو ما تمثل في قول وتصريح نواب محسوبين سياسيا على المنطقة الشرقية وخاصة من معسكر حفتر/عقيلة على غرار “محمد العباني” في التصريح لإحدى اليوميات العربية أن “من يقرر الانتخابات في ليبيا من عدمها هو البرلمان المنتخب في الخامس والعشرين من يونيو 2014 وليس المجلس الرئاسي أو اللافي…”

** السيناريوهات/المسارات الثلاث الممكنة نظريا بخصوص الانتخابات

كما أكدنا وفصلنا في مقال سابق منشور في يومية “الصباح” التونسية بتاريخ 10-10-2021 فان هناك مسارات أو بالأحرى سيناريوهات ثلاث نظريا للمضي في تطبيق الخارطة الأممية أي في مدى الحسم في آليات وقرار اجراء الاستحقاقات الانتخابية المقررة ليوم 24 ديسمبر لمقبل وتلك المسارات/السيناريوهات هي:

· مسار/سيناريو أول: تطبيق كامل للخارطة الأممية وإنجاز الاستحقاقات الانتخابية بغض النظر عن التفاصيل الإجرائية والزمنية، وهو مسار أصبح زمنيا وسياسيا واجرائيا في مرمى الاستفهامات…

· مسار سيناريو ثان: تعديل الخارطة الأممية وتأجيل الاستحقاقات لفترة زمنية معينة (بين مارس وجوان/يونيو 2022، وهو هدف مبادرة اللافي وهو نظريا وعمليا اقرب للواقع لوجستيا…

· مسار سيناريو ثالث: اسقاط الخارطة الأممية ومن ثم الدخول في مطبات غير معلومة العواقب لا على ليبيا فقط بل كل المنطقة…

** هل ستجرى الانتخابات اما ســتتأجل فعليا وما هي محددات ذلك خلال الأيام القادمة؟

1- أولا، تزامن اطلاق مبادرة “اللافي” مع دعوة البعثة الأممية برئاسة” يان كوبيتش ” مساء أول أمس السبت 30 أكتوبر إلى اعتماد تعديلات تشمل “إزالة القيود المفروضة على المشاركة في الانتخابات للسماح لليبيين الذين يشغلون مناصب عامة بفرصة تجميد مهامهم من وقت تقدمهم بطلبات الترشح للانتخابات الرئاسية، على النحو الذي اقترحته المفوضية الوطنية العليا للانتخابات من تسميم الأجواء المرتبطة بالانتخابات”، وذهبت البعثة إلى ما أبعد من ذلك حيث دعت إلى تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن على عكس ما ينص عليه القانون الذي أصدره البرلمان وهو ما جوبه برفض من قبل أوساط سياسية ليبية.

2- ثانيا، من المهم التأكيد أن القانون سالف الذكر ينص على إجراء الانتخابات البرلمانية بعد شهر من تنظيم الدور الأول للانتخابات الرئاسية في الرابع والعشرين من ديسمبر، وبالتزامن مع الدور الثاني في يناير 2022، ولكن 44 نائبا أعلنوا أمس الاحد عن رفضهم لما وصفوه بتدخل البعثة الأممية والسفراء الأجانب في قوانين الانتخابات التي أصدرها البرلمان وهي قوانين عارضها بشدة المجلس الأعلى للدولة، ولكن عمداء البلديات – وهم واقعا الأكثر شرعية وقربا للشارع الليبي وخاصة في المنطقتين الجنوبية والغربية – اصطفوا فعليا مع رؤية “المشري” و”الاعلى للدولة”، وقال أولئك النواب المحسوبين في غالبيتهم على “حفتر” في بيان نشرته وسائل إعلام محلية “نستغرب استقواء المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بالخارج في محاولة لفرض تعديلات سياسية وليست فنية على قوانين الانتخابات”، كما أشاروا إلى أن “تجاربنا السابقة مع متصدري المشهد الحالي تجبرنا على القلق العميق من خطة جديدة لعرقلة الانتخابات الرئاسية أو رفض نتائجها…” ( وهذه الجملة الأخيرة هي لتبرير الموقف ومزايدة سياسية لا أكثر ولا اقل لان العكس صحيح أيضا بما يعني أن “حفتر” هو موضوعيا مم يتخوف من النتائج وليس العكس حسب آخرين…)

3- ثالثا، ستتعدد الوقائع والمواقف من مبادرة “المنفي/اللافي” وستتداخل العوامل والتطورات في بلد يشهد مرحلة انتقالية من المقرر ومتوافق سياسيا واجتماعيا أن تنتهي بإجراء انتخابات عامة في الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل كما تنص على ذلك خارطة

الطريق المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي بجنيف السويسرية، وستبقى كل الفرضيات واردة في تحديد أي من المسارات الثلاث أقرب للواقع والتجسيد

4- رابعا، المسار الانتخابي وحتى قبل اعلان مبادرة “اللافي” يواجه فعليا انسداد كبير وخاصة منذ إصدار مجلس النواب قانوني الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل أحادي ودون إشراك “المجلس الأعلى للدولة” والذي أصدر من جانبه قوانين انتخابية أخرى، ولكن البيانات الدولية والاممية وبعض الخطوات التي يقوم بها المجلس الرئاسي تؤكد أيضا ان الحل موجود وان المعالجة ممكنة خاصة في ظل رأي عام ليبي سئم الحروب التجاذبات الايديلوجية والسياسية مثلما سئم المعارك والتقاتل، وفي ظل تطورات الإقليم والتي يبحث فيها المصريون والأتراك على ترتيبات ابعد عنها الاماراتيون والقطريون، وهو ما يعني أن الحرب بالوكالة التي خاضتها أطراف ليبية لصالح الاذرع الإقليمية في طريقها للانتهاء موضوعيا وهي بذلك في ذمة التاريخ رغم رغبة “حفتر” وآخرين ممن يراهنون على الحرب ولا شيء غيرها للكسب خاصة وانهم خسروا معركتي انتاج “القذافي2” واسقاط نموذج “سيسي ليبيا”…

5- خامسا، حكومة “الدبيبة” موضوعيا عليها عدم ترك مساحات خلال الأيام القادمة عبر مواصلة خدمة الليبيين في المناطق الثلاث ودعم فعلي لسياسيات الا مركزية واقعيا ومن ثم التقيد بالخارطة الأممية ودعم سياسة التوافق الكلي مع المجلس الرئاسي، كما عليها أن تمهد لوجستيا للانتخابات وأن تترك خيارات إنجازها أو تأجيلها جزئيا أو كليا للمفوضية والبعثة والاممية حتى لا تتهم لاحقا بما يسعى اليه حفتر وشركائه المحليين وما بقي له من حلفاء إقليميين، وعندئذ سيسقط التوظيف المحلي والإقليمي لمطالب الليبيين والذين أنجزوا ثورة لقطف ثمارها اجتماعيا وسياسيا ومن اجل الرفاه لهم ولأبنائهم وأحفادهم ومن أجل مواطنة كاملة ومسار ديمقراطي مستقبلي خاصة وان بلدهم هو بلد ثورات هائلة ونادرة وفريدة في كل افريقيا بل وفي كل العالم…

6- سادسا، توازن القوى او توازن الضعف محليا وإقليميا ودوليا والسقوط النهائي لسرديات عدة في الساحة الليبية يعني موضوعيا أنه لا سبيل الا للتوافق وان كان المسار/السيناريو الثالث والمتمثل في اسقاط الخارطة الأممية مستبعدا بل يكاد يكون مستحيلا فان الترجيح بين المسارين/السيناريوهين الأول والثاني، ستحدده المواقف الدولية والمباحثات في قمة العشرين ولقاءات ثنائية على غرار لقاء بايدن/اردوغان وطبيعة التقاطعات بين الفرنسيين والأمريكيين من جهة وطبيعة الصراعات الروسية الامريكية من جهة ثانية ومعطيات أخرى في كواليس الأجهزة ومخابر الاستراتيجيات الغربية وفي مقرات المحافل الدولية…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *