خريطة مصر والسودان وإثيوبيا وسد النهضةفشل مجلس الأمن الدولي في حسم الخلافات بين 11 دولة إفريقية معنية بمياه نهر النيل ، بينها دول المنبع بزعامة أثيبوبيا ودولتا المصب أي مصر والسودان .ورغم التحركات الماراطونية للدبلوماسية الدولية فشلت القاهرة والخرطوم في ” اقناع ” اديس أبابا بمراجعة سياستها المائية بعد ملء سدي النهضة الأول والثاني وانطلاق استعداداتها لتوظيفهما في انتاج كميات هائلة من الكهرباء تغطي حاجياتها وحاجيات بعض الدول المجاورة لها.في ظل التعقيدات الجديدة ” لحرب باردة حول مياه النيل” بدأت قبل أكثر من قرن ماهي السيناريوهات المتوقعة ؟وهل تحسم الخلافات عبر المفاوضات والمسار السياسي السلمي أم تتطور إلى نزاعات مسلحة مباشرة وغير مباشرة بين مصر والسودان من جهة وأثيوبيا وبقية ” دول المنبع ” الافريقية التسعة من جهة ثانية ؟يبدو أن ما لايق عن 4 سيناريوهات تواجه المنطقة بسبب هذا الملف الإستراتيجي وسيناريوهات تصعيده ..I – السنياريو الأول :” الحرب الباردة ” و” تأبيد الأزمة”ترجح كثير من الدراسات أن تتواصل ” الحرب الباردة “حول مياه النيل بين بلدان حوض النيل ال11 ، وخاصة بين مصر السودان من جهة وأثيوبيا من جهة ثانية .في هذا المناخ الدولي تعاقبت “تطمينات” أديس أبابا للسودان ومصر مع محاولة التقليل من المضاعفات السلبية للملء الثاني للسد.في نفس الوقت يتابع مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوربي وقيادات الدول العظمى والدول المؤثرة في المنطقة مثل اسرائيل “دعوة الدول الثلاث للجلوس والتفاوض” واستبعاد كل سيناريوهات التصعيد العسكري”، رغم تصريحات كبار المسؤولين في مصر وتعبيرهم عن رفضهم ” التفاوض للتفاوض” و” التفاوض الذي ليس له سقف زمني” .في الأثناء تعارض أديس أبابا بقوة العودة إلى ” الاتفاقيات القديمة” وخاصة اتفاقية 1959 ، التي تعتبرها”مُجحفة جدا ” .ونقطة قوة أديس أبابا أنها “ترحب بالتفاوض” بعد أن غيرت الواقع على الأرض وأكملت الملء الأول والثاني للسد ، وتتمادى في رفض سماع “ما يُسمى بالحقوق التاريخية لدولتي المصب “.وفي ظل تعاقب التصريحات التي لا تستبعد الحل العسكري أورد مسؤولون أثيوبيون أنه : “في حال اقدام مصر والسودان على استخدام القوة العسكرية، فلن تكون إثيوبيا وحدها، بل ستكون كافة دول حوض النيل في صفها.ومن بين ما يزيد الأمر تعقيدا أن اثيبوبيا وغالبية دول افريقيا جنوب الصحراء و دول ” المنبع” تتهم ” دولتي المصب” السودان ومصر بمحاولة عرقلة مشروع عملاق للتنمية وتوفير حاجيات المنطقة من الطاقة الكهربائية .لكن هذا التضارب في المواقف ـ الذي يوحي بمناخ ” حرب باردة افريقية – افريقية ” يصطدم بحقائق على الأرض من بينها وجود مشاكل في تركيب التوربينات ومشاريع توليد الكهرباء ، فضلا عن تعثر مشروع انجاز “محطة الكهرباء العملاقة ” وشبكات الضغط العالي لنقل الكهرباء داخل إثيوبيا و خارجها للتصدير، رغم ما يروج عن ” الدعم التكنولوجي من دول غربية واسرائيل”.فهل يعني ذلك تأبيد النزاع و تكريس ” الوضع الراهن “؟قطعا لا ..II- السيناريو الثاني :التصعيد العسكريهذا السيناريو يبرره تلويح مسؤولين مصريين كبار بتنفيذ ضربة عسكرية على “السد الجانبي” للمشروع، بهدف الحد من تأثير ” الملء الثاني ” وحرمان أثيوبيا خلال الأعوام القادمة من فرصة تخزين الكميات الإضافية من المياه اللازمة لإنتاج الكهرباء وبقية حلقات المشروع .وتهدف هذه الضربة العسكرية ، في صورة تنفيذها ، إلى منع ( أو تأجيل ) اقدام إثيوبيا على تخزين كميات هائلة إضافية من مياه النيل خلال السنوات المقبلة مقابل ” تعهد غير مضمون ” بتزويد السودان ومصر بكل حاجياتهما من مياه النيل .لكن عددا من الخبراء يقللون من سيناريو الضربة العسكرية لجانب من السد ومن نجاعتها ويرجحون أن تعارضه السودان أيضا لأنها سوف تؤدي إلى “اندفاع كم كبير من المياه إلى السودان مرة واحدة وفي ساعة أو يوم واحد بما يعني إلحاق خسائر كبيرة “.وهذا الاندفاع ” كفيل بتدمير مساحات شاسعة من شرق السودان وصولا إلى الخرطوم وقد يجرف أو يضر السدود السودانية الثلاثة روصيرس وسنار على النيل الأزرق وميروي على النيل الموحد . كما قد تصل المياه إلى مصر وبحيرة السد العالي بعد 17 يوما . ولن تضر المياه حسب هذا السيناريو مصر لأن البحيرة قادرة على استيعاب مزيدا من المياه.ومن بين العوامل التي ترجح استبعاد ” السيناريو العسكري” أن مجلس الأمن الدولي عارضه ودعا الدول الثلاثة إلى تنظيم مفاوضات ” برعاية الاتحاد الإفريقي فقط” ، بما يعني أنه انحاز إلى أديس أبابا نسبيا لأنه استبعد ضمنيا مشاركة دولية من الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة أو البنك الدولي أو الأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامي؟فهل سيصبح من مصلحة مصر والسودان في هذا الظرف القيام بتحركات جديدة تهدف إلى مزيد “تدويل الأزمة “؟III- السيناريو الثالث : التدويل في منطقة يتنازعها العمالقة صدر الصورة،GETTY IMAGESلاشك أن تدويل قضية النزاع على مياه النيل ليس جديدا . فهو يعود إلى مطلع القرن الماضي عندما كانت أغلب دول حوض النيل تخضع للاحتلال المباشر. وقد تعقد بعد أن احتد صراع الدول العظمى في القارة الافريقية وثرواتها ومواقعها الإستراتيجية ، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا ..وكانت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا زارت ببنفسها أثيوبيا في فبراير 1965 في عهد الامبراطور الراحل هيلا سيلاسي وأدت زيارة إلى منبع النيل الأزرق بإثيوبيا ، لتوجيه رسالة لمنافسيها الاوربيين في افريقيا (فرنسا وبلجيكيا وايطاليا) وللأطراف الدولية المعنية بثروات مستعمراتها السابقة والعالم الانلقوسكسوني.وتكشف الوثائق البريطانية أن أديس أبابا بدأت قبل ستة عقود، البحث عن “تحالفات دولية ” في خضم خلافاتهما الممتدة بشأن مياه النيل وحاولت “تشكيل جبهة تضم “دول المنبع” التسعة في مواجهة دولتي المصب، مصر والسودان.وكان تدويل النزاع حول مياه النيل برز منذ نحو 74 عاما عندما اقترحت مصر “مشروعات مائية مشتركة مع دول حوض النيل” وفق وثائق بريطانية..ومنذ تلك الفترة جرت مباحثات في الخرطوم، برعاية بريطانية، بين دول شرق أفريقيا ومصر والسودان بشأن أمور فنية متعلقة بمياه النيل.وفي هذه المباحثات كانت بريطانيا، باعتبارها قوة مستعمرة، تتحدث باسم دول شرق أفريقيا الثلاث كينيا وأوغندا و”تنجانيقا” (تنزانيا الآن) وتسعى للتوصل إلى اتفاق بين هذه الدول من ناحية والسودان من ناحية أخرى بشأن مياه النيل الأبيض .ولعل من بين العناصر الجديدة في ” تدويل الأزمة ” أن خطة إثيوبيا تشكيل “جبهة من دول المنبع” في مواجهة “دول المصب”، سوف تؤثر سلبا على موقف سلطات السودان الجديدة وحلفائها الإقليميين والدوليين ، وهي التي كانت تجمعها علاقات جيدة أديس أبابا .إذن فهذه الأزمة توشك ان تتسبب في ” أزمات ثقة ” اضافية بين عدد من قيادات المنطقة في ظرف تعاقبت فيه الاتهامات بين الدول الإفريقية ب” التحالف مع اسرائيل ” ومع بعض الدول المنافسة للدور الأوربي والأمريكي في إفريقيا بينها الصين واليابان وتركيا وايران والهند والباكستان..IV – السيناريو الرابع : انتصار الاتحاد الافريقيلكن رغم كل الأبعاد الدولية لملف النزاع على مياه النيل بين 11 دولة إفريقية ، فقد دعا مجلس الأمن الدولي ومندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ، ليندا توماس غرينفيلد، مجددا إلى “استئناف المفاوضات البناءة تحت مظلة الاتحاد الأفريقي وحده”، مع الاعتراف بفشل المؤسسات الأممية والأوربية في فرض حل على الفرقاء.لذلك علق وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قائلا : “لم نشعر بأن هناك نية من أي طرف لحل هذه القضية، “.وقالت وزيرة الخارجية السودانية، مريم الصادق المهدي، إن قيام إثيوبيا بملء خزان السد أدى إلى تهديد الأمن المائي للسودان ومصر.لكن الدول الـ 15 الأعضاء في مجلس الأمن الدولي دعت مجددا إلى ” إعادة المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي بشكل مكثف ” بهدف “توقيع اتفاق قانوني ملزم للجميع.”في المقابل انتقدت مصر والسودان مجددا ” التصرفات الأحادية من إثيوبيا” واعتبرتها ” خرقاً كبيراً “لإعلان المبادئ الثلاثي المبرم في الخرطوم عام 2015″، وأوردت أن ذلك الإعلان يجب أن يتطور كليا وأن تكون “المرجعية” الجهود التي يمكن أن تقوم بها مؤسسات الاتحاد الإفريقي وبقية الوسطاء الدوليين وليس الاتفاقات السابقة.والتحدي الكبير هو : إلى أي حد يمكن أن تنجح وساطات الاتحاد الإفريقي حيث فشلت مؤسسات الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي وجامعة الدول العربية وغيرها ؟أطراف كثيرة تشكك في قدرة الاتحاد الإفريقي على تقريب وجهات النظر، إذا لم تصدر قرارات واضحة عن مجلس الأمن الدولي أو عن الإدارة الأمريكية وكبرى العواصم الدولية بما يؤدي إلى فرض التسوية السياسية واستبعاد كل سيناريوهات التصعيد العسكري والأمني بما في ذلك عبر ” الدعم الخفي لميليشيات المتمردين ” في أثيوبيا والسودان .** رئيس تحرير سابق في دار الصباح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *