قال المفوض السابق للعلاقات الدولية بجماعة الإخوان المسلمين، يوسف ندا، إن هناك فرقا هائلا بين خروج الاتحاد السوفييتي سابقا، ورحيل الولايات المتحدة حاليا من أفغانستان.

وتطرق ندا إلى الدور السابق الذي لعبته الجماعة من أجل محاولة إنهاء التواجد السوفيتي في أفغانستان عبر المفاوضات، وأنه كاد ينجح في ذلك لولا ما وصفه بالتدخل الأمريكي السلبي بواسطة رئيس الاستخبارات العامة السعودية، تركي الفيصل، الأمر الذي أدى حينها لإفشال جهوده.

وأضاف أن “الحزب الإسلامي في أفغانستان، الذي يرأسه، قلب الدين حكمتيار، وأيضا الفصائل الرئيسية في حركة طالبان، اعتمد تكوينهما الأولي على قبائل البشتون الشهيرة، لكن كلا منهما واجه عدوا مختلفا؛ فالأول واجه السوفييت والثاني واجه الأمريكيين، بينما اختلفت الأساليب والتكتيكات لدى كل طرف منهما أمام استراتيجيات وقرارات أعدائهما بالانسحاب من أفغانستان، مما أثّر -وما زال يؤثر- على بنية الدولة ومستقبلها”.

وأشار ندا، في مقابلة خاصة مع “عربي21“، إلى أنه إذا أراد أي شخص تحقيق السلام والاستقرار في أفغانستان فعليه الاتفاق والتفاهم بالأساس مع قبائل البشتون التي قال إنها تمثل قلب المجتمع الأفغاني.

واستطرد قائلا: “من الشائع أن حكمتيار استمر في حربه مع السوفييت المنسحبين؛ فخرّب السوفييت البلاد، وتركوا قبائلها يتنازعون على الأرض المحروقة، أما حركة طالبان عندما شعر أعداؤهم بالاستنزاف، وخطأ احتلالهم للبلاد بعد عشرين عاما، فتحت لهم أبواب التفاوض على الانسحاب الذي يتابعه العالم كله الآن”.

ونوّه إلى “التباين الكبير في التعاطي مع الاحتلال سواء من قِبل الحزب الإسلامي أو حركة طالبان، وقد أرّخت لذلك في كتاب الصحفي دوجلاس تومسون عام 2012، حيث كنت قد نجحت في إقناع حكمتيار بالتفاوض مع السوفييت ورتبت له طريق الوصول إليهم، إلا أن الأمريكان والمخابرات السعودية تدخلوا بشكل سريع ومريب وأقنعوه بعكس ما كنت أهدف إليه، ولذلك اضطر السوفييت إلى ترك البلاد مُحطمة ومحروقة إلى حد كبير جدا، وتسببّوا في أن يستمر الأفغان في محاربة بعضهم البعض، حتى انتشر تنظيم القاعدة في أفغانستان، وأعلن جورج بوش حربه عليها التي أدت لاحتلالها 20 عاما”.

وأوضح أنه كان يسعى جاهدا كي “يمهد الطريق لانسحاب السوفييت عبر التفاوض والحلول السياسية والسلمية، كي نساعدهم في إكمال خطتهم الخاصة بالانسحاب في مقابل قيامهم بالمساهمة في إعادة الحياة وبناء أفغانستان التي ملأوها بالألغام، وقاموا بتدمير أجزاء واسعة منها؛ فقد كنّا نسعى للحصول على تعويضات مادية مناسبة منهم جراء ما أفسدوه، وكدنا نحقق نجاحا ملموسا في هذا الأمر لولا التدخل الأمريكي والسعودي المؤسف”.

 

اقرأ أيضا: عشرات القتلى بينهم أمريكيون بتفجيري مطار كابول (شاهد)

ولفت المفوض السابق للعلاقات الدولية بجماعة الإخوان المسلمين إلى أن “الجماعة طلبت مني حينها فعل كل ما بوسعي لمحاولة إنهاء تلك الحرب المأساوية في أفغانستان”.

وذكر أن المهمة التي أخذها على عاتقه كانت “صعبة للغاية، لأن الحزب الإسلامي لم يكن متسامحا في البداية، لكن التعامل معه لاحقا أصبح أيسر وأفضل، خاصة أن حكمتيار شخصية رشيدة وعاقلة ومنفتحة على الآخر بشكل ملموس، إلا أن الصعوبات والتحديات ظلت مستمرة، لأننا كنّا نتعامل مع وضع قبلي مُعقد في ظل وجود فصائل كثيرة، بخلاف تعدد الولاءات المختلفة لهذا وذاك”.

وأشار ندا إلى أنه كان على صلة وثيقة بـ “بعض القادة الأفغان من أمثال الرئيس الأسبق برهان الدين رباني، ورئيس الاتحاد الإسلامي الأفغاني عبد رب الرسول سياف، وغيرهما، وقد زارني رباني في منزلي بسويسرا مع مرافق أفغاني لمناقشة التعاون بين الفصائل الرئيسية التي كانت تقاتل السوفييت، وكان هذا اجتماعا وديا”.

ويردف: “في اليوم التالي لهذا الاجتماع، أرسل لي رباني خطابا يشكرني فيه ويخبرني بأنهم يعتبرون أنفسهم جزءا من الإخوان، وطلبوا مساعدتهم في توفير بعض الأسلحة والعتاد العسكري ومستشارين عسكريين، لكنني رفضت إقحام نفسي في مثل هذه الأمور التي لا علاقة لي بها على الإطلاق؛ فأنا رجل سياسي ولست متمردا أو مقاتلا بأي صورة من الصور، وجماعة الإخوان لها موقف واضح وصريح للعالم أجمع من قضية العنف، ولهذا لم أرد على خطابهم”.

وذكر المفوض السابق للعلاقات الدولية بجماعة الإخوان أن “خطاب رباني هذا وجده المدعي العام السويسري عام 2001 ضمن أوراقي التي جمعوها من منزلي ومكاتبي، وسألني عنه فأجبته بأني مسؤول فقط عما أكتبه لا عما يكتبه غيري لي”.

وتابع: “حكمتيار كان يعلم جيدا أن الإخوان لا يمكنهم إدانته عندما يقاتل الغزاة والمحتلين لبلده، لكنني كنت قادرا على بيان قوة موقفه التفاوضي، وأقنعته بأن التفاوض هو أفضل الطرق أمامهم بعد كل ما حدث، من أجل الحصول على حقوقهم لكونهم أقوياء، والسوفييت عندهم مشاكل داخلية تدفعهم للانسحاب من أفغانستان، وكانوا جادين في البحث عن مخرج من أزمتهم”.

وأضاف: “جلسنا معا في إحدى المرات لمدة 6 ساعات، وقلت له دعنا نفترض أن السوفييت سوف يرحلون الأسبوع المقبل، وأصبحت أنت المسؤول عن إدارة شؤون البلاد سوف تواجه أزمات لا أول ولا نهاية لها في ظل دمار البنى التحتية وانتشار الألغام بعد رحيلهم في أنحاء مختلفة من البلاد، أما إذا دخلت معهم في مفاوضات حقيقية سيمكننا مطالبتهم بإزالة هذه الألغام والحصول على تعويضات مناسبة”.

وقال: “أخبرته أيضا أن السوفييت يريدون مغادرة أفغانستان دون تضحيات وخسائر بشرية أثناء الانسحاب، كما أنهم يرغبون في أن تكون لهم علاقات طيبة مع النظام الجديد، وألا يصبح لهم عدو مرابط على حدودهم، وبالتالي فأنتم في أمس الاحتياج لهذه المفاوضات خاصة أن المساعدات الأمريكية والسعودية سوف تتوقف في أعقاب رحيل السوفييت، كما أن التعامل مع السوفييت ليس خيانة، وإنما إعلاء لمصالح الشعب والوطن”.

 

اقرأ أيضا: طالبان تنفي طلب مساعدة من تركيا بإدارة مطار كابول

ونوّه ندا إلى أن خطته كانت “ترتكز على قيام الإيرانيين بدور الوسطاء والتحدث مع السوفييت لإيجاد حل مقبول ومرض في محاولة لإنقاذ أفغانستان من دمار محقق، ثم طلبت من حكميتار أن يعطيني الفرصة لتنفيذ هذه الخطة، وكان من المعلوم أن لي علاقات قوية وجيدة مع كبار القادة في طهران، ثم أخبرني حكمتيار أنه يفوضني في فعل ذلك، وطالبني بأن أبلغه بالتفاصيل أولا بأول”.

وأكد ندا أن “العلاقة بين الإيرانيين وحكمتيار كانت وقتها غير طيبة، بل سيئة للغاية، ولهذا طلبت من رفيق العمر في العمل وفي الدعوة غالب همت أن يسافر معه، حتى يُعامل المعاملة اللائقة في المفاوضات، وأن يقوم بترتيب الأوضاع بالنسبة له بشكل جيد، وبعد أن تأكدنا أن الإيرانيين لم يكن لديهم مانع في القيام بدور الوساطة، ووافقوا على اللقاء مع حكمتيار”.

وقال: “كانت الترتيبات أن يسافر حكمتيار بطائرة خاصة للاجتماع بالإيرانيين، وبصحبته غالب همت، لكن قبل موعد الرحلة بثلاث ساعات تدخل الأمريكان عبر الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية حينها، والذي ذهب لمقابلة حكمتيار، وكان الفيصل يعمل وينسق بشكل قوي مع المخابرات الأمريكية، وبالفعل قبيل مغادرة حكمتيار لطهران أخذه تركي الفيصل إلى الرياض، وانهار كل ما عملنا على بنائه”.

في حين أشار إلى أن “حركة طالبان نضجت كثيرا خلال العشرين عاما الماضية، واكتسبت العديد من الخبرات والثقافات في المجالات المختلفة، وفهمت جيدا أن أسهل طريق لإيقاف أي حرب هو التفاوض المباشر مع الأعداء، ولهذا فعلت ذلك، وما زالت تجتهد”.

لكنه استدرك قائلا إن “حركة طالبان غفلت في مفاوضاتها التي جرت في العاصمة القطرية الدوحة عن مطالبة الولايات المتحدة بأشياء كثيرة منها الحصول على تعويضات جراء غزوها الذي امتد 20 عاما، ورفع القيود عن أرصدة أفغانستان التي كانت في عهد الرئيس السابق أشرف غني، والحصول على مستندات وخرائط تكشف المنشآت والمعدات العسكرية الأمريكية المنتشرة في ربوع البلاد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *