” تغيير المنظومة “؟

* الإفراج عن رئيس حزب و منع السفر على مزيد من الوزراء والمسؤولين والقضاة

تونس كمال بن يونس

تزايدت وتيرة الدعوات التي وجهها جامعيون مستقلون وسياسيون وحقوقيون ونقابيون للتعجيل بالإعلان عن اسم رئيس الحكومة الجديدة وعن ” خارطة الطريق ” لإخراج البلاد من أزمتها السياسية التي تسببت في قرارات 25 يوليو الماضي ومن بينها إسقاط الحكومة وحل البرلمان وإلحاق كل السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية بمؤسسة رئاسة الجمهورية .

لكن وليد الحجام مستشار الرئيس التونسي قيس سعيد وجه مجددا ” تطمينات” إلى الرأي العام التونسي والدولي حول ” تمسك تونس بالديمقراطية ” مع إعطاء أولوية مطلقة لمعالجة معضلة الأزمة الاقتصادية الاجتماعية ومحاصرة وباء كورونا .

كما نشر الحقوقي والأكاديمي نوفل سعيد شقيق الرئيس التونسي أمس الثلاثاء ” تدوينة ” جديدة لمحاولة طمأنة النخب بعد تعاقب التصريحات المتخوفة على ” المكاسب الديمقراطية ” وعلى ” إنجازات ما بعد ثورة 2011 ودستور يناير 2014 قائلا : ” لا رجوع إلى الوراء “: يعني لا رجوع إلى منظومة ماقبل 17 ديسمبر(كانون الاول ) 2010 ولا رجوع إلى منظومة 14 جانفي/ يناير 2011 .لا رجوع إلى منظومة الاستبداد ولا رجوع إلى منظومة الالتفاف على الثورة “.

إفراج ..و قرارات تحقيق

و أكدت مصادر رسمية أمس الافراج عن البرلماني ورئيس حزب الرحمة ورئيس اذاعة” القرآن الكريم ” الذي اوقف قبل يومين وسط تساؤلات عن مصير عدد من نواب البرلمان والسياسيين والوزراء والمسؤولين السابقين والقضاة الذين فتح القضاء تحقيقات ضدهم ، فيما فرضت وزارة الداخلية على عشرات منهم ” مؤقتا ” اجراءات منع السفر أو الافامة الجبرية .

وقد نفى رئيس الحكومة الاسبق وزعيم حزب ” تحيا تونس ” الاشاعات التي تحدثت عن اعتقاله مع عدد من وزرائه وقيادات حزبه ومستشاريه في الحكومة . فيما لوحظ ” اختفاء” عدد من كبار السياسيين بينهم زعيم حزب قلب تونس رجل الأعمال نبيل القروي و عدد من كبار النواب التابعين لكتلته .

لكن الناطق باسم القطب القضائي والمالي أصدر بلاغا جديدا أكد فيه قرارات بمنع السفر عن عدد من الوزراء وكبار المسؤولين في حكومة يوسف الشاهد بينهم وزير الصناعة والطاقة والمناجم سليم الفرياني والوزير الكاتب العام للحكومة عبد اللطيف حمام وعن نواب وبرلمانيين ومسؤولين كبار عن انتاج الفوسفاط والأسمدة الكيمياوية بعد اتهامات خطيرة لهم بالفساد و” تهريب ” مئات آلاف الاطنان .

يذكر أن انتاج القطاع تراجع من أكثر من 8 ملايين طن سنويا في 2010 إلى حوالي 3 ملايين طن فقط ” بعد ثورة 2011″..

في السياق ذاته نوه الوزير والبرلماني السابق عماد الدايمي رئيس مرصد ” رقابة ” باقدام السلطات على فتح ما وصفه ب”ملفات الفساد الكبيرة ” في قطاعات الفوسفاط والنقل الجوي وشركة الطيران والتهريب.و.. واعتبر الدايمي وعدد من رؤساء الجمعيات غير الحكومية ” فتح هذه الملفات بعد قرارات 25 يوليو انتصارا لأنصار مكافحة الفساد”.

وأكدت مصادر مسؤولة للشرق الأوسط أن بعض من فتح تحقيق معهم أو منعوا من السفر اختفوا أو سافروا من بينهم رجل الأعمال والبرلماني لطفي علي وشقيقه عبد الوهاب حفيظ .

.وكان الرئيس قيس سعيد ومقربون منه وقياديون في نقابات العمال اتهموا مرارا هذين التاجرين وغيرهما بالتورط في ” التهريب” و” تعطيل انتاج المناجم ” وعمل شركة النقل الحديدي بهدف ابرام صفقات لنقل الفوسفاط برا على متن شاحنات خاصة تابعة لشركاتهم بأضعاف سعر نقله عبر القطاارات التي يجري منذ 10 أعوام تعطيل سيرها عبر الاضرابات والاعتصامات العشوائية .

خارطة ” الطريق”

واذ يتطلع المراقبون في الداخل والخارج إلى القرارات التي سوف تصدر عن قصر الرئاسة في قرطاج أو “خارطة الطريق السياسية” ، تعمقت الاختلافات والتقديرات لسيناريوهات الخروج من الأزمة السياسية .

و تنوعت ردود الفعل واختلفت المقاربات بين الخبراء والسياسيين الداعمين لقيس سعيد وخصومهم بعد المحادثة السياسية التي أجراها سعيد مع نظيريه الفرنسي الرئيس ايمانويل ماكرون والجزائري عبد المجيد تبون.

تبون رفض الكشف عن فحوى حديثه مع سعيد واكتفى بالإعلان عن ” احترام مبدأ عدم التدخل ” في الشأن الداخلي لتونس . وأورد أن نظيره التونسي أحاطه علما بمعطيات مهمة .

في المقابل كشف البلاغ الصادر بعد محادثة سعيد مع ماكرون أن الرئيس التونسي أعلم مخاطبه الفرنسي أنه يتمسك بموقفه المعارض للخلط بين ” الشرعية والمشروعية ” .

وسبق لسعيد أن دافع مرارا عن وجهة نظره هذه عند حديثه عن أزمات تونس وليبيا وفلسطين والعالم .

ويعتبر سعيد أن ” الشرعية القانونية والدستورية والانتخابية ” التي كان يتمت ع بها البرلمان وحكومة هشام المشيشي وبقية مؤسسات الحكم ليست كافية . وأن ” الأهم هي المشروعية الشعبية ” . ويعتبر أن غالبية المواطنين محرومون من ممارسة حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية وحقهم في العلاج والتطعيم المجاني للوقاية من كورونا . لذلك نزلوا بعشرات الالاف في تحركات احتجاجية كانت اخرها يوم 25 يوليو الماضي ” للمطالبة باسقاط كامل منظومة الحكم القديمة التي أفرزتها انتخابات 2011 و2014 و2019 “.

وجاءت محاثة قيس سعيد وماكرون بعد سلسلة من المحاثات التي أجراها الرئيس التونسي مع شخصيات عربية ودولية كان من بينها وزير الخارجية الأمريكي بلينكن ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان والرئيس التركي رجب الطيب ارودغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي .

وقد تضمنت البلاغات بعد المحاثات مع بلينكن وسوليفان وشخصيات دولية أخرى تعهدا ب”استئناف المسار الديمقراطي ” و” العمل البرلماني ” في أقرب وقت .

في المقابل تضمن البلاغ الصادر بعد المحادثة مع الرئيس الفرنسي إعلانا عن تمسك قيس سعيد بموقفه الذي يعتبر أن ” الاهم هو المشروعية ” والانحياز للشارع وليس ” التمسك بالشرعية القانونية والدستورية ” ، بما فهم منه أنه تلويح بعدم استئناف البرلمان عمله قريبا .

وهنا برزت تباينات في ردود افعال السياسين والخبراء التونسيين .

وقد تصدر المساندين بقوة لتفسير سعيد عدد من الخبراء من بين زملائه السابقين في كلية الحقوق مثل البرلماني رابح الخرايفي والخبيرة سلسبيل القليبي والأكاديمي أمين محفوظ .

في المقابل نشرت وسائل الإعلام التونسية سلسلة من الحوارات مع شخصيات حقوقية ونقابية وحزبية وسياسية تطالب ب” العودة إلى الشرعية الدستورية والقانونية والانتخابية ” بعد مرور ال30 يوما التي أورد بلاغ لرئاسة الجمهورية يوم 25 يوليو الماضي أنها ستكون ” لاتخاذ اجراءات استثنائية بهدف التصدي لخطر داهم يهدد الدولة وفق الفصل 80 من الدستور”.

وقدد أقر أستاذ القانون الدستوري الكبير سليم اللغماني إنّ تونس وصلت إلى ” الطريق المسدود يوم 25 يوليو الماضي بسبب تعطّل دواليب الدولة وأهمها المؤسسة التشريعية إضافة إلى انتفاء العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية”.

واعتبر سليم اللغماني أنه ينغي اليوم حسم الخلافات في المرحلة القادمة عبر احترام ” الشرعية الدستورية والقانونية بما في ذلك في صورة وجود نية لحل البرلمان الحالي “.

وأورد اللغماني أن ” الأسلم أن يعلن سعيد عن حكومته الجديدة ويعرضها على البرلمان بعد استئناف عمله يوم 26 أغسطس أو بعد ذلك بقليل . ” ويمكنه أن يعرض تشكيلة حكومية ” لا يمكن للبرلمان الحالي أن يصادق عليها . في تلك الحالة يسمح له الدستور بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة “.

لكن عددا من الخبراء الدستوريين مثل الصغير الزكراوي وهيكل بن محفوظ و سليم اللغماني يتساءلون اليوم بوضوح عن ” السيناريوهات السياسية المحتملة لما بعد الثلاثين يوما التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيد يوم 25 يوليو ، وإذا لم يكن واردا أن يمددها مرة أو مرتين .

وتتعمق الهوة بين السياسيين والخبراء القانونيين والحقوقيين ، بسبب التزام قيس سعيد الصمت منذ أكثر من أسبوعين .

وجاءت محادثاته مع الرئيسي الفرنسي ماكرون والجزائري عبد المجيد تبون وعدد من قادة العالم لتعمق التناقضات بين أنصار “العودة للشرعية الدستورية والقانونية ” ودعاة القطع مع ” كل منظومات ما بعد 2011 و2014 و2019

القانونية والدستورية واستبداله ب” قرارات رئاسية سياسية تتجاوب مع الشارع وتستمد مشروعيتها من الشعب ولبس من نصوص الدستور والقوانين “..

في كل الحالات يبدو أن مرحلة المخاض سوف تطول وسوف تتجاوز موعد 25 أغسطس..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *