تحقيقات الفساد تطال قيادات في «النهضة» وحكومتي الشاهد والمشيشي
تونس: كمال بن يونس

أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد أمس، مجدداً، خلال محادثة مع الرئيس الفرنسي ماكرون ومع مسؤولين أجانب تمسُّكه بـ«الشرعية الدستورية والقانونية والسياسية» وبالقرارات التي اتخذها يوم 25 يوليو (تموز) الماضي. وقال سعيد خلال محادثات هاتفية مع مسؤولين غربيين، وعند استقباله أنور قرقاش مستشار رئيس دولة الإمارات، إنه تحمل «مسؤولية تاريخية» لإنقاذ البلاد من مخاطر كثيرة كانت تهددها، فبادر بـ«تعليق» عمل البرلمان وحل الحكومة وإصدار سلسلة من القرارات، ضمن «خريطة طريق» تهدف للإنقاذ.

وكتب نوفل سعيد الخبير في القانون الدستوري وشقيق الرئيس التونسي ومدير حملته الانتخابية، في صفحته الرسمية، ظهر أمس (السبت): «انطلق قطار25 جويلية (يوليو) وأُغلقت أبوابه… ولا عزاء للانتهازيين»، وهو ما اعتُبِر تهديداً لبعض الأطراف السياسية، خصوصاً لقيادة حركة «النهضة» التي تتجاذبها منذ أسبوعين مواقف دعاة التنديد بقرارات سعيد وتصريحات أنصار الحوار والتهدئة.

– رفض الحوار مع «الفاسدين»

وكان قيس سعيد رد على دعوات تنظيم حوار سياسي مع قيادات الأحزاب، وبينها «النهضة»، بأن شكَّك في نزاهتها، واتهمها مجدداً بالفساد، وشبَّهها بـ«المهربين المورطين في إدخال القمح المسرطن إلى تونس، لأنها تروج للمواقف السياسية المسرطنة». كما أعلن وليد الحجام مستشار الرئيس التونسي أن قيس سعيد ليس معنياً بالحوار مع الفاسدين بأنواعهم. وأوردت مجموعات «حراك 25 يوليو» و«تنسيقيات قيس سعيد»، في مؤتمر صحافي نظمته أمس في أحد فنادق العاصمة تونس، أنها تدعو الرئيس إلى عدم التعامل مع «الفاسدين من منظومات ما بعد «حراك 25 يوليو2021» وما قبل ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، بما في ذلك رموز الحزب الحاكم في عهد بن علي، وبعض قيادات حزب «قلب تونس» برئاسة رجل الأعمال والإعلام نبيل القروي، و«الحزب الدستوري الحر» الذي تتزعمه عبير موسي.

وفي سياق متصل أدلى القيادي في حزب الشعب (قومي عربي ناصري القريب من قصر الرئاسة بقرطاج) وعضو البرلمان بدر الدين القمودي بتصريحات معارضة بحدة لرئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي. وأورد القمودي، الذي رشحته بعض الصفحات لرئاسة الحكومة المقبلة أن حزبه «لعب فعلاً» دوراً كبيراً في تنظيم مظاهرات 25 يوليو الماضي مع «تنسيقيات الرئيس قيس سعيد»، بهدف «استبعاد قوى الإسلام السياسي، ووضع حد لسيطرتها على البرلمان، وعلى عدد من مؤسسات الدولة والإدارة». وأعلن القمودي أن رئاسة الجمهورية بدأت تنفيذ «خريطة طريق» لمحاربة الفساد وتكريس «الحوكمة الرشيدة»، دون إضاعة الوقت في «حوار عقيم مع قيادات سياسية وحزبية ونقابية ومن المجتمع المدني سبق للرئيس قيس سعيد أن اتهمها قبل انتخابه في 2019 وبعد ذلك بالفساد وبالحصول على (تمويل أجنبي) بهدف تكريس تدخل أطراف خارجية في القرارات الوطنية السيادية».

– خريطة طريق مستقلة عن الأحزاب

في سياق متصل أورد وليد الحجام مستشار الرئيس التونسي أن الرئيس قيس سعيد ومؤسسة الرئاسة بصدد استكمال «خريطة طريق» قد يُعلَن عنها لاحقاً. وقد بدأت الرئاسة التمهيد لها عبر سلسلة من القرارات والمراسيم الرئاسية التي صدرت خلال الأسبوعين الماضيين، وأدَّت خاصة إلى «تعليق» عمل البرلمان وتعييين مسؤولين جدد على رأس المناصب الرسمية في الدولة بعد إقالة حكومة هشام المشيشي، وأغلب مستشاريه ووزرائه وإحالة عدد منهم إلى التحقيق. وخلافاً لما كان متوقعاً لم يبدأ قيس سعيد بتعيين رئيس حكومة، بل عين وزراء ومشرفين على الوزارات والقطاعات الحساسة، ثم سيعلن عن اسم رئيس الحكومة الذي سيكون بمثابة «المنسق العام» بين الوزراء، ولا يتمتع بالصلاحيات التي تمتع بها رؤساء الحكومات السابقون الذين كانوا يخضعون أساساً لرقابة البرلمان أكثر من تبعيتهم لرئاسة الجمهورية.

وتسبق هذه الخطوات مرحلة إعداد «لجنة خبراء في رئاسة الجمهورية» لمشروعين لتعديل الدستور والقانون الانتخابي قد يعرضهما الرئيس قيس سعيد على الاستفتاء الشعبي للمصادقة. كما قد يعرضهما على البرلمان الحالي بعد إبعاد عشرات من أعضائه الحاليين «المتهمين بالفساد وتهريب مئات المليارات»، حسب تصريح لقيس سعيد.

– مركزة القرارات في قصر قرطاج

في هذا السيناريو، رجح الوزير السابق والقيادي في حزب الشعب محمد المسيليني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تتابع الرئاسة تسيير الأمور وتصريف الأعمال «عبر المراسيم والقرارات الرئاسية» على غرار ما بدأ به العمل منذ أسبوعين عند الإعلان عن عشرات من قرارات العزل والإقالة والتعيين في المناصب العليا. كما يتابع الرئيس بقية القضايا عبر وزير الداخلية الذي منحه القانون التونسي صلاحية إصدار قرارات (وضع تحت الإقامة الجبرية) والمنع من السفر لأسباب أمنية دون الحاجة إلى إذن قضائي. وقد أوضح محسن الدالي الناطق باسم القطب القضائي المالي أمس السبت أن بعض الوزراء وكبار السياسيين الذين شملتهم قرارات «الإقامة الجبرية» مثل الوزير السابق للنقل والقيادي في حزب «النهضة»، أنور معروف، ليس لديهم ملفات لدى القضاء حالياً، لكن وزارة الداخلية أمرت بالتحفظ عليهم أو وضعهم تحت الإقامة الجبرية.

وكان معروف أُحيل إلى القضاء قبل أكثر من عام بعد اتهام ابنته البالغة 16 عاماً بالتسبب في أضرار مادية لسيارة الوزارة، بعد حادث مرور تسبب في خسائر مادية. من جهة أخرى، يتهم بعض السياسيين الوزير السابق أنور معروف بتقديم معلومات عن شبكة الناخبين لحزب «النهضة»، عندما كان وزيراً لتكنولوجيا الاتصال، عشية انتخابات 2019.

في السياق ذاته، أكد محسن الدالي الناطق باسم القطب القضائي التونسي، أمس (السبت)، للصحافة التونسية، أن المؤسسة القضائية قد تصدر قريبا قرارات إيقاف أو «وضع تحت الإقامة الجبرية أو حجر السفر» ضد عدد كبير من الوزراء وكبار السياسيين في الحكومة التي عزلها قيس سعيد قبل أسبوعين والحكومة التي سبقتها، أي حكومتي هشام المشيشي ويوسف الشاهد. وأكدت مصادر إعلامية أمس أن تحقيقات بتهم «الفساد واستغلال النفوذ» أعيد فتحها ضد رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد ومستشاره الوزير المهدي بن غربية، ومستشاره الإعلامي مفدي المسدي. لكن الناطق باسم القطب القضائي محسن الدالي أورد أنه لم تصدر بعد أي تعليمات رسمية من القضاء بإيقافهم أو وضعهم تحت الإقامة الجبرية. وأعلن مجموعة من المحامين والسياسيين بينهم النائب عن كتلة حزب قلب تونس، جوهر المغيربي، أنهم قرروا التوجّه إلى القضاء الإداري للطعن في القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 25 يوليو الماضي. وأوضح المغيربي على صفحته بموقع التواصل «فيسبوك» أنه قرر «التوجه إلى القضاء الإداري ومن خلاله إلى القضاء كسلطة مستقلة عن باقي السلطات».

– قضايا جديدة ضد «النهضة»

في الأثناء روجت وسائل الإعلام وأطراف مقربة من قصر قرطاج أن «قضايا جديدة فتحت ضد قيادات حزب النهضة»، من بنيها ملفات «جديدة» تهم التمويل الأجنبي والتعاقد مع مؤسسات أوروبية وأميركية «للدعاية ضد تونس وضد الرئيس قيس سعيد».

وأكد ممثل وزارة العدل التونسية أن قضية جديدة فتحت فعلاً ضد قيادة النهضة، بعد الكشف عن عقد «لوبينغ» مع شركة ضغط دولية، أبرمته الحركة الأسبوع الماضي للقيام بحملة لصالحها في الولايات المتحدة الأميركية بغرض «تحسين صورتها والتلاعب بالرأي العام، من أجل تشكيل مجموعة ضغط ضد الرئيس قيس سعيد بعد قراراته الاستثنائية».

في هذه الأثناء، رفع عدد من المحامين والسياسيين قضايا استعجالية أمام عدد من المحاكم التونسية والأجنبية ضد عدد من الأطراف السياسية لمحاولة التأثير في «خريطة الطريق»، ومرحلة ما بعد موعد 25 أغسطس (آب)، أي موفى أجل الشهر الذي حدده قيس سعيد «لتفعيل الإجراءات الاستثنائية».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *