اسلاميو الجزائر وتشريعيات 12 جوان/يونيو

علي عبداللطيف اللافي-كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

** تمهيد

يُدلي الجزائريون  غدا السبت 12 جوان/يونيو الجاري بأصواتهم في الانتخابات التشريعية لاختيار ممثليهم في الغرفة الأولى للمؤسسة التشريعية الجزائرية ولكن الاسلاميين مثلهم مثل اليساريين والقوميين والليبراليين الجزائريين وأيضا الجبهاويين (نسبة لحزب “جبهة التحرير الوطني”)، لم يستطيعوا الالتقاء والتوحد على موقف واحد لا ضمن مُربع المقاطعين للتشريعيات ( عمليا لم يقاطع الانتخابات من الاسلاميين سوى الأحزاب غير المقننة على غرار حزب “الرشاد” بينما لن يشارك من أحزاب التيار الديمقراطي سوى حزب جيل جديد بقيادة “جيلالي سفيان”)، ومن الواضح أن أنصار التيار الإسلامي بمفهومه العام ممن سيختارون المشاركة والاقتراع لن يصوتوا في اتجاه واحد ولن يكون تصويتهم آليا لأي حزب إسلامي بعينه ورغم ذلك يُنتظر حلولهم في الترتبين الأول أو الثاني، وسينحصر صراعهم على تصدر المشهد مع المستقلين وفقا لقراءات أغلب المتابعين، فماهي أهم مواقف الإسلاميين الجزائريين بمختلف أحزابهم وتنظيماتهم وقياداتهم واصطفافاتهم الاجتماعية ومن ثم السياسية في تشريعيات 12 جوان/يونيو ( أي غدا السبت)، وما هو أفقهم السياسي بعد ذلك بغض النظر عن نتائجهم المسجلة خاصة وان حركتي “البناء” و”حمس” مؤهلتين للمشاركة في الحكومة المقبلة وأن منصبي رئاسة الحكومة أو البرلمان سيكون من نصيب أحدهما والفرضية الثانية طبها هي الأقرب للواقع؟

** كيف خاضت الأحزاب الإسلامية انتخابات 2017 التشريعية، وماهي تفاصيل نتائحها؟

شارك إسلاميو الجزائر1 في الانتخابات التشريعية لعام 2017 تحت لافتة قطبين كبيرين، الأول يضم أحزاب “حركة النهضة”، و”حركة البناء الوطني”، و”جبهة العدالة والتنمية”، بينما ضم الثاني كل من “حمس” (حركة مجتمع السلم) و”جبهة التغيير”:

الاتحاد من أجل العدالة والنهضة والبناء: وهو تحالف استراتيجي بين ثلاثة أحزاب إسلامية هي “حركة البناء الوطني”، و”جبهة العدالة والتنمية”(بقيادة عبد الله جاب الله) و”حركة النهضة” (بقيادة محمد ذويبي)، ووقعت الأحزاب الثلاثة على وثيقة “التحالف الاستراتيجي” في يناير/كانون الثاني 2017، لخوض الانتخابات التشريعية في مايو/أيار 2017، وهدف التحالف يومها -بحسب نص الوثيقة- إلى تحقيق 14 هدفا، أهمها “المحافظة على السيادة وحماية الوحدة الوطنية والدفاع عن الحقوق والحريات الفردية والجماعية”، وقد تحصل هذا التحالف على 15 مقعدا نيابيا…

“حمس”(MSP) و”التغيير”: أعلنت حركة مجتمع السلم أي “حمس” (بقيادة “عبدالرزاق مقري”) و”جبهة التغيير(بقيادة عبد المجيد مناصرة)، قرار الوحدة الاندماجية بين الحزبين الإسلاميين، وذلك في جانفي 2017، ومعلوم أن “حمس” هو حزب إسلامي أسسه الداعية الراحل محفوظ النحناح في 30-05-1991 بعد فتح التعددية السياسية في البلاد وقد شارك في حكومات عدة منذ نهاية التسعينات قبل انضمامه للمعارضة بينما تأسست “جبهة التغيير” مطلع عام 2012 بعد انشقاق قيادات من حركة حمس إثر أزمة داخلية، ومعلوم أن هذا التحالف حصل على المرتبة الثالثة بـــ33 مقعدا ….

حركة الإصلاح الوطني(MRN): وهو حزب تم تـأسيسه في 14-01-1999 بعد حدوث انقسام في حزب “حركة النهضة” (الإسلامي)، وقد أسسه “عبد الله جاب الله” قبل أن يغادره ويؤسس حزب “جبهة العدالة والتنمية”، ويقود الحزب حاليا “فيلالي غويتي”، وهو تقريبا الحزب الإسلامي الوحيد الذي لم يدخل في الائتلافين السابقين، وله نائب فقط في مجلس النواب السابق …

** استراتيجيا الاسلاميين ورهاناتهم لتغيير المشهد التشريعي لصالحهم في انتخابات 12 جوان/يونيو

الأحزاب الإسلامية أكدت جميعا مشاركتها ولكنها لم تقم هذه المرة بأي تحالف انتخابي بين مكوناتها ولو جزئيا (اثنين/اثنين)، وبالتالي تم عمليا وأد تجربة 2012 و2017 (أي عندما تحالفت أحزاب إسلامية وشكلت مع بعضها قائمات انتخابية)، وما يمكن تأكيده أن الإسلاميين قد يحصلون على حوالي 80 مقعدا في حد أدنى (خمس المجلس) ومعلوم أنهم حصلوا في انتخابات 2012 على 45 مقعدا وفي انتخابات 2017 على 49 مقعدا، وسيمكنهم عدم التضييق عليهم وفي صورة حسن إدارتهم للحملة الانتخابية وطبيعة خطابهم وتماهيه مع رغبة وآمال الجزائريين من الحصول على اكثر من 100 مقعد…

معلوم أيضا أن السلطات لن تسمح بأي نشاط مستقبلي لحزب “الارشاد” (أي بقايا ناشطي “الفيس” سابقا) بل وستحاصره خارجيا، بينما هي – أي السلطة الجزائرية – تعتقد أن حزب “البناء الوطني”(بقيادة “بوقرينة” والذي حل ثانيا في رئاسيات 11-12-2019)، أقرب إليها وترتاح لفعله وخطابه السياسي وقد يحصل ذلك الحزب على ما بين 40 و60 مقعدا، أما حمس (بقيادة “عبدالرزاق مقري”)، فهي في رؤية السلطات الحالية لا حرج في مشاركتها حتى في الحكم وقد يحصلون على ما بين 30 و40 مقعدا، أمَّا البقية فانهم قوى ضعيفة وكلاسيكية في المشهد السياسي ولن يحصل أي حزب إسلامي آخر على أكثر من خمس او ست مقاعد…

عمليا تبحث الأحزاب الإسلامية في الجزائر عن تحقيق أول فوز لها في الانتخابات البرلمانية منذ 30 عاما، بالنظر إلى الضعف الذي تعاني منه أحزاب السلطة، عقب سجن العديد من قياداتها بتهم الفساد الكبرى وابتعاد مؤسسيها وتحميلها وتحملها لخيبات العقود الماضية ومؤثرات الاستبداد، ورغم تقهقر شعبية الأحزاب الإسلامية أيضا خلال العقود الماضية، بسبب مشاركة عدد منها في الحكومات السابقة، ثم انقسامها وتشظيها، إلا أنها تشترك في هذا الضعف مع معظم أحزاب المعارضة الرئيسية، وهو ما يعني أن كل ذلك يدفع فعليا تلك الأحزاب الإسلامية إلى مقدمة المشهد السياسي خاصة بعد مقاطعة الأحزاب العلمانية المعارضة للانتخابات ( والمعروفة اعلاميا بأحزاب التيار الديمقراطي) باستثناء حزب جبل جديد…

عمليا قد لا ينافس الإسلاميين في انتخابات غدا السبت 12 جوان/يونيو سوى القوائم المستقلة، خاصة وأن هذه الأخيرة تحظى فعليا بتشجيع من السلطات عبر منح الشباب الأقل من 40 عاما تمويلا لحملاتهم الانتخابية كمثال للذكر لا الحصر ومن جهة أخرى تواجه قوائم المستقلين، عقبة كبيرة تتمثل في عتبة 5 بالمئة، التي تحتاج لتجاوزها للحصول على مقاعد، مما يعطي أسبقية إضافية للأحزاب الإسلامية، الأكثر انتشارا وتنظيما، غير أن انقسام الأحزاب الإسلامية، واستنزافها جزءا من طاقتها قي صراعات وصدامات داخلية أثر على سمعتها، رغم محاولتها جمع شتاتها عبر تحالفات فيما بينها لم تحقق النتائج المرجوة، لكنها هذه المرة فضلت الدخول منفصلة، لاعتقادها أن حظوظها أوفر هذه المرة، بعد أن غيّر الحراك الشعبي شروط اللعبة السياسية.

فعليا تباينت استراتيجيات الإسلاميين خلال الحملة الانتخابية واختلفت طرق عملهم وخططهم التنفيذية تحضيرا لانتخابات بعد الغد السبت:

حركة مجتمع السلم: توجد حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي)، في موقع يؤهلها لإحداث مفاجأة في الانتخابات المقبلة، خاصة وأنها تتميز بانتشارها في معظم ولايات البلاد، وبقواعدها المنضبطة، لكنها عانت من عدة انقسامات وخرج من رحمها عدة أحزاب على غرار “حركة التغيير”، التي عادت واندمجت فيها، و”حركة البناء الوطني”، و”تجمع أمل الجزائر”، وذلك الانقسام من بين الأسباب الرئيسية لتراجع حصتها من المقاعد في البرلمان السابق، وقد يؤثر على حظوظها في الانتخابات الحالية أيضا، ومعلوم أن الميزة الرئيسية لحركة مجتمع السلم، أنها سبق لها وشاركت في الحكومة، كما أن المحيط المغاربي يتميز بتقبل فكرة مشاركة الإسلاميين في الحكم على غرار تجربة حركة النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية في المغرب، وحزب العدالة والبناء في ليبيا، والتجربة القصيرة لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) في موريتانيا.

** حركة البناء الوطني: ولدت حركة البناء الوطني من رحم حركة مجتمع السلم، وأسسها مصطفى بلمهدي، والذي ترك القيادة لعبد القادر بن قرينة (وزير السياحة الأسبق)، والذي ترشح لرئاسيات 12 ديسمبر/ كانون الأول 2019، وحقق مكسبا سياسيا (حلّ ثانيا خلف المرشح تبون حيث حصل على مليون ونصف مليون صوت وحصل يومها على 17.4 بالمائة من الأصوات)، كما تم اختيار القيادي في حركة البناء “سليمان شنين”، لرئاسة البرلمان بين افريل 2019 ومارس 2021)، ومع أن عمرها لم يتجاوز 7 أعوام، إلا أن بن قرينة، يتوقع أن تحتل حركة البناء المرتبة الأولى، وتكون شريكا أساسيا في الحكومة المقبلة…

جبهة العدالة والتنمية: عمليا يأمل جاب الله، أن يحقق مفاجأة جديدة هذه المرة، بعد أن تغيرت المعطيات، معتقدا أن الزمن أنصفه عندما رفض المشاركة في أي حكومة طيلة العقود الثلاثة الماضية رغم كل الإغراءات والمضايقات، وهو يعتقد أن التيار الإسلامي يملك أكبر وعاء انتخابي في الجزائر، وقد حذر مؤخرا من مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة قائلا إنها “فعل سلبي لا يخدم الشعب، ولا يحقق التغيير المنشود”.، أما بالنسبة لحركتي النهضة والإصلاح، فمن المستبعد حصولهما على نتائج قوية، وأكثر ما يطمحان إليه الفوز بكتلة برلمانية من 7 نواب على الأقل كما سالفنا ذلك أعلاه ، ومعلوم أنه قد كما انشق عن حركة الإصلاح الوطني (مقعد واحد في تشريعيات 2017)، النائب جمال عبد السلام، الذي أسس حزب الجزائر الجديدة، في 2011، لكنه لم ينجح في الحصول على أي مقعد خلال انتخابات 2012.

** قراءة في الأفق السياسي لإسلاميي الجزائر بعد الرئاسيات

أثبتت تشريعيات 2017 أن التيار الإسلامي له وزن سياسي واجتماعي لا يُمكن انكاره وخاصة على المستوى المحلي والجهوي كما ان بعض الفاعلين الرئيسيين في أحزابه أصبحت لهم القابلية على تطوير فكرة التوحد على الحد الأدنى وبالتالي بينت عمليتي انصهار بين أحزابه التي فاق عددها الست مع بداية العقد الحالي (2011-2019) ومكنته عملية الانصهار من تطور عدد نوابه الجملي في الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري (المجلس الوطني الشعبي)، ومما لاشك أن التطورات الحاصلة جزائريا واقليما ودوليا ستفرض عليه تقييما لتشتته التنظيمي والسياسي وتجاوز عوائق حالت دون وحدته التنظيمية على غرار أمراض “الزبونية” السياسية و”الزعامتية” وفي استحضار الخلافات التاريخية خاصة وان خلافاته لم تكن يوما ما لا فكرية ولا ثقافية بل هي سياسية وتنظيمية بالأساس خاصة وان المجتمع الجزائري من حيث اهتماماته لا يرتاح للتيارات السلفية والجهادية وله قراءة خاصة لحقبة التسعينات ومآلاتها ومآسيها…

بيَّن حلول المرشح الإسلامي “عبد القادر بن قرينة” في المرتبة الثانية في رئاسيات 11 ديسمبر 2019 أن للتيار الإسلامي حضورا شعبيا وقبولا اجتماعيا وفرق كبير في فهم النخب العلمانية لدور الإسلاميين في المنطقة الشمال افريقية مقارنة مع النخبة التونسية والمصرية وكل ذلك سيمكن التيار الاسلامي الجزائري من قراءة جديدة لواقع الجزائر السياسي وأدوارهم المستقبلية فيه، وبناء أنهم يعرفون ومطلعين ما يجري في تونس وليبيا ومصر والسودان وكل المنطقة، خاصة في ظل التوازنات الجديدة على مستوى دعم مسار ديمقراطي لبد المليون ونصف شهيد….

سيرتبط أفق الإسلاميين الجزائريين السياسي بعوامل عدة وطنية واقليمية ودولية على غرار

عدم الاغترار بالنتائج الحاصلة ومن ثم العمل على تشكيل حكومة جزائرية توافقية وتضم كل من يقبل بالتوافق والوحدة الوطنية

ضرورة اجراء تقييمات في كل الحالات والقطع مع حالة التشرذم التنظيمي والحزبي والسياسي والاجتماعي..

الوعي النظري والعملي بالمخاطر التي تتهدد الجزائر كدولة كبيرة وقوية دبلوماسيا واقتصاديا، والعمل على المساهمة النظرية والعملية في تفعيل حضور الجزائر كبلد قوي مغاربيا وافريقيا ومتوسطيا وعربيا واسلاميا ودوليا…

القيام بقراءة تقييمية لمسارهم السياسي منذ بداية الثمانينات، والكف عن تحميل الآخر السياسي كل المسؤولية خاصة وانهم غير موحدين تنظيميا وسياسيا كما أوضحنا ذلك أعلاه…

حسن قراءة التطورات الإقليمية وسط صراع بين اطروحتي “بسط أنظمة عسكرية وكليانية وشمولية في كل المنطقة الشمال افريقية، وتسمح باستعمار جديد بواجهات جديدة” و”إرساء تجارب انتقال ديمقراطي تمكن دول المنطقة من تحرر شعوبها وانعتاقها وتتمكن تباعا من استغلال ثرواتها الطبيعية والبشرية”…

تجاوز العجز السياسي والثقافي الذي سقط فيه اسلاميو دول أخرى على غرار ليبيا ومصر والسودان، وتقديم بدائل وأطروحات تتسم بالخصوصية القطرية، مقابل التمايز في تقديم بدائل سياسية تجذب الناخب والمواطن الجزائر ومعايشة همومه وآلامه ومشاغله اليومية في الصحة والنقل والتجهيز وكل الخدمات الإدارية واليومية، وتقديم مشروع تنموي جديد يتجاوز اقتصار الاقتصاد الجزائر على الطاقة، وإعطاء أولوية للفلاحة والموارد المائية عبر استراتيجية للأمن الغذائي…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *