بقلم : علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

*** تمهيد: من هو “عبد السلام حاسي” أو العسكري “الجوكير”؟

إذا ما أردنا اختصار تعريف حول الجنرال “عبدالسلام الحاسي”، فيُمكن القول أنه عسكري ليبي عمل مع العقيد “معمر القذافي” طوال أربع عقود ثم انشق عنه أثناء ثورة فيفري/فبراير/شباط 2011، وهو أحد أهم القادة العسكريين الذين اعتمد عليهم اللواء المتقاعد “خليفة حفتر” في العملية التي أطلق عليها اسم “الكرامة”، كما اعتمد عليه في عملياته العسكرية جنوبا وغربا بداية من سنة 2018، قبل أن يتم ابعاده وسط غموض كبير اثر خسارة قوات حفتر تحت امرته لمدينة “غريان” الاستراتيجية (استعادتها منه قوات بركان الغضب التابعة لحكومة الوفاق صبيحة يوم 27 جوان/يونيو 2019)…

و”الحاسي” هو من مواليد سنة 1943 في مدينة “شحات” (شرق ليبيا)، وتخرج من الكلية العسكرية برتبة ملازم ثان، ليلتحق في مطلع السبعينيات بالقوات الخاصة للجيش الليبي التي تشكلت من وجهاء من الشرق وقادها يومها “عبد الفتاح يونس”، وقد تقلد “الحاسي” العديد من المناصب منها ضابط العمليات بالقوات الخاصة وشُعبة الإمداد في الجو ولاحقا عمل مُنسّقا للعلاقات الدولية بإقليم “دارفور” (في السودان)، كما أرسلت قوة لحفظ السلام هناك بإمرته…

وعشية اندلاع ثورة 17 فيفري/فبراير/شباط 2011 انشق “عبدالسلام الحاسي” عن نظام القذافي، وفي تلك الفترة أمسك إدارة خلية صغيرة للعمليات بمساعدة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومن البداية كان الرجل على عداء واضح مع بعض مكونات “فبراير” حيث حدثت مشاحنات بين قواته ومجموعات من الثوار، خاصة مع كتيبة “شهداء 17 فبراير” (التي كان يقودها زعيم حزب “الوطن” عبد الحكيم بلحاج)، وهو ما يُفسر لاحقا التحاقه المبكر بعملية الكرامة التي أطلقها حفتر في 16 مايو/أيار 2014 بمدينة “بنغازي”، ويومها تم تكليف “الحاسي” من قبل “حفتر” كآمر لغرفة عمليات عمر المختار في “الجبل الأخضر”(شرق ليبيا)، وفي ديسمبر/كانون الأول 2015 وبعد مقتل العميد “علي الثمن” إثر انفجار لغم أرضي تم تكليف “الحاسي” من قبل “حفتر” بقيادة غرفة عمليات الكرامة بنغازي، ويومها تبين للمُقربين من “حفتر” أن “الحاسي” يحظى بثقة حفتر الكبيرة والتامة، كما أن الرجل وفي لــــ”حفتر” أيضا وبأنه وفاء فريد ويصل إلى درجة الغرابة، ومن شدة وفائه الكبير لحفتر رفض “الحاسي” تولّي منصب وزير الدفاع في حكومة الوفاق الوطني، بعد أن طلب منه ذلك المبعوث الأممي الثاني إلى ليبيا “برناندينو ليون” سنة 2015.

*** علاقات واسعة وممتدة مع أطراف إقليمية ودولية

إضافة الى علاقاته القوية في ليبيا وخاصة في المنطقة الشرقية ومن بينها قُوة نُفوذه داخل مربعات “عملية الكرامة”، يتمتع “الحاسي” بقوّة علاقات واسعة ومُمتدة مع أطراف اقليمية ودولية ولكن بعضها مبني على تمتعه بعلاقات قوية وغير مسبوقة مع القبائل الليبية المُؤثرة ولا يُضاهيه في ذلك سوى “عبد الرزاق الناظوري”، وعمليا امتدت علاقات “الحاسي” مع القوى الدولية وخاصة الغربية منها أثناء الثورة الليبية عام 2011، ذلك انه كان حلقة الوصل مع المستشارين الغربيين الذين نسقوا غارات حلف شمال الأطلسي، ومنذ تلك الفترة اعتبرته الدول الغربية شريكا فاعلا في الحرب على الإرهاب والجماعات الإرهابية، وخاصة أن له تجربة في محاربتها سنة 1995 عندما قاتلت القوات الخاصة الليبية والتي كانت تحت امرته مُقاتلي وعناصر “الجماعة الليبية المقاتلة” وبعض جماعات أخرى، وترتّب على ذلك أنه في سنة 2012 افتتح الأميركيون مُعسكرا لقوات مكافحة الإرهاب بالقرب من طرابلس وتولى الحاسي مُهمة القيادة في ذلك المعسكر….

ويختلف بعض المُتابعين في درجة أو نسبة دعم مصر والإمارات للحاسي، وهل أنه المرشح المفضل للدولتين لخلافة حليفهما الرئيسي حفتر في اللحظة المناسبة؟، أم أنه يأتي في مرتبة ثانية بعد “عبدالرزاق الناظوري” أو ربما ثالثة بالنسبة للمصريين بعد “الناظوري” و”المنفور”، ولكن البعض يتحدث أن المصريين والإماراتيين أصبحوا يضعونه على رأس البدائل العسكرية لحفتر لتولي رئاسة الأركان مستقبلا وخاصة في صورة التوصل لتشكل حكومة وحدة وطنية،
والثابت أن إسم “الحاسي” قد وُضع ضمن خيارات مصر والإمارات وذلك أثناء تنسيقهما الذي بدأ لتفادي انهيار “عملية الكرامة” بالتزامن مع مرض حفتر ودخوله أحد مستشفيات باريس جراء إصابته بنزيف دماغي في أفريل 2018، ومعلوم أنه تم الكشف يومها أن ذلك التنسيق المصري الإماراتي قاده “طحنون بن زايد آل نهيان” بالتعاون مع “محمود حجازي” (مدير المخابرات المصرية رئيس الأركان المصري السابق ورئيس لجنة مصرية معنية بليبيا يومها …)، ولابد من التذكير هنا أن “حاسي” كثّف أنشطته في تلك الفترة بالذات حيث ترأس يومها وفدا عسكريا للمصالحة بين السودان و”حفتر” بعد سنوات من التوتّر، وهو تقارب قال المتابعون والمراقبون يومها أن القاهرة وأبو ظبي طلبتاه قبل ذلك أي بداية من سنة 2018…

أما فرنسا فقد مدت الجسور مع العسكري “الجوكير” حتى أنه تم وصفه من قبل مواقع وصفحات ليبية بأنه “رجل فرنسا”، وان كان الوصف نسبي ومُبالغ فيه بمنطق التحليل السياسي الا أنه أي “الحاسي” هو الضابط الليبي الوحيد الذي استقبله الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” في التاسع من أبريل/نيسان 2018 في قصر الإليزيه، وقد تزامن ذلك مع بداية متاعب حفتر الصحية، ومقابل ذلك يمكن التأكيد على ثلاث نقاط رئيسية في هذا الاطار أن “حاسي”:

• يُحظى بدعم أطراف وقوى وأجهزة غربية سياسيا واعلاميا وانه من الثابت أنه تم حمايته من أي ردود فعل ضده بعد خسارته لغريان في جوان/يونيو 2019 ورغم طلب مقربين من حفتر معاقبته باي من الاشكال الا أن ذلك لم يتم وما حدث هو أنه توارى على الأنظار…

• رجل غامض علاقاتيا وهو على عكس بقية العسكريين المُحيطين بحفتر لا يظهر في زيارات معلنة للعواصم العربية والغربية إلا نادرا، وحتى وان تم ذلك ففي سرية تامة حتى أنه لم تنقل حوله أي اخبار بشأن لقاءات مع السفراء الغربيين في ليبيا والمقيمين في تونس على عكس بعض رفاقه، وبعضهم شُوهدوا في مناسبات عدة في نزل ضواحي قمرت في تونس العاصمة لترتيب لقاءات مع مسؤولين غربيين سواء في إطار المفاوضات (بين سنتي 2016 و2019) أو في أي عاصمة عربية أخرى أو في أي مدن أوروبية…

• يكتسب سمات وخاصيات وارث تاريخي لا تتوفر لغيره أو بقية البدائل المرتقبة لحفتر (“الناظوري” – “المنفور” – “جويلي” –”الحداد” -“سالم جحا” أو أي قيادي عسكري آخر)، وأن طبيعة شخصيته تتلاءم مع ما تُحبذه القوى الغربية وخاصة الأمريكيين وحلفائهم في إدارة الملف الليبي مستقبلا وخاصة في دور الجيش الليبي ومهامه المرتقبة مستقبلا، كما تتلاءم مع ضرورة بناء جيش قوي ومتناغم التركيبة بعيدا عن التجاذبات السياسية والرهانات والتحديات والتي ستعرفها الساحة الليبية بعد تشكيل الحكومة الموحدة…

*** هل سيكون “حاسي” الخيار الناعم والهادئ لإخراج “حفتر” من المشهد؟

يُمكن الجزم أنه بناء على المعطيات التي ذكرناها أعلاه، وبناء على أن خيارات الحسم العسكري والميداني في ليبيا قد تم تجميدها على الأقل مرحليا، وأن الأولوية أصبحت للخيارات والحلول السياسية وخاصة بعد تحديد يوم 08 نوفمبر لملتقى تونس وبعد توافقات لجنة 5 زائد 5 العسكرية في جنيف منذ يومين، وهو ما يعني أن هناك توافقات ستؤدي الى اختيار شخصية عسكرية لتشغل المنصب الأول في الجيش الليبي بعد توحيد هياكله المركزية ومؤسساته الفرعية في المناطق الثلاث، وبما أن “حفتر” قد فقد زمام الأمور سياسيا وعسكريا بخساراته الكبيرة والمتتالية والمتعددة في المنطقة الغربية، فانه أيضا وعلى الأرجح بنسبة عالية قد يغادر مُربع المسؤوليات العسكرية، ولكن سيكون هناك ثلاث خيارات:

• الخيار الأول: وهو وارد ولكنه ضعيف، ويتمثل أن يغادر “حفتر” نهائيا وخاصة في ظل حديث واخبار أنه راج أنه طُلب منه من طرف بعض حلفائه وخاصة الروس، أن يستعد خلال المرحلة القادمة لترتيب مستقبله ومستقبل عائلته في فنزويلا أو الأردن، وفي هذه الحالة سيكون لحاسي موقع متقدم ولكنه ليس بالضرورة رئيسا للأركان ولكنه سيكون المرشح رقم1 للمنصب مقارنة ببقية مُنافسيه …

• الخيار الثاني: وهو ان يبقى اختيار قائد للجيش ضمن مسارات الحوار السياسي وسيناريوهاته الأربع (النجاح الكامل – النجاح الجزئي – الفشل الكامل والتدخل الدولي – الفشل والسقوط في مرمى الحرب الاهلية)، ومما لا شك فيه أن الحاسي لن يكون رئيسا للأركان الا في السيناريو الأول…

• الخيار الثالث: وهو الأرجح وتصل درجته الى 75 بالمائة ويلتقي مع الخيار الثاني في حالة السيناريو الأول لمآل الحوار السياسي المرتقب في تونس، ويتمثل هذا الخيار في ابعاد ومغادرة حفتر وتواريه ولكن عبر تولية رجل مقرب منه وذلك بهدف أن لا يتضرر المقربون منه( القادة المقربون – مستشاريه على قلتهم – أبناؤه واصهاره واقرباؤه)، وسيتم ذلك عبر تنازلات متبادلة بحثا عن مصالحات متينة على الأرض بين الفرقاء العسكريين، وعندئذ قد يصح ان يعمد حلفاؤه المحليين والإقليميين والدوليين الى اختيار قائد عسكري يبقى على تواصل معه ويرتب امر أولئك المقربين سابقا من حفتر بدون أن يظهروا للعلن وفي واجهة الأحداث مستقبلا، وهناك خيار جزئي ضمن هذا الخيار الواسع وهو يعني أيضا وربما إعطاء حفتر منصب حتى بروتوكولي بجانب رئيس اركان قوي(مستشار اعلى للقيادة العسكرية )، وعندئذ لا يكون رئيس الأركان سوى حاسي نفسه…ربما…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *