ردّا على ما أورده السید أنیس الحمایدي في ندوته الصحفیة بتاریخ 17 سبتمبر 2020 ونقلته عدید وسائل الإعلام حول زعمه تدخّل الوكیل العام للجمھوریة بنابل لفائدتي في موضوع قضیّتي وقضایا أخرى في الولایة أعلمك أنه :
أولا : تم استدعائي في الیوم الثاني من الحادثة بعد تعھد النیابة العمومیة بالقضیة مباشرة وقدمت أقوالي لدى قلم البدایة – الشرطة- وتمت المكافحة مع الضدّ وبقیت في حالة سراح وقد أحیلت القضیة في الیوم الموالي على حاكم التحقیق الذي تعھّد بھا واستمع إليّ وإلى الطرف المقابل وتركني في حالة سراح أیضا,وھي إشارة كافیة لك ولغیرك. وأعلمك أنني لم ألتق بنیابة عمومیة أو وكیل جمھوریة حینھا ولم أصادف في حیاتي أن التقیت بوكیل الجمھوریة أو
بالوكیل العام المذكور لا قبلا ولا بعدا ولم تربطني به علاقة بأي شكل من الأشكال سواء كانت مباشرة أو غیر مباشرة ولم یخطر ببالي یوما أن أربط علاقة بأي قاض من القضاة حتى وأنا نائب رئیس ب”ھیئة الحقیقة
والكرامة” ولا حتى في أحلك الفترات التي مررت بھا في ھذه القضیة المفتعلة، وذلك لسبب بسیط ھو أني مؤمن ببراءتي ومؤمن بأن الله ھو الكفیل بإظھار البراءة والحقیقة.
ورغم أني حوكمت ظلما في مناسبات سابقة أیام قمع بن علي كلفتني السجن في 3 محطات متفرقة بلغ مجملھا 3 أعوام إلا أني بقیت أؤمن أن القضاء لا بد أن یبقى مستقلا ومحایدا وقویا ونبیلا وأن تبقى ساحته من أشرف الـساحات وأقدسـھا ،كونھم في الأصل حاملوا لواء الحق والعـدل والـساھرون على محاولـة تحقیقـه.
ثانیا : أعلمك أنني لم أكن نائبا بالبرلمان حین تعھّد بقضیتي حاكم التحقیق وبالتالي لا دخل للوكیل العام بملفّي ولا صحة للغمز الذي ادعیته أنت “سیدي” الحمایدي ووصفتني فیه بالنافذ.
ثالثا : من أول یوم بالبرلمان قدّمت وثیقة ممضاة لحاكم التحقیق عبر المحامي تخلّیْت فیھا عن حصانتي إیمانا مني بضرورة حسم الملف بعیدا عن التوظیف السیاسي أو التمسك بالحصانة واعتقادا باستقلالیة المرفق القضائي وإیمانا مني ببراءتي .
رابعا : لقد ضغطت “سیدي” أنیس الحمایدي أنت وزمیلتك بالجمعیة من خلال استعمالكما للإعلام وكافة الوسائل سابقا وحاليا لتثبیت الاتھام ضدي بشتى الطرق الأمر الذي كان وسیكون سببا في التأثیر السلبي على مجریات القضیة وھو ما أعتبره جرما في حقّي وفي حق المسارات القضائیة التي لم تُحسم بعدُ بشكل نھائي فضلا عن تأثیرك المباشرة بمثل ھذه الاتھامات على حیاد المرفق القضائي ومسّا بسلطة القضاء واستقلاله.
خامسا : لقد تعرّضتُ إلى حملات شعواء من جمعیات مشبوھة تجھل مضمون القضیة وحیثیات الحادثة وصبرت وسكتّ ،وتعرّضت إلى حملات إعلامیة غیر مسبوقة في الإذاعات والتلفزات والوسائط الإلكترونیة ورغم ذلك صبرت ولُذتُ بالصمت واحتسبته مثوبة عند الله وذلك لاعتقادي الراسخ بعبثیة جدوى توظیف الإعلام للتأثیر على القضاء, وتعرّضت كذلك إلى توظیف ضاغط من طرف أحزاب سیاسیة معلومة استغلت الحادثة والصورة لتجییرھا في غیر حقیقتھا ولتضلیل الرأي العام من أجل الانتقام من خصم سیاسي بشكل رخیص ومبتذل ومقذع،ورغم ذلك اصطبرت حسرة وألما انتظارا لحسم الملف من طرف السلطة القضائیة فحسب.
ولكن أن یقتحم معركة التشویه قضاة یزعمون أنھم یناضلون من أجل استقلال القضاء وحیاده فھو لعمري من أسوإ ما یمكن أن یخرّب البلاد والمرفق القضائي وینال من القواعد الأساسیة المنصوص علیھا في مبادئ الأمم المتحدة القاضیة بأن “تفصل السلطة القضائیة في المسائل المعروضة علیھا دون تحیز على أساس الوقائع ووفقا للقانون،
ودون أیة تقییدات أو تأثیرات غیر سلیمة أو أیة إغراءات أو ضغوط أو تھدیدات أو تدخلات، مباشرة كانت أو غیر مباشرة من أي جھة أو لأي سبب”.وأنت “السید” أنیس وما أتیته بتصریحاتك قد خرقت أھم المبادئ الأممیة التي كان الأجدر أن یتشرّبھا ضمیرك ولكن شتان بین الثرى والثریّا.
سادسا :إن ما اجترحته من ذكر أسماء بعض المتقاضین في خرق واضح للدستور التونسي یجعلك في دائرة الاتھام ونترفع عن ذلك ولكن لا نحتاج إلاّ أن نذكّرك بالدستور التونسي في فصله 102 الذي ینص على أن: “القضاء سلطة مستقلة تضمن إقامة العدل، وعلویة الدستور، وسیادة القانون، وحمایة الحقوق والحریات…والقاضي مستقل لا سلطان عليه في قضائه لغیر القانون ” .كما یجدر بي إعلامك أن قاضي التحقیق ھو من حقّق في القضیّة وھو المھیمن على ملفه ولا دخل للوكیل العام في الموضوع وكل اتھاماتك لزملائك قد ینال من المبدأ الثامن للأمم المتحدة “یسلك القضاة دائما لدى ممارسة حقوقھم مسلكا یحفظ ھیبة منصبھم ونزاھة واستقلال القضاء”.وأنت “سیدي” لم تحفظ ھیبةً لمنصبك وصفتك أو احترامًا لزملائك وحیادھم ولم تحفظ ثقةَ المتقاضین بسلطتكم .أذكرك أن الفصل 108 من الدستور ینصّ على أنه “لكل شخص الحق في محاكمة عادلة في أجل معقول ,والمتقاضون متساوون أمام القضاء…وحق التقاضي وحق الدفاع مضمونان…ویُحجر التدخل في السیر العادي
للقضاء. ” وأنت بصنیعك قد تدخلت في السیر العادي للقضاء قبل الحسم النھائي في الملف واستعملت صفتك للتأثیر على مسارات التقاضي ووظفت الإعلام لتثبیت الاتھام ظلما وعدوانا مستعملا اسمي وذلك للتشكیك في أھم مؤسسة قضائیة منتخبة وھي المجلس الأعلى للقضاء ورموزه وھو ما یؤكد المُسلّمة التي تقول بأنك بصدد تصفیة حساباتك
الشخصیة فحسب على حساب المتقاضین وعلى حساب الدور الرئیسي الموكول للمرفق القضائي الحامي لحقوق الإنسان والحریات الأساسیة كما حمایة الضحایا، أو من یحتمل أن یكونوا ضحایا ودوره كذلك في ضمان حصولھم على سبل الإنصاف الفعالة ومحاكمة عادلة طبق ما تقتضیه المواثیق الدولیة والدستور التونسي. وأنت بتصریحاتك
قد عبثت بھذه المبادئ الكونیة والعالمیة والقیم الدستوریة الدنیا. فضلا عن أخلاقیات المھنة وشرفھا.
سابعا : أرید أن أذكرك بما نصت علیه اللجنة المعنیة بحقوق الإنسان بالأمم المتحدة إلى أن” الحق في محاكمة حیادیة ونزیھة یرتبط ارتباطا وثیقا بالضمانات الإجرائیة الممنوحة للدفاع. وأذكرك بتعریفات المحكمة الأوربیة عن تعریف الحیاد “بأنه عدم التحیّز أو إظھار العداء أو إظھار التعاطف إلى أيّ من طرفي التقاضي”ویجدر أن أذكرك أیضا بما نص علیه المیثاق الأوروبي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة على “وجوب امتناعھم عن أي فعل أو سلوك .وھا أنك وأنت تحمل صفة القاضي قد عصفت بھذه المُسلّمات ونسفت ضماناتنا الإجرائیة الدنیا في الدفاع وأظھرت عداء لأحد طرفي التقاضي وشككت في زملائك وفي حیادیة المرفق كله ونسبت كذبا وزورا اتھامات للجمیع بشكل مقرف, وھو ما دفع المجالس القضائیة قاطبة باتھامك أنك غیر مسئول وبصدد تصفیة الحسابات وأنك مشھّر وماس بسمعة القضاء ولا تؤمن بالمؤسسات الدستوریة ولا بالھیئات والسلطات المنتخبة, ولا تؤمن بنتائج الانتخابات كما ویعزز ھذه الاتھامات جل مواقفك التي أصدرتھا منذ سبتمبر 2016.
ثامنا :أرید أن أذكرك أننا وفي زمن الجمر وأیام قمع بن علي ویوم كنت أنت ماسكا بحواف ملف “الحوض المنجمي” ومؤثرا فیه، كنا نحن نناضل من أجل استقلالیة القضاء وحیاده وتحملنا وزر المضایقة مع زملاءك
الأشاوس السیدات والسادة الأفاضل كلثوم كنو واحمد الرحموني وروضة العبیدي ولیلى بحریة وحمادي الرحماني وغیرھم كثیر . وھا أننا نجد أنفسنا نقطّع نواجذنا أن أصبح بعض قضاة الجمعیة التي ناضلنا معھا ومن أجلھا تھتك ستر المناضلین الأبریاء وتكذب علیھم وتنال من المحاكمات العادلة وتتدخل في شأن المسارات القضائیة وتمس من ھیبة القضاء الذي طالما ظلمنا وسجننا زمن الجمر في أكثر من مناسبة . وكنا نتمنى منك ومن زمیلتك مراكمة استقلالية المرفق القضائي وتجنب التأثیر في المسارات القضائیة والتعالي
عن تصفیة الحسابات الضیّقة ولكن خاب ظننا فیكم. وما كل ما یتمنى المرء یدركه تجري الریاح بما لا تشتھي السفن.
أًختم لأقول إن السلطة القضائیة باعتبارھا إحدى سلطات الدولة الثلاث محمول علیھا طبق القوانین والأعراف أن تُجرّم نشر أمور من شأنھا التأثیر على القضاة الذین أُنیط بھم الفصل في دعوى مطروحة أمام أي جھة من جھات القضاء في البلاد وفي رجل القضاء أو النیابة أو غیرھم من الموظفین المكلفین بالتحقیق أو التقصي أو ختم بحث الملفات أو أمور من شأنھا التأثیر في الرأي العام لمصلحة طرف ضد طرف أو لحساب طرف آخر، لأن ھذا المسلك من شأنه التأثیر في الرأي العام الذي یقع في حیرة من أمره إذا ما أصدرت المحكمة حكما لا یتفق مع ما انتھت إلیه
“المحاكمة الإعلامیة” التي أطلقھا وبتّ فیھا “إعلامیّا” بعض القضاة غیر المسئولین والتي تبلغ بنا إلى نتیجة تسيء إلى العدالة وتزعزع ثقة الرأي العام فیھا،وثقة المتقاضین بھا كما فرضیة القبول بالتأثیر في مسارات العدالة .

الامضاء
زھیر مخلوف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *