بتزامنها مع احتجاجات شباب تطاوين في علاقة بملفّ “الكامور” ومطالبة الحكومة بالإيفاء بتعهّدات سابقة، تطوّرت حادثة وفاة الشّاب منصور الطرومي، رحمة الله عليه، الثلاثاء 7 جويلية الجاري ليلا، إلى ما أدخل البلبلة في جهة تطاوين/ رمادة وإلى ردّة فعل عنيفة من أهالي رمادة تجاه وحدات الجيش الوطني المتمركزة بالمكان وصلت إلى حدّ قذْفِها بالمولوتوف، وهو أمر غريب ومؤشّر خطير، يستوجب التوقّف عنده لفهم ملابساته واستقراء ما يجب من عِبَرٍ. كانت لتلك الحادثة ارتدادات اجتماعيّة وأمنيّة وسياسيّة على المستوى المحلّي والجهوي وحتّى الوطني. وتعدّدت واختلفت المواقف والتبريرات وغلبت نزعة المزايدات على العقلانيّة إلى حدّ مطالبة أحدهم “بمُحَاسَبة الجيش” وإدراج الحادثة في خانة “قتل الدّولة لفُقَرَائِها” (!). طبعا تلك المواقف لا تستدعي الردّ، إلاّ أنّه من الضروري إنارة سبيل القارئ، المواطن التونسي، حول أصل العلاقة التي كانت تربط أهالي رمادة بالجيش الوطني والتي لا تفسّر ما جدّ في بداية الأسبوع المنصرم وما قد يكون شابها من تحوّلات سلبيّة، وبيان ما يحصل عادة في مثل تلك الحالة بين المشبوه فيهم من المتسلّلين للمناطق الممنوعة من جهة والدوريّات العسكريّة من جهة ثانية. وللقارئ أن يستخلص ما يراه بخصوص ردّة فعل أهالي رمادة تُجَاه وحدات الجيش الوطني المنتشرة بالمكان والمؤسّسة العسكريّة عامّة.

العلاقة العضويّة التاريخيّة بين الوحدات العسكريّة

وأهالي بلدة رمادة والمناطق الصحراويّة عامّة

في البداية، لابدّ من الإشارة إلى العلاقة الخاصّة والقديمة جدّا، تعود للأيّام الأولى من الاستقلال، بين أهالي رمادة، بل بين أهالي كلّ المناطق الصحراويّة ووحدات الجيش الوطني العاملة في ربوعها. من حيث التركيبة البشريّة، كانت بلدة رمادة، على الأقلّ حتّى منتصف الثمانينات من القرن الفارط، عبارة عن مُرَكَّبٍ بشري اقتصادي مُنْدَمِجٍ عسكري / مدني، جزء منه في شكل ثكنة عسكريّة عاديّة والجزء الباقي المدني، يعيش في تكامل تامّ، يكاد يكون ارتباطا عُضْوِيّا، وتناغم مع الوحدة العسكريّة ذاتها وذلك تقريبا، في جلّ مجالات الحياة.

وفيما يلي بعض المعطيات والمظاهر التاريخيّة الهامّة التي توضّح فحوى تلك العلاقة:

من حيث التركيبة البشريّة الاجتماعيّة، لا تكاد تجد عائلة واحدة برمادة وكذلك بالتجمّعات السّكنيّة المجاورة لها، النخيلات، نكريف، برج بورقيبة وغيره، ليس لها على الأقلّ واحد من أفرادها مَنْ له علاقة عضويّة بالجيش، وذلك إمّا بصفة عسكري متعاقد أو مُجَنَّد بصدد أداء واجبه الوطني، غالبا ضمن إحدى التشكيلات المنتشرة في المنطقة الصحراويّة، حيث كانت نسبة شباب المنطقة من بين المتعاقدين في صفوف الوحدات العسكريّة بالصحراء مرتفعة نسبيّا، نتيجة الأولويّة التي كانت تُمْنح لهم في الإنتداب للعمل في صفوفها في العديد من الاختصاصات،

كان الجيش التونسي لعقود عديدة، يكاد يكون المؤسّسة الوحيدة المتواجدة بالمنطقة، تُقَدِّمُ العديد من الخدمات لسُكّان رمادة بدون تميِيزٍ بين المدنيين منهم والعسكرييّن منتسبي الوحدة العسكريّة، الفوج ثمّ اللواء ثمّ الفيلق الترابي الصحراوي. فكان الجيش، على سبيل المثال، يوفّر الكهرباء مجّانا لكلّ سكّان البلدة، على مدار السنة، كلّ يوم من غروب الشمس إلى منتصف الليل. وبقي الأمر كذلك إلى سنة 1977، حين ركّزت الشركة التونسيّة للكهرباء والغاز، إثر تدخّلات وإلحاح آمر الفوج الترابي الصحراوي، مولّدات خاصّة بها لتزويد رمادة بالكهرباء، طبعا بمقابل، ثمّ تحسّنت الأوضاع تدريجيّا إلى أن تمّ ربط بلدة رمادة ثمّ كامل المنطقة بشبكة الكهرباء الوطنيّة،

كان من المهامّ القارّة لطبيب الوحدة العسكريّة، فحص ومداواة المرضى المدنيين، لا في مستوصَفَيْ رمادة وبرج بورقيبة العسكريّين فحسب، بل كانت تُنَظّم للطبيب العسكري زيارات دوريّة لفحص، طبعا مجانا، مرضى مختلف التجمّعات السكنيّة المدنيّة المنتشرة بالمنطقة الصحراويّة، كما يوفّر لهم بالمناسبة، دائما مجّانا، ما أمكن من الدواء، تماما كما هو الشأن بالنسبة للعسكريين وعائلاتهم، ذلك علاوة على إسعاف المصابين بالحشرات السامة من أفاعي وعقارب وغيرها،

كما كان يقدّم الجيش الوطني لفائدة أهالي المنطقة، العديد من الخدمات الأخرى، كالنقل بالوسائل العسكريّة لا للأفراد فحسب بل أحيانا حتّى لمواشيهم،

كانت جلّ الأنشطة التجاريّة والخِدْماتيّة برمادة تتمحور حول تلبية حاجيات الوحدة العسكريّة بالبلدة وتشكيلاتها بالمراكز المتقدّمة وطبعا عائلات العسكريّين المتزوّجين المستقرّين بالمكان. وكذلك كان الشأن وحتّى أكثر بمركز برج بورقيبة. فبحيث كانت الوحدات العسكريّة برمادة وبالمراكز المتقدّمة المحرّك الرئيسي للأنشطة الاجتماعيّة والاقتصاديّة للبلدة وضواحيها.

في مجال مساهمة المؤسّسة العسكريّة في المجهود الوطني للتنميّة، تولّى الجيش الوطني سنتي 1976-77 بناء وتعبيد الطريق الرابطة بين رمادة والذهيبة. كما تولّى فوج إحياء الجنوب، في نفس الإطار في الثمانينات، تهيئة وغراسة منطقة فلاحيّة لفائدة التجمّع السّكني “مَغْنِي” وبناء نواة مدرسة ومستوصف ومَسْجِدٍ بنفس البلدة. أمّا في برج بورقيبة وفي إطار برنامج إزالة الأكواخ، تولّت الوحدات العسكريّة بناء ما لا يقلّ عن 25 مسْكنًا مُلِّكَتْ مجّانا لسكّان البُرْج.

تلك هي بعض ملامح العلاقة العضويّة، الضاربة في القِدَم والخاصّة جدّا التي جمعت أهالي رمادة بالتشكيلات العسكريّة العاملة بالمكان وبالمؤسّسة العسكريّة عامّة. ولا أُبَالِغ إن قُلْتُ أنّ رمادة لم تكن لتُوجَد لو لمْ تُرَكَّزْ هناك الوحدات العسكريّة. فلقد كانت جلّ المكوّنات البشريّة للوحدات العسكريّة من أبناء المنطقة وكانت الوحدات تعمل في اندماج وتكامل مع أبناء المنطقة. فكان أهالي المنطقة جزءا مؤثّرا في الوحدات العسكريّة ومتفاعلا معها في حين كانت تلك الوحدات في خدمة الأهالي والبلاد عامّة، أو على الأقلّ هكذا كان الشعور السّائد لدى الطرفين.

فهل يُعْقَل أن تُفْضِي تلك العلاقات التاريخيّة العضويّة إلى قَذْفِ شباب رمادة ذاتها، التشكيلات العسكريّة بالمولوتوف؟ لا أتصوّر ذلك، لابدّ أن يكون تطوّرا هامّا ما شاب تلك العلاقات. ذلك بالإضافة إلى توظيف عوامل أخرى لا علاقة مباشرة لها بحادثة وفاة المرحوم منصور الطرومي .

وقائع حادثة المرحوم الشّاب منصور وإطارها

(حسب ما توفّر من معطيات متقاطعة)

رصدت الوحدات العسكريّة، حوالي العاشرة من ليلة الثلاثاء 7 جويليّة، داخل المنطقة العازلة، عددا من السيّارات، قادمة من القطر الليبي عبر الحاجز الترابي، أحد عناصر منظومة مراقبة الحدود الجنوبيّة الشرقيّة. تتمثّل مهمّة التشكيلة العسكريّة في مثل هاته الحالة، في اعتراض وإيقاف الهدف، أي السّيارات بما تحمل من أشخاص متسلّلين و/أو متاع مهرّب، ثمّ تسليم الكلّ لوحدات الحرس الوطني لتتولّى اتّخاذ ما يتعيّن من إجراءات قانونيّة تُجَاههم. ويتمّ إيقاف المتسلّلين باتّباع الإجراءات المنصوص عليها بالأمر الجمهوري عدد 230 لسنة 2013 المتعلّق بالمناطق العازلة، وهي تقريبا نفس التراتيب المعمول بها في بقيّة المناطق الواقعة مراقبتها، بالقانون، تحت مسؤوليّة الجيش والتي تقتضي التدرّج في استعمال القوّة لإجبار المتسلّلين، على التوقّف وذلك بإطلاق أعيرة ناريّة تحذيريّة في الفضاء، ثمّ في مرحلة ثانية إطلاق أعيرة على عجلات السيّارة، ثمّ، وعند الاقتضاء، على سِيقان المتسلّلين لمنعهم من الهروب والتسلّل داخل البلاد وإجبارهم على التوقّف. منطقيّا، إِنْ تَوَاجدَ المشبوه فيه في تلك المنطقة العازلة الممنوعة، خطَأٌ ولم يكن معه ما أو من هو ممنوع وخطير، فمِنَ المُرْتقب أن يتوقّف المعني عند أوّل إشارة عليه بذلك وتنتهي عمليّة الإيقاف بدون أيّ أضرار ولا مشاكل تُذْكر. أمّا في المقابل، فإنَّ عدم امتثال المتسلّل لإشارات الدّوريّة العسكريّة ورفضه التوقّف وهروبه عند إطلاق النار في الهواء، يعني ذلك، منطقيّا، أنّه في شخصه وفيما يصاحبه من أفراد أو أمتعة، مشبوها. وبقدر إصراره على الإفلات من الدّوريّة رغم تعرّضه لأخطار إطلاق النار عليه، بقدر ما يستوجب عليها، الدّوريّة، الحرص على إيقافه حتّى لو تطلّب منها الأمر توجيه نيرانها صوبه، طبعا بعد استيفاء مختلف مراحل التدرّج في استعمال القوّة. منطقيّا، يدلّ إصرار المشتبه فيه على الإفلات من الدّوريّة وتعريض حياته للخطر، على فداحة الجريمة التي هو بصدد ارتكابها وعلى خطورة ما يصحبونه من أفراد وأمتعة، فمهرّب بضائع استهلاكيّة مثلا، ومهما كانت قيمتها، يمتثل من البداية لإشارات الدّوريّة ويبحث لاحقا عن صُلْح ولا يُعَرّض حياته للخطر، شانه في ذلك عكس مهرّب مخدّرات أو أسلحة وذخيرة أو إرهابييّن.

وفيما يتعلّق باحتمال ارتكاب أفراد الدّوريّة العسكريّة خطأ مَا والحكم لهم أو عليهم، فلابدّ من الإجابة على السؤال التالي أوّلا: في صورة عدم امتثال المتسلّل لإشارات الدوريّة بالتوقّف ومواصلة هروبه رغم إطلاق أعيرة ناريّة في الفضاء، كيف يمكن لآمر الدّوريّة تقييم ما يمثّله المتسلّل وما يصحبه من أمتعة، بما لا يدع للشكّ، من خطر على أمن البلاد؟ كيف له أن يَعْلَمَ، مسبّقا، إن كان المتسلّل شابّا تونسيّا عاطلا عن العمل يسعى لكسب لقمة العيش بتهريب موادّ استهلاكيّة غير خطرة على الأفراد وأمن البلاد، أو إن كان رئيس مجموعة إرهابيّة مصحوبا بمجموعة أسلحة وذخيرتها، سَبِقَ بقيّة أعضاء المجموعة للتخطيط لعمليّة إرهابيّة ما، وسط إحدى المُدُن التونسيّة، عمليّة غالبا ما تُفْضِي إلى ضحايا وجرحى و… من الأبرياء ورعب ودمار اقتصادي وغيره؟ وهل لآمر الدّوريّة العسكريّة الحقّ في ترك المشبوه يفلتُ بدعوى تفادي احتمال إصابة شابّ يتّضح لاحقا أنّه مهرِّب بضائع استهلاكيّة لا غير؟ إنّ الحدّ الأدنى من روح المسؤوليّة والإخلاص للوطن والصّدق مع النفس، يفرض عدم المجازفة بأمن البلاد وبأرواح بني وطنه ويبقى التصرّف المسؤول الوحيد والمقبول في حالة إصرار المتسلّل على الهروب خاصّة داخل بلادنا، هو الإصرار على الحيلولة دون ذلك حتّى وإن كان بإطلاق النار على ساقيه وإن اقتضى الأمر الرمي عليه مباشرة، حماية لأمن بني وطنه وبلاده وتلك هي مهمّته ولذلك جُهِّز بسلاح وبالذخيرة الحيّة. أمّا في صورة حصول المحظور كما قد يكون حصل في هذه الحالة، فالمسؤوليّة تعود للمتسلّل وحده بتصرّفاته المخالفة للقانون: التسلّل عبر منظومة المراقبة الحدوديّة والتواجد في منطقة ممنوعة وعدم الامتثال لإشارات الدوريّة بالتوقّف، ولا لآمر الدّوريّة العسكريّة ولا للمؤسّسة العسكريّة، حتّى يُطَالِبَ من لا يفقه شيئا في المسائل الأمنيّة، بمُحَاسَبتها !)). ربّما لو كان هذا الأخير أدّى واجب الخدمة الوطنيّة، الواجب الدّستوري المقدّس على كلّ المواطنين التونسيّين، لَعَلِمَ كُنْهَ العمل الأمني الميداني ولكانت ردّة فِعْلِهِ أكثر مسؤوليّة وعقلانيّة ولكان طالب بمكافأة كلّ أفراد الدّوريّة المعنيّة.

اندثار منظومة الخدمة الوطنيّة: فَكّ ارتباط المؤسّسة العسكريّة بالمجتمع

إنّ ما حصُل من عنف بين أهالي رمادة والتشكيلات العسكريّة، طيلة أكثر من أربعة أيّام خلال الأسبوع الفارط، لَيَبْعَثُ على الحيرة والانشغال باعتباره مؤشّر مخيف لِمَا أصبحت عليه العلاقة بين الجهتين، حيث تحوّلت من علاقة انتماء وشبه اندماج عُضْوِي إلى علاقة تتميّز في أحسن الحالات، من جهة الأهالي ببرود شديد ولا مبالاة تجاه تلك الوحدات وعدم تفهّمها لمهامها ولا لظروف عملها، وأحيانا بتنافُر وصِدَام بين الجسمين الذين لم يعد يربطهما ببعضهما إلاّ القليل النادر من القواسم المشتركة. قد يكون يعود ذلك لتطوّر بلدة رمادة في جميع المجالات بحيث لم يَعُدْ يشعر أهاليها بحاجة للمؤسّسة العسكريّة، في المقابل، أصبحت الوحدات العسكريّة تشعر بشيء من الغُرْبَة في محيط في أحسن الأحوال محايدا، لا يقاسمه الكثير. والخطير في الأمر أنّ تلك هي ظاهرة وطنيّة ولا تقتصر على بلدة رمادة وحدها. طبعا أسباب ذلك متعدّدة ولا يتّسع المجال للتعمّق فيها رغم ضرورة ذلك، لكن، في رأيي، يبقى انهيار منظومة الخدمة الوطنيّة، السّبب الرئيسي في “انفصال” المجتمع التونسي بمختلف مكوّناته عن المؤسّسة العسكريّة ممّا أدّى إلى “انغلاق” هذه الأخيرة تدريجيّا على نفسها وذلك بحكم انقطاع أهمّ رابط للتواصل المستمرّ بينها وبين المجتمع والتفاعل معه، ذلك الرابط الذي يسمح سنويّا لعشرات الآلاف من الشبّان من الانظمام إلى مكوّنات الجيش الوطني طيلة سنة كاملة يتأثّر بمبادئها وقيَمِها وبدوره يُؤَثِّر فيها.

على كلّ، باعتبار الإعلان المتجدّد للقيادة، منذ 2016، عن نيّتها لمراجعة قانون الخدمة الوطنيّة قصد تفعيل منظومة شاملة وعادلة وفعّالة، يبقى الأمل قائما. فمنظومة الخدمة الوطنيّة التي تشمل كلّ شبّان الوطن، بدون تمييز، مهما اختلفت مستوياتهم التعليميّة، الاجتماعيّة الاقتصاديّة وجِهَات انتمائهم، فهي بالإضافة إلى أنّها ضرورة حتميّة للدفاع عن البلاد، تبقى الإطار الوحيد القادر على تنميّة وتطوير الحسّ الوطني لدى الناشئة وتربية هذه على قِيَمِ المواطنة وهو ضروري لبناء مجتمع مُتَلاحِمٍ، عادل، متصالح مع نفسه ومع مكوّناته بما فيها المؤسّسة العسكريّة.

في باب مسؤوليّة الخسائر البشريّة

فيما يتعلّق بردّة فعل شباب رمادة تجاه التشكيلات العسكريّة وقذفها بالمولوتوف، فبِقَدْر ما يَتَفهَّمُ الجميع أسَفَهُم وحسْرَتَهم على فقدانهم زميلهم المرحوم منصور وغضبهم لظروفهم الاجتماعيّة الصعبة، بقدر ما يبقى العنف المسلّط على التشكيلات العسكريّة، المكلّفة في الواقع بحمايتهم، غير مفهوم ومرفوض. والأقرب أن تكون ردّة فعلهم تلك، نتيجة مزايدات ومناورات تدْخُل في باب التناحر السياسيّ صادرة عن جهات لا تريد لهذه البلاد الاستقرار ولا تقدّر دقّة المرحلة التي تمرّ بها البلاد خاصّة والمنطقة عامّة.

أمّا في خصوص مسؤوليّة الخسائر البشريّة الناتجة عن مثل هاته العمليّات وإمكانيّة سوء تقدير آمر الدّوريّة العسكريّة، في هذه الحالة، للموقف حين إطلاق النّار صوب الفقيد، فنظريّا ليس من المستحيل حصول ذلك، كلَّ مَنْ خَبِرَ العمليّات الميدانيّة يُدْرِك ما معني إصابة عجلة سيّارة هاربة، تتحرّك لَيْلاً بسرعة في منطقة صحراويّة، دون إصابة أيّ جزء آخر من السيارة وخاصّة حُجْرَةَ الرّكاب ومن كان بداخلها. ذلك مع الإشارة إلى أنّ المؤسّسة العسكريّة لا تتسامح مع كلّ من يتسبّب في خسائر بشريّة بسبب التقصير المتعَمَّد، أمّا الخطأ الغير المتعمّد فتتحمّل مسؤوليّته وجبر أضراره المجموعة الوطنيّة، أي الدّولة ممثّلة في وزارة الدّفاع الوطني وحدها. ومن الإجراءات المتّخذة آليّا صلب المؤسّسة العسكريّة، تكفُّل القضاء العسكري بالقضيّة كلّما كانت هناك خسائر بشريّة، وهو ما تمّ أيضا إثر هذه الحادثة.

فإلى أن يثْبُتَ التقصير المتَعَمَّدُ من أفراد الدّوريّة العسكريّة، ما كان لشباب رمادة قذْفَ أبناء المؤسّسة العسكريّة بالمولوتوف، بل بالعكس، فإنّ الدّوريّة العسكريّة بكافّة عناصرها، تستحقّ منهم كلّ الشّكر والتّشجيع لما أبدَوْهُ من تفان وانضباط في أداء مهمّتهم تلك، إلى حدّ المخاطرة بحياتهم تضحية من أجل أمن البلاد. ماذا لو كان المتسلّل إرهابيّا مسلّحا وردّ بإطلاق النار على الدّوريّة وأصاب أحدهم وقفل راجعا للقُطْرِ المجاور؟ ألم يكن ينتهي الأمر كالعادة، بالترحّم على من قضى نحبه من التشكيلة العسكريّة ؟ على الدّولة والمجتمع حماية كلّ مَنْ يضحّي من أجل المواطنين والبلاد، فارتكابهم لأخطاء مهنيّة غير متعمّدة لا يُنْقِصُ من قيمة تضحيّاتهم شيئا ويجب ألاّ يُعرِّضَهم لأيّ محاسبة أو إهانة !

فلنتّقي ربّنا في المؤسّسة العسكريّة.

شباب تونس: سارعوا لأداء واجب الخدمة الوطنيّة استعدادا للدفاع عن الوطن، أي عن ذواتكم وذويكم.

حفظ الله تونس، أدام الجيش الوطني حصنا لها ورحم الفقيد منصور الطرومي –

أمير لواء (م) محمد المؤدب

(الجيش الوطني التونسي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *