· حضور أكبرللصين وروسيا وايران في افريقيا والمتوسط

· الوحدة الوطنية الفلسطينية ممكنة بشروط

حاوره كمال بن يونس

يعتبر فاروق القدومي رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية القيادي المؤسس الأبرز لنواتات الكفاح الوطني الفلسطيني في الخمسينات من القرن الماضي ثم لحركة التحرر الوطني الفلسطيني ومنظمة التحرير في الستينات مع الزعيم المؤسس الراحل ياسر عرفات ورفاقه التاريخيين بزعامة صلاح خلف ،أبو إياد، وخليل الوزير، أبو جهاد ..

ترأس القدومي وفودا فلسطينية شاركت خلال الستين عاما الماضية في مؤتمرات عربية وإسلامية ودولية وأممية في العالم أجمع بصفته ” رئيسا للدائرة السياسية ووزير خارجية دولة فلسطين ” ، لكنه عارض منذ البداية مسار أوسلو 1993 وما أفرزه من اتفاق وعارض بقوة التنازل عن الحق في المقاومة والكفاح المسلح في الأراضي الفلسطينية المحتلة .وبعد اغتيال متطرفين يهود لاسحاق رابين اعتبر أن مسار أوسلو مات وطالب بالتراجع عن الاتفاقيات المبرمة .

هو شاهد على العصر على أكثر من صعيد عربي ودولي ..

على هامش الحرب العالمية الحالية ضد وباء كورونا ، كان لنا معه الحوار التالي :

· كيف يتابع المناضل الوطني والسياسي المخضرم والخبير الكبير في السياسة الدولية فاروق القدومي المستجدات العالمية بعد انتشار ” فيروس كورونا ” وتسببه في خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة ؟

++ ابتسم كعادته ..وعلق بنبرته الضاحكة والدبلوماسية قائلا :

نعيش اليوم حربا عالمية من نوع خاص ..

لقد عشت طفلا الحرب العالمية الثانية ثم كل الحروب العربية الاسرائيلية منذ 1948 وكل حروب اسرائيل ضد شعبنا الفلسطيني البطل ..وواكبت عددا كبيرا من الحروب والنزاعات وحضرت كما هائلا من مؤتمرات القمة الدولية والعربية والإسلامية والإفريقية ..

لكن ما أعيشه اليوم هو حرب مختلفة من حيث وسائلها ودلالتها و أسلحتها ..حرب غير تقليدية همش فيها دور المؤسسات العسكرية العملاقة بما في ذلك دور الجيش والترسانة النووية والحربية في الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول الحلف الأطلسي ..

إنها حرب كشفت أن دور ” العمالقة ” الحاليين قد يكون انتهى ..وسيتراجع في كل الحالات ..بدءا من دور العملاق الأمريكي والأطلسي ..

كانت واشنطن تحمي نفوذها السياسي والاقتصادي الدولي بالاعتماد على تفوقها العسكري وحاملات الطائرات وتقدمها النووي والعلمي وفي مجال اقتصاد المعرفة وتكنولوجيا الاتصال والمعلومات .. فكشفت الأزمة الحالية هشاشة كل منظومات القوة التقليدية ، وتبين أن فيروس صغير جدا يمكن أن يفجر” الحرب البكتيرية ” الأخطر..ويتسبب في غلق أغلب المطارات والموانئ والشوارع والمدن في العالم أجمع ..ويتسبب في خسائر كبيرة وغير مسبوقة في الأرواح والأموال ..

إنه مؤشر عن أن قوة الولايات المتحدة الأمريكية والدول العظمى أصبحت مهددة بالانكماش والتراجع على كل المستويات ..

رابحون وخاسرون

· بمنطق الربح والخسارة ..

من هم الرابحون والخاسرون في المشهد السياسي الدولي بعد هذه الحرب ” ضد كورونا “؟

وكيف تستشرف تطور موازين القوى والعلاقات الدولية بعد السيطرة على هذا “الوباء” ورفع الحجر الصحي الشامل المفروض لأول مرة على مليارات من البشر؟

++ أعتقد أن الأوضاع الجيو سياسية سوف تتغير عالميا ..

وستكون الولايات المتحدة واسرائيل وبعض الدول العظمى من أكثر المتضررين .. من التحولات الجيو استراتيجية الدولية والاقليمية ..

سوف “ينكمش” الدور الامريكي وحجم اسرائيل ويتراجع نتيجة ذلك الخوف الذي انتشر في عدة عواصم عربية وفي دول العالم من بعض اللوبيات المتطرفة التي تحكم امريكا حاليا والتي تضغط لصالح سلطات الاحتلال الاسرائيلية..

وسوف تحرص الدول الخليجية خاصة والعربية عامة على التحرر من ” الخوف من الغول الامريكي ” ومن ” القوة الامريكية التي لاتقر” و” القوة الاسرائيلية التي لا تهزم”.. بما سيعني تراجع تأثير اللوبيات الامريكية المتطرفة واللوبيات الصهيونية على مؤسسات صنع القرار في العالم وفي الوطن العربي وبصفة أخص في بعض الدول العربية والافريقية والاسلامية والخليجية ..

وسينقص بالضرورة الرهان في اغلب العواصم العربية والافريقية والاسلامية على اللوبي الصهيوني خوفا وطمعا .. من سلطات تل ابيب ومن اللوبيات التي تقف وراءها في واشنطن ..

في نفس الوقت سوف تنفتح اغلب دول العالم والدول العربية والافريقية والاسلامية أكثر على الصين وروسيا واليابان وعلى ” الدول الصاعدة ” بما فيها الهند وكوريا ء وايران وتركيا ..

سمعة واشنطن في الميزان ؟

· تبدو واثقا من أن القوى الأعظم في العالم والأكثر تأثيرا عربيا ، بما فيها الولايات المتحدة واسرائيل ، سوف تكون الخاسر الاكبر من أزمة ” كورونا “؟

ما هو رأيك فيمن يعتبر أن هذه القوى لديها احتياطي اقتصادي وعسكري ضخم وتقدم علمي بما سوف يضمن خروجها من الازمة الحالية باقل الاضرار ؟

++ اعتقد ان الامور ستتغير ايجابا في المنطقة وعالميا في ظرف عام ..لأن المتغيرات الجيو سياسية تأخذ وقتا ..

الجميع يتساءل منذ عقود : حتى متى سوف تتابع سلطات الاحتلال الاسرائيلية سياساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني ودول المنطقة ؟

وحتى متى سوف تواصل اسرائيل سياسة التوسع والتمدد عربيا وافريقيا واسلاميا بصيغ رسمية وغير معلنة ؟

الانظمة العربية والافريقية منزعجة من تضخم التدخل الاسرائيلي ومن تزايد دور اللوبيات المتطرفة في الولايات المتحدة ..

وأعتقد أن دول الخليج ستسعى لخدمة مصالحها وسوف تعمل على الحد من ” التمدد الاسرائيلي ” و” غطرسة ادارة ترامب ” في المنطقة تحت يافطات عديدة من بينها ” التصدي للخطر الإيراني “..ولو كان الثمن الصمت على قراراتها بشأن القدس والجولان السوري المحتلين ..

لقد فهم السياسيون العرب أن افتعال التناقضات الداخلية عربيا وإسلاميا وفلسطينيا لا يفيد إلا خصومهم وأعداءهم …وأن انكماش الولايات المتحدة وانغلاقها المرتقب على شؤونها الداخلية سوف يضعف المخططات ” الامتداد الإسرائيلي ” عربيا ودوليا ..

ان سمعة واشنطن وتل أبيب وحلفائهما في الميزان بعد كورونا .. وهو معطى يمكن أن يستفيد منه قادة الدول النامية وحركات التحرر الوطني بما في ذلك من حيث تنويع شركائهم والانفتاح أكثر اقتصاديا وسياسيا على الدول العربية والاسلامية وعلى روسيا والصين وعلى ايران الإسلامية واليابان ودول اوربا الشرقية والمانيا واليابان ..

روسيا والصين

· يجري الحديث منذ الحرب العراقية الايرانية وحربي الخليج في 1991 و2003 و” ثورات الربيع العربي ” في 2011 عن نظام اقليمي جديد ونظام دولي جديد ، هل تعبر أن تغييرا عميقا سيتحقق في اتجاه اعادة تشكيل هذين النظامين ؟

++ شعوب المنطقة وحكام العالم فهموا بعد أزمة كورونا أن العالم الذي يتحكم فيه ” قطب واحد ” بزعامة الولايات المتحدة عالميا واسرائيل اقليميا انتهى ..وولى عهده..

النظام العالمي الجديد سوف يتشكل بوضوح في ظرف عام من الان ..بعد أن يتأكد انكماش الدور الأمريكي والاسرائيلي وتراجع الحاجة الى النفقات العسكرية التي فرضتها مؤسسات صنع السلاح الامريكية والاوربية على العالم وخاصة على الدول الافريقية والعربية والاسلامية ..

وقد فهم ساسة المنطقتين العربية والافريقية ودول ” عدم الانحياز” أن بعض الدول مثل الصين وروسيا والهند وايران وتركيا يمكن أن تعدل الكفة ..رغم تناقضات مصالحها حول بعض الملفات وخاصة في دول محورية ومهمة جدا مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن ودول مجلس التعاون الخليجي..

لكن الجميع فهم أن ” الربيع العربي” وقع توظيفه من قبل بعض اللوبيات الدولية والاسرائيلية لفرض نفقات وسياسات وتحالفات لم تكن في صالح شعوب المنطقة ودولها.. كانت حصيلة الاعوام العشرة الماضية حروبا ودمارا في سوريا والعراق وليبيا واليمن وقلاقل ومصائب في دول أخرى ..وحان الوقت لبناء نظام اقليمي جديد تساهم العواصم العربية في صنعه ورسم ملامحه ولا يفرض عليهم من جهات متنفذة في مؤسسات عسكرية صناعية في الحلف الاطلسي اواسرائيل ..

وفي كل الحالات اعتقد ان الترحيب سيكون كبيرا بزيادة دور روسيا والصين في البحر الابيض المتوسط وافريقيا والوطن العربي الاسلامي الكبير..

دور الهند

· وماذا عن الهند ..القوة الصاعدة دوليا التي تحتل المرتبة الخامسة دوليا اليوم وترشح نفسها لان تكون الثالثة قبل عام 2030؟

++ الهند كانت في عهد غاندي وزعمائها السابقين زعيمة “دول عدم الانحياز” وصديقة لقضايا التحرر الوطني في العالم ..

وقد تقدمت اقتصاديا ، لكن يبدو أن ساستها مترددون سياسيا ..وتبدو ضحية الضغوطات التي تمارس عليها في سياق حرصها على الاستفادة من مزايا الانفتاح الاقتصادي الامريكي والاوربي على منتوجاتها ومستثمريها ..

لكن الهند قد تستفيد بدورها من انكماش الدور الامريكي و الاسرائيلي..قد تلعب دورا أكبر ..لكنها تبدو حذرة جدا ..

حذر روسيا والصين

· لكن سياسات روسيا والصين و” الدول الصاعدة ” حذرة بدورها نسبيا ..

وسلوكيات ساستها خلال الازمة التي فجرها فيروس كورونا تؤكد ذلك ..

++ صحيح ..

لكن في كل الحالات فإن معطيات كثيرة ترجح تزايد دور روسيا والصين عالميا وفي المنطقة المتوسطية وفي الدول العربية والاسلامية والافريقية ..

صحيح أن خلافات ثانوية برزت بعد مسار ” استانة ” في كازكستان عن سوريا الذي ساهم في تأسيس “محور شرقي” تتزعمه روسيا ويضم تركيا وايران ..

وصحيح أن الصين لديها مصالح في مناطق مختلفة من العالم بما في ذلك في امريكا واروبا ..

لكني اعتقد ان روسيا والصين سوف تدعمان علاقاتهما مع الدول العربية والافريقية و مع بلدان اوربا الشرقية وبلاد البلقان وبعض دول اوربا الغربية بزعامة المانيا ..

وسترحب المانيا بالانفتاح شرقا في مرحلة خرجت فيها بريطانيا من الاتحاد الاوربي وكشفت فيها ازمة ” كورونا ” محدودية التضامن الاروبي – الاوربي..

نحن أمام متغيرات دولية تاريخية ..

وقد أثبتت روسيا بعد حوالي 10 أعوام من انهيار جدار برلين أنها لاعب دولي كبير.. وأثبت أداء حكام الصين الجدد بمناسبة الحرب على ” كورونا ” أنهم قادمون ..وسيحققون انتصارات جديدة اقتصاديا وسياسيا وعلميا وطبيا ..

قامت روسيا والصين بمبادرات رمزية وقوية اتجاه ايطاليا واسبانيا وإيران والدول الأكثر تضررا من وباء كورونا ،بما سوف يمهد لدور أكبر يلعبانه لاحقا ..

سوريا والعراق وليبيا واليمن

· وهل تتوقع أن تنفرج الأوضاع الأمنية والعسكرية والإنسانية ” بعد كورونا ” في البلدان العربية التي تعاني من حروب مدمرة منذ حوالي عشرة أعوام مثل سوريا وليبيا واليمن..ومنذ 40 عاما مثل العراق ؟

++ نتمنى ذلك ..

لكن الاطراف المتدخلة كثيرة .. وقد تكون كل التطورات رهينة ” الانكماش الامريكي والاسرائيلي” وترفيع مستوى الحضور الصيني والروسي في المنطقة ..

عندما سوف تتأكد الأطراف التي انخرطت في الحروب التي وقع تفجيرها في سوريا والعراق واليمن وليبيا أن هذا الانكماش أصبح أمرا واقعا سوف تغير اولوياتها وتعتمد أكثر على الدول الشقيقة والصديقة عوض أن تتحالف مع ” الآخر” ضدها..

سوريا رقم صعب في المنطقة وبين الدول المجاورة لفلسطين المحتلة وللبنان والاردن والعراق ..ولا يمكن أن تظل طويلا في هذه الوضعية ..ولا يمكن إلا أن تكون في صف دعم المقاومة الفلسطينية والانتصار لحركات التحرر الوطني .. وقد استفادت من تحالفها مع روسيا وايران ..

الوحدة الفلسطينية ..

· وماهي آفاق تفعيل الوحدة الوطنية الفلسطينية ؟

هل تستفيد الاطراف المتصارعة في الضفة الغربية وغزة من المناخ الجديد فتجمد تناقضاتها الثانوية وتمضي في تكريس تعهداتها بتفعيل الوحدة الفلسطينية وتنظيم الانتخابات المؤجلة ؟

++ نتمنى ذلك ..

لكن يبدو أن كثيرا من الاخوة في فلسطين لم يستوعبوا بعد كثيرا من دروس الماضي ..ولم ينخرطوا بعد في مسار الاصلاحات المطلوبة وبينها تكريس الوحدة الوطنية ..والتوافق حول أولويات التحرر الوطني والكفاح المشترك من أجل انهاء الاحتلال ..

حاوره كمال بن يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *