اعتبرت منظمة “سوليدار تونس” أحد مكونات المجتمع المدني في تقرير لها صادر في شهر ديسمبر 2019 تحت عنوان “بناء قاعدة مشتركة منبثقة عن برامج الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية 2019 ” أن كل البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية التي تقدمت الى الانتخابات التشريعية لسنة 2019 تفتقر الى أهداف ذات بعد منهجي وأن هذه البرامج هزيلة وتفتقر للهيكلية السليمة وأن مقاربتها الإصلاحية تتسم ببعض السطحية خصوصا في الملفات الكبرى مؤكدة في ذات السياق أن هذه البرامج لا تعدو أن تكون مجرد وثائق انتخابية لا تحمل التزامات حقيقية.

ما يلفت الانتباه في هذا التقرير تقييمه القطعي لأداء جميع الحكومات المتعاقبة بعد الثورة الذي اتسم، حسب التقرير، بانعدام الرؤية الاستراتيجية مما أعاق، حسب تقديره، بلورة سياسات ناجعة لمعالجة المشاكل الهيكلية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. واعتبر التقرير في ذات السياق أن هذا الوضع أفرز تدهورا للمؤشرات الحيوية يتعين على الفريق الحكومي الجديد رفعها واعادتها الى مسارها الطبيعي، حسب منظمة سوليدار تونس.

التقرير أشار الى أن الغاية من بناء قاعدة مشتركة منبثقة عن برامج الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية تتمثل في ضبط أبرز رهانات الحكومة القادمة وصياغتها ضمن خارطة طريق تقدم برنامجا واضحا ورؤية استراتيجية لفترة الحكم تكون منطلقا أيضا لصياغة تصور عام للخماسية القادمة 2020 – 2024 وذلك رغم اقرار التقرير بضعف البرامج والهنات التي تطغى عليها.

هذا التقييم العدمي لم يشمل برامج الأحزاب الجديدة وهي الحزب الدستوري الحر وقلب تونس وائتلاف الكرامة بل شمل أيضا حزبين كانا في المعارضة البرلمانية وهما حركة الشعب وحزب التيار الديمقراطي ليمتد هذا التقييم العدمي الى حزب حركة النهضة الذي كان في الحكم منذ الثورة الى اليوم و حركة تحيا تونس التي جاءت بعد انتخابات 2014 المنشقة عن حزب نداء تونس لنتساءل حقيقة عن أسباب نسف هذا التقرير للوثيقة التوجيهية للمخطط الخماسي للتنمية 2016 – 2020 ووثيقة قرطاج 1 اللذين شكلا المرجعية الأساسية للحكم على الأقل للفترة الفاصلة بين 2016 – 2020 ومرجعية لإعداد ميزانيات الدولة وقوانين المالية للسنوات الأربعة الماضية والسنة الحالية.

التقرير لاحظ أيضا أن كل برامج هذه الأحزاب، بما في ذلك برنامج الحزب الدستوري الحر الذي تؤكد أمينته العامة في كل مناسبة أنه الأفضل، أغفلت العديد من المشاكل الهيكلية مثل مشاكل المالية العمومية والنمو الاقتصادي والبطالة ليؤكد، أي التقرير، أن الفاعلين السياسيين تنقصهم القدرة على تحديد سليم لأولويات المرحلة ورهاناتها.

هذه الملاحظة الخطيرة التي تقزم الفاعلين السياسيين التونسيين تدفعنا للتساؤل عن هوية الأطراف التي وضعت الوثيقة التوجيهية للمخطط الخماسي للتنمية ووثيقة قرطاج 1 لنقف عند حقيقة تحاول أطراف وجهات اخفاءها وتجنب التعرض اليها.
فالخطوط العريضة للوثيقة التوجيهية للمخطط الخماسي للتنمية 2016 – 2020 وضعتها لجنة قيادة بالبنك المركزي التونسي بناء على دراسة استراتيجية حول “اعادة هيكلة وتنمية الاقتصاد التونسي: البرنامج الخماسي 2016 – 2020 ” في اجتماع عقد بمقر البنك المركزي بتاريخ 8 جويلية 2014 حضره محافظ البنك المركزي أنذاك الشاذلي العياري ووزير المالية والاقتصاد حكيم بن حمودة وسفير فرنسا بتونس والمدير العام للخزينة الفرنسي وممثل عن بعثة الاتحاد الأوروبي بتونس وأساتذة جامعيين.

أما وثيقة قرطاج 1 فهي منبثقة عن رسالة النوايا الأولى الموجهة الى المديرة العامة لصندوق النقد الدولي والتي أمضاها الياس الفخفاخ بصفته وزيرا للمالية والشاذلي العياري محافظ البنك المركزي في فيفري 2013 ورسالة النوايا الثانية التي أمضاها وزير المالية المرحوم سليم شاكر ومحافظ البنك المركزي الشاذلي العياري في ماي 2016 .

هذه المراجع تندرج ضمن الاستراتيجية الإقليمية لمجموعة البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وذلك استنادا لما جاء في وثيقة صادرة بتاريخ 19 أفريل 2016 عن مجموعة البنك الدولي كتب عليها “للاستخدام الرسمي فقط” وتتعلق بإطار الشراكة بين الجمهورية التونسية من جهة، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ومؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار من جهة ثانية، حيث جاء في باب “ملخص واف” أنه في اطار الشراكة مع تونس الذي اشترك في اعداده البنك الدولي للإنشاء والتعمير ومؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار ويغطي فترة السنوات المالية 2016 – 2020 تم ادراج استراتيجية مجموعة البنك الدولي الصادرة في أكتوبر 2015 لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا (اعتمدنا نفس النص رغم عدم الوضوح) في حكومة تونس في مذكرة التوجه الاستراتيجي الصادرة عن الحكومة التونسية في سبتمبر 2015 ( الوثيقة التوجيهية للمخطط الخماسي) . وتضيف الوثيقة أنه تجسيدا للالتزامات الدولية التي قطعت خلال اجتماع مجموعة السبعة في سبتمبر 2015 ، يمثل البرنامج المقترح في هذا الاطار الجهود المتواصلة التي تبذلها مجموعة البنك الدولي لمساندة الحكومة التونسية في مواجهة تحدياتها الإنمائية. ونشير في هذا السياق الى تنويه البنك الدولي بالتنسيق القائم في هذا السياق بين مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي.

في نفس هذه الوثيقة وبالصفحة 66 كشف البنك الدولي عن خطته للتعريف بالإصلاحات المبرمجة في استراتيجيته حيث لاحظ “يجب أن تستمر مجموعة البنك الدولي في التشديد على أهمية تعريف جميع أصحاب المصلحة (المقصود بهم الأطراف الفاعلة) بالإصلاحات المطلوبة. مضيفا أن تعميم التحاليل عالية الجودة لمجموعة البنك ساعد في اثراء النقاش الاقتصادي في وقت الثورة، وكان له دور فعال في تحديد أجندة للسياسات المستقبلية وكسب التأييد لضرورة اجراء الإصلاحات الاقتصادية.

وعن الأطراف التي يتعاون وينسق معها لاحظ التقرير أن المشاورات مع المجتمع المدني والقطاع الخاص ليست جديدة على عمل البنك في تونس مضيفا ” رغم أن المجموعات التي كان البنك يتحاور معها في السابق (أي قبل الثورة) مثل نخبة مؤسسات الاعمال (من بينها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات) كان لديها ارتباطات وثيقة مع السلطات فقد استطاع البنك في أعقاب الثورة الحصول على مدخلات كبيرة من أصحاب مصلحة جدد، من بينهم مسؤولون محليون ومنظمات المجتمع المدني ومجموعات شبابية ونسائية والقطاع الخاص وبرلمانيون وغيرهم”.

في هذا السياق كشف التقرير عن التعاون الوثيق بين مؤسسة التمويل الدولية والمعهد العربي لرؤساء المؤسسات بالصفحة 56 ملاحظا أن الخدمات الاستشارية للمؤسسة أسهمت في بناء قدرات المعهد من خلال تقديم تكوين لأعضائه في مجال حوكمة الشركات واعداد الدراسات والمطبوعات، لنذكر في هذا السياق بالدراسة التي أعدها المعهد حول الحوكمة الرشيدة في شركة فسفاط قفصة.

وضمن هذا التعاون كان للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات بادرة تحت عنوان “برنامج اقتصادنا أولا” كان هدفه، حسب تعريفه، تعزيز الجانب الاقتصادي في البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية المرشحة للانتخابات التشريعية وأيضا للانتخابات الرئاسية حيث لاحظنا حضور الياس الفخفاخ كمرشح للرئاسية دون بقية المرشحين. هذا البرنامج انطلق بجملة من الحوارات الاقتصادية عبر تنظيم موائد مستديرة انطلقت بتاريخ 8 ماي 2019 لفائدة أكثر من 12 حزبا وتواصلت من 19 جوان الى 17 جويلية 2019 بتنظيم مناظرات بين الأحزاب السياسية.

وحسب المدير التنفيذي للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات مجدي حسن فقد كان الهدف من هذا البرنامج، بناء على تدخله في إذاعة خاصة بتاريخ 9 ماي 2019، مساعدة الأحزاب على اعداد برامجها الانتخابية من خلال تشخيص الواقع الاقتصادي والصعوبات، وطرح الإصلاحات الضرورية لذلك في ظل شح موارد ميزانية الدولة.
ويبدو أن هذا التوجه يتناغم ويتطابق مع خطة البنك الدولي التي تقوم على “كسب التأييد لضرورة اجراء الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة”.

ما يلفت الانتباه أن نتائج “برنامج اقتصادنا أولا” للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات كانت سلبية بشهادة الخبراء الاقتصاديين والمختصين في رسم السياسات العامة الذين عملوا مع منظمة سوليدار تونس وأعدوا القاعدة المشتركة المنبثقة عن برامج الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية 2019 والتي، رغم انتقادهم لها وضعفها، لم يترددوا في الدعوة الى اعتمادها لصياغة تصور عام للخماسية القادمة 2020 – 2024 لنقف عند حقيقة واضحة وجلية مفادها أن كل هذه التحركات تندرج في اطار البحث عن سيناريو مسرحية جديدة بطلها الياس الفخفاخ وموضوعها الإصلاحات الاقتصادية بعد تمرير المسرحية الأولى التي كلف بمقتضاها يوسف الشاهد برئاسة الحكومة في أوت 2016 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *