أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، الأربعاء، توقيعه مذكرتي تفاهم، إحداهما حول التعاون الأمني، والثانية مذكرة تفاهم في المجال البحري، وذلك بعد لقاء جمع رئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في العاصمة التركية أنقرة، بحسب المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي.
ويجري السراج زيارة رسمية لتركيا ضمن وفد حكومي يضمّ وزير الخارجية، محمد سيالة، ووزير الداخلية، فتحي باشاغا، وآمر غرفة العمليات المشتركة، اللواء أسامة جويلي، ووكيل وزارة الدفاع، صلاح النمروش، ومستشار الرئيس للأمن القومي، تاج الدين الرزاقي.

وذكر بيان المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي أن السراج أجرى محادثات مع الرئيس التركي “تناولت تطورات الأوضاع في ليبيا وتداعيات العدوان على العاصمة طرابلس والجهود الدولية لحل الأزمة الليبية”، وجدد أردوغان خلالها دعم بلاده لحكومة الوفاق “في مواجهة ما تتعرض له العاصمة الليبية من عدوان طاول المدنيين والمنشآت المدنية”، مشدداً على رفض بلاده للتدخل الخارجي في الشأن الليبي، وأن حل الأزمة في ليبيا لن يكون عسكرياً، وأنه لا بد من دعم جهود المبعوث الأممي، غسان سلامة، للعودة إلى المسار السياسي.

وتثير الخطوة التركية الجديدة، بعد إعلان الرئيس التركي، في إبريل/ نيسان الماضي، دعمه لحكومة الوفاق ووصفه لعدوان حفتر بــ”غير الشرعي”، أسئلة عن الدور التركي المرتقب في ليبيا وتأثيره بتغيير موازين الميدان جنوب العاصمة طرابلس.

ويؤكد الناشط السياسي الليبي، عقيلة الأطرش، أن الزيارة المفاجئة التي أجراها السراج وفريقه الحكومي رفيع المستوى، جاءت بعد تحديد الولايات المتحدة الأميركية موقفها من حرب حفتر على العاصمة، ما يعني أنه ضوء أخضر أميركي لكل من الحكومة وتركيا.

واعتبر الأطرش، في حديثه لــ”العربي الجديد”، أن واشنطن التي صعّدت من موقفها ضد التدخل الروسي إلى جانب حفتر لا تريد المواجهة المباشرة مع موسكو، ولجأت إلى وسائل أخرى، من بينها الاستعانة بحلفائها، وعلى رأسهم تركيا، العضو المؤثر في حلف “الناتو”، كرمزية واضحة لموقف الحلف الرافض لسعي روسيا إلى أن يكون لها وجود في حوض المتوسط.

وقال إن “الاتفاق لا يرقى إلى مستوى اتفاق دفاع مشترك بين الحكومتين، لكنه يؤثر بشكل الميدان وموازين القوى، وما يهمّ المجتمع الدولي أن يضغط الوجود التركي إلى جانب الحكومة على روسيا لتغيير موقفها وسحب قواتها، كذلك فإنه سيجبر حفتر على التفكير عدة مرات قبل أن يتقدم خطوة واحدة باتجاه أحياء جديدة جنوب طرابلس”.

ويبيّن الناشط السياسي الليبي أن “اتفاق الدفاع المشترك بين البلدين يتطلب تصديق البرلمان الليبي، وهو ما ليس متاحاً للحكومة الليبية، وبالتالي لن يصدّق البرلمان التركي، لكن الرئيس التركي يملك سلطة الدعم العسكري دون أن يوقّع اتفاقات دفاع مشترك مع أي بلد”، متسائلاً: “إذا لم يكن الاتفاق الأمني يعني دعم الحكومة عسكرياً، فماذا يمكن أن تكون دلالاته وهو الآن قائم بشكل قانوني؟”.

واختلفت ردود الفعل الليبية حيال الاتفاق الأمني. فبينما وصف عضو المجلس الأعلى للدولة بطرابلس، عبد الرحمن الشاطر، الاتفاق بأنه “انتصار للوطن… ودعم للمدافعين عن حياضه، ورفع لمعنويات أنصار الحرية والدولة المدنية”، أعلنت الحكومة المنبثقة من مجلس النواب، شرق البلاد، رفضها لتوقيع الاتفاق مع الجانب التركي، معتبرة أنه “يهدف إلى تقويض جهود القوات المسلحة في اجتثاث الإرهاب من العاصمة طرابلس وطرد الميليشيات المسلحة منها”، في إشارة إلى أن الاتفاق يتيح لتركيا دعم قوات حكومة الوفاق في حربها على قوات حفتر.

وأوضحت الحكومة، في بيان اليوم الخميس، موقفها من الاتفاق بأنه “أبرم من غير ذي صفة بموجب أحكام القانون والمحاكم الليبية، كذلك فإن هذا النوع من الاتفاقيات يحتاج لتصديق مجلس النواب المنتخب في حال تسليمنا جدلاً بشرعية السراج”.

وفيما اعتبرت حكومة مجلس النواب الاتفاق بأنه “تدخل تركي سافر في شؤون البلاد”، قالت إنها “تضع المجتمع الدولي ومبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا أمام مسؤولياتهم لمنع هذا التدخل”.

ويشرح خليفة الحداد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الليبية، أهمية الاتفاق الليبي التركي بأن “حكومة الوفاق عملت بدبلوماسية عالية للاستفادة من المصالح التركية في ليبيا؛ فالاتفاق له شقان: أمني يهمّ الحكومة وبحري يهمّ تركيا”، موضحاً بشكل أكثر تفصيلاً أن “تركيا بعد أن نجحت عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام العسكرية بدأت بالسعي في تحديد مناطق نفوذها في المتوسط لقطع الطريق أمام المساعي اليونانية القبرصية للسيطرة على الثروات البحرية في المنطقة”.

ولفت الحداد إلى أن رئيس أركان القوات البحرية التركية، جهاد يايجي، دعا في كتاب أصدره الشهر الماضي عنوانه “ليبيا جارة تركيا من البحر” حكومة بلاده لعقد اتفاق مع ليبيا لتحديد المناطق الاقتصادية التركية في البحر المتوسط، شارحاً الأسس القانونية والمبررات للاتفاق.

ونقل الحداد عن الكتاب أن القيمة الإجمالية لاحتياطي الغاز الطبيعي في المجال البحري شرق المتوسط تبلغ 3 تريليونات دولار أميركي، التي توفر لتركيا من الغاز الطبيعي ما يكفي حاجتها  لمدة 572 عاماً، واحتياجات أوروبا لـ30 عاماً.

ويضيف الحداد أن السراج استغل الموقف الأميركي من الوجود الروسي، وأسرع إلى تمتين العلاقة مع الجانب التركي بعد التراخي الإيطالي وتراجع إيطاليا عن دعمها لحكومته، مؤكداً أن “الاتفاق سيتيح لتركيا أن تتحرك بشكل شرعي وقانوني؛ فالاتفاق له سند قانوني ومبني على اتفاق سابق بين ليبيا وتركيا، صدّق عليه البرلمان عام 2013”.

وعن إمكانية لجوء الجنرال المتقاعد خليفة حفتر من خلال مجلس النواب الذي يمثل واجهة سياسية، ومعترف بشرعيته دولياً، إلى عقد تحالفات مماثلة بشكل ظاهر وواضح مع دول إقليمية ودولية، تقول الصحافية الليبية، نجاح الترهوني، إن “الاتفاق التركي الليبي الهدف منه منع زيادة تدخل الدول الداعمة لحفتر، وتحديداً مصر والإمارات؛ إذ لن يكون بمقدورها التصعيد أكثر والدخول في مواجهة مع تركيا لثقلها السياسي الدولي؛ فهي شريك أساسي في حلف الناتو”، لافتة إلى أن “قوة الاتفاق والوجود التركي الجديد يختلف عن السابق؛ لكونه جاء متساوقاً مع موقف أميركي متشدد من عملية حفتر الذي دعته بشكل واضح إلى وقف هجومه على طرابلس”.

وتابعت الترهوني، في حديثها لـ”العربي الجديد”، بأن “حفتر لم يتجاوز تهديده السابق لتركيا حد إغلاق مطاعم تركية في بنغازي، والقبض على ستة أتراك يقيمون بشكل قانوني في أجدابيا وبنغازي، ثم أرغم على إطلاق سراحهم بعد ساعات من اعتقالهم”.

وعن تأثير الاتفاق بين الحكومة وتركيا بمجريات الميدان، رأت أنه “سيمثل غطاءً قانونياً وشرعياً لأي دعم تركي عسكري للحكومة في طرابلس، لكنه في الوقت ذاته لن يكون عاملاً لإنهاء مشروع حفتر في ليبيا”، مشيرة إلى أن أردوغان “أكد خلال تصريحاته التي نقلها المكتب الإعلامي للسراج رفض الحل العسكري وضرورة العودة إلى العملية السياسية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *