منذ أن قرّرت إثيوبيا إنشاء السد على النيل في عام 2011، اشتدت التوترات مع مصر كأكبر مستهلك للنيل، حتى الآن، تم إجراء مفاوضات مختلفة بين البلدين للتوصل إلى اتفاق لتقاسم فوائد نهر النيل، والتي لم تتمكن من حل النزاع بشكل كامل على الرغم من بعض الاتفاقات المرحلية.

وفي هذا الصدد، استضافت العاصمة الأمريكية واشنطن يوم الأربعاء اجتماعاً لوزراء خارجية الدول الثلاث، إثيوبيا والسودان ومصر، بشأن سد النهضة.

خلفية المفاوضات

هنالك ما يقرب من 11 دولة تتأثر بمعادلات النيل السياسة المائية. ومن هذه الدول، مصر والسودان اللتين تشكلان الوجهة الرئيسة لنهر النيل.

من 84 مليار متر مكعب من مياه النيل، يبلغ مجموع خزان سد النهضة 70 مليار متر مكعب، بينما تبلغ حصة مصر 55.5 ملياراً وحصة إثيوبيا 18 مليار متر مكعب، ومع ملء مثل هذا الخزان الضخم، فلن يتبقى من النيل سوى اسم لمصر.

وقّعت مصر اتفاقيةً مع بريطانيا في عام 1929 التي تتولى الوصاية على رواندا وأوغندا وتنزانيا، تقضي بالحصول على موافقة مصر من قبل أي دولة أرادت تنفيذ خطة تنموية على طريق النيل.

ولكن عشية عمليات سد النهضة، وقّعت ست دول هي بوروندي وإثيوبيا وكينيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا اتفاقية “عنتيبي” بشأن استخدامها لنهر النيل، والتي أنهت الحق الحصري للسودان ومصر كمستخدم نهائي للنيل.

لقد توقّعت كل من مصر وإثيوبيا بالفعل أن تصل التوترات إلى حد النزاع العسكري، ولهذا السبب، بدأت إثيوبيا في بناء معدات عسكرية حول السد، ومع ذلك، فإن الجانبين قد أجريا محادثات حتى الآن أيضاً.

في مارس 2015، وقّعت مصر والسودان وإثيوبيا اتفاقيةً حول الاستخدام العادل لمياه النيل، ولكن ابتعد السودان لاحقاً عن الموقف المصري لسببين: الأول، تم بناء هذا السد على بعد 40 كيلومتراً من الحدود السودانية، ويستفيد السودان من فوائده أيضاً، والسبب الثاني هو أن اختلاف مستوى مياه النيل بمقدار ثمانية أمتار يجعل الري في السودان صعباً، ولكن من وجهة نظر السودان، فإن بناء السد قد نظَّم مستوى المياه، وأزال هذه المشكلة.

بقاء مصر وحيدةً جعلها تضاعف جهودها لحل هذه المشكلة، كما أصبحت لهجتها أكثر تهديداً، في فبراير 2019، عقدت مصر والسودان وإثيوبيا محادثات على هامش قمة الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا، ولكن لم يتم تحقيق نتائج ملموسة.

على مدى خمس سنوات، تم الانتهاء من أكثر من ثلثي السد، وإن مرور الوقت يكون في صالح إثيوبيا وعلى حساب مصر.

في 4 أكتوبر، عقد اجتماع آخر استمر يومين بين مصر وإثيوبيا والسودان وأوغندا في الخرطوم عاصمة السودان، على مستوى الوزراء المعنيين، لكنه انتهى دون نتائج تذكر.

كل طرف يتهم الآخر بإفشال المفاوضات، حيث اتهمت وزارة الموارد المائية والري المصرية وبعد انتهاء المفاوضات، إثيوبيا بعدم المرونة، وأعلنت: “لقد رفض الوفد الإثيوبي كل الأطروحات التي تراعي مصالح مصر المائية وتتجنّب إحداث ضرر جسيم، وخلا (المقترح الإثيوبي) من ضمان وجود حد أدنى من التصريف السنوي من سد النهضة، والتعامل مع حالات الجفاف، والجفاف الممتد الذي قد يقع في المستقبل”.

على الجانب الآخر، أكد وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي “سيلشي بيكيلي” على استحالة تنفيذ المقترحات المصرية، وقال: “مصر تريد 40 مليار متر مكعب سنوياً، بينما تبلغ احتياطيات اثيوبيا نحو 20 مليار متر، وهو ما يعني أن اثيوبيا ستمنح مصر من الاحتياطي الاستراتيجي الخاص بها، الوفد المصري يرفض اقتراح السودان حول 35 مليار متر مكعب، فمصر لديها مطالب غريبة وموقفها مفاجئ.”

على هامش القمة الروسية الإفريقية في سوتشي، جرت محادثات بين “عبد الفتاح السيسي” و”آبي أحمد” رئيس الوزراء الإثيوبي بوساطة بوتين، وعلى الرغم من أن جو الاجتماع كان إيجابياً في البداية، إلا أن النتائج المتوقعة لم تتحقق.

الوساطة الأمريكية

أصبحت النغمة الإثيوبية أكثر تهديداً منذ أوائل نوفمبر، رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” قال في ذلك الوقت: “إذا كانت الحكومة الإثيوبية بحاجة إلى الحرب مع مصر لمواصلة بناء السد، فإن الحكومة الإثيوبية مستعدة لتجهيز وإعداد الملايين”، بعد هذه التصريحات، عرضت مصر انضمام طرف ثالث إلى المفاوضات، بما في ذلك البنك الدولي أو حكومة أمريكا.

رحّبت أمريكا بسرعة بمقترح مصر، وهذه الاستضافة لها العديد من المزايا لأمريكا:

1- تسعى أمريكا إلى التنافس مع روسيا في إفريقيا، لقد أصبحت إفريقيا أكثر أهميةً في السياسة الخارجية الروسية في السنوات الأخيرة، حيث عُقدت القمة الأولى بين روسيا والدول الإفريقية في سوتشي هذا العام، لذلك، إذا نجحت أمريكا في التوصل إلى اتفاق، فإن النفوذ والمصداقية الأمريكية سيتوسعان بين هذه الدول.

2- بالنظر إلى تورط الكيان الإسرائيلي في بناء سد النهضة لمصلحة إثيوبيا، فإن هذا يمكن أن يعطّل العلاقات بين مصر والكيان، ويجعل حلفاء مصر مثل السعودية والإمارات يقفون إلى جانبها، لذلك، من المحتمل أن يمنع التدخل الأمريكي حدوث ذلك.

3- في النهاية، يمكن أن يستخدم ترامب حصول توافق محتمل لمصلحته في الحملة الانتخابية، مصر تدعم الوساطة الأمريكية لأنه بسبب العلاقات الأمريكية الأفضل مع مصر مقارنةً مع إثيوبيا، يأمل السيسي أن يؤدي الوجود الأمريكي إلى تغيير عملية التفاوض لمصلحة القاهرة.

قبل يومين، شكر السيسي ترامب في تغريدة له، وقال إنه: “رجل من طراز فريد ويمتلك القوة لمواجهة الأزمات”.

عقدت المرحلة الأولى من المفاوضات بوساطة أمريكية يوم الأربعاء الماضي، بمشاركة وزراء خارجية كل من إثيوبيا والسودان ومصر، مع وزير الخزانة الأمريكي “ستيفن منوشين”.

الدول المذكورة اتفقت على حل نزاعها حول بناء سد النهضة في إثيوبيا وملء خزانه بحلول 15 يناير 2020 وفقاً لـ “إعلان المبادئ 2015″، وأعلنت في بيان مشترك أنها ستعقد اجتماعات مشتركة أخرى في يومي 9 و13 يناير أيضاً.

آفاق المفاوضات

أحد الحلول التي ترضي مصر إلى حد ما، هو زيادة فترة ملء السد بين خمس أو سبع سنوات، يقول المسؤولون السودانيون إن إثيوبيا قد توافق على هذا الطلب، لكن إثيوبيا لا ترحّب كثيراً بالوساطة الأمريكية.

المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية “نبيات جيتاشيو” وبعد انتهاء محادثات الأسبوع الماضي، قال: “هذه المحادثات لا تعني مفاوضات فنية، لكننا نشارك في هذه المحادثات لإعلان المواقف الإثيوبية”. وأضاف: ” هذه ليست مفاوضات، وأمريكا ليست وسيطًا، ولا يمكن أن تكون هذه اللهجة الصحيحة للحوار”.

السودان، من ناحية أخرى، مرتبك، حيث عارض وزير الري والموارد المائية السوداني “ياسر عباس” أي وساطة في المحادثات، لكنه رحّب بها عقب إعلان الوجود الأمريكي في المحادثات، هذا الموقف السلبي للسودان، والبيانات الأمريكية العامة، قد أثارا شكوكاً حول آفاق المفاوضات.

إثيوبيا، من ناحية أخرى، تجد نفسها في موقع أفضل ولا تحتاج إلى إعطاء تنازلات للطرف الآخر، ترامب أيضاً يستغل هذه المحادثات لمصالحه الشخصية، ومن خلال أسلوبه الشهير باللعب بالألفاظ، يثني على المفاوضات التي لم تصل بعد إلى أي اتفاق عملي، ويصفها بالإيجابية.

الوقت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *