.. انتخابات 2019 في تونس أبرز الدلالات والتحديات
اعلية العلاني- أكاديمي وباحث في القضايا الاستراتيجية

أسدل الستار يوم 13 أكتوبر 2019 على الانتخابات التونسية بجانبيها البرلماني والرئاسي. فما هي أبرز الدلالات؟ وما هي التحديات المقبلة؟

1 ) أبرز الدلالات
أ- الدلالة الأولى: هي أن الرأي العام الوطني والناخب التونسي كان صارما وقاسيا تجاه الطبقة الحاكمة (ليبراليين وإسلاميين) التي حكمت البلاد من 2011 إلى اليوم، فهو يرى أن هذه النخبة الحاكمة فشلت في تحقيق مطالب انتفاضة ” الربيع العربي” وفي مقدمتها الاستحقاق الاقتصادي والاجتماعي وتمت معاقبتها في مستوى الانتخابات الرئاسية والتشريعية. فالاسلاميون خسروا الرئاسيات وحصلوا في التشريعيات (البرلمان) على أقل من 19 بالمائة مما ينذر بفترات من اللااستقرار الحكومي.
ب- الدلالة الثانية: أن حرية التعبير لا معنى لها في غياب تحقيق كرامة الفرد والمجتمع. والكرامة لا تحصل إلا بتوفير الحد الأدنى من الضروريات الاقتصادية كالشغل والخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والمزيد من استقلال القضاء، وهذا ما لم يحصل بعد 2011 بالشكل المنتظر.
2 ) ما هي التحديات القادمة؟
هي تحديات كثيرة أهمها ثلاث: تحدي اقتصادي اجتماعي، تحدي سياسي دبلوماسي، وتحدي أمني.
أ- التحدي الاقتصادي الاجتماعي: لا بد من خطة عملية ومستعجلة للقضاء على الفساد المالي الذي استشرى كثيرا قبل وبعد 2011، وهو ما كرره الرئيس سعيد في حملته الانتحابية وفي خطاب التنصيب يوم 23/10/2019 ولمح لأول مرة عن فكرة التبرع بأيام عمل لفترات طويلة وهو ما يؤكد خطورة الوضع الاقتصادي والاجتماعي. وقد رد أمين عام اتحاد الشغل أن التبرع يجب أن يشمل في المقام الأول الأغنياء قبل الفقراء.
ب- التحدي السياسي والدبلوماسي:
– في السياسة الداخلية: ضرورة العمل من الآن على خلق آليات جديدة لتحقيق الاستقرار الحكومي من خلال تعديل دستوري يؤسس لنظام رئاسي معدل تكون صلاحيات رئيس الجمهورية فيه 60 بالمائة وصلاحيات البرلمان 40 بالمائة. وفي انتظار تعديل الدستور الذي سيستغرق سنتين أو ثلاث لا بد من الإسراع بانتخاب الهيئات الدستورية الجديدة وخاصة المحكمة الدستورية وهيئة مكافحة الفساد، والتفكير في إصدار عفو عام اقتصادي يتم فيه حفظ الحقوق المالية للدولة مع مرونة في الاستخلاص وطرح للعقوبات الجزائية في انتظار إصدار تشريعات مستقبلا تكون أكثرا تشددا في التعامل مع كل أشكال الفساد المالي، ولا بد من ترتيب أولويات السياسة الداخلية خاصة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي سنتحدث عنها لاحقا.
– في السياسة الخارجية: أعتقد أن رئيس الجمهورية الجديد السيد قيس سعيد يميز بين صورة الإنسان الثائر وصورة رجل الدولة. فالسياسة الخارجية ليست مبادئ فقط بل هي أيضا مصالح وإكراهات يجب الانتباه إليها. وقد كان خطابه بعد التنصيب أكثر تناغما مع مبادئ السياسة الخارجية التونسية المتبعة حاليا. إن وعود رئيس الجمهورية الجديد قيس سعيد في تنشيط الدبلوماسية الاقتصادية لا يتحقق خارج ثوابت الدبلوماسية التونسية التقليدية المنفتحة والمتوازنة والقائمة على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام الشرعية الدولية والالتزام بالاتفاقيات التي أمضتها الدولة التونسية مع أشقائها وأصدقائها. وأهْمسُ بصدق في أذن رئيس الدولة: إذا كنتم تريدون دبلوماسية اقتصادية ناجحة عليكم بإعادة الحرارة للعلاقات الخليجية وخلق توازن بداخلها، فتونس اليوم وغدا تحتاج لاستثمارات هامة من السعودية ودولة الإمارات وقطر، وتحتاج لشراكات قوية مع مصر وأوربا وأمريكا وإفريقيا وآسيا.
– في السياسة الأمنية: نُثمّن ما جاء في مداخلات قيس سعيد في حملته الانتخابية ورغبته في الترفيع في الامتيازات المادية والمعنوية لرجال الأمن والجيش، لأن هؤلاء، مع المجتمع المدني، هم الذين حموا الدولة من السقوط والتفكك، وندعوه لتعصير القطاع الاستخباراتي وتطوير منظومة الأمن السيبرني، لأن خطر الإرهاب ما يزال قائما خاصة في ظل الحديث عن إمكانية هروب الدواعش بالشمال السوري وتحوّلهم إلى شمال إفريقيا ودول الساحل الإفريقي.
3) مستقبل حركة النهضة بعد انتخابات 2019 بتونس
لا شك أن حركة النهضة تعرف جيدا أنها خسرت ثلثي قاعدتها الانتخابية رغم حصولها على المرتبة الأولى في البرلمان بنسبة أقل من 19 بالمائة وهي غير كافية لتشكيل حكومة. وستواجه أياما صعبة للغاية خاصة بعد أن وافق مجلس الشورى للحركة على حكومة سياسية وليس حكومة مستقلة. لكن بعض المحللين يقولون أن الحركة ربما تقايض رئاسة الحكومة برئاسة البرلمان وإسنادها للغنوشي وهو السيناريو الأكثر احتمالا، لأن كوادر النهضة لا يملكون الخبرة الضرورية في إيجاد حل لأزمة اقتصادية خانقة وقد كانوا في الحكم وفشلوا في ذلك. وتتحدث بعض الكواليس أن النهضة تُحضّر لسيناريو حكومة تجمع سياسيين من النهضة وأحزاب أخرى مع بعض المستقلين ويترأس الحكومة شخصية اقتصادية مستقلة لها علاقة طيبة مع النهضة عملت سابقا في حكومة الحبيب الصيد، وهو سيناريو محكوم عليه بالفشل حسب عديد الخبراء. ونختم بملاحظتين أساسيتين:
– الملاحظة الأولى: أن تيار الإسلام السياسي تقلصت جاذبيته في تونس بعد أن فشلت حركة النهضة طيلة السنوات الأخيرة في طرح بدائل جدية في الحكم.
الملاحظة الثانية والأخيرة: إن تراجع أسهم تيار الإسلام السياسي في تونس ومعاقبته عن طريق صندوق الاقتراع ستكون له تداعيات كبيرة إقليميا وعربيا ودوليا، وهو ما يفتح الباب لنوع من سياسة جديدة تجمع بين البراغماتية ومقاومة الفساد والانخراط الكامل في منظومة المواطنة والانتقال من دولة القانون إلى مجتمع القانون كما جاء في خطاب التنصيب، وهي مطالب بدأنا نرصد صداها مؤخرا في حراك بعض البلدان بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *