قدمت عدة شخصيات حزبية ومستقلة ترشحها رسميا لانتخابات الرئاسة المقرر تنظيمها في الجزائر يوم 12 ديسمبر المقبل، رغم المعارضة الشديدة التي يبديه الحراك الشعبي المستمر. وكشف بعض المترشحين عن ملامح برامجهم للمرحلة القادمة، متضمنة وعودا بإصلاحات سياسية واقتصادية.

وبانقضاء الأجل القانوني مساء أمس السبت، قدم 22 مرشحا ملفاتهم مرفقة بآلاف التوكيلات الشعبية للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات التي باتت الجهة المسؤولة عن تنظيم الانتخابات بدلا من وزارة الداخلية.

ومن المقرر أن تبت الهيئة الانتخابية خلال أسبوع في ملفات المترشحين للانتخابات الرئاسية التي كان يفترض تنظيمها يوم 4 جويلية الماضي، لكنها تأجلت لانعدام المترشحين.

وحينها كانت هناك جبهة أوسع تعارض إجراء انتخابات الرئاسة في ظل وجود من يوصفون برموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وفي مقدمتهم الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح ورئيس الوزراء نور الدين بدوي.

والآن، وفي تجاوز لمطلب الحراك الشعبي برحيل باقي رموز نظام بوتفليقة، ترشحت شخصيات كانت محسوبة إما على الموالاة أو على المعارضة لهذا الاستحقاق الذي ظلت قيادة المؤسسة العسكرية تتعجله تجنبا لأي عملية انتقالية خارج إطار الدستور، كما تقول. 

ويبرز من هؤلاء المترشحين الأمين العام لحزب “طلائع الحريات” علي بن فليس الذي انضم في السنوات الماضية إلى المعارضة، وكان قبل ذلك رئيسا للوزراء في عهد بوتفليقة قبل أن ينافسه في انتخابات 2004 و 2014.

كما يبرز من بينهم الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي عز الدين ميهوبي الذي كان وزيرا للثقافة. وتولى ميهوبي قيادة شريك جبهة التحرير الوطني في التحالف الحاكم بعد سجن الأمين العام السابق للتجمع الوطني أحمد أويحيى في قضايا فساد.

وتضم قائمة المرشحين المعروفين كلا من رئيس الوزراء السابق عبد المجيد تبون الذي تولى رئاسة الوزراء لمدة ثلاثة أشهر فقط عام 2017، قبل إقالته على خلفية ما وُصف بأنه صراع مراكز القوى المحيطة ببوتفليقة، ورئيس حركة البناء الوطني (الإسلامية) عبد القادر بن قرينة.

ورغم أن المرشحين الرئيسيين لانتخابات الرئاسة أشادوا بالحراك الشعبي الذي بدأ يوم 22 فيفري الماضي وأطاح ببوتفليقة مطلع أفريل الماضي، فإنهم بترشحهم للانتخابات المقبلة لم يؤيدوا مطلبه الرئيسي برحيل رموز نظام بوتفليقة كشرط لإجراء انتخابات نزيهة. كما بدَوْا معارضين لفكرة التغيير الجذري وتأسيس الجمهورية الثانية.


تبون في مؤتمر صحفي عقب تقديم ملف ترشحه للهيئة المشرفة على الانتخابات (الأوروبية)

 

برامج انتخابية

و قبل وبعد الترشح رسميا للانتخابات الرئاسية المقبلة، عرض أبرز المترشحين الخطوط العامة لبرامجهم وسياساتهم التي سيتبنونها إذا فازوا بهذا الاستحقاق.

وقال الأمين العام لحزب “طلائع الحريات” علي بن فليس إن قرار ترشحه لم يكن سهلا بالنظر إلى الظرف العصيب الذي تشهده البلاد، معتبرا أن الانتخابات إذا أجريت في ظروف ملائمة يمكن أن تأتي بقيمة مضافة، وبإجراء التغيير المنشود بقيادة مؤسسات شرعية.

ووعد بن فليس بسن دستور جديد وضمان استقلالية القضاء ودعم الحقوق والحريات، مشيرا إلى أن برنامجه الانتخابي يتضمن كذلك إعادة الشرعية للمؤسسات من القمة إلى القاعدة، كما تحدث عن ضرورة “أخلقة” العمل السياسي.

من جهته، قال رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة بُعيْد تقديم ملف ترشحه الخميس الماضي إنه قرر الترشح رغم الثقل السياسي وتوالي الخيبات على الشعب الجزائري.

ورفض بن قرينة وصفه بمرشح الإسلاميين، وقال إنه مرشح كل الجزائريين، مؤكدا أنه يحمل برنامجا سياسيا طموحا يعيد بناء الدولة، ويؤسس للديمقراطية، ويمنح الجزائر دورها الإقليمي.

وفي مقابلة تلفزيونية سابقة، قال بن قرينة إنه “سيكتسح” الانتخابات رغم أنه ليس هناك حتى الآن مؤشرات حقيقية تدعم هذا الافتراض.

بدوره، نفى رئيس الوزراء السابق عبد المجيد تبون أن يكون مرشح السلطة، ودافع بقوة عن خيار تنظيم الانتخابات التي قال إنها كانت مطلب الحراك الشعبي في بدايته. 

وفي مؤتمر صحفي عقب تقديم ملف ترشحه، وصف تبون نفسه بالديمقراطي، وعبر عن رفضه خيار الفترة الانتقالية، موضحا أنه مع الالتزام بنصوص الدستور.

ووعد المرشح الرئاسي المستقل بتقديم برنامج اجتماعي اقتصادي أخلاقي يقوم على المصالحة بين الجزائريين، ويسمح بانطلاقة مالية اقتصادية جديدة لجمهورية جديدة، مؤكدا رفضه فكرة الجمهورية الثانية.

أما مرشح حزب التجمع الوطني الديمقراطي عز الدين ميهوبي فقال عقب تقديم ملفه إنه سيقدم برنامجا طموحا قابلا للتطبيق لتلبية كل حاجيات المواطن، خاصة المستعجلة منها، معتبرا في هذه الأثناء أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون تعددية.

وتحدث ميهوبي عن قرارات مستعجلة في حال فوزه بالرئاسة، وأشار في هذا الإطار إلى معالجة الوضع الاقتصادي الصعب، مشددا على أن من بين أولوياته مكافحة الفساد.

كما أكد على ضمان استقلال القضاء، ودعا إلى حوار بين مختلف القوى السياسية والمجتمعية لرأب الصدع بين الجزائريين، وتعهد من جهة أخرى بتعزيز وضع المؤسسة العسكرية في الدستور، مشيدا بأدائها في الفترة الأخيرة.

 

أحزاب بلا مرشحين

ويلاحظ بعد تقديم الترشحات الرسمية لانتخابات الرئاسة الجزائرية أن حزب جبهة التحرير الوطني الذي ظل مهيمنا على الحياة السياسية في الجزائر حتى رحيل بوتفليقة، لم يقدم مرشحا عنه، على عكس شريكه السابق في الحكم، التجمع الوطني الديمقراطي.

وكان القيادي في جبهة التحرير عبد الوهاب بن زعيم قال أواخر الشهر الماضي إن الحزب يتجه إلى عدم تقديم مرشح عنه لانتخابات الرئاسة. وأضاف أنه يمكن أن يساند أحد المترشحين بعد أن يدرس برنامجه. 

بدورها، امتنعت الأحزاب الجزائرية ذات المرجعية الإسلامية -باستثناء حركة البناء الوطني- عن خوض انتخابات الرئاسة، وذلك تمسكا منها بمواقفها الرافضة لتنظيم هذا الاستحقاق في ظل الظروف السياسية الراهنة. 

كما يلاحظ أنه لم تترشح لهذه الانتخابات أي من الشخصيات المحسوبة على الحراك الشعبي أو القريبة منه، في حين يواصل آلاف الجزائريين التظاهر يومي الجمعة والثلاثاء مطالبين برحيل رئيسي الدولة والوزراء، ومنتقدين موقف القيادة العسكرية من حراكهم.

يشار إلى أن هناك تباينا في الجزائر بين من يؤيدون خيار الانتخابات باعتباره مخرجا للأزمة، وبين من يرونه حلا متسرعا قد يعمقها في ظل عدم توافر ظروف ملائمة لإجرائها.

وفي مواجهة الحراك الشعبي المستمر، حذر الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح وقائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح رافضي الانتخابات من أن القانون سيُطبق بصرامة على من يتورط في تعطيلها لأن غالبية الشعب مع تنظيمها، حسب قولهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *