صدر حديثا عن “مؤسسة هنداوي” كتاب للباحث سمير نور الدين دردور بعنوان “ملحمة الجزائر: شرح تاريخي لإلياذة الجزائر لشاعر الثورة مفدي زكريا”، قدم خلاله صاحبه تسلسلا لملحمة تاريخ الجزائر مستعينا بمصادر تاريخية متنوعة.

وتناول دردور في كتابه ما رواه زكريا عن مسيرة الشعب الجزائري، وأبرز معالم نبوغه ونهضته ونضاله من أجل إثبات وجوده وسعيه للاستقلال ونيل حريته عبر فترات تاريخية متعاقبة منذ العهد الفينيقي وحتى استقلال البلاد، مؤرخا للبطولة والفخر بأمازيغية الأصل وبعروبة المنبع وبإسلام المعتقَد التي قال عنها: 
أفي رؤية الله فكرك حائرْ  وتذهل عن وجهه في الجزائرْ

واستفاد زكريا من دراسته بالمدرستين الخلدونية والزيتونية بتونس لصقل قريحته اللغوية وشارك في الحركة الأدبية والنضال الوطني وانضم للثورة بصفة عضو في جبهة التحرير وتعرض للحبس في سجون الاستعمار الفرنسي مرات عدة ثم هرب منه عام 1959 وأرسلته الجبهة خارج الجزائر، ليكون شاعر الثورة الذي يصل بصوتها إلى العالم.

وكتب زكريا -الذي تغذت روحه الوطنية بتجربته النضالية- الإلياذة لتسجل تاريخ الجزائر واشترك معه في وضع مقاطعها وزير التعليم السابق مولود قاسم نايت بلقاسم والباحث التونسي عثمان الكعاك.

وجاءت الأبيات بجرس موسيقي خاص ورونق جمالي تواق لوصف جمال الجزائر والهيام في سحرها، وربط فيها زكريا بسلاسة بين العقيدة وجمال الطبيعة، قائلا: 
شغلنا الورَى وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر

ومنح التناص القرآني للقصيدة (التشابه مع النص القرآني) بُعدا جماليا ونسقا إبداعيا مميزا و تجلت فيها الرغبة المتأصلة في الشعب الجزائري الداعية إلى تحرير فلسطين المغتصبة والطامحة إلى توحيد الأمة العربية والإسلامية في زمن لا مكان للفرقة والضعف فيه.

 

قصة الجزائر 

قال الباحث الجزائري سمير دردور أنه حاول في الكتاب الجديد أن يقدم مقاربة تاريخية وأن يراعي التسلسل التاريخي الوارد في الإلياذة، مستلهما التوضيح والاقتباس من المصادر الموثقة ومتجنبا ما أسماه بـ “أباطيل المستشرقين وأراجيف الحاقدين”.

ويناقش الكتاب في المبحث الأول تاريخ العصور القديمة للجزائر بما فيها العهد الفينيقي والروماني وعصر القبائل الوندالية الجرمانية والعهد البيزنطي، ثم ينتقل في المبحث الثاني لمناقشة العصر الذي بدأ بالفتح العربي الإسلامي للبلاد، في حين يتناول في المبحث الثالث العصر الحديث الذي استعرض فيه تاريخ التدخل الأجنبي والانتفاضة الجزائرية والحركة الوطنية وفترة ما بعد الاستقلال.

ويبدأ دردور بالشرح التاريخي لقصيدة مفدي زكريا مع ربطها بالوقائع التاريخية، بدءا بعهد الفينيقيين في القرن الـ12 قبل الميلاد الذين هاجروا من شرق المتوسط وأسسوا قرطاجة (في تونس حاليا) وإيكوسيم (الاسم القديم لمدينة الجزائر) في القرن السادس قبل الميلاد.

ويستعرض مقاومة البربر للاستعمار الروماني ولاحتلال قبائل الوندال الجرمانية الأوروبية الذين أسسوا لهم دولة في الشمال الأفريقي، وذلك قبل قدوم العرب الفاتحين إلى شمال أفريقيا بقيادة عقبة بن نافع عام 682م بحسب دردور.

وعمل القائد الأموي حسان بن النعمان على ترقية التعايش العربي الأمازيغي، فعرَّب الدواوين وجنَّد الأمازيغ تجنيدا طوعيا، ونظَّم الخراج والأسواق فتوسَّعت رقعة الإسلام في بلاد الجزائر، لكن الصراعات الطائفية قسمت البلاد لدويلات مستقلة منها الدولة الرستمية بمنطقة الزاب وقسنطينة وتلمسان، والدولة الإدريسية بمنطقة وهران وشلف ومعسكر والدولة الأغلبية بسكيكدة وسطيف وميلة، قبل أن تتأسس الدولة الفاطمية في الجزائر على أنقاض صراعٍ بين الأغالبة والرستميين.

 

تأسيس الدولة

تناول دردور في فصل بعنوان “الدويلات المستقلة في الجزائر” قصة تأسيس الدولة الحمادية في الجزائر سنة 1014م التي أعلنت ولاءها للعباسيين في بغداد بعد سقوط الدولة الزيرية، وشهدت هجرة الهلاليين الشهيرة إلى المغرب العربي، وكذلك المذهب المالكي، ثم عرفت البلاد حكم المرابطين والموحدين.

وقامت على أنقاض الدولة الموحدية بحسب ما استعرضه الكاتب الدول الحفصية والمرينية والزيانية، وظهر هذا الانقسام في فترة تأهب القوى الأوروبية لاحتلال العالم الإسلامي.

وتناول الفصل الثالث للكتاب أحداثا معاصرة منها الاحتلال الأجنبي والهجمات الإسبانية التي تصدى لها الأخوان بربروسا سنة 1516م، ويعرض الحقبة العثمانية في الجزائر بميزاتها وعيوبها، ويتناول العلاقة الودية بين الجزائر وفرنسا قبل الاستعمار معتبرا حادثة المروحة في سنة 1827م سببا واهيا لقرار غزو الجزائر.

وتحطَّم الأسطول الجزائري في معركة نافارين في السنة نفسها ووقع أول إنزال بحري للقوات الفرنسية سنة 1830 م وما لبثت الثورات الشعبية أن خرجت من المساجد بزعامة الطرق الدينية التي هزَّت أركان فرنسا بقيادة الأمير عبد القادر الجزائري.

 

 الحركة الوطنية

انطلقت الحركة الوطنية الجزائرية بنشاط محمد البدوي ثم تشكَّلت حركة الشبان الجزائريين واستفادت من إضافات الأمير خالد وتعزَّزت بنشاط جمعية العلماء المسلمين وذلك بحسب كتاب الباحث الجزائري.

وخرج الشعب الجزائري مباشرة بعد إعلان انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية فرِحا، آملا في تحقيق فرنسا وعدها بالاستقلال لكنه تلقى ردا قاسيا تمثل بمجزرة مروعة استُشهد فيها 45 ألف جزائري، وحلت على إثرها الأحزاب السياسية وألقي القبض على الزعماء السياسيين والإصلاحيين.

وبدأت المقاومة المسلحة بحسب ما تناوله الكاتب في فصل بعنوان “الانتفاضة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي‏”، وقامت ثورة نوفمبر 1954م وواجهت وحشية الاستعمار الفرنسي حتى قبلت فرنسا بالأمر الواقع وفاوضت الثورة الجزائرية ليجري استفتاء لتقرير المصير وإعلان الاستقلال عام 1962م بعد حرب قدَّم فيها الشعب الجزائري التضحية والفداء.

وختم الكاتب فصول كتابه بتناول العلم والنهضة الفكرية وجزائر ما بعد الاستقلال، مستشهدا بأبيات مفدي زكريا صاحب إلياذة الجزائر الزاخرة بالمواعظ والمفاخر التي استعرض فيها نظما تأريخيا لأبرز أحداث الجزائر، منذ القديم وحتى العصر الحديث مستعرضا أمجادها القديمة والمعاصرة.

المصدر : الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *