العالم سيحج إلى تونس، ليرى كيف فعلتها دولة صغيرة قليلة الإمكانيات، وفجرت الثورة التي أدت إلى وضع نهاية للإرهاب..

 

تونس منتصرة، وتقول: نحن بخير. حرب دون هوادة على الإرهاب، والوضع تحت السيطرة. تضامن عربي ودولي مع تونس، ودعوات إلى استئصال الإرهاب من العقول والنفوس. تونس أقوى من الإرهاب.. لم يبق لهم سوى الانتحار.

نعم، “يا جبل ما يهزك ريح”.. بعناوين رئيسة مثل هذه خرجت الصحف التونسية صباح يوم الجمعة، معبرة عن مشاعر التونسيين في مواجهة يوم ساخن.

وعلى عكس ما توقع المتصيدون في المياه العكرة، الذين أساءهم التحول الديمقراطي الهادئ في تونس، وحاولوا إثارة الشائعات، متحدثين عن مخططات تآمرية وظفت الإرهاب لفرض تأجيل موعد الانتخابات، أجمعت الأحزاب التونسية، المشاركة في الحكم وأحزاب المعارضة، على إجراء الانتخابات في موعدها، موجهة رسالة واضحة إلى الإرهابيين ومن يقف خلفهم: لن تخيفونا.

إن كانت لحقبة حكم الحبيب بورقيبة في تونس إيجابية واحدة -توجد حتما عدة إيجابيات- ستكون هذه الإيجابية إرساءه دولة المؤسسات.. وهذا ما جعل من تونس دولة عصية على الإرهاب، وحماها -رغم الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة- من الانهيار.

المغرضون والأعداء كانوا ينتظرون أن تتحول تونس، بعد الثورة، إلى دولة فاشلة.. ليصرخوا: ألم نقل لكم؟ طال انتظارهم، وخاب مسعاهم.. وفي كل مرة كانت تحاك فيها مؤامرة، تخرج تونس ويخرج التونسيون أقوى. فالتونسيون لا يوحدهم -على ما يبدو- شيء كما توحدهم الصعاب والمخاطر.

حتى لا يكون الكلام مجرد رد فعل عاطفي بعد حدث جلل، دعونا نتذكر المصاعب التي تمر بها تونس، وهي عديدة، سياسيا، واجتماعيا، واقتصاديا.. مصاعب أسقط مثلها دولا قوية تمتلك إمكانيات ضخمة.

لتونس شعب يحميها، شعب يجمع بين التمدن والتدين، وأهم من ذلك شعب يقدّر ويحترم مؤسسات الدولة ويثق فيها. شعب لا يحول الخطأ إلى خطايا، ويعلم أن الأخطاء التي ترتكب أحيانا والعيوب التي تطفو على السطح أحيانا أخرى، ليست أمرا جوهريا يفقده الثقة في هذه المؤسسات.. بل الأمر لا يعدو أن يكون “شدة وتزول”. وهي ستزول حتما، ستزول، والفضل في ذلك يعود إلى الزعيم بورقيبة، باني دولة المؤسسات، الزعيم الذي يقدره الأعداء قبل الأصدقاء.

ليس صدفة أن يعيد التونسيون نصب الحبيب بورقيبة ليحتل أهم نقطة في شارع المدينة الرئيس المسمى باسمه. وليس صدفة، أيضا، أن يواجه بورقيبة من الطرف الآخر للشارع، نصبا لمؤسس علم الاجتماع عبدالرحمن بن خلدون.

قريبا، سينتهي الإرهاب، هناك إجماع عربي ودولي على ذلك، عندها لن يأتي السياح إلى تونس للاستمتاع بشمسها، وشواطئها، وطعامها المميز.. دول كثيرة في العالم تمتلك شواطئ أطول، وطعاما ألذ، وتسطع الشمس فيها صيف شتاء.

سيعود السياح إلى تونس، ليس بصفة سائحين، ولكن سيعودون إليها حاجين.

سيحج العالم إلى تونس، ليرى كيف فعلتها دولة صغيرة قليلة الإمكانيات، وفجرت الثورة التي أدت إلى وضع نهاية للإرهاب.. سيتوافد إلى بلد علّم واحدٌ من أبنائه العالمَ المدنيةَ، وحمى أحفاده هذه المدنية من هجمة الدواعش والإرهاب.

قدر تونس أن تكون رائدة، على صغر حجمها وتواضع إمكانياتها.. قدر تونس ألّا تفشل.

 

 

علي قاسم
كاتب سوري مقيم في تونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *