صرّح الجيش العراقي يوم الأحد الماضي بأن صاروخاً أُطلق على المنطقة الخضراء شديدة التحصين ببغداد، التي تضم مبانٍ حكومية وسفارات أجنبية، وسقط بالقرب من السفارة الأمريكية لكنه لم يؤدِ إلى سقوط ضحايا، وتواصل الجهات الأمنية التحقيق في الحادث لمعرفة مصدر انطلاق الصاروخ، فيما لم تعلن أي جهة حتى الآن المسؤولية عن الهجوم.

وفي غضون ذلك، أعلن قائد عمليات بغداد، العثور على منصة إطلاق الصاروخ الذي استهدف به مجهولون المنطقة الخضراء، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد أثار مجموعة متنوعة من السيناريوهات حول الدوافع والعوامل الكامنة وراء ذلك.

السيناريو الأول: حماية طرف ثالث وتلفيق الاتهامات للخصوم

إن السيناريو الأقرب إلى الواقع يتمثّل في السؤال القائل، من هي الأطراف الخارجية المستفيدة من تلك الصواريخ التي أطلقت على السفارة الأمريكية في بغداد، وهنا تؤكد الخطابات والتصريحات الأخيرة الصادرة عن المسؤولين الأمريكيين بأن البيت الأبيض يسعى إلى تلفيق الاتهامات الباطلة لبعض دول المنطقة وذلك من أجل اتهامها بأنها هي التي أشعلت الشرارة الأولى لحرب جديدة في العراق.

وحول هذا السياق، قال “باتريك شاناهان”، القائم بأعمال وزارة الدفاع الأمريكية، بعدما استقرت المدمّرة البحرية “أبرام لنكولن” في الشرق الأوسط في تغريدة له: “نحن نحمّل إيران مسؤولية مهاجمة القوات الأمريكية أو مصالحنا في المنطقة”.

ومن جهته قال وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو”: “سنحمّل إيران المسؤولية إذا شنّت ميليشياتها التي تعمل وكيلاً لها أو عناصر من هذه القوات هجمات على مصالحنا في المنطقة وسنردّ على إيران طبقاً لذلك”.

وهنا يمكن القول بأن الظروف والحقائق الميدانية التي عزّزت مشاركة دول أخرى مثل الكيان الصهيوني في قيادة مثل هذه التحركات الإرهابية في العراق، تتمثل في:

(1) أفادت وكالة “النخيل” للأنباء مؤخراً عن وجود الموساد في انحاء متفرقة من المدن العراقية كشركات أردنية تعمل في العراق وأصدرت وكالة الأنباء هذه، عدة تقارير سلطت الضوء فيها على مقرات استخباراتية تابعة للكيان الصهيوني في بغداد والتاجي وكركوك.

(2) أعلنت القناة الثالثة عشرة الصهيونية أن الموساد قد أبلغ البيت الأبيض في منتصف إبريل الماضي عن احتمال قيام إيران بعمليات عسكرية لاستهداف بعض المقار الأمريكية في المنطقة، وتكمن أهمية هذه القضية في قيام مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، “مئير بن شبات”، شخصياً بنقل هذه المعلومات إلى مسؤولي البيت الأبيض.

السيناريو الثاني: ترامب يمارس الضغط على إيران من أجل أن تجلس على طاولة المفاوضات

إن هذا السيناريو يتمثّل في قيام الحكومة الأمريكية خلال الفترة الأخيرة بزيادة عملياتها العسكرية ومشاركة قواتها في الأحداث الأخيرة التي عصفت بالمنطقة، وذلك من أجل زيادة الضغط على إيران.

يذكر أن هذا الهجوم الأخير جاء بعد أسبوعين من تحذير وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو القادة العراقيين خلال زيارة لم يعلن عنها مسبقاً من أن واشنطن ستردّ بقوة إذا أخفقوا في السيطرة على الفصائل المدعومة من إيران، التي توسّع نفوذها في العراق، وتشكّل الآن جزءاً من جهازه الأمني، وهنا يمكن القول بأن هناك ثلاثة أدلة على أن تلك الهجمات الأخيرة التي وقعت في العاصمة العراقية بغداد كانت من عمل وإشراف حكومة “ترامب”:

1. إرغام إيران على الحضور إلى طاولة المفاوضات: يجب أن يكون لدى الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الكثير من المبررات الجيدة لانسحابه من الاتفاق النووي الإيراني وذلك من أجل أن ينجح في الانتخابات المقبلة.

وبالنظر إلى أن القضية الرئيسة في سياساته الخارجية تتعلق بإيران، فإذا ظلّت قضية الملف النووي مع إيران معلّقة، فسوف يجد الرئيس “ترامب” نفسه في موقف ضعيف للغاية في المنافسات الانتخابية القادمة، خاصة وأن مفاوضات الحكومة الأمريكية مع كوريا الشمالية وحربها التجارية مع الصين حتى الآن لم تكن ناجحة.

2. التهرّب من تهمة غسيل الأموال وخداع الكونغرس: كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” مؤخراً أن بعض المعاملات المالية للرئيس الأمريكي “ترامب” وصهره كانت تشبه عمليات غسيل الأموال، لكن البنك الذي نفذّ هذه المعاملات المالية رفض متابعة دعاوي غسيل الأموال تلك.

في الوقت نفسه، دعا ممثلو الكونغرس إلى إجراء دراسة لتوضيح العمليات المالية لشركات الرئيس “ترامب”، وطالبوا البنك الذي نفذ تلك المعاملات المالية المشبوهة بالإبلاغ عن حساب “ترامب” وصياغة تقرير مالي حول آخر المعاملات المالية التي نفّذتها جميع الشركات التابعة لـ”ترامب”. 

وهنا تجدر الإشارة إلى أن توجيه انتباه الكونغرس إلى التوترات الإقليمية سيقلل من رقابتهم على عمليات غسيل الأموال التي يقوم بها “ترامب” وصهره، ولطالما كانت هذه الطريقة واحدة من أكثر الطرق التي استعان بها “ترامب” لتقليل الضغط الداخلي عليه.

3. المُضي قُدماً لحضور اجتماع بروكسل: إن موقع الضربات الصاروخية الأخيرة التي سقطت على حي الخضراء ببغداد هو المكان الذي توجد فيه القنصليات والسفارات التابعة للعديد من الدول الغربية، وبالنظر إلى حقيقة أن الدول الأوروبية تحتاج للمزيد من الاستقرار في العراق أكثر من أمريكا نفسها، لهذا ونظراً لوجود خلاف أوروبي أمريكي أيضاً حول قضية الاتفاق النووي، والتي تشكّل أحد العقبات التي تحول دون نجاح “ترامب” في الانتخابات الأمريكية القادمة. لذلك، فإن إطلاق هذه الصواريخ في الوقت الذي تم قبله اتهام إيران بأنها تهدد الأمن في منطقة الشرق الأوسط، سوف يجعل تلك الدول الأوروبية تنضم إلى صف أمريكا.

وحول هذا السياق، قال “براين هوك” في مقابلة له الأسبوع الماضي إن أمريكا ستعتمد على المساعدات العسكرية الأوروبية لمواجهة تهديدات إيران في المنطقة.

كما ألغى “مايك بومبيو” رحلته إلى موسكو الأسبوع الماضي وسافر إلى بروكسل لتزويد الناتو والدول الأوروبية بمعلومات استخبارية عن تهديدات إيران في المنطقة.

إن هذه الإجراءات المنسّقة والزيارات التي يقوم بها المسؤولون الأمريكيون وتسلسل الأحداث سوف يتيح لأمريكا الانخراط في هذه الأحداث لإثبات مزاعمها الخاطئة عن إيران.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *