دخلت تركيا على خط الأزمة الليبية، معلنة دعمها سياسيا وعسكريا لحكومة الوفاق الليبية في مواجهة “انقلاب” اللواء المتقاعد، خليفة حفتر الذي وصفته بالديكتاتور المدعوم أوربيا وعربيا.

ولم تبتعد تركيا عن أزمات ليبيا منذ نجاح ثورتها في إطاحة نظام معمر القذافي في عام 2011، لكنها لم تكن من أولوياتها مثل باقي الدول كسوريا مثلا، نظرا لانشغال النظام التركي في عدة ملفات محلية ودولية وإقليمية.

ومنذ تشكيل حكومة الوفاق الليبية بعد الاتفاق السياسي الموقع بين الأطراف الليبية في ديسمبر 2015 سارعت أنقرة بالاعتراف بالحكومة والتواصل معها ودعوة رئيسها، فايز السراج للزيارة، بل وعين الرئيس التركي مبعوثا خاصا له إلى ليبيا، ناهيك عن نشاط الدبلوماسية التركية هناك.

دعم وتقارب أمني:
  • الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أكد أن “بلاده ستقف بقوة إلى جانب أشقائها الليبيين، كما فعلت في السابق، وأن تركيا ستستنفر كل إمكاناتها لإفشال مساعي تحويل ليبيا إلى سوريا جديدة”.
  • أردوغان أشار إلى أن “ليبيا اليوم أصبحت واحدة من الأماكن التي يحاول البعض تنفيذ سيناريوهات مظلمة فيها، ففي جانب منها هناك حكومة تستمد شرعيتها من الشعب (حكومة الوفاق الوطني)، وفي الجانب الآخر “دكتاتور” (خليفة حفتر) يتم دعمه من قبل أوربا وبعض الدول العربية”، بحسب وكالة الأناضول الرسمية.
  • تصريحات الرئيس التركي سلطت الضوء من جديد على حالة التقارب بين حكومة أنقرة وبين حكومة الوفاق الليبية والتي أكدت مؤخرا أن المجتمع الدولي تخلى عنها وأن موقفه من عدوان “حفتر” على العاصمة “طرابلس” غير واضح وحملته مسؤولية تدهور الأوضاع.
عدوان “طرابلس” وموقف أنقرة:
  • خلال العدوان الذي يشنه “حفتر” على العاصمة الليبية، التقى “أردوغان” برئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، خالد المشري في إسطنبول لبحث آخر تطورات العدوان على “طرابلس” والجهود المبذولة لتنسيق الموقف الدولي تجاه هذا الاعتداء على طرابلس، إضافة إلى سبل إنجاح الحل السلمي للأزمة في ليبيا.
  • قبل العدوان على العاصمة الليبية والذي قلب الموازين وأفسد كل المفاوضات السابقة والجهود الدولية لتحقيق حل سياسي في ليبيا، لوحظ تقارب تركي “أمني” مع حكومة “السراج”، ترجمته الزيارات المتكررة بين وفود عسكرية تركية وليبية.
  • رئيس حكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، قام بزيارة إلى تركيا في 09 نوفمبر 2018، على رأس وفد رفيع المستوى ضم وزير الخارجية ومحافظ مصرف ليبيا المركزي التقى خلالها الرئيس “أردوغان” وعددا كبيرا من المسؤولين الأتراك، وبحث خلالها التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني.
رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج (يسار) والرئيس التركي أردوغان
  • أرودغان أكد خلال الزيارة دعم “بلاده للمجلس الرئاسي وحكومة الوفاق، مشيداً بما يبذله “السراج” من جهود لتحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا، مؤكدا استعداد بلاده للمساهمة في مجالات الاستثمار والتنمية وبرامج إعادة الإعمار في ليبيا وتقديم ما يطلب منها في هذا الجانب.
  • وزير الداخلية بحكومة الوفاق الليبية، فتحي باشاغا قام بزيارة إلى تركيا على رأس وفد أمني كبير التقى خلالها بعدة وزراء ومسؤولين عسكريين، اتفق خلالها على التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين وتدريب الشرطة الليبية، وكذلك عودة الشركات التركية للعمل في ليبيا.
  • باشاغا التقي في مارس الماضي بمقر الوزارة في طرابلس، بسفير تركيا لدى ليبيا، سرحت أكسين لبحث تنفيذ الاتفاقات على المستوى الأمني والاقتصادي، وسط شكر من السفير التركي للوزير الليبي على جهود وزارته في ضبط الأمن وتحسين الأوضاع في العاصمة الليبية.
  • قبيل زيارة باشاغا إلى تركيا بشهر واحد، قام وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في الخامس من نوفمبر الماضي بزيارة ضمت وفدا عسكريا كبيرا إلى العاصمة “طرابلس”، أجرى خلالها سلسلة لقاءات مع كل من رئيس حكومة الوفاق ورئيس الأركان الليبية ووزير الداخلية ورئيس مجلس الدولة بحث فيها التعاون في المجالات الدفاعية والعسكرية بين البلدين”.
  • اللقاء بين فايز السراج ووزير الدفاع التركي، ناقش عدة موضوعات، منها: ملف توحيد “الجيش” الليبي، وقضايا مكافحة “الإرهاب”، والتعاون العسكري في بناء القدرات الدفاعية والأمنية الليبية، عبر برامج التدريب والتأهيل والتجهيز، وتفعيل الاتفاقات المبرمة بين البلدين في هذا الشأن”، وفق بيان لمكتب “السراج” الإعلامي.
  • أكار أكد خلال الزيارة الملفتة لوفد تركي عسكري كبير، أن “تركيا قادرة على المساعدة في حل بعض المشاكل التي تعاني منها ليبيا في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وأن بلاده ترغب في التعاون الأمني مع ليبيا وتكثيف اللقاءات والتعاون بين البلدين”.
ما النتيجة؟
  • هذه الزيارات والتقارب خاصة العسكري والأمني أثارت ذريعة حفتر ومؤيديه، ما دفعه لشن حملة منظمة ضد تركيا واتهامها بدعم مدينة “مصراتة” بالسلاح والمقاتلين، ومن أجل ذلك عقد المتحدث باسم حفتر أحمد المسماري عدة مؤتمرات صحفية سخرها جميعها للهجوم على أنقرة والرئيس أردوغان، ومنها مؤتمر عقده في العاصمة المصرية “القاهرة”.
  • في ديسمبر 2018 أعلنت قوات حفتر حجز سفينة تركية في ميناء الخمس البحري شرقي العاصمة طرابلس محملة بأطنان من الذخيرة والأسلحة على خلاف بيانات الحمولة التي تشير إلى مواد بناء، معتبرة هذا خرقا لقرار حظر السلاح المفروض من قبل مجلس الأمن، الأمر الذي نفته تركيا مؤكدة التزامها بالقرارات الدولية وأنها لا علاقة لها بما يسميهم البعض بالمتطرفين في ليبيا”.
  • مراقبون أكدوا أن موقف حفتر من نظام أردوغان ينم عن خلاف الجنرال الليبي مع جماعات “الإسلام السياسي” من ناحية، وعن محاولة منه لمغازلة داعميه من “مصر والإمارات” من ناحية أخرى كون وجود خلافات كبيرة بين حكومة أنقرة ونظام السيسي الداعم لحفتر منذ ظهوره”.
  • حتى خلال العدوان الذي تشنه قوات حفتر بدعم أوربي وعربي، لم تنج حكومة “أنقرة” من الاتهامات، حيث اتهمها المسماري بأنها ترسل أسلحة إلى مقاتلين من مدينة مصراتة وأنها ترسل “مرتزقة” وجهاديين عائدين من سوريا للقتال بجانب قوات الحكومة في الغرب الليبي، وفق زعمه”.
  • طرح التقارب التركي مع حكومة الوفاق في ظل التخلي الدولي عن هذه الحكومة في محاولة لإضعافها أمام عدوان حفتر على العاصمة الليبية، يطرح بعض التساؤلات من قبيل: كيف سيؤثر دخول “أنقرة” على خط الأزمة الليبية في المشهد السياسي والعسكري؟ وما الدور التركي المتوقع في مواجهة مشروع حفتر وداعميه إقليميا ودوليا؟
  • الناشط والمدون الليبي، فرج فركاش قال لـ “الجزيرة مباشر” إن “الدعم السياسي التركي لحكومة الوفاق سيكون في مواجهة الدعم السعودي والإماراتي لحفتر، وسيتطور إلى دعم “لوجستي” وعسكري نخشى أن يتطور إلى دعم على الأرض، لكن حكومة الوفاق ستحاول تعزيز دفاعاتها الجوية ضد الطيران الليلي المسير وقد نرى دعما في هذا الاتجاه بالإضافة إلى السلاح والعتاد”.
  • أوضح في تصريحات خاصة من “طرابلس” أنه باستمرار دعم الدول المذكورة لـ”حفتر” ستطول الحرب، وربما نرى فتحا لجبهات جديدة في حقول النفط وبعض المدن الأخرى المجاورة للعاصمة لتتحول المعارك إلى حرب مفتوحة ما لم يتدخل المجتمع الدولي ويضغط على “الوكلاء” بوقف دعمهم وإجبار من يدعمون بالجلوس على طاولة المفاوضات”، حسب تقديره.
  • الباحث السياسي الليبي، علي أبوزيد أشار إلى أن “دخول تركيا على خط الدعم لحكومة الوفاق وجيشها أمر مهم ومحوري وسيؤدي إلى اتزان الموقف الدولي المنقسم حول ليبيا، وربما تحويل مواقف بعض الدول أو تعديلها”.
  • قال في تصريحات للجزيرة مباشر إنه “إذا أردنا تحديد أهمية الدور التركي في الملف الليبي من الجانب السياسي فيمكن ذلك من خلال فهم استراتيجية السياسة الخارجية التركية التي ترفض وتناهض محور الاستبداد العربي (الإمارات، السعودية، مصر)، الذي يريد اختطاف القرار العربي وتجييره لصالح صفقة القرن وجعل المنطقة بكاملها منسجمة مع سياستها، وتركيا تدرك أن سيطرة هذا المحور على ليبيا من خلال رجلهم خليفة حفتر سيزيد من نفوذهم خاصة وأن ليبيا جسر العبور إلى المغرب العربي وإحدى دوله وهي جارة لدولتين إحداهما كانت منها انطلاقة الربيع العربي (تونس) والثانية تشهد حالياً موجته الثانية (الجزائر)، وسيطرة محور الاستبداد على ليبيا يهدد التغيير في هاتين الدولتين ويوسع نفوذ محور الشر هذا”، حسب كلامه.
  • الباحث الليبي أوضح أن “تركيا دولة عضو في حلف “الناتو” وتربطها علاقات ممتازة مع الروس وهي الأقدر على تعديل الموقف الروسي الداعم حالياً لحفتر، وأيضاً الأتراك لهم مصالح واستثمارات في ليبيا وهم يدركون جيداً أن هذه المصالح لن تكون آمنة بوصول حفتر إلى السلطة”.
  • تابع: “دخول الأتراك على الخط بمستوى عالٍ ممثلاً في حديث الرئيس “أردوغان” يمثل رسالة واضحة أن الأتراك لن يسمحوا باختطاف الملف الليبي من قبل إحدى الدول الكبرى الداعمة لحفتر كفرنسا واستغلال انقسام المجتمع الدولي لتمرر ما تريد، ومن المرجح أن نرى محوراً دولياً داعماً لحكومة الوفاق تقوده تركيا وربما تنضم إليه إيطاليا التي لا زالت تسعى إلى تحييد فرنسا، وسيكون دور تركيا مهماً لفضح أي تدخلات عسكرية داعمة لحفتر تخرق القرارات الدولية”، كما قال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *