ربما لا يعد الملف الصحي لقادة دول المغرب العربي، وما يثيره من جدل، بالأمر الجديد.

ففي عام 2017، أثار تقرير للبرلمان الفرنسي بهذا الشأن لغطا كبيرا، كاد أن يتطور إلى أزمة دبلوماسية مع تونس والجزائر والمغرب. فقد ذكر التقرير أن المشاكل الصحية لزعماء الدول الثلاث تمثل في حدّ ذاتها “مصدرا لعدم الاستقرار السياسي”.

واليوم، أُثير النقاش مجددا في هذه المسألة مع إعلان الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، ترشحه في انتخابات الرئاسة المقبلة، قد تنتهي ببقائه في منصبه للولاية الخامسة على التوالي.

فما هو الوضع الصحي لزعماء الدول الثلاث؟ وهل هو فعلا مصدر اضطراب؟

 

“مخاطر” العهدة الخامسة

التقرير الفرنسي شكك في قدرة بوتفليقة (81 عاما) على ممارسة صلاحياته، وذلك بعد تدهور حالته الصحية جراء إصابته بجلطة دماغية في عام 2013.

وفي السنوات القليلة الماضية، لم يظهر بوتفليقة في العلن سوى مرات قليلة، بدا فيها منهكا، مكتفيا باستقبال ضيوف أجانب في قصر المرادية، ولا يتحدث إلا بصعوبة. كما أظهرت صور الرجل على كرسي متحرك، تارة لوضع إكليل من الزهور على نصب تذكاري يخلد شهداء الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، وتارة لتدشين شبكة قطارات بالعاصمة الجزائرية.

وتتزايد التساؤلات بشأن هوية من يقود البلاد فعليا، وسط غياب الرئيس الجزائري أو تغييبه عنه، كما ألمح رئيس الحكومة الجزائرية السابق، علي بن فليس، الذي يعتقد أن “بوتفليقة قد لا يعلم بترشحه لولاية رئاسية خامسة”.

وفي هذا السياق، قالت رئيسة حزب “الاتحاد من أجل التغيير والرقي”، زبيدة عسول، لبي بي سي إن “ما يهم الفريق الحاكم الحالي هو البقاء في السلطة”، مضيفة أن “العهدة (الفترة الرئاسية) الخامسة ستكون كارثة حقيقية على البلاد”.

لكنّ القيادية في التجمع الوطني الديمقراطي، أميرة سليم، اعتبرت أن ترشح بوتفليقة جاء بعد “مطالب شعبية بالنظر لحصيلة حكمه منذ 1999”.

ولم يستبعد أستاذ العلوم السياسية، علي ربيج، أن تكون “نتيجة الانتخابات قد حسمت فعلا، بعد ترشح بوتفليقة”.

 

“شديد الهشاشة”

وبالنسبة لتونس، أشار تقرير البرلمان الفرنسي إلى أن الرئيس الباجي قائد السبسي (92 عاما) تقدم في السن، بدرجة تجعل من ممارسة مهام منصبه في السلطة أمرا “شديد الهشاشة”.

ولم يتسنّ للسبسي التقدّم لانتخابات الرئاسة في عام 2014 إلا بعد التوصل لاتفاق مع زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، بعدم تحديد سقف لسنّ المرشحين في الدستور.

ويرفض طاقم السبسي التطرق لسنّ الرئيس باعتباره “شكلا من أشكال التمييز على أساس السنّ”. ويعتبر الرئيس التونسي ثاني أكبر زعيم في العالم سنّا، بعد الملكة إليزابيث.

لكنّ القيادي في حزب التيار الديمقراطي المعارض، محمد عبو، دأب على مطالبة الرئاسة التونسية بتقديم تقرير طبي حول صحة السبسي.

وقد أشار الرئيس التونسي، في تصريحات صحفية، الأسبوع الماضي، إلى أن “الدستور يسمح له بالترشح لفترة رئاسية ثانية”.

وهناك مساع داخل حزب “نداء تونس”، الذي أسسه السبسي ويديره نجله، حافظ، لإقناع الرجل بالترشح لولاية ثانية.

لكنّ المحلل السياسي، صلاح الدين الجورشي، شدّد على ضرورة توفّر الحدّ الأدنى من الاستقرار السياسي في المرحلة المقبلة، محذرا من سيناريو نهاية عهد الرئيس الراحل، الحبيب بورقيبة، حين أصيبت البلاد بالشلل التامّ جراء عجز مؤسس الجمهورية التونسية.

وأطاح رئيس الحكومة آنذاك، زين العابدين بن علي، ببورقيبة في السابع من نوفمبر 1987، في ما عُرف آنذاك بـ”الانقلاب الطبي”.

ويقول الناشط اليساري التونسي، نجيب البكوشي، إن “القادة يعرفون أبواب الدخول لقصر الحكم لكنهم لا يعرفون باب الخروج منه”.

 

غموض في المغرب

يشير التقرير الفرنسي إلى أن ملك المغرب، محمد السادس (55 عاما)، “يعاني مرضا يتطور بشكل بطيء”، لكنه يصف الرجل بأنه “شجاع وتقدمي وصاحب رؤية في عدد من المجالات”.

وبصفة عامة، يلفّ الغموض الوضع الصحي لملك المغرب الذي خضع في العام الماضي لعملية جراحية في القلب.

وحينها، شددت وكالة الأنباء المغربية الرسمية على أن الملك “سيتمكن من استئناف عمله دون أي قيود بسبب الحالة الصحية”.

لكنّ غياب الرجل المتواصل عن المملكة غذى شكوكا بشأن قدرته على مواصلة الحكم. وقضى الملك أقل من ثلاثة أسابيع في بلاده خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الماضي، وهو ما أدى إلى تأجيل استقبال الرباط سفراء جدد، لعدم تحديد مواعيد لتقديم أوراق اعتمادهم.

ويعتبر الخوض في الوضع الصحي لمحمد السادس من المحظورات في المغرب، منذ أكثر من عشر سنوات.

و في سبتمبر 2009، مثل الصحفيان علي أنوزلا وبشرى الضوو أمام القضاء بتهم “ارتكاب جنحة نشر وسوء النية والترويج لأخبار كاذبة وخاطئة”، بسبب مقالات حول صحة الملك.

 

 

بي بي سي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *