منذ احتلال العراق أسست القوات الأمريكية والدول المتعاونة معها نظاماً سياسياً يقصي كل من له علاقة تنظيمية بحزب البعث الذي أطيح به من حكم العراق.

وقد كُيِّف هذا الإجراء بصيغة قانونية عبر إنشاء “الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث”، بقانون صادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة برئاسة الحاكم الأمريكي بول بريمر، في 16 أبريل 2003.

ويتهم عراقيون حزب البعث المنحل بلجوئه إلى جميع وسائل الترغيب والترهيب لإجبار المواطنين على الانضمام إليه، وإعلان ولائهم له، وقد اضطر المواطنون إلى فعل ذلك لضمان حياتهم وحقوقهم الأساسية، ويتبنى الحزب القومي العربي الفكر الإشتراكي، وظل يحكم العراق حتى الغزو الأمريكي.

وبناءً على قانون اجتثاث البعث، حُلّ الجيش العراقي الذي تأسس عام 1920، وطرد آلاف الموظفين في الدولة من وظائفهم، وأقصي كل من له علاقة بالحزب من تولي وظائف الشأن العام.

وبعد إقرار الدستور الدائم استمر عمل الهيئة، وكيِّف وجودُها دستورياً عبر نص في الفصل الثاني بالمادة 135 التي نصت على “مواصلة الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث أعمالها بوصفها هيئة مستقلة”، ولضمان حماية هذه الهيئة وقانونها اشترط واضعو الدستور حلها عن طريق البرلمان بأغلبية مطلقة.

ومنذ لحظة إقرار القانون، تعرض للانتقاد من مختلف قوى العراق، واتُّهمت القوى السياسية المشاركة في الحكم باستخدامه لإقصاء المعارضين لها.

كما اعتبرت قوى مجتمعية عديدة، وعلى رأسها هيئة علماء المسلمين، القانون أداة لممارسة الإقصاء الطائفي الذي طال العرب السنة الذين قاطعوا العملية السياسية في ظل هيمنة الاحتلال الأمريكي عليها.

واتهمت مجموعة منظمات غير حكومية، في ورقة مشتركة قدمت لاجتماع مجلس حقوق الإنسان في جنيف عام 2010، الحكومة باستخدام القانون لتصفية معارضيها.

وسعياً من الحكومة لتجاوز الانتقادات؛ أجريت تعديلات على القانون، من خلال قانون جديد سمي بـ”المساءلة والعدالة”، إلا أن الأحزاب الشيعية التي لها النصيب الأكبر في حكم العراق، اعترضت على التعديلات، فتدخلت واشنطن وضغطت لإقرارها تحت عنوان دعم “المصالحة الوطنية”.

وجاء ذلك بهدف إقناع العرب السنة بالانخراط في العمل السياسي، فأقرت التعديلات، في 14 يناير 2008، لكن المعارضين ومعهم منظمات حقوقية رأت أن القانون الجديد “أسوأ من قانون اجتثاث البعث”، لإمكانية استغلاله بنفس الطريقة التي استغل بها القانون الأصلي.

مجلس النواب العراقي (أرشيفية)

– الإقصاء السياسي
ورغم عدم اكتمال تشكيل حكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الجديدة التي أعقبت الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مايو الماضي، بدأت هيئة المساءلة والعدالة تحركها لمتابعة ملفات الوزراء والمسؤولين والمرشحين للمناصب الثانوية بالحكومة، وهو ما أثار قلق الجهات السياسية التي حذرت من أن هذه الخطوة قد تكون مقدمة لـ”تصفية الخصوم” عبر قرارات الهيئة.

وقالت كتلة ائتلاف الوطنية، التي يتزعمها رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي: إن “هيئة المساءلة والعدالة أصبحت أداة لتصفية الخصوم وإقصائهم عن العملية السياسية”.

وفي بيان صادر عن الكتلة، يوم 15 ديسمبر، قال النائب كاظم الشمري: “كنا نتمنى أن تبتعد هيئة المساءلة والعدالة عن انحيازها لبعض الجهات السياسية التي لا تتوانى لحظة بالاستعانة بهذه الهيئة لتصفية خصومها وإقصائهم عن العملية السياسية”.

جاء بيان الكتلة تعليقاً على قرار تعليق العضو فيها عباس صالح من مجلس محافظة العاصمة بغداد، بالاستناد إلى شموله بإجراءات قانون المساءلة والعدالة.

ولفت الشمري إلى أن “قانون المساءلة والعدالة سيئ الصيت دليل واضح على مدى التدخل السافر لبعض الجهات السياسية، وممارسة سياسة الإملاء على البعض من أعضاء الهيئة، الذين باتوا مسلوبي الإرادة ولا يمتلكون سوى الانصياع لهذه الجهة أو تلك”.

– مظالم
وفي ذات السياق، قال عضو بمجلس محافظة نينوى شمال العراق لـ”الخليج أونلاين”: إن “القانون استخدم في بداية الاحتلال لتصفية وإبعاد العرب السنة من العملية السياسية والمناصب الحساسة بالدولة”.

وأضاف: “حالياً يتم استخدامه لإقصاء الخصوم السياسيين، فكل من له توجه معارض لسياق الحكم الشيعي الذي يدور في فلك إيران يقصى بتهمة الانتماء لحزب البعث”.

وأكد المسؤول المحلي العراقي أن “قرار اجتثاث البعث جاء على خلفية سياسية واجتماعية واقتصادية سلبية، ألحقت الظلم بشريحة واسعة من المجتمع بالعراق، وأدت إلى احتقان اجتماعي وأضرار اقتصادية بحق شرائح كبيرة من المجتمع”.

وكان البرلمان العراقي منح، في 25 أكتوبر الماضي، الثقة لـ14 وزيراً بحكومة عبد المهدي، غير أن الخلافات السياسية حالت دون التوصل إلى اتفاق على تسمية ثمان وزراء هم باقي تشكيلة الحكومة.

ونقلت صحيفة “العربي الجديد”، في نوفمبر الماضي، عن مسؤول بهيئة المساءلة والعدالة قوله: إن “الهيئة أجرت دراسة وتحقيقاً شاملاً في ملفات جميع الوزراء بحكومة عبد المهدي، وخلصت إلى نتيجة أن إجراءاتها لا تنطبق إلا على وزيرين اثنين، هما وزير الاتصالات نعيم الربيعي، ووزير الشباب أحمد العبيدي”.

وأكد المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن “الهيئة أرسلت كتاباً رسمياً إلى رئاسة البرلمان بتفاصيل كاملة عن كل وزير”.

تجدر الإشارة إلى أن حزب البعث حكم العراق منذ عام 1968 ولغاية احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة عام 2003، وانتظم في صفوف الحزب مئات الآلاف من العراقيين.

وكان يندر أن يتولى أي عراقي منصباً بمؤسسات الدولة المدنية أو العسكرية دون أن يكون عضواً بالحزب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *