منية العيادي

 

 

وسط تفكك أجهزة الدولة في ليبيا و اتساع سطوة الميليشيات التي انتشرت بعد ثورة 2011 يزداد الوضع السياسي في ليبيا تعقيدا و غموضا خاصّة و أن الجهود الدولية لم تنجح في إقناع السراج و حفتر بفتح باب التوافقات، و صعوبة الوصول إلى المصالحة أمام تعثر توحيد المؤسسة العسكرية .

و يأمل الليبيون أن يحقق المؤتمر الوطني الجامع المزمع تنظيمه في الأسابيع الأولى من عام 2019 مصالحة وطنية شاملة، من أجل الوصول بالانتخابات الرئاسية و البرلمانية المزمع عقدها في ربيع 2019 إلى بر الأمان و هي أملهم حاليا للخروج من الأزمات التي يمر بها هذا البلد.
 
كما أن الوضع في ليبيا لا يهم الليبيين فقط بل له أيضا تداعيات مباشرة على دول الجوار و خاصة تونس فالانشغال التونسي بما يجري حالياً في ليبيا له أكثر من مبرر نظراً لعامل القرب الجغرافي إضافة إلى أن “المعارك لا تؤثر أمنياً فقط على البلدين، بل ستكون تداعياتها الاقتصادية كبيرة فالتبادل التجاري شبه معطل منذ سنوات، و قد يزداد الوضع تأزماً إذا استمر الوضع في ليبيا على ما هو عليه”.

 

و في هذا الإطار نظّم مركز البناء المغاربي للدراسات و منتدى ابن رشد، مؤخرا، لقاءا حواريا حول مستجدات الوضع في ليبيا و انعكاساته على تونس و دول شمال افريقيا بحضور فاعلين و خبراء ليبيين و تونسيين .

 

و حسب الإعلامي و المحلل السياسي المختص في الشؤون الليبية، علي اللافي فإن الملف الليبي بمستجداته العسكرية و السياسية و الأمنية يتصدر العوامل الخارجية التي تؤثر بقوة في المستجدات السياسية و الأمنية و الاقتصادية و الاجتماعية في تونس، و يمكن أن تدفع البلد في كل لحظة خطوات إلى الوراء .

و اعتبر اللافي أن الوضع في ليبيا معقد باعتبار تداخل الأوضاع الإقليمية و الدولية و قال إن هنالك 3 سيناريوهات ممكنة اليوم في ليبيا الأول الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية و البرلمانية في ربيع 2019 و الثاني أن لا تقع هذه الانتخابات قبل سنتين من الآن و السيناريو الثالث هو ترك ليبيا لمصيرها مع حماية حقول النفط إضافة إلى إنشاء منطقة خضراء لمنع المساس بحقول النفط مبرزا أن هنالك مفاوضات عير معلنة مع شركات فرنسية و أمريكية و انقليزية من أجل ذلك.

و قال إنه لا يمكن الحديث الآن عن تحولات سياسية في تونس و الجزائر و المغرب و مصر بمعزل عن بعض و أن تكون هنالك تجربة ديمقراطية ناجحة بمنأى عن الأمن القومي موضحا أن هنالك مخاوف من دول جوار ليبيا من أن لا يكون هنالك حلا ناجعا يناسب الجميع.

و أشار اللافي إلى أن كل الوجوه السياسية في ليبيا خسرت أوراقها اليوم  و لا يوجد بديل أو شخصية سياسية في الساحة الليبية و هو ما يمكن أن يعطل عملية الانتخابات لافتا إلى أن رئيس المؤسسة الوطنية الليبية للنفط مصطفى صنع الله الآن هو أقوى رجل في ليبيا و يحظى في الغرب بصيت كبير بما يعني أن الغرب لديه خطوط حمراء و هي أن لا يقع المس بالمؤسسات السيادية و منها المصرف المركزي و صندوق الاستثمار السيادي و أيضا المؤسسة الوطنية للنفط .

من جهة أخرى أوضح اللافي أن هنالك هنالك خلاف مصري إماراتي حول دور حفتر السياسي و إلى حد الآن الدولتان تدعمانه و متمسكتان به كقائد عسكري فقط و بالنسبة للمصريين فقد حسموا بأنه لا مستقبل سياسي له و أنه يجب أن ينضبط أما الطرف الإماراتي فمازال مترددا في رفع يديه عنه سياسيا مشيرا إلى أنه لا يعتقد أن دور حفتر قد انتهى بل سيكون رقما في المعادلة و سيملي شروطه مثل السابق.

مؤسس حراك مانديلا ليبيا و أحد مؤسسي حملة “رشحناك” من أجل دعم سيف الإسلام القذافي للترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة ، محمد الرميح، اعتبر أن المشهد السياسي الليبي من أكثر المشاهد تعقيدا بالنظر إلى الدول التي قام فيها الربيع العربي و ما زاد الأمرا تعقيدا التدخل الخارجي سواء من الأطراف الغربية أو العربية التي كانت سببا في تفاقم الأزمة أكثر .

و أضاف الرميح أن الحل الوحيد حاليا لحل الأزمة السياسية في ليبيا هو الانتقال السلمي للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع و عقد انتخابات في غضون 2019.

و أشار إلى أن مؤيدي سيف الاسلام القذافي مواطنون ليبيون من عامة الشعب الليبي من مختلف التوجهات السياسية، كما أن الصندوق الانتخابي هو صاحب القرار، مبرزا ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها من أجل تحقيق أهداف استرجاع هيبة الوطن وكرامة المواطن 

و أضاف أن مؤيدي القذافي يرون أنه شخض متمكن و لديه من القدرات ما يمكنه من أن يقود المرحلة القادمة و هو أكثر شخص لديه الحظوظ ليكون قائد المرحلة الانتقالية المقبلة.

و لفت إلى أنه وفقا لقانون العفو العام الذي أقره مجلس النواب، فإن سيف الاسلام ليس لديه عوائق قانونية لدخول الانتخابات الرئاسية و لا يحق لمحكمة الجنايات الدولية المطالبة بمحاكمة القذافي و لا يحق لأي دولة أو كيان سياسي منعه من التقدم للترشح في الانتخابات الرئاسية.

 المحلل السياسي و المختص في الجماعات الاسلامية علية العلاني أشار إلى عدم وجود رؤية واضحة في الملف الليبي و اعتبر أن الحل في ليبيا لن يكون ناجعا إلا بالقضاء على التدخل الخارجي و أن يكون الحوار ليبيا_ليبيا و تكون هنالك برامج و نوع من الوفاق الليبي حول أمهات القضايا في مرحلة انتقالية

 

الباحث الليبي محمد فؤاد قال إنه و بعد مؤتمر باليرمو و عودة جميع الأطراف بدأ المبعوث الأممي في ليبيا غسان سلامة يعمل على التحضير للمؤتمر الوطني الجامع في ليبيا الذي حدد لشهر فيفري المقبل و الذي سيتم بحضور 150 شخصا من مختلف التيارات الليبية الحالية و السابقة من أجل إيجاد خارطة طريق لانتخابات جديدة تفضي بالهيئات السياسية الموجودة حاليا إلى مخرج واضح و تضع حدا للصراع السياسي الراهن بين المكونات السياسية الليبية..

و أضاف أن المصالح تتشابك في ليبيا و الولايات المتحدة تحديدا ليست مهتمة كثيرا بالوضع الليبي و هذا ما ترك المجال للقوى الإقليمية و بعض القوى الغربية الأخرى للّعب في ليبيا و هذا ما يؤثر على الأحداث هناك و ربما الأحداث الأخيرة التي شهدناها على المستوى الدولي من خروج الولايات المتحدة من سوريا إلى الأحداث التي حصلت في السعودية في المدة الأخيرة مرورا بالأزمة الخليجية ستشغل قليلا هذه الدول عن الملف الليبي و هذا ربما سيعطي أملا بان يسير الملف الليبي قدما و غير هذا لن توجد حلول حقيقية للأزمة الليبية لأن جزءا مهما من الأزمة الليبية “عسكري” .

كما اعتبر الباحث أن مشكلة ليبيا الحقيقية بدأت سنة 2014 بعد أن أعلن حفتر ما أسماه “بالانقلاب العسكري” مضيفا أن المشير خليفة حفتر و بدعم من قوى إقليمية يسعى إلى السلطة و يريد إعادة ليبيا إلى الديكتاتورية العسكرية و أن يكون نسخة من القذافي باشتراطه أن يكون القائد العام للجيش بصلاحيات مطلقة حتى تكون هناك انتخابات و هو ما اعتبره الباحث انقلابا ناعما.

و قال إن حفتر أرسل عبر وسطاء غربيين رفض تسميتهم رسالة بأنه يقبل بالانتخابات و أنّه سيقيل حكومة الثني الموجودة في الشرق خلال 24 ساعة إذا وافق السراج و وافقت المنطقة الغربية على أن يكون هو القائد العام للقوات المسلحة و هذا يعني أن كل المشهد الذي نراه في المنطقة الشرقية من حكومة و مؤسسات موازية، حفتر أعلن أنه سيفكك كل هذا في 24 ساعة إذا تم قبول شرطه و هذا سيكون عن طريق وسطاء غربيين و ليسوا حتى وسطاء محليين .

 
 
 و يؤكد جميع المتدخلين أن الأزمة الليبية ألقت بضلالها على دول الجوار و أثرت كثيرا في العلاقات مع ليبيا و خاصة الاقتصادية و هو ما بدا جليا خاصّة بالنسبة لتونس التي استفحلت فيها صعوبات الاقتصاد و الأوضاع الاجتماعية بسبب تداعيات الأزمة الليبية، و تراجع مداخيل المبادلات مع ليبيا التي كانت قيمتها تناهز  الـ10 مليارات دولار سنويا قبل “الربيع العربي” في حين تحوم اليوم حول مليار دولار سنوياً ، هذا إضافة إلى تراكم ديون المؤسسات التونسية، بما فيها الفنادق السياحية و المصحات و مؤسسات التصدير، مع الجانب الليبي. كذلك، كانت السوق الليبية تساهم في توفير وظائف مباشرة و غير مباشرة لنحو مليون تونسي .
كما  كانت ليبيا الشريك الاقتصادي الأول لتونس عربيًا و أفريقيًا، و الشريك الخامس لتونس عالميًا، و تشير الأرقام إلى بلوغ المبادلات التونسية مع ليبيا ما يناهز 7٪ من مجموع مبادلات البلاد مع الخارج عام 2010، كما بلغ عدد المؤسسات التونسية المستثمرة في ليبيا، أي لها فروع في دولة الجوار، حوالي 1000 مؤسسة. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *