أثارت دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى إنهاء الخلافات مع الجزائر، جدلاً متصاعداً حول مدى إمكانية قيام الدولتين بتجاوز الإرث التاريخي للأزمات والتوترات في ما بينهما، إذ أتت الدعوة المغربية مدفوعة بالتقارب الجزائري – الموريتاني، والسعي لتعزيز التنسيق الأمني، ومواجهة الاختراق الإيراني، والتهديدات العابرة للحدود، وفي المقابل تواجه المبادرة المغربية تحديات عدة، يتمثل أهمها في: الحواجز الثقافية الناجمة عن ضعف الثقة، وتاريخ الصراع والتنافس الإقليمي، والخلافات الحدودية بين الدولتين.

المبادرة المغربية

قام العاهل المغربي الملك محمد السادس، في نوفمبر 2018، بإلقاء خطاب بمناسبة الذكرى الـ43 للمسيرة الخضراء، للحديث عن العلاقات المغربية – الجزائرية، داعياً إلى حل الخلافات بين الدولتين. وقال في خطابه: «أؤكد اليوم أن المغرب مستعد للحوار المباشر والصريح مع الجزائر الشقيقة، من أجل تجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية، التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين، ولهذه الغاية أقترح على أشقائنا في الجزائر إنشاء آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور، يتم الاتفاق على تحديد مستوى التمثيل بها، وشكلها وطبيعتها، على أن تتمثل مهمة هذه الآلية في دراسة جميع القضايا الخلافية، كما يمكن أن تمثل فرصة للتعاون الثنائي بين الدولتين، لاسيما في قضيتَي الإرهاب والهجرة غير الشرعية».

ولم يأتِ أي ردّ رسميّ من الجزائر على هذا الخطاب، كما لم تعلق وسائل الإعلام الرسمية على الخطاب، فيما تباينت ردود أفعال وسائل الإعلام الخاصة، ما بين مؤيدين لهذا الحوار لحل الخلافات والمشكلات العالقة، ومعارضين يرون أن هذا الحوار مجرد مناورة استراتيجية من المغرب.

فعلى سبيل المثال، وصفتها صحيفة «الوطن» الجزائرية بأنها «مناورة جديدة» على حد تعبير الصحيفة، وبعد ما يزيد على أسبوع من إلقاء الخطاب، أرسل الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، برقية إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، ليهنئه بالذكرى الـ63 لاستقلال بلاده: «يسعدني، والشعب المغربي الشقيق يُحيي الذكرى الـ63 لاستقلاله المجيد، أن أعبر لجلالتكم عن أخلص التهاني وأزكى التبريكات، راجياً من الله العليّ القدير أن يحفظكم وأسرتكم الملكية الشريفة، ويديم عليكم نعم الصحة والسعادة والهناء، ويحقق للشعب المغربي المزيد من التقدم والازدهار تحت قيادتكم الرشيدة»، ولم تُشرْ البرقية إلى دعوة المغرب للحوار المباشر، وهو ما رآه المحللون رفضاً لهذه الدعوة.

فيما لاقت هذه الدعوة للحوار دعماً دولياً، حيث صرح المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، بأن «أنطونيو غوتيريس (الأمين العام للأمم المتحدة) كان مؤيداً على الدوام لحوار معزز بين المغرب والجزائر»، كما صرحت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية، إنياس فون دير، في بيان: «لقد دعت فرنسا دائماً بقوة إلى تعزيز العلاقات بين المغرب والجزائر، اللذين هما شريكان كبيران تجمعنا بهما صلات متميزة».

والجدير بالذكر أن هذه المرة لم تكن الأولى التي يدعو فيها الملك محمد السادس، للمصالحة بين الشعبين، حيث سبق أن دعا لهذا بخطاب «ثورة الشعب والملك»، في أغسطس 2016، وهو الأمر الذي لاقى قبولاً من وزير الخارجية الجزائري آنذاك، رمطان لعمامرة، الذي أكد أن بلاده ترغب فعلاً في توثيق العلاقات مع المغرب، ومع ذلك لم يتغير أي شيء منذ ذلك الحين.

محفزات دافعة

يُشير المحللون إلى وجود عدد من الدوافع وراء الدعوة المغربية للحوار مع الجزائر، وهو ما يمكن الإشارة إليه في ما يلي:

1- التقارب الجزائري – الموريتاني

يرى بعض المحللين أن الجانب المغربي لديه حساسية من المعبر الحدودي البري الذي تم افتتاحه بين الجزائر وموريتانيا في أغسطس 2018، بهدف معلن هو زيادة التبادل التجاري بين الدولتين، ونقل الأشخاص، وتعزيز التعاون الأمني بين البلدين. وقد يكون المعبر الجديد بديلاً عن معبر الكركرات الحدودي، الذي يربط المغرب بموريتانيا وبعمقها الإفريقي. يضاف إلى هذا قيام وزير الخارجية الموريتاني، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بزيارة إلى العاصمة الجزائر في أكتوبر 2018، قبيل محادثات جنيف حول قضية الصحراء المغربية، ومن ثم قد يؤدي فتح حوار مباشر مع الجزائر إلى وضع حدّ للتوترات الجيوسياسية بالمنطقة، حتى لا يقوم الطرف الآخر بأي مناورة لإغلاق معبر الكركرات، وربما يتطور الأمر إلى ترتيبات سياسية وأمنية ثلاثية بين كلّ من نواكشوط والجزائر والرباط.

2- مناورات «اكتساح 2018»

قامت الجزائر في سبتمبر 2018 بتنظيم مناورات جوية وبرية بالذخيرة الحية على الحدود الجنوبية الغربية مع المغرب، وقد أُطلق على هذه المناورات اسم «اكتساح 2018»، وهو ما يحمل عدداً من الرسائل، لاسيما أن مصطلح «اكتساح» تم استخدامه من الرئيس الجزائري، أحمد بن بلة، إبان حرب الرمال سنة 1963، وقد جاءت هذه المناورات بعد التغييرات الهيكلية داخل الجيش الجزائري، واقتراب الانتخابات الرئاسية في الجزائر، وعدم صعود خليفة للرئيس، عبدالعزيز بوتفليقة، ومن ثمّ جاءت الدعوة إلى الحوار لمنع حدوث أي تطورات عسكرية في هذه المنطقة، ما قد يعرقل المسار التفاوضي برعاية أممية لإيجاد حل سلمي للنزاع حول منطقة الصحراء.

3- الانتخابات الرئاسية الجزائرية

من المنتظر أن تُعقد الانتخابات الرئاسية الجزائرية في أبريل 2019، وعلى الرغم من أن جبهة التحرير الوطني أعلنت أن الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، سيكون مرشح الجبهة في الانتخابات المقبلة، بالإضافة إلى عدم ظهور منافس قوي أمامه حتى الآن، إلا أن ذلك لا يمنع أنه قد يقع أي تحول قبيل هذه الانتخابات، ومن ثم آثرت المبادرة الملكية أن تستبق أي تحول غير متوقع.

4- تعزيز التنسيق الأمني

قد يؤدي الحوار بين المغرب والجزائر، في حال عقده، إلى التنسيق بينهما في مجموعة من القضايا التي تُعتبر مشكلة للدولتين، مثل: الهجرة غير الشرعية، وتفادي الضغط الخارجي من الدول الأوروبية. فعلى سبيل المثال، طالب الاتحاد الأوروبي باجتماع القمة في بروكسل، في يونيو 2018 «بوضع منصات هبوط للمهاجرين الذين يتمّ إنقاذهم في البحر الأبيض المتوسط، على أمل التحكم في تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا من خلال إنشاء مراكز استقبال في شمال إفريقيا، حيث يمكن تسجيل طلبات اللجوء ودراستها هناك»، وهو المقترح الذي عارضته الجزائر والمغرب، يضاف إلى هذا إمكانية التنسيق في الملف الليبي.

5- مواجهة الاختراق الإيراني

أعلن المغرب، في مايو 2018، قطع علاقاته مع إيران بسبب الدعم العسكري الذي يقدمه «حزب الله» لـ«البوليساريو»، حيث أرسل «حزب الله» خبراء عسكريين لتدريب عناصر «البوليساريو» بمنطقة تندوف، وسلم لهم شحنة أسلحة، كما تم الإعلان عن تورط عضو في سفارة إيران بالجزائر في تنظيم هذه العمليات، وتسهيل الاتصالات، مع وجود دعم إيراني لمثل هذه العمليات. ومن ثم يرغب المغرب في تحييد أي تقارب للجزائر مع النظام الإيراني الذي يرغب في اختراق هذه المنطقة.

6- دعم مفاوضات جنيف

جاءت المبادرة المغربية متزامنة مع التحضيرات الأممية لعقد مائدة مستديرة، اليوم وغداً، حول قضية الصحراء، وهو ما دفع المغرب إلى استباق هذا النقاش، والدعوة إلى حوار بين الطرفين، ما يساعدها في إبداء حسن النية، كما أن مشاركتها في هذا الحوار المحتمل قد يساعدها في الحفاظ على حقوقها.

تحديات التقارب

واجهت المبادرة المغربية تشكيكاً من بعض النخب الجزائرية، فعلى سبيل المثال صرح السفير الجزائري السابق في مدريد ووزير الاتصال السابق، عبدالعزيز رحابي، في نوفمبر 2018، بأن «خطاب العاهل المغربي جاء كخطوة تستهدف تحييد الجزائر عن مفاوضات ديسمبر المقبلة حول نزاع الصحراء»، كما أبدى رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الجزائري والقيادي في الحزب الحاكم، عبدالحميد سي عفيف، «تخوفه من أن تكون دعوة المغرب أتت عقب فرض المفاوضات عليه مع جبهة البوليساريو، بداية ديسمبر، في جنيف، بغية إقحام الجزائر كطرف في القضية، وبالإضافة إلى هذه التخوفات توجد مجموعة من التحديات التي قد تمثل عائقاً أمام حدوث مصالحة حقيقية بين الدولتين، وهو ما يمكن الإشارة إليه في ما يلي:

1- المشكلات التاريخية

يؤثر في العلاقات المغربية – الجزائرية تراكم العديد من الأزمات بينهما، التي لايزال لها تأثير حتى الوقت الحالي. فعلى سبيل المثال، بعد تفجير فندق «أطلس إسني» بمراكش في عام 1994 اتهم المغرب المخابرات الجزائرية بالوقوف وراء الهجوم الإرهابي، وفرض التأشيرة على المواطنين الجزائريين، وفي ردّ على ذلك أغلقت الجزائر الحدود البرية بينهما، ولاتزال هذه الحدود مغلقة حتى الآن. يضاف إلى هذا قضية الصحراء، والدعم الذي تقدمه الجزائر لجبهة البوليساريو التي تنازع المغرب في السيادة على منطقة الصحراء، والمواجهات العسكرية بين البلدين في ما يعرف بـ«حرب الرمال» عام 1963.

2- مخيمات تندوف

تتزايد الخلافات بين المغرب والجزائر بشأن سكان مخيمات تندوف، الذين يقيمون في المخيمات التابعة لـ«البوليساريو»، حيث فوضت الجزائر سلطة إدارة مخيمات تندوف إلى «البوليساريو»، وقد أشار الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره، الصادر في أكتوبر 2018، إلى «أن تصرف الجزائر غير مقبول، وعليها مراجعة موقفها في هذا الشأن، حيث إنها تنصلت من مسؤولياتها الدولية بصفتها الدولة المضيفة للاجئين في مخيمات لمصلحة مجموعة انفصالية»، ويرى المغرب أن الجزائر تمنع السكان الصحراويين من الالتحاق بوطنهم الأم، كما تحاول الرباط استخدام هذه الورقة لدفع الدول الصديقة لاتخاذ مواقف واضحة تجاه قضية الصحراء، وتمكين المواطنين الصحراويين من الحصول على أوراق هوية تُمكّنهم من العودة إلى المغرب.

3- تهريب المخدرات

تتهم الجزائر المغرب بإغراق مدنها بالمخدرات، وهي الاتهامات التي تنكرها الرباط، حيث سبق أن اتهم رئيس الوزراء الجزائري، أحمد أويحيى، في يناير 2018 المغرب بتهريب المخدرات إلى الجزائر، مصرحاً «إن قوات الأمن الجزائرية تحتجز على الأقل مرة في الأسبوع قناطير من المخدرات قادمة من المغرب»، وذلك على حد تعبيره.

4- التوجه المغربي إلى إفريقيا

يتصاعد التنافس الجزائري – المغربي في إفريقيا، لاسيما بعد قيام المغرب بالدخول إلى مختلف هياكل الاتحاد الإفريقي، وحصوله على مقعد لمدة عامين في مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، ويتضح هذا التنافس – على سبيل المثال – من خلال توقيع المغرب اتفاقاً لمد خطّ لأنابيب الغاز مع نيجيريا، عبر غرب إفريقيا، في يونيو 2018، وفي المقابل اتجهت الجزائر لتفعيل اتفاق إنشاء خط غاز لاغوس – الجزائر.

– هذه المرة لم تكن الأولى التي يدعو فيها الملك محمد السادس للمصالحة بين الشعبين، حيث سبق

أن دعا لهذا في خطاب «ثورة الشعب والملك»، في أغسطس 2016، وهو الأمر الذي لاقى قبولًا من وزير

الخارجية الجزائري آنذاك، رمطان لعمامرة، الذي أكد أن بلاده ترغب فعلًا في توثيق العلاقات مع المغرب،

ومع ذلك لم يتغير أي شيء منذ ذلك الحين.

– قد يؤدي الحوار بين المغرب والجزائر، في حال عقده،

إلى التنسيق بينهما في مجموعة من القضايا التي

تُعتبر مشكلة للدولتين، مثل: الهجرة غير الشرعية،

وتفادي الضغط الخارجي من الدول الأوروبية.

 

 

عن مركز المستقبل للأبحاث و الدراسات المتقدمة –

أبوظبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *