تعاني ليبيا منذ سنوات سبع، من انفلات أمني وانتشار للسلاح فضلا عن أزمة سياسية حادة تغذيها الإنقسامات والخلافات بين الاطراف المؤثرة في البلاد،حيث تقف العوائق السياسية في طريق المصالحة وإنقاذ البلاد من الانهيار،وهو ما جر البلاد في منعطفات خطيرة رغم تعدد المبادرات الداخلية والخارجية لتلمس حل يخرج ليبيا من أزمتها الخانقة التي يعتبر المدنيون أبرز ضحاياها.

وعلى وقع الصراعات المتجددة والفلتان الأمني المخيف الذى تشهده عدة مناطق ليبية وخاصة العاصمة طرابلس،في ظل غياب الإنسجام بين الفرقاء وعجزهم عن الوصول إلى تسوية سياسية وإرساء سلطة موحدة،بات المدنيون في ليبيا في مواجهة مخاطر مضاعفة جراء ويلات الحرب والنزاعات المسلحة.

إشتباكات العاصمة

وتشهد عدة مناطق جنوب طرابلس منذ يوم الإثنين الماضي، مواجهات مسلحة عنيفة بين جماعات مسلحة، خلفت عشرات القتلى والجرحى،وأعلنت وزارة الصحة بحكومة الوفاق الليبية، مقتل 39 شخصا معظمهم من المدنيين وإصابة 119 آخرين حتى يوم الجمعة 31 أغسطس/آب، نتيجة الاشتباكات التي تتجدد رغم إعلان الهدنة المتكرر.

وقال المكتب الإعلامي بالوزارة إن هذه الاحصائية تخص وزارة الصحة ويتم تحديثها نتيجة الاشتباكات المتقطعة، والتي تجددت الخميس بعد ساعات من الإعلان عن وقف إطلاق النار.وأكدت وزارة الصحة إلى أن أغلب القتلى والجرحى في هذه الإحصائية هم من المدنيين؛ منهم من توفي ومنهم من أصيب بحروق أو جروح بين البليغة والمتوسطة نظراً لتواجدهم بمناطق الإشتباكات.

وأعلنت هيئة السلامة الوطنية بطرابلس عن سقوط قذيفة عشوائية على قرية المغرب الغربي “الريغاتا”، وذلك دون تسجيل أية إصابات بشرية أو مادية.هذا وأعلن مصدر عسكري،الجمعة، عن سقوط قذيفة على منزل أحد المواطنين “محمد أبو عرقوب” وذلك خلف مطار معيتيقة بالعاصمة طرابلس.وأوضح المصدر، خلال تصريحات صحافية، بأن القذيفة سقطت بـ”شرفة الملاحة” في منطقة سوق الجمعة،مشيرا إلى إصابة 2 من من أبناء العائلة.

كما أفاد مصدر محلي ليبي في العاصمة طرابلس،الجمعة 31آب/أغسطس، عن سقوط قذيفة في منطقة البيفي شرقي العاصمة طرابلس.وقال المصدر المحلي في أتصال مع وكالة “سبوتنيك” أن “قذيفة قد سقطت في منطقة البيفي شرقي طرابلس”، مشيرا بأن “حالة من الهلع أصابت سكان منطقة البيفي وأصوات انفجارات قوية الآن تهز مدينة طرابلس”.

تحذيرات

وأعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا،عن إدانتها بشدة وقوع خسائر في الأرواح بين المدنيين في العاصمة طرابلس جراء الاشتباكات.ودعت البعثة في بيان لها،الخميس 30 أغسطس/آب، جميع الأطراف إلى اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة للحيلولة دون وقوع المزيد من الضحايا من المدنيين وإيقاف جميع الأعمال العدائية.وأكدت البعثة الأممية عبر صفحتها الرسمية في “فيسبوك”، أن الهجمات العشوائية محظورة بموجب القانون الإنساني الدولي ويمكن أن تشكل جرائم حرب، على حد قولها.

وكانت الأمانة العامة للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا،أصدرت بدورها بيانا،الإثنين الماضي،أعربت فيه عن قلقها تجاه تجدد المواجهات المسلحة بين تشكيلات أمنية من طرابلس وقوات تابعة إلى اللواء السابع ترهونة،والتي تشكل خطرا داهما على سلامة مئات الآلاف من المدنيين داخل عدد من أحياء المدينة نتيجة لأستخدام أنواع متعددة من الأسلحة المتوسطة والثقيلة.

كما حذرت المنظمة الأطراف المتنازعة من ضرورة تجنيب المدنيين ويلات العمليات القتالية ؛ فضلا عن الحاجة الماسة لوقف شامل لإطلاق النار ولا يغنى ذلك عن ضرورة إخلاء الأحياء المدينة من المتقاتلين على وجه السرعة لضمان سلامة المدنيين، وتمكينهم من اقتضاء الحد الأدنى من احتياجاتهم المعيشية فى ظل تدهور اقتصادى مريع.

واعتبرت المنظمة هذه الاعمال القتالية داخل الأحياء المدنية يمكن إدراجها تحت جرائم الحرب، التي يجب التحقيق فيها لأنها تخالف صراحة اتفاقية جنيف الرابعة،التي تقضي بضرورة تجنيب المدنيين مخاطر الاقتتال في حال النزاع داخل حدود الدولة الواحدة ، حيث أن استعمال الأسلحة داخل المدن سواء لغرض تدمير مواقع معادية، أم لخلق حالة من الرعب بين السكان المدنيين لأغراض عسكرية أو سياسية، يعتبر مسوغًا لإدراج فاعليه ضمن مجرمي الحروب، ويمكن المطالبة بمحاكمتهم على المستوى الدولي.

الأطفال

ومن جهة أخرى،أعربت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، عن قلقها إزاء التقارير التي تفيد بمقتل أطفال جراء القتال الدائر في العاصمة الليبية طرابلس، مشددة على أنه من غير المقبول إطلاقاً تعرض الأطفال للهجمات.

وقُتل طفلان في الجزء الجنوبي من طرابلس عندما أصاب صاروخ منزلهما الأربعاء الماضي، ليضاف هؤلاء الطفلين إلى عدد القتلى من المدنيين مع تصاعد القتال في العاصمة خلال الأيام الثلاثة الماضية، وفق ما ذكرت اليونيسف في بيان صدر الخميس 30 أغسطس/آب للمنظمة.

ودعت اليونيسف، جميع أطراف النزاع في ليبيا إلى وضع حد للعنف بشكل نهائي والوفاء بالتزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي وحماية جميع المدنيين، بما في ذلك الأطفال في جميع الأوقات وأثناء القتال، مشيرة إلى أنه حتى بيوت الأطفال أصبحت غير آمنة.

وأكدت منظمة اليونيسف، استمرار تدهور الوضع الإنساني في ليبيا بعد سبع سنوات من النزاع، مع تزايد التقارير حول الانتهاكات الجسيمة في مجالي الحماية وحقوق الإنسان، بحسب ما نقل البيان.

وذكر البيان المنسوب عن الممثل الخاص لمنظمة اليونيسف في ليبيا عبد الرحمن غندور، أن ما يقدر بنحو 1.1 مليون شخص من بينهم 378 ألف طفل، بحاجة إلى مساعدات إنسانية منقذة للحياة والحماية خلال عام 2018.

أزمة معيشية

على صعيد آخر،تسببت الاشتباكات المسلحة في جنوب العاصمة الليبية طرابلس، وفي منطقة خلة الفرجان تحديداً وكذا في جوار معسكر اليرموك وطريق المطار وبعض مناطق عين زارة، بانقطاع التيار الكهربائي منذ يومين ما أدى كذلك إلى انقطاع المياه. ليأتي ذلك بالتزامن مع إقفال المخابز والمحلات التجارية، ما ضاعف من الأزمات التي يعاني منها سكان هذه المناطق.

ونقلت “العربي الجديد”،عن مواطنين الجمعة،قولهم إن الوضع الإنساني والمعيشي أصبح سيئاً للغاية، حيث لا يوجد خبز بالتزامن مع انقطاع الكهرباء والمياه، كما أقفلت المحلات التجارية منذ يوم الأحد الماضي ولا توجد ممرات آمنة للخروج من المنطقة لتأمين هذه الحاجات الأساسية، في الوقت الذي يتم تبادل إطلاق النار بين الفينة والأخرى.

وأكد عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة، في تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية، إن 70% من سكان جنوب طرابلس نزحوا بسبب الاشتباكات والباقين يقبعون في منازلهم خوفا من تجدد الاشتباكات وتعرضهم للأذى.وقال الناطق الرسمي باسم جهاز الإسعاف أسامة علي،في وقت سابق، إن معظم العائلات النازحة تم نقلها إلى مدرسة “موسى بنو نصير” في منطقة حي الأندلس، مؤكداً أن الوضع مأسوي جداً.

ويعاني سكان العاصمة طرابلس من تردي الأوضاع المعيشية،في ظل تهاوى الخدمات الصحية العامة،وأزمة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة،ومأزق السيولة النقدية،وغلاء المعيشة وارتفاع أسعار العملات الصعبة وتوقف المصارف.وخرجت مظاهرات شعبية في الأسابيع الماضية، احتجاجا على انتشار الفساد وتفشي الفقر والحاجة،وللمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية.

ولا يزال المدنيون في ليبيا يعانون من الصراع، وعدم الاستقرار، والانقسام السياسي، والانهيار الاقتصادي.ويعيش الكثيرون في ظروف غير آمنة، وبيئات معادية شديدة الخطورة، ولا يحصلون سوى على القليل من الرعاية الصحية، أو الأدوية الأساسية،أوالغذاء، أو مياه الشرب الآمنة، أو المأوى، أو التعليم.بحسب الأمم المتحدة.

وتبقى أصوات الرصاص هي صاحبة الكلمة العليا في عدة مناطق ليبية،حيث يشتد الصراع هنا وهناك مع الانتشار الكبير للسلاح والميليشيات.ويأمل الليبيون في التوصل الى توافق بين الفرقاء حول تسوية سياسية شاملة تمهد الطريق أمام توحيد مؤسسات الدولة وفرض القانون والاستقرار،وهو ما من شأنه النهوض بالاقتصاد الليبي وانهاء المعاناة عن المواطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *