عزيزة بن عمر

تتواصل المعركة  بين رئيس الجمهورية  و نجله من جهة، و بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد ،حيث يسعى كل طرف جاهدا لتسجيل نقاط على حساب الآخر، وسط محاولات كل منهم لاستمالة أكبر عدد ممكن من نواب الكتلة البرلمانية لنداء تونس لصفه، حسب ما يرى مراقبون للمشهد السياسي في البلاد.

والتجأ السبسي إلى طاولة الحوار لإيجاد رؤية توافقية تنقذ النداء من براثن أزمة عميقة قد تجعله يخسر التأييد الشعبي، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها عام 2019، وبعد أن استشعر خطر تراجع نفوذه في السباق المحلي الذي جرى في ماي الماضي.

وفي الوقت الذي اجتمع فيه السبسي بنواب نداء تونس، الثلاثاء، في محاولة لتوحيد مواقف أعضائها، خرج الشاهد ليعلن عن تعيين وزير جديد للداخلية، وينهي الجدل حول شغور هذا المنصب، بعد إقالة وزير الداخلية لطفي براهم، وينقل المعركة إلى أروقة البرلمان.

و قال المحلل السياسي نصر الدين بن حديد، في تصريح صحفي إن “تسمية الشاهد لوزير داخلية يحظى بنوع من التوافق بين العائلة الندائية والبرلمانية، التي تؤمن له حزامه السياسي، ليمر به إلى البرلمان للتصويت على الثقة، فيه نوع من الذكاء وا لدهاء السياسي من الرجل”.

وتابع: “الشاهد الذي رفض الاستقالة أراد أن يقدم وزير الداخلية كبالون اختبار لمقياس مدى شعبيته داخل الكتل البرلمانية، فإن منح البرلمان الثقة لوزير الداخلية الجديد، فذلك بمثابة الضوء الأخضر على استمرار بقاء حكومة الشاهد وتزكية غير مباشرة له من طرف البرلمان”.

وعين الشاهد ،الثلاثاء، هشام الفوراتي وزيرا للداخلية، عوضا عن غازي الجريبي الذي تم تكليفه وزيرا بالنيابة، بعد إقالة لطفي براهم في 6 جوان 2018.

وشغل الفوراتي منصب رئيس ديوان وزير الداخلية منذ شهر فيفري 2015، كما تقلد مهاما إدارية في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

وكان رئيس الحكومة قد وصف، في حوار لوكالة تونس افريقيا للأنباء الوزير الجديد بأنه “ذو كفاءة عالية وملمة بالملف الأمني، وبعيدة عن التجاذبات السياسية، وقادرة على القيام بمهامها بالشكل الأمثل، وملتزمة بمواصلة الحرب على الفساد باعتبارها من أولويات الحكومة”.

وشدد على أن حركة النهضة ليست الجهة الوحيدة التي تدعم حكومته، في رد على منتقديه من داخل نداء تونس ومن منظمة اتحاد الشغل، الذين يرون أن الشاهد فقد الحزام السياسي الداعم له.

مقابل ذلك، اعتبر نصر الدين بن حديد أن السبسي خلال اجتماعه بكتلته البرلمانية في قصر قرطاج يلعب ورقته الأخيرة، في محاولة لتجميع صفوف حزبه، الذي صار أضعف مما كان عليه في 2014؛ بهدف الخروج بأقل الخسائر الممكنة أمام الشاهد.

وأردف بالقول: “يوسف الشاهد الآن هو في موقع قوة ومجلس النواب الآن أمام خيارين، إما عدم التصويت على وزير الداخلية الجديد، والظهور بمظهر من لا يريد الاستقرار لتونس، وتغليب الحسابات الحزبية الضيقة، وإما تزكية الوزير وتعميق الصراع بين شقوق نداء تونس”.

من جانبها، اعتبرت النائبة عن الكتلة البرلمانية لنداء تونس، هالة عمران، في تصريح صحفي أن الشاهد لم يستشر الحزب خلال عملية اختيار وزير الداخلية الجديد، وأن نواب الكتلة البرلمانية لنداء تونس تلقوا خبر تعيين هشام الفوراتي من الإعلام وفوجئوا به.

وشددت مقابل ذلك على عدم حسم الكتلة لموقفها من الوزير الجديد خلال عملية التصويت المنتظرة في البرلمان.

وتابعت: “ندرك تماما حساسية منصب وزير الداخلية، ودقة الوضع الأمني، بالتالي لن نتعامل بمنطق تسجيل النقاط، ولن نسمح لأنفسنا باللعب بأمن الدولة، أو نستغلها كمحرار سياسي لبقاء الحكومة من عدمها”.

في لقائها برئيس الجمهورية: كتلة النداء تنضبط لخيارات الباجي

Résultat de recherche d'images pour "‫الباجي قايد السبسي يجتمع بكتلة نداء تونس‬‎"

لم تكن دعوة رئيس الجمهورية لكتلة نداء تونس للحضور لديه بقصر قرطاج مجرد حفلة شاي او فسحة سياسية في حديقة القصر الرئاسي حيث كانت الدعوة ملزمة لتغيير المواقف وتعديل ساعات نواب نداء تونس على وقع ساعة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي.
هكذا بدا الموقف بمجرد طلب لقاء نواب النداء برئيس الجمهورية لتجاوز الازمة الخانقة للحزب والتي اثرت سلبا على اداء الحكومة ومن ثمة على  البلاد عموما بعد ان اشتدت المنافسة بين المدير التنفيذي للنداء حافظ قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد حول الارث السياسي لمؤسس النداء..
لقاء امس سبقته مواقف واراء انتهت بتراجع عدد من اعضاء الهيئة السياسية خطوة الى الوراء وذلك في محاولة لتجاوز أزمة الحزب خاصة بعد تدخل الباجي وانتصاره لخيار تماسك الحزب على ان ينفرط عقده ويخسر النداء جزءا اخر من كتلته النيابية كما حصل ذلك في شتاء 2016 اثر مؤتمر سوسة.
تاثير الباجي كان واضحا بعد ان ارجع عدد من النواب الى إحجامهم الطبيعية على غرار رئيس الكتلة سفيان طوبال كما توجه ضمنيا بالحديث الى نواب اخرين مذكرا اياهم انهم لن يكونوا لولا حزب نداء تونس.
ووفقا لما نقله عدد من النواب فان رئيس الجمهورية كان على بينة من واقع الازمة داخل النداء وهو ما دفع بالبعض منهم للحديث بصراحة عن تداخل المهام لدى المدير التنفيذي حافظ قائد السبسي معبرين في ذات السياق عن قلقهم من تدخل الوافدين الجدد وتأثيرهم على قرارات المدير التنفيذي الذي بات سجين مواقفهم وآرائهم التي لم تكن لتخدم الحزب بقدر ما كانت لأغراض ومنفعة شخصية.

حظوظ قائد السبسي الابن بعودة المنشقين و الغاضبين؟؟

رضا بالحاج يعود بعد سنتين 

Résultat de recherche d'images pour "‫رضابلحاج يعود لنداء تونس‬‎"

اولى التحركات كانت من رضا بلحاج، منسق حركة تونس اولا، الذي اعلن في تصريحات صحفية منذ ايام عن انطلاق مشاورات بينه وبين القيادات الحالية للنداء بهدف عودته الى الحركة، وهو ما قام به الرجل في الساعات الماضية اثر استقالته من حركته التي أسسها، تونس اولا، وإعلانه عن عودته لنداء تونس الذي اقترن بالتأكيد على انه طرح على الهيئة التأسيسية لتونس اولا عودة جماعية للنداء، لكن بعضا من أفرادها جابهوا طلبه بالرفض لاعتبارهم ان العودة مغامرة غير محسوبة العواقب.
عودة يقول بلحاج، الذي استقال من الحركة منذ حوالي السنتين، أن شروطها توفرت، من ذلك ان المصلحة تقتضي توحيد الندائيين في ظل الوضع الراهن، ولكن هذا يكون على اساس هيكلة جديدة، والرغبة بالقيام بها متوفرة اليوم في نداء تونس، من ذلك وجود مشاورات لإعادة هيكلة الحزب تتضمن عدم تزعم حافظ قائد السبسي له.

ناجي جلول العائد إلى المشهد السياسي :

القريب البعيد هو ناجي جلول، بعد ان خير منذ مغادرته لحكومة الشاهد الابتعاد عن البحيرة التي لامها على انقلابها عليه وعدم دفاعها عنه، حيث تضمن تسجيل صوتي مسرب لاجتماع قادة نداء تونس في 2مارس 2017 إشارة واضحة لغضب ندائي من جلول وقبولا بخروجه من الحكومة بعد ان انتقد سابقا نتائج مؤتمر سوسة2016.
جلول الذي تنكر له قادة النداء وابتعد لأكثر من سنة ونيف عن الحديث باسم الحزب او تقديم نفسه على انه قيادي منه، عاد خلال الساعات الفارطة للتحرك ليعلن في حوارات صحفية أن الأزمة في الحزب وقع اختزالها في صراع بين «الحافظيين الجدد» و«اليوسفيين الجدد» والحال أن الأزمة بعيدة عن هذا الاختزال وان الأزمة هي أزمة حكومة أولا.
جلول لم يخف نقده المباشر للشاهد الذي اعتبر انه مهندس «مؤتمر سوسة الكارثي» الذي منح سلطة إدارة الحزب لحافظ قائد السبسي، كما أن مغادرة المنصب ليست نهاية الدنيا مشددا على ان دور السياسيين خدمة الدولة وليس «الخدمة بها» ليشدد ان الأزمة في تونس اليوم أزمة أخلاقيات في العمل السياسي.
ناجي جلول وان تجنب أن يضع نفسه في صف المدير التنفيذي بشكل واضح فقد قدم مؤشرات وتلميحات بذلك، فالرجل تجنب تحميل مسؤولية الأزمة للمدير التنفيذي مع سحب البساط من تحت أقدام رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ليقدم نفسه على انه رجل التوافق في الحزب الذي قد يكون المنطقة الرمادية التي يلتقي عندها شقي الصراع في الحزب.

محسن مرزوق التحالف و ليس الاندماج

Résultat de recherche d'images pour "‫الباجي الشاهد وحافط والغنوشي ومرزوق‬‎"

العائد الثالث هو محسن مرزوق، وان كانت عودته من بوابة القبول بعقد تحالف يضم نداء تونس، ليشدد في تصريح صحفي ان «حركة مشروع تونس منفتحة على جميع التيارات صلب حركة نداء تونس، بغاية تكوين تحالف مع هذا الحزب وليس الاندماج صلبه».
هذه الدعوة شدد مرزوق أن حزبه أطلقها منذ أكثر من سنة، وشرع في مشاورات لبناء تحالف يجمع القوى الديمقراطية، مثلما شدد على ان هناك إجماع بين مختلف الأطراف على فشل الحكومة، وان كان ضد اختزال الازمة في صراع بين حافظ قايد السبسي ويوسف الشاهد، بل هو خلاف حول تغيير كلي أو جزئي للحكومة ، قصد النأي بها عن الصراعات والتجاذبات السياسية قبل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. كما إعتبر من جهة أخرى، أن الحملة التي وصفها ب «المنظمة» ضد رئيس الجمهورية، لا تفيد إلا حركة النهضة ورئيسها، ولا تزيد إلا في تعميق حالة اللاتوازن السياسي في البلاد.
هذه الخطوات التي قطعها الثلاثي لا تلتقي الا في نقطة او اثنتين، فما يحرك كل منهم مختلف عن الاخر، فان كان الاول وهو رضا بلحاج يتحرك في اتجاه النداء بحكم عدة معطيات اولها تعثر حزبه في الانتخابات البلدية التي كانت اعلان عن فشل تونس اولا في سد فراغ، ثانيها ادرك الرجل ان قائد السبسي الابن في حالة تراجع قد تجعله يقبل بتقاسم القيادة مع القدماء مقابل اضفاء شرعية على بقائه في صراعه مع الشاهد.

هواجس بلحاج تختلف عن هواجس ناجي جلول الذي اغتنم الوقت المثالي لاعلان عودته للحزب من بوابة كبرى، وهي صفة خيار الاوسط الذي قد يقبل به الخصوم في الحركة كزعيم لها، فناجي جلول يدرك ان عودته للحركة في ظل صراع محتدم بين شقوقها يمنح افضلية للتفاوض مع شق نجل الرئيس تمكنه من لعب ادوار متقدمة في المشهد تمهيدا لحلول موعد الاستحقاق الانتخابي، كما انه يبحث عن احياء دعوات سابقة من قبل انصاره في الحزب بان يكون هو الرجل الاول كخطوة اولى ليقدم كمرشح مفترض للرئاسية استنادا الى شعبيته.

الرهانات تختلف لدى محسن مرزوق الذي خير ان تكون عودته للحزب من بوابة التحالف، فالرجل يدرك ان هامش الحركة لديه اوسع من سابقيه، فهو امين عام حزب له كتلة برلمانية تقدر بـ20 نائبا، وحزبه شارك في البلديات وله حوالي 120 مستشارا، لهذا فهو يسعى الى ان يعقد تحالفات عوضا عن الدمج ويبحث عن ان يستفيد من هذا في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، لتجنب هزيمة انتخابية او نتائج ضعيفة قد تكون بداية اندثار الحزب الذي اسس ليكون القوة الثالثة.

انهيار وشيك؟

Résultat de recherche d'images pour "‫الباجي الشاهد وحافط والغنوشي ومرزوق‬‎"

هذه الأزمة بين قيادات الصف الأول للحزب من شأنها إن لم يتم تداركها (أمر مستبعد لغياب هيئات تحكيم منتخبة تبت في النزاعات الحاصلة بين أعضائه)، وفقا لعدد من الخبراء، أن تعجّل بانهيار الحزب وانتهاءه بعد ستّ سنوات من تأسيسه على يد الباجي قائد السبسي الذي يشغل الأن منصب رئيس الجمهورية التونسية.

ويعيش نداء تونس منذ تأسيسه على وقع الصراعات والانقسامات، نتيجة عدم الانسجام بين أعضائه، فقد ضم في بداية تكوينه منتصف 2012 يساريين ودستوريين وتجمعيين ورجال أعمال ونقابيين ومستقلين، لا رابط بينهم سوى عداء حركة النهضة والرغبة في الاستلاء على الحكم، وما إن تحقق هدف الوصول إلى السلطة حتى انفك العقد لدقة خيطه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *