درنة هي المدينة الليبية التي سماها الرحالة العرب والأجانب وعلماء الآثار بــ “عروس ليبيا” و بـــ”درة البحر المتوسط”، وهي المدينة التي تعيش منذ سنتين على وقع التجاذب بين أطراف الصراع، وهي محل استهداف من طرف قوى إقليمية ودولية نتاج عومل عدة متداخلة ومتراكمة، فما هي أهم المعطيات التاريخية والجغرافية للمدينة وما هي أسرار استفاقة المجلس الرئاسي تجاه الوضع الراهن في المدينة وماهي خلفيات الاستهداف في ظل تجاهل كبير للمجتمع الدولي لمآسيها و لحصارها ؟

++ درنة: المعطيات الجغرافية و التاريخية

درنة من حيث التعريف الجغرافي هي مدينة جبلية تقع على ساحل البحر المتوسط في شمال شرق ليبيا، يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط ومن الجنوب سلسلة من تلال الجبل الأخضر، ويشطر المدينة مجرى الوادي إلى شطرين وهذا الوادي يسمى وادي درنة وهو أحد الأودية الكبيرة المعروفة في ليبيا، وقد اشتهرت المدينة بموقعها وبأحراشها الجبلية حيث تسقى بمياه عذبة تتدفق إليها عبر قنوات الساقية من نبعين غزيرين أحدهما يعرف باسم “عين البلاد“، والثاني باسم “عين بو منصور“، وهذا الأخير تنحدر مياهه من ربوة عالية إلى مسيل الوادي يسمى الشلال أو شلال “بومنصور“، وعمليا تعرف درنة بجمالها الخلاب وبخضرتها النامية وظلالها الوارفة وبمياهها العذبة وهوائها العليل، وحسب احصائيات 2011 يبلغ سكان مدينة درنه حوالي 80.000 ساكن تقريباً…

أما الأهالي فيعرفون منذ عقود بالكرم ورقة الطباع، وترتبط درنة مع مدينة شحات بطريقين، الأول هو الطريق الرئيسي الداخلي المار بالقبة (وهو جزء من الطريق الساحلي الليبي) والثاني هو الطريق الساحلي المار بسوسة، ورأس الهلال….

وبفضل هذا الموقع الجغرافي، تزخر مدينة درنة بتاريخ عريق حافل بالأحداث، فخلال العصر اليوناني وبالذات في الفترة “الهيلينستية” أسس الإغريق أربع مدن قرب مدينة درنة والتي كانت تدعي في تلك الفترة “ايراسا” والتي انظمت فيما بعد لهذه المدن الأربع لتنشأ مملكة من خمسة مدن مزدهرة والمعروفة ب PETAOS في تلك الفترة…..

أما في فترة الحكم الروماني والبيزنطي فقد تعرضت المدينة لحالة من الركود والانحطاط ما لبثت أن تجاوزتها لتلعب دورا حيويا في الحقبة العثمانية ولاسيما في أوائل القرن السابع عشر في فترة حكم الأسرة القرمنلية، وبرزت خلال ما عرف باسم حرب السنوات الأربع، حيث هيمنت درنة علي كل من مدينة بنغازي والمرج (أي المدينتين الرئيسيتين في تلك الفترة)، كما ظلت درنة مركزا إداريا وتجاريا هاما في فترة حكم الاسرة القرمنلية بفضل مينائها وأراضيها الزراعية الخصبة إضافة لحركة التبادل التجاري الإداري والثقافي مع المغرب العربي والشرق الأدنى….

++ حكومة الوفاق و الاستفاقة المتأخرة تجاه درنة

خيّم التجاذب الداخلي وطبيعة الصراع السياسي في ليبيا على طبيعة المواقف من حصار المدينة الظالم والغريب والمستراب، ألا أن التطورات الأخيرة أجبرت الرئاسي وتحديدا بعض أعضائه على الاستفاقة والمبادرة بالتحرك لما قد تؤدي اليه الأوضاع في المدينة إثر إمكانية اقتحامها وعمليا بدأت المبادرات والبيانات والمواقف تتطور مع تطور الاحداث في درنة:

أ- مجلس الأعلى للدولة

تصدرت الأوضاع في المدينة اهتمامات رئيس مجلس الدولة المنتخب حديثا خالد المشري” والذي التقى أول أمس الثلاثاء 08 ماي 2018، بوفد من مشائخ وأعيان ليبيا في مقر المجلس بالعاصمة طرابلس، حيث تم بحث العديد من القضايا وعلى رأسها ملف الأوضاع في مدينة درنة، وأكد الطرفان على ضرورة الوصول لتوافقات لبناء دولة مدنية بعيداً عن لغة العنف و السلاح….

ب_ المجلس الرئاسي

تصدرت تطورات الأوضاع في درنة أنشطة أعضاء المجلس الرئاسي واضافة الى متابعة فائز السراج للتطورات، التقى عضو المجلس الرئاسي محمد عماري زايد أول أمس الثلاثاء رئيس المجلس المحلي لمدينة درنة وضواحيها “عوض لعيرج” الذي أكد تبعية المؤسسات العسكرية والمدنية في المدينة لحكومة الوفاق الوطني بحسب إدارة التواصل بحكومة الوفاق الوطني، وقدم رئيس المجلس المحلي خلال اللقاء شرحاً للأوضاع التي تعيشها المدينة، وما تعانيه من ويلات جراء الأعمال العسكرية الدائرة الآن حولها واستهداف المدينة وإلحاق الضرر بها والحصار حيث طالب المجلس الرئاسي التدخل لوقف إطلاق النار لتجنيب المدينة الدمار من أجل المحافظة على النسيج الاجتماعي بها، وأعلن عماري على موقفه الداعم لمدينة درنة وأهلها واستنكاره الشديد لصمت البعثة الأممية والمجتمع الدولي حول ما يجري في المدينة، وأكد بأنه يعمل على إتخاذ حكومة الوفاق الوطني والمجلس الرئاسي ما يلزم من قرارات لوقف إطلاق النار، حماية للمدنيين، عملا بأحكام القانون الإنساني الدولي وبنود الاتفاق السياسي ومخاطبة الجهات الدولية بالخصوص، كما تم التطرق لمخصصات المجلس المحلي درنة المالية التي ستسهم في حلحلة ما تعانيه من مختنقات ….

ت- بيان عضو الرئاسي محمد لعماري

لم يكتفي عضو المجلس الرئاسي محمد عماري زايد بلقاء رئيس المجلس المحلي بل أصدر بيانا في نفس اليوم أدان فيه الأعمال العسكرية الدائرة حول مدينة درنة وما اعتبره استهدافاً للمدينة وإلحاق الضرر بها، وأكد أيضا بأن ما وصفه بـ”استهداف درنة وأهلها” (محاربة الجماعات الارهابية في المدينة) يعتبر تعميق للأزمة في البلاد وإصرار على الحل العسكري وسفك مزيد من دماء الليبيين ونسف لكل جهود المصالحة والحوار، ,أضاف في نفس البيان إن من يقوم باستهداف درنة تحت ذرائع واهية يتخذها كغطاء لتنفيذ رغبته في السيطرة عليها مؤشر واضح على أن الأجندة التي تقوم عليها الحرب لا تخدم إلا من يلهث وراء أطماع شخصية ويسعى وراء مآربه الخاصة ولا يريد تغليب مصلحة الوطن”، كما طالب عماري في بيانه المجلس الرئاسي بصفته “القائد الأعلى” والمسؤول الأول على تطبيق الاتفاق السياسي ووقف إطلاق النار بتحديد موقفه من استهداف مدينة درنة وتعرض المدنيين فيها للخطر ، مستغرباً صمت البعثة الأممية والمجتمع تجاه ما يجري في المدينة….

المصدر: صحيفة الرأي العام التونسية بتاريخ 10 ماي 2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *